الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرى ويقول: إن ابنى هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين (1) .
فكان كما قال صلى الله عليه وسلم، أصلح الله تعالى به بين أهل الشام، وأهل العراق، بعد الحروب الطويلة، والواقعات المهولة " (2)
يقول الإمام ابن تيمية: "والذين قاتلوا الإمام على رضي الله عنه لا يخلوا: إما أن يكونوا عصاة، أو مجتهدين مخطئين أو مصيبين، وعلى كل تقدير، فهذا لا يقدح فى إيمانهم، ولا فى عدالتهم، ولا يمنعهم الجنة، بما سبق من تصريح القرآن الكريم، من تسميتهم إخوة، ووصفهم بأنهم مؤمنون، وتأكيد النبى صلى الله عليه وسلم ذلك بما سبق من رواية الحسن بن على عن أبى بكرة رضي الله عنه.
ولهذا
اتفق أهل السنة على أنه لا تفسق واحدة من الطائفتين
، وإن قالوا فى إحداهما أنهم كانوا بغاة (3) .
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلح، باب قول النبىصلى الله عليه وسلم للحسن بن على رضي الله عنه"إن ابنى هذا سيد
…
الحديث" وقوله جل ذكره "فأصلحوا بينهما" 5/361 رقم 2704.
(2)
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/211.
(3)
ويعنون بهذه الطائفة التى بغت طائفة معاوية رضي الله عنه ودليلهم فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لعمار "تقتلك الفئة الباغية" أخرجه مسلم "بشرح النووى" كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر أخيه 9/266 رقم 2916، من حديث أم سلمة -رضى الله عنها- وكان عمار رضي الله عنه يقاتل مع الإمام على رضي الله عنه والوصف بالبغى هنا لا ينفى عنهم العدالة كما تشهد بذلك آية الحجرات فى قوله تعالى:"فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ".
والبغى إذا كان بتأويل كان صاحبه مجتهدا ً، والمجتهد المخطئ لا يكفر، ولا يفسق وإن تعمد البغى فهو ذنب من الذنوب، والذنوب يرفع عقابها بأسباب متعددة كالتوبة، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، وشفاعة النبى صلى الله عليه وسلم ودعاء المؤمنين، وغير ذلك (1) .
وعلى هذا القول إجماع الأمة من علمائها.
يقول الإمام الآمدى: " فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال، وإن كان ذلك إنما لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين.
وإلا فجمهور الصحابة وسادتهم تأخروا عن تلك الفتن والخوض فيها كما قال محمد بن سيرين (2) : "هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة آلاف فما حضر منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين "
وإسناد هذه الرواية كما قال ابن تيمية أصح إسناد على وجه الأرض (3) .
وعلى هذا فالذى خاض فى تلك الفتن من الصحابة إما أن يكون كل مجتهد مصيباً، أو أن المصيب واحد، والآخر مخطئ فى اجتهاده مأجور عليه.
(1) منهاج السنة 2/205 بتصرف. وينظر: أصول الدين للبغدادى ص 289 وما بعدها.
(2)
هو محمد بن سيرين الأنصارى، أبو بكر بن أبى عمرة البصرى، ثقة، ثبت، عابد، كبير القدر، مات سنة 110هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2 /85 رقم 5966، والكاشف 2 /178 رقم 4898، والثقات للعجلى ص 450 رقم 1464، ومشاهير علماء الأمصار ص 113 رقم 643.
(3)
منهاج السنة 3/186.
وعلى كلا التقديرين، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة، إما بتقدير الإصابة فظاهر، وإما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع " (1) .
يقول الإمام الجوينى (2) : "أما التوقف فى تعديل كل نفر من الذين لابسوا الفتن، وخاضوا المحن، ومتضمن هذا، الإنكفاف عن الرواية عنهم، فهذا باطل من دين الأمة، وإجماع العلماء على تحسين الظن بهم، وردهم إلى ما تمهد لهم من المآثر بالسبيل السابقة، وهذا من نفائس الكلام "(3) أ. هـ.
وصدق عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "تلك دماء طهر الله منها سيوفنا فلا تخضب بها السنتنا "(4) أ. هـ.
والله تبارك وتعالى
أعلى أعلم
(1) الإحكام للآمدى 2/82 بتصرف. وينظر: فواتح الرحموت 2/155، 156، والبحر المحيط 4/299، وإرشاد الفحول 1/275، والباعث الحثيث ص 154، وعقيدة أهل السنة فى الصحابة الكرام للدكتور ناصر الشيخ مبحث (الحرب التى دارت بين على بن أبى طالب، وبعض الصحابة - رضى الله عنهم- وموقف أهل السنة منها 2/700 - 748.
(2)
هو: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجوينى، المكنى بأبى المعالى، الملقب بإمام الحرمين،أعلم
المتأخرين من أصحاب الشافعى.من مؤلفاته: البرهان فى أصول الفقه، والإرشاد فى علم الكلام.
مات سنة 478هـ. له ترجمة فى: سير أعلام النبلاء 11 /137 رقم 4313، وشذرات الذهب 3 /360، وطبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير 2 /466-470 رقم 8.
(3)
البرهان فى أصول الفقه 1/241، 242.
(4)
ينظر: فتح المغيث للسخاوى 3/96.