الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
: مبيناً ما اجتمع فى معاوية من خصال الخير إجمالاً قال: "
معاوية اجتمعت فيه خصال:
وهى أن عمر جمع له الشامات كلها وأفرده بها، لما رأى من حسن سيرته، وقيامه بحماية البيضة وسد الثغور، وإصلاح الجند، والظهور على العدو، وسياسة الخلق. وقد شهد له فى صحيح الحديث بالصحبة والفقه، فيما رواه البخارى فى صحيحه بسنده عن ابن أبى مليكه قال: "أوتر معاوية بعد العشاء بركعة وعنده مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: دعه؛ فإنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى رواية أخرى قيل لابن عباس: هل لك فى أمير المؤمنين معاوية؛ فإنه ما أوتر إلا بواحدة، قال: إنه فقيه (1) .
…
يقول ابن العربى: "وشهد بخلافته فى حديث أم حرام – رضى الله عنها (2)
(1) أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب فضائل الصحابة، باب ذكر معاوية رضي الله عنه 7/130 رقمى 3764، 3765، وينظر: كتاب مروان بن الحكم إلى معاوية بن أبى سفيان يستفتيه فى مجنون قتل رجلاً. أخرجه مالك فى الموطأ كتاب العقول، باب ما جاء فى دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون 2/648 رقم 3، وينظر: أسد الغابة 5/202 رقم 4984.
(2)
هى: أم حرام بنت ملحان بن خالد بن حرام بن جندب بن النجار، الأنصارية الخزرجية، النجارية، زوج عبادة بن الصامت، وأخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، ولا يصح لها اسم، وتلقب بالغميصاء، والغمص والرمص، نقص يكون بالعين، وكان للنبى صلى الله عليه وسلم عليها وعلى أختها، من البسط والإدلال مالا يعرف لغيرهما، حتى قيل: إن ثمة محرمية من رضاع وغيره، دعا لها النبى صلى الله عليه وسلم بالشهادة، ماتت فى خلافة سيدنا عثمان رضى الله عنه. لها ترجمة فى: أسد الغابة 7/304 رقم 7411، والرياض المستطابة ص327، 328، والإستيعاب 4/1931 رقم 4137.
- فيما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندها القيلولة ثم استيقظ وهو يضحك؛ لأنه رأى ناساً من أمته غزاة فى سبيل الله يركبون ثبج البحر - أى وسطه ومعظمه - ملوكاً على الأسرة. ثم وضع رأسه فنام واستيقظ وقد رأى مثل الرؤيا الأولى فقالت له أم حرام: أدع الله أن يجعلنى منهم، فقال، أنت من الأولين"، فركبت أم حرام البحر فى زمن معاوية فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر. فهلكت"(1) .
قال الحافظ ابن كثير: يعنى بالأول جيش معاوية حين غزا قبرص ففتحها سنة 27 أيام عثمان بن عفان، بقيادة معاوية، عقب إنشائه الأسطول الإسلامى الأول فى التاريخ، وكانت معهم أم حرام فى صحبة زوجها عبادة بن الصامت. ومعهم من الصحابة أبو الدرداء وأبو ذر وغيرهم. وماتت أم حرام فى سبيل الله، وقبرها بقبرص إلى اليوم.
(1) أخرجه البخارى (بشرح البارى) كتاب الجهاد السير، باب الدعاء بالجهاد والشهادة للرجال والنساء 6/13 رقم 2788، 2789، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإمارة، باب فضل الغزو فى البحر 7/65 رقم 1912.
قال ابن كثير: ثم كان أمير الجيش الثانى يزيد بن معاوية فى غزوة القسطنطينية. قال: وهذا من أعظم دلائل النبوة (1) فى الشهادة لسيدنا معاوية، وابنه يزيد بالفضل، والمغفرة والجنة كما جاء فى حديث أم حرام مرفوعاً:" أول جيش من أمتى يركبون البحر قد أوجبوا (2) . وأول جيش من أمتى يغزون مدينة قيصر مغفور لهم. فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا "(3) .
…
يقول الإمام ابن تيمية: "لم يكن من ملوك المسلمين ملك خيراً من معاوية، ولا كان الناس فى زمان ملك من الملوك خيراً منهم فى زمن معاوية، إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبى بكر وعمر ظهر التفاضل.
…
وقد روى أبو بكر بن الأثرم - ورواه ابن بطه من طريقه عن قتادة قال: "لو أصبحتم فى مثل عمل معاوية لقال أكثركم: هذا المهدى ".
وروى ابن بطه بإسناده الثابت من وجهين عن الأعمش عن مجاهد قال: لو أدركتم معاوية لقلتم هذا المهدى.
وروى الأثرم عن أبى هريرة المكتب قال: كنا عند الأعمش فذكروا عمر بن عبد العزيز وعدله، فقال الأعمش، فكيف لو أدركتم معاوية؟ قالوا فى حلمه؟ قال: لا والله، بل فى عدله.
وعن أبى إسحاق السبيعى أنه ذكر معاوية فقال: لو أدركتموه أو أدركتم أيامه لقلتم: كان المهدى.
(1) البداية والنهاية 8/229، وينظر: النهاية فى الفتن والملاخم 1/17، وفتح البارى 6/23، 120 أرقام 2799، 2800، 2924.
(2)
"قد أوجبوا" قال ابن حجر: أى فعلوا فعلاً وجبت لهم به الجنة، قال المهلب وفى الحديث: منقبة لمعاوية لأنه أول من غزا البحر، ومنقبه لولده يزيد لأنه أول من غزا مدينة قيصر. ينظر: فتح البارى 6/120 –121 رقم 2924.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل فى قتال الروم 6/120 رقم 2924.
وهذه الشهادة من هؤلاء الأئمة الأعلام لأمير المؤمنين معاوية صدى استجابة المولى عز وجل لدعاء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لهذا الخليفة الصالح يوم قال صلى الله عليه وسلم:" اللهم اجعله هادياً، مهدياً، واهد به "(1) .
وقبل أن أنهى الكلام على شهادات الصحابة، والتابعين، وآراء العلماء، فى معاوية، أنقل رأياً طريفاً للمؤرخ العلامة ابن خلدون فى اعتبار معاوية من الخلفاء الراشدين قال: "إن دولة معاوية وأخباره كان ينبغى أن تلحق بدول الخلفاء الراشدين وأخيارهم فهو تاليهم فى الفضل والعدالة والصحبة (2) .
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب المناقب، باب مناقب لمعاوية بن أبى سفيانرضي الله عنه5/645رقم 3842 من حديث عبد الرحمن بن عميرة رضي الله عنه، وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وينظر: منهاج السنة 3/185، والبداية والنهاية 8/124 - 125.
(2)
تاريخ ابن خلدون 2/458.
ويقول أيضاً فى مقدمته: مدافعاً عن إيثاره ابنه يزيد بالعهد، دون من سواه قال: " إنما هو مراعاة المصلحة فى اجتماع واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بنى أمية
…
وهم عصابة قريش (1) وأهل الملة أجمع، وأهل الغلب منهم، فآثره بذلك دون غيره
…
حرصاً على الإتفاق، واجتماع الأهواء الذى شأنه أهم عند الشارع، ولا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه، دليل على انتفاء الريب فيه، فليسوا ممن يأخذهم فى الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة فى قبول الحق فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه " (2) .
(1) ينظر: دفاعه عن حديث (الأئمة من قريش) ورده لما اعترض به عليه من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، فى المقدمة ص 214، وينظر: تأويل مختلف الحديث ص 115.
(2)
المقدمة 228، 233 وينظر: دفاعه عما وجه إليه من اعتراض على اخذه العهد لابنه يزيد ص240 وراجع: للاستزادة: العواصم من القواصم للقاضى أبو بكر بن العربى، والصواعق المحرقة وتطهير الجنان واللسان كلاهما لابن حجر الهيتمى.
.." نذكر جميع هذه الشهادات، وقبلها الأحاديث النبوية فى فضل معاوية (1) ، مع اعترافنا - يشهد الله تعالى - بفضل على بن أبى طالب رضي الله عنه، وأنه أفضل منه والحق غالبه معه، وكل كان مجتهدا ً (2) . وقد جاء فى الحديث الصحيح: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب؛ فله أجران، وإذا حكم فاجتهد، ثم اخطأ؛ فله أجر" (3) .
وقد أوردت هذه الأمثلة القليلة التى لا يسع المقام لأكثر منها؛ ليعلم الناس أن الصورة الحقيقية لمعاوية رضي الله عنه تخالف الصورة الكاذبة التى يصورها الزنادقة من الرافضة ومن تابعهم من أعداء الإسلام، والسنة المطهرة، تلك الصورة التى تنكر ما جاء فى السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، والتابعين، من الشهادة له بالصحبة، والفقه، والملك العادل، وحسن السيرة، حتى شهد له من أدركه كمجاهد والأعمش بأنه المهدى.
(1) لا يشك أحد فى أنه وضع فى فضائل معاوية وكذا الخلفاء الراشدون أحاديث كثيرة، ولكن أحصاها الأئمة، وبينوا الموضوع منها، من الصحيح، وقد عرض الحافظ ابن كثير لما ورد فى فضائل معاوية رضي الله عنه وميز الصحيح من الموضوع، ينظر: البداية والنهاية 8/120 - 147، وينظر: مجمع الزوائد 9/356، ويراجع: الكتب المؤلفة فى الموضوعات، باب المناقب.
(2)
ينظر: مقدمة ابن خلدون ص 227، ومختصر التحفة الإثنى عشرية 305 - 324، والعواصم من القواصم ص 172 وما بعدها، ومنهاج السنة لابن تيمية ص 205، والبداية والنهاية 8/129.
(3)
أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو اخطأ 13/330 رقم 7352، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ 6/254رقم1716 من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه.