الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهذا كله من الكذب الخطأ، ومعناه "اخطأ قائل ذلك". وسمى كذباً؛ لأنه يشبهه، لأنه ضد الصواب، كما أن الكذب ضد الصدق، وإن افترقا من حيث النية والقصد (1) .
و
ما استدرك به بعض الصحابة بعضاً فى الرواية لا يعد كذباً
، كيف لا! والصحابة يتفاوتون فى روايتهم عن النبى صلى الله عليه وسلم بين مكثر ومقل، يحضر بعضهم مجلساً للرسول صلى الله عليه وسلم يغيب عنه آخرون، فينفرد الحاضرون بما لم يسمعه المتخلفون، حتى يبلغوا به فيما بعد. ومن هذا القبيل كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة " للإمام بدر الدين الزركشى. كما وقع لجماعة من الصحابة غيرها، استدركوا على مثيلهم، ونفوا ما رواه وخطؤوه فيه.
…
ويدل على ما سبق ما رواه الحاكم عن البراء بن عازب رضي الله عنه: " ليس كلنا كان يسمع حديث النبى صلى الله عليه وسلم، كانت لنا ضيعة وأشغال، ولكن كان الناس لم يكونوا يكذبون فيحدث الشاهد الغائب "(2) .
(1) ينظر: لسان العرب 1/704، وينظر: فتح البارى 1/242، والمكانة العلمية لعبد الرزاق الصنعانى فى الحديث النبوى لفضيلة الأستاذ الدكتور إسماعيل الدفتار مبحث (مراجعة الصحابة بعضهم لبعض فى ضبط ما يروونه لا تعنى الاتهام) 1/295.
(2)
المستدرك كتاب العلم، باب فضل توقير العالم 1/ 216 رقم 438 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى.
.. وعن القاسم بن محمد (1) قال: " لما بلغ عائشة قول عمر وابن عمر مرفوعاً: إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه قَالَتْ إِنَّكُم لَتُحَدِّثُونِّىٍ عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُكَذَّبَيِنْ وَلِكَنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ (2) ، وفى رواية قالت: "يغفر الله لأبى عبد الرحمن، أما إنه لم يكذب، ولكنه نسى
أو اخطأ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية يُبكى عليها فقال: إنهم ليبكون عليها، وإنها لتعذب فى قبرها" (3) .
…
كل ذلك وغيره الكثير، يدل على ثقة الصحابة بعضهم ببعض، ثقة لا يشوبها شك ولا ريبة، لما يؤمنون به من تدينهم بالصدق، وأنه عندهم رأس الفضائل، وبه قام الإسلام، وساد أولئك الصفوة المختارة من أهله الأولين.
(1) القاسم بن محمد: هو القاسم بن محمد بن أبى بكر الصديق التيمى، ثقة، أحد الفقهاء بالمدينة، روى عن عائشة، وأبى هريرة، وفاطمة بنت قيس، وعنه الزهرى، وأبو الزناد. مات سنة 106هـ على الصحيح. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/23 رقم 5506 والكاشف 2/130 رقم 4528، ومشاهير علماء الأمصار ص 82 رقم 427.
(2)
أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب الجنائز، باب الميت يعذب ببكاء أهله عليه3/501رقم929
(3)
أخرجه مسلم فى الموضع السابق 3/503 رقم 932، وينظر: فتح البارى 3/184 حيث نقل عن القرطبى قوله: "إنكار عائشة ذلك وحكمها على الراوى بالتخطئة أو النسيان أو على أنه سمع بعضاً ولم يسمع بعضاً بعيد، لأن الرواة لهذا المعنى من الصحابة كثيرون وهم جازمون فلا وجه للنفى مع إمكان حمله على محمل صحيح.. إلخ".
وصدقت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما ما كَانَ خُلُق أَبْغضَ إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب (1) .
…
وعلى هذا: فإذا ورد على لسان أحد من الصحابة نفى ما رواه نظيره، أو قوله فى مثيله: كذب فلان
…
، أو نحو هذا من العبارات، فالمراد به أنه أخطأ أو نسى؛ لأن الكذب عند أهل السنة هو الإخبار عن الشئ بخلاف ما هو عليه عمداً أو نسياناً أو خطأ، ولكن الإثم يختص بالعامد، كما جاء فى الحديث:" من كذب علىَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار "(2) .
قال الإمام النووى (3) : بعد تعريفه للكذب عند أهل السنة: "وقالت المعتزلة، شرطة العمدية ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا، فإن قيده عليه السلام بالعمد، لكونه قد يكون عمداً، وقد يكون سهواً، مع أن الإجماع والنصوص المشهورة فى الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسى والغالط، فلو أطلق صلى الله عليه وسلم الكذب لتوهم أنه يأثم الناسى أيضاً فقيده وأما الروايات المطلقة، فمحمولة على المقيدة بالعمد (4) . أ. هـ.
(1) أخرجه الترمذى فى سننه كتاب البر والصلة، باب ما جاء فى الصدق والكذب 4/307 رقم1973 وقال: هذا حديث حسن، وأخرجه أحمد فى مسنده 6/152، وابن أبى الدنيا فى مكارم الأخلاق 112 رقم 139، 145، والحديث ذكره الحافظ الهيثمى فى مجمع الزوائد 1/142، وعزاه إلى أحمد، والبزار، وقال إسناده صحيح.
(2)
سبق تخريجه ص 35. وينظر: لمحات من تاريخ السنة للأستاذ عبد الفتاح أبو غدة ص 73.
(3)
هو أبو زكريا، يحيى بن شرف الحوارنى، الشافعى، كان إماماً حافظاً متفناً، صاحب تصانيف نافعة فى الحديث، والفقه، وغيرها "كشرح مسلم" و"شرح المهذب" و"المبهمات" وغير ذلك مات سنة 676هـ له ترجمة فى: تذكرة الحفاظ 4/1470 رقم 1162، وشذرات الذهب 5/345، وطبقات الشافعية لابن كثير 2/909.
(4)
المنهاج شرح مسلم للنووى 1/104.