الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنين، أو أنه كان للشخص الواحد عدة أسماء، أو أن الأمر مجرد ألفاظ مترادفة. فهذه هي المصيبة حقاً، أما الوقوف عن "إلياس" و"إلياسين" فهم تنطعَّ فارغ. وفي النهاية المطاف ألفت نظره، إن كان عنده نظر، إلى التناقض الرهيب في اسم عيسى عليه السلام بين سفر "نبوءة أشَعْيا" وبين إنجيلَيْْ متَّى ولوقا، إذ جاء في "أشَعْيا"(7 /14، و9 /6 - 7) أن العذراء ستلد لله ابناً وتسميه "عمّانوئيل"، بينما في "متًّى"(1/21) أنها ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع، وهو نفسه ما جاء على لسان جبريل عليه السلام حسب رواية "لوقا"(1/3)، وإن انتكس الكلام عنده عقيب ذلك إذ يعود فيقول:"هذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: هو ذا العذراء تحمل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمًانوئيل، الذي تفسيره: الله معنا". وبطبيعة الحال لم يُسَمً المسيح عليه السلام يوماً "عمًانوئيل".
* * *
14- كذلك يعترض المتنطع على استخدام الآية 177 من سورة "البقرة" لكلمة "البِرً" وصفاً لـ {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
…
} على
النحو التالي: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ
…
} ، مؤكداً أنه كان يجب أن يقال: "ولكن البِرً هو الإيمان بالله واليوم الآخر
…
" لأن البِرً هو الإيمان لا المؤمن كما قال (ص 109) . وهذه أيضاً من الأمارات على جهله الشنيع بلغة الضاد، فمن الواضح أنه لا يعرف شيئاً اسمه استخدام المصدر صفةً مثل: "رَجُلٌُ عَدْلٌ، وامرأٌة صِدْقٌ" بما يوحي إنهما قد بلغا الغاية في العدل والصدق بعد أن أضحيا هما العدل والصدق ذاته. ومن شواهد هذا الاستعمال في الشعر العربي قول الشاعر القديم:"فإنما هي إقبالٌ وإدبار". ومثله في الكتاب المقدس عند المتنطع وأشباهه: "وكانت الأرض كلها لغةً واحدة وكلاماً واحداً"، وكان ينبغي، بناءً على فهم هذا المأفون، أن يقال:"وكان سكان الأرض كلهم يستعملون لغة واحدة وكلاماً واحداً". ومثله أيضاً: "كانتا (أي زوجتا عيسو بن إسحاق) مرارة نفس لإسحاق ورفقة". ومثله: "هو (أي الربّ) فَخْرُك"، والمفروض، حسب كلام الغبيّ، أن يقال: "هو سبب
فخرك". ومثله قول يواب لأبشاي أخيه: "إنْ قَوِىَ عليَّ الأراميون تكون أنت نجدة". ومثله: "صُنًاع التماثيل كلهم باطل"، وكان يجب، طبقاً لتنطع صُوَيَحْبِنا، أن يقال: "صُنَّاع التماثيل كلهم مبطلون". ومثله: "وتخلقون اسمكم لعنة لمختارِىَّ"، حيث استُخْدِمت "اللعنة" وصفاً رغم أنها مصدر مثل "البرّ". ومثله: "فيكونون سُبّةً ودهشةً ولعنةً وعاراً". ومثله: "سُبُلُه (أي سبل الله) عَدْل". وبعد فأرجو أن يكون ذلك الأحمق قد تعلم الدرس، وإن كنتُ أرتاب في هذا.
ونحن الآن كثيراً ما نقول مثلاً: "فلان هو الوفاء مجسَّماً" و"فلانة هي الفتنة تمشي على قدمين" أو"هي الظَّرف كلّه"، وهو قريب مما جاء في الآية الكريمة. وهناك توجيهات أخرى للآية لا داعي لسَوْقها، ففيما قلناه غُنْية. وقد تكرر هذا الاستعمال في السورة ذاتها بعد اثنتي عشرة آية، وذلك في قوله تعالى:{وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} . ومن غير المعقول
أن يكون صاحب القرآن من الضعف في اللغة بحيث يتكرر منه هذا الخطأ في تلك المسافة القصيرة أو أن يكون العرب من كافرين ومسلمين من الجهل بحيث لا يتنبهون لذلك الخطأ أو يكون المشركون والمنافقون واليهود والنصارى من المجاملة لمحمد بحيث يصمتون أمام هذا الغلط ولا يُحْرِجونه ويشنّعون به في الآفاق.
ولزيادة الفائدة نضيف أن الصفة في هذه الحالة تلزم عادةً صيغة الإفراد والتذكير فنقول: "رجلٌ عَدْلٌ، وامرأٌة عَدْلٌ، ورجلان عَدْلٌ، وامرأتان عدلٌ، ورجالٌ عدلٌ، ونساءٌ عَدْلٌ"، وإن سُمِع أحياناً "رجالٌ عُدُول". وقس على ذلك "رجلٌ صدْقٌ، وامرأٌة صدقٌ، ورجلان صدقٌ، وامرأتان صدقٌ، ورجالٌ صدقٌ، ونساءٌ صدقٌ"
…
وهلم جرا.
وفي النهاية نسوق الشاهد التالي من الكتاب المقدس عند صويحبنا الجاهلة حيث يوصف المسيح عليه السلام بأنه "بِِرً"، بالضبط كما في الآية الكريمة التي لا تعجب المتنطع:"المسيح يسوع، الذي صار لنا من الله حكمة وبراً وقداسةً وفداء"، وكذلك هذا الشاهد الذي يقول فيه بولس:"لكي نصير نحن برّ الله فيه". وهذان الشاهدان هما الضربة القاضية لذلك المتنطع ومن سلّطوه على