الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق، وهؤلاء هم أولاده وأحفاده كما يعرضهم الكتاب المقدس: خَناً وغشَّ وكذبٌ وقتل وتآمر خسيس وزنا بالمحارم وحقد وقتال فيما بينهم ومع الآخرين؟ ولقد انتهى أمر السيد المسيح مع بني إسرائيل إلى أن أدار ظهره لهم بعدما لقى منهم الأمرًّين وأعطى وجهه للأمم الأخرى وطلب من تلامذته أن يحملوا دعوته إليهم طبقاً لما تقوله الأناجيل ذاتها. أَفَلَكَ بعد ذلك أيها الأحمق عينٌ تجرؤ على مواجهتنا بها؟
* * *
وبالنسبة لما جاء في القرآن الكريم عن امرأة العزيز ودعوتها من يَلُكْنَ سيرتها من نسوة المدينة إلى مُتَّكإ في بيتها واعترافها أمامهن بأنها مشغوفة بيوسف
…
إلخ يتساءل الأحمق مستنكراً: "هل يُعْقَل أن زوجة ضابط كبير تهيئ وليمة خصيصاً وتدعو سيدات أشراف المدينة لتعلن أمامهن غرامها بعبدها وتكشف عن وجهها برقع الحياء دون أن تخشى فضيحة؟ وكيف يُعْقَل أن النسوة ينشغلن بجمال يوسف حتى ليقطّعن أيديهن بالسكاكين من غير إحساس من شدة الذهول؟ "(ص 41) .
وأحسب أن القراء الكرام، بعد فضائح الكتاب المقدس التي
ذكرتُها لهم، يستطيعون أن يدركوا إلى أي مدّى بلغ جمود وجه هذا الأحمق الذي يتظاهر بطيبة الطوية ويستغرب أن يصل التدلة بامرأة ضابط كبير إلى ذلك الحدّ. يا أخا الحماقة، إن الترف الإجرلامي ليؤدي إلى هذا وإلى ما هو أشنع من هذا كما يعرف كل الناس. وماذا يُنْتَظَر من امرأة كانت تطارد ابنها بالتبني على النحو وتقول له بصريح العبارة كما جاء في كتابكم المقدس:"ضاجِعْني"(هكذا بالحرف الواحد) ؟ ثم إن زوجها، طبقاً لما جاء في كتابكم، كان خصياً، أي إنها كانت تعاني من الحرمان الجنسي المطلق. كما أن أولئك النسوة قد فَضَحْنَها في كل مكان بالمدينة فلم يعد هناك معنى لاحتفاظها ببرقع الحياء، إذ وقعت الواقعة وانتهى الأمر.
ولقد تابع العاَلم منذ سنوات غير بعيدة الأمير تشارلز وليّ عهد بريطانيا وزوجته الأميرة ديانا، وكلاهما يعترف في المرناء أمام مئات الملايين في أرجاء الكرة الأرضية بالقاءات الجنسية التي مارسها في
الحرام من وراء رفيقه. وقبل ذلك بسنوات كان التلفاز مشغولاً في نشراته لفترة طويلة بعشق الأميرة آن (أخت تشارلز) للضابط مارك فيليس وبعشق خالته الأميرة مرجريت لأحد المصوَّرين. وقل مثل ذلك في زوجتَىْ أخويه. كذلك فالأحمق يعرف جيداً ما كان يفعله بعض بابوات روما في العصور الوسطى، إذ يصطحب الواحد منهم عشيقته معه وهو يدور على رعاياه في جولاته "المقدسة"(المقدسة جداً) بوصفه خليفة المسيح على الأرض (ومعروف ما يمثله المسيح عليه السلام عند النصارى) ، فضلاً عن أن بعضهم الآخر كان يمارس الزنا مع أخته بعلم من حوله على أقل تقدير!
وفي الكتاب المقدس نفسه نجد مثلاً ابنَتْى لوط تتفقان دون خجل أو حياء على أن تسقيا أباهما خمراً حتى يفقد الوعي ثم تضاجعاه الواحدة بعد الأخرى لتَحْبلا منه. ولا ننس داود، الذي رأيناه، بعد أن شاهد بتْشَبَع زوجة أورياً قائده من فوق سطح القصر، يرسل من يُحْضِرها إليه ويُدْخِلها عليه. ومعنى ذلك أنه، وهذا كلام الكتاب المقدس لا كلامي، لم يستح من إعلان عشقه لها أمام رجال حاشيته على الأقل. ثم إنها، بعد أن حملت منه، قد أرسلت إليه من ينبئه بالأمر. ومعنى ذلك أيضاً أنها لم تخجل من أن تعلن أمام من أرسلتهم إليه إنها زنت معه وحملت منه. ثم إنه قد اتفق مع
بعض رجاله أن يخلّصوه من أوربا زوجها حتى يخْلُص له وجه بَتْشَيَع ومعنى ذلك ثالثاً إنه لم يخجل من إبداء تدلهه في هواها وما استتبعه هذا التدله من القضاء على الزوج المسكين. أفِقْ يا عبد الفاضي من أوهامك السخيفة، ولا تحاول أن تقترب من القرآن لأنه {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} !
أما مسألة تقطيع النسوة أيديهن، فما الغريب في أن تجرّح نَفْسَها، بسكين حاد في يدها تقطع بع الفاكهة، امرأٌة مترفٌة نَزِقةٌ طائشةُ عندما يخرج عليها فجأةً شاب باهر الوسامة قد أصبح حديث المدينة بسبب وَلَهِ امرأة العزيز بهيليها وهيلمانها به؟ وفي كثير من القصص والأفلام الواقعية من صنوف هذا الوله المجنون ما لا يُعَدّ
الذي فعلتْه صواحب يوسف بجانبه شيئاً يستحق الذكر.
وقد فعلت الفتيات في مصر ما هو أبشع من هذا عندما مات أحد المطربين العاطفيين منذ نحو ربع قرن، ولم يكن يتمتع بشيء من جمال يوسف الذي ضُرِبت به الأمثال، ومع ذلك انتحر بعضهن من شدة غرامهن به! إن الحياة مملوءة بالغرائب، وإن النفس البشرية لتفاجئنا كل يوم بما لا يخطر على البال، فلماذا الإعتراض على القرآن الكريم في تجريخ النسوة المشنَّعات علر امرأة العزيز أيديهن بالسكاكين انبهاراً بجمال يوسف"؟
ويقول الببغاء الأحمق أيضاً: "جاء في سورة القصص"/8، 38:{إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ} ، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} ، وجاء في سورة "غافر"/36:{قَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} . يقول القرآن إن هامان كان وزير فرعون، بينما يثبت التاريخ أن هامان كان وزيراً لأَحْشَوِيرش وأن بين فرعون وهامان زهاء ألف سنة. ثم إن فرعون كان ملك مصر، وكان هامان وزيراً في بابل، وما أبعد الزمان والمكان بين فرعون وهامان!
فكيف يكون هذا وزيراً لذام؟ ويقول سِفْر "أستير" في التوراة إن هامان كان وزيراً وخليللاً لأَحْشَوِيرش ملك الفُرْس الذي يدعوه اليونان زركيس" (ص 29) .
وقبل أن نبدأ في تفنيد هذا السخف أوجّه نظر القراء الكرام إلى جهل العبد الفاضي حتى فيما لا يمكن الخطأ فيه إلا مِن كائنٍ فقد عقله تمام الفقدان: فأولاً لم يقل القرآن في أي موضع منه إن هامان كان وزيراً لفرعون. وهاهي ذي كل النصوص الذي ذُكِر فيها هامان في الكتاب المجيد قد أوردها صويحبنا، فهل ترى فيها، أيها القارئ العزيز، أنه كان وزيراً لفرعون؟ لقد ذُكر اسمه مع فرعون، وأمره فرعون أن يبني له صرحاً، لكن القرآن لم يقل إنه كان وزيراً لفرعون. قد يكون فعلاً وزيره، وقد يكون كاهنه الأكبر، وقد يكون مستشاره، وقد يكون كبير مهندسيه، وقد
…
، وقد
…
وثانياً هذه أول مرة نسمع أن سِفْر "أستير" جزء من التوراة. إن التوراة هي الكتاب الذي أُنْزِل على موسى عليه السلام، أما سفر "أستير" فهو من كُتُب العهد العتيق التي لم ينزل أي شيء منها على موسى بل أُلَفَتْ بعده تأليفاً. وهذا الأحمق لا يفقه هذه الأوَّليّات، فكيف تواتيه نفسه على الدخول في تلك المآزق إلا أن يكون قد فقد عقله؟ وثالثاً فإن كاتب سفر "أستير" في العهد العتيق يقول إن أحشوروش كان ملكاً على
إمبراطورية تمتدّ من الهند إلى كوش، وتتألف من مائة وسبعة وعشرين إقليماًَ، وعاصمتها شوش، لكن صويحبنا الجاهل يقول إن هامان كان وزيراً في بابل!
والآن يبدأ التفنيد. وأول ما نذكر كافٍ وحده لنسف هذا الهراء، ألا وهو أن سِفْر "أستير" مجرد "قصة خيالية" كما يقول مفسّرو الكتاب المقدس أنفسهم. وقد أشرتُ منذ عد=ة سنوات في كتابي "مع الجاحظ في رسالة الرد على النصارى" إلى ما لاحظُته على هذا السفر من ركاكة الأسلوب والطابع "الحواديتي" والتوابل الجنسية الحِرَّيفة والتعمُّل الزائد والمصادفات المتكررة والمجافاة لمنطق العقل والتاريخ. وها هم أولاء المعلّقون على الترجمة الكاثوليكية، التي لم تكن بين يدىَّ في ذلك الوقت، يقولون الشيء ذاته تقريباًَ، فـ "تاريخية التفاصيل وجوهر السفر أيضاً تعترضهما صعوبات جمة على الرغم مما جاء من ملاحظات سديدة عن الأخلاق الفارسية وتوبوغرافية صحيحة عن مدينة شوش. من الممكن أن يكون اليهود قد تعرضوا لتعنيفات من هذا النوع في أثناء الحكم الفارسي، وقد جاء
المؤلف حول ذكرها قصة خيالية".
وحتى يكون القارئ علة بينّة من حقيقة هذا السَّفْر واستحالة أن يكون وحياً إلهياً يمكن الاستناد إليه في إثبات تلك الحادثة التاريخية التي يدور عليها والتي لا يوجد دليل على وقوعها، نذكر له إنه يَحْكِى قصة فتاة يهودية استطاعت، بما لها من أنوثة طاغية، أن تقود الملك الفارسي من أنفه وتجعله يغيرّ سياسة بلده مائة وثمانين درجة ليحتل اليهود فيها مكانة سامقة بعدما كانوا يُسامون الخسف والهوان. وفي القصة حديث عن غضب الملك على زوجته لسبب لا يدخل العقل، إذ كان طلب منها أن تتخذ أبهى زينتها وتظهر معه أمام الملوك والشعوب ليشاهدوا جمالها وفتنتها، وهو ما لا تقبله نخوة أهل الشرق، وبخاصة من الملوك. وقد رفضت الملكة هذا الطلب الغريب، فكانت النتيجة أن طلّقها، فتأمَّلْ أيها القارئ وتعَجَّبْ! ثم جُمِعَتْ للملك بعد هذا كل العذارى الفاتنات من أرجاء المملكة وانُتخِبَتْ منهن أجمل سَبْعِ فيهن، وكانت كل واحدة من هؤلاء السًّبْع تُهَيَّأ بالتحفيف والأدهان والعطور سنةً كاملة كي يقضي الملك معها ليلة قبل أن يقرر أيّتهن أصلح أن تكون زوجته
…
إلى آخر هذا العهر
والدياثة المعروفين عن القوم. ورغم ذلك يريد رقعاء المبشرين منّا أن نصدق إنها حادثة تاريخية سجّلها الوحي الإلهي ويَبْغُون أن يحاكموا القرآن إليها.
وفي هذه القصة العُهْريّة أن الذي كان يتولى كِبْرَ اضطهاد اليهود هو هامان وزير الملك الفارسي أحشوروش. وهنا مربط الفرس، إذ يتساءل الحمقى: كيف انتقل هامان من قصر الملك الفارسي إلى قصر فرعون في مصر متقدماً هكذا في التاريخ مئات السنين؟ فانظروا بالله إلى هذه الوقاحة التي تريد أن تحاكم الحق إلى الباطل! ترى أين الدليل على أن هامان كان وزيراً أصلاً لأحشوروش؟ لقد ذكر القرآن أن هامان كان يشترك مع فرعون في اضطهاد بني إسرائيل في مصر، وأغلب الظن أن كاتب السَّفْر قد خلط بين وقائع اضطهاد اليهود في مصر ووقائع مشابهة في فارس القديمة فذكر هامان مع أحشوروش. لا تنس، أيها القارئ الكريم، ما قاله علماء القوم أنفسهم من أن سفر "أستير" هو مجرد قصة "خيالية" لا يُطْمَاَنْ إلى صحتها!
ثم إن في الكتاب المقدس وغيره من كتب هؤلاء الناس أخطاءً قائلة في الأسماء والتواريخ بحيث تُضْحِى محاولة اتخاذه معياراً في هذه القضية هي الهزل بعينه. لقد ذكرنا قبلاً أن لِحَمِى موسى عليه السلام في الكتاب المقدس ثلاثة أسماء، كما أشرنا إلى ما جاء فيه
من أن المسيح عندما يولد سيكون اسمه "عمانوئيل"، وهو ما لم يحدث، إذ لم تسمّه أمّه أو غيرها من أهل الكتاب أو من أهل القرآن أو من أية طائفة أخرى بهذا الاسم. وفي العهد العتيق أيضاً أن هارون أكبر من موسى بثلاثة أعوام، على حين إنه قد أشار بكل وضوح قبل ذلك بصفحات أن موسى هو أول من وُلِد لأبويه. ترى أي الروايتين نصدّق؟ وفيه أيضاً أن إسماعيل وُلِد لإبراهيم قبل إسحاق بأعوام، ومع هذا نفاجأ بعد قليل بأن إسحاق هو وحيد إبراهيم عليه السلام رغم إن إسماعيل كان حياً آنذاك وبعد ذاك بعشرات الأعوام. ومرة أخرى نتساءل. أيّ الكرمين نصدّق؟ وهل يمكن أن يكون هذا التناقض الفِجّ وحياَ سماوياً؟
وحتى لو كان هامان فعلاً وزيراً لأحشوروش الملك الفارسي، فهل ثمة ما يمنع أن يكون هناك شخص آخر اسمه "هامان" في مصر قبل ذلك؟ أم ترى هناك قانون حتمي يفرض أن يختصّ كل اسم بشخص واحد أو مكان واحد لا يعدوه؟ إن هناك أكثر من مدينة في العالم اسمها "Cairo"، وأكثر من مدينة اسمها "الإسكندرية"، وهناك مكانان على الأقل كلّ منهما يسمى "باريس": عاصمة فرنسا، وقرية مجهولة في صحراء مصر الغربية لولا أن د. أحمد أمين قد ذكرها في كتابه "حياتي" لما علم بها أحد. وهناك الزعيم الروسي "لينين" والكتاب المسرحي المصري "لينين الرملي"، وهناك "فرعون" مصر المذكور في القرآن و"فرعون" آخر جاء بعده بآلاف السنسن هو جدّ "رشاد فرعون" أحد رجال الحاشية في عهد الملك عبد العزيز آل سعود، وهناك "رمسيس" أحد ملوك مصر القديمة و"رمسيس" رسام الكاريكاتير المعروف في مصر، وهناك "حيرم" ملك صور و"حيرم
الغمراوي" كاتب الأغاني المصري في عصرنا
…
إلخ
…
إلخ.
وفي الكتاب المقدس نفسه تتكرر ظاهرة اشتراك شخصين أو أكثر في نفس الاسم مع ما يفصل بينهمت من الأزمان الطويلة، مثل "يهوديت" المذكورة في سفر "التكوين" و"يهوديت" صاحبة السفر المشهور في ذلك الكتاب، و"أليعازر" بن هارون "وأليعازر" المذكور في سفر "المكّابّيين الثاني"، و"إسماعيل" بن إبراهيم عليهما السلام و"إسماعيل" بن آصيل في سفر "أخبار الأيام الأول"، و"يوسف" النبي و"يوسف" النجار، و"المسيح" شاول و"المسيح" عيسى بن مريم
…
إلخ
…
إلخ، فلماذا الإصرار إذن على أن "هامان" لا يمكن أن يكون إلا شخصاً واحداً فحسب هو وزير أحشوروش، مع أن السَّفْر الذي ورد فيه هذا الاسم لا يمكن أن يكون إلا من بُنَيًات الخيال؟
وفي التلمود نصّ يصف هامان وقارون بأنهما أغنى رجلين في الدنيا، وهذا الربط بين ذينك الشخصين له دلالته التي لا تَخْفَى ولايُعْقَل أن يكون هامان هنا هو الوزير الفارسي (إن كان لذلك الوزير وجود حقيقي) ، إذ لا علاقة بينه وبين قارون تسوَّغ ذكرهما معاً في هذا السياق، وهو يذكرّنا بالربط بينهما في سورة "القصص". ومما
يؤكد صحة ما جاء القرآن عن هامان أن هذا الاسم موجود في البرديّات المصرية بما يدل على إنه اسم مصري ويُخْرِس الطائشين الجهّال الذين يفكرون بألسنتهم دون عقولهم!
ويذهب بعض الباحثين إلى أن من الممكن جداً أن تكون قصة أستير في الأصل أسطورة بابلية أخذها اليهود وحرّفوها لتوائم أغراضهم: فهامان اسم أحد الآلهة العيلاميين، ومرد كاي اسم إله كلدانى، أما اسم أستير فليس ببعيد أن يكون تحويراً للإلهة عشتار، التي يُنْطَلق اسمها أيضاً "أشتار" و"عشتروت".
لهذا كله نستغرب أن يُقْدِم ذلك الأحمق على التهكم بالقرآن الكريم وليس في يده من دليل إلا هذا الهراء الذي سطّره مؤلف سفر "أستير"، زاعماً إنه تاريخ وثيق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. على أن هناك برهاناً آخر في غاية الأهمية يؤكد هذا الذي قلناه في المقارنة بين ما جاء في القرآن الكريم والعهد العتيق عن هامان، هو إنه ما من مرة قارناً فيها بين الكتابين إلا واتضح بجلاء تام أن الحق في صف القرآن. ولنأخذ مثلاً الملاحظات التالية التي سأحصرها في
قصة موسى وهارون لصلتها بهامان: فالعهد العتيق يقول إن أم موسى قد وضعت وليدها في التابوت (أو "السَّفَط" كما يسمونه) وظلت تحمله إلى أن وصلت قبالة قصر فرعون فوضعته بين الحَلْفاء حيث عثرت عليه ابنة فرعون فأخذته. أي أن التابوت لم يوضع في الماء رغم أن كاتب سفر "الخروج" يقول إن أم موسى قد طلت السَّفَط بالزفت والحُمَر بما يدل على أنها قد أعدَتْه لتضعه في النهر ورغم أنه ابنة فرعون تقول بعد ذلك بأسطر قليلة إنها انتشلته من الماء، أما القرآن الكريم فقد ذكر منذ البداية أن التابوت قد وُضِع في الماء قولاً واحداً.
كذلك فالعهد العتيق ينسب إلى موسى عليه السلام قَتْل المصري عن عمد وقسوة، على حين يؤكد القرآن إنه كان قتلاً خطأ لم يقصده موسى، بل كانت نيته ردع الظالم عن بَغْيه على الضعيف، وهذا هو الأليق بأخلاق من اصطفاه الله وربّاه على عينه كي يجعل منه رسولاً، أما ما قاله ملفَّق سِفْر "الخروج" فهو اشبه ما يكون بطبائع عتاة المجرمين أصحاب القلوب الجاسية التي لا تعرف الرحمة ولا الندم.
وبالنسبة لمعجزة اليد فإن العهد العتيق يؤكد أن يد موسى، عند وَعْه إياها فب عُبةً ثم إخراجها، كانت تستحيل "برصاء كالثلج"، أما القرآن فيقول إنها كانت تصير "بيضاء من غير سوء". وواضح أن القرآن الكريم، بهذا التذييل الأخير، يريد أن يرد على تهمة البَرَص، الذي لا يصلح بحال من الأحوال أن يُتَّخَذ معجزة لأن المعجزة إنما جُعِلَتْ لجذب الناس إلى صاحبها لا لتنفيرهم منه وصرفهم عنه وإشعارهم إنه مغضوب عليه من الله.
كذلك لا يمكن أن يكون ردّ موسى على ربه، عندما اصطفاه وأمَرَه بالذهاب إلى فرعون، بهذه الخشونة والجلافة التي وردت في العهد العتيق، إذ يجيب ربه قائلاً حسبما جاء في الترجمة البروتستانتية:"اسمع أيها السيد. لستُ أنا صاحب كلام منذ أمس ولا أول من أمس ولا من حين كلَمْتَ عبدك، بل أنا ثقيل الفهم و"اللسان"، و"استمع أيها السيد
…
أَرْسِلْ بيد من ترسل"، حتى لقد "حَمِىَ غضب الرب على موسى" كما يقول المؤلف الكذاب. أما القرآن فيصّوره عليه السلام عبداً خاشعاً مُخْبِتاً لربه شاعراً بالمنّة الإلهية
التي اقتضت اختياره رسولاً إلى بني إسرائيل، وهذا هو الذي يتلاءم مع أخلاق النبيين.
وعلى خلاف القرآن الكريم، الذي يجعل من هارون نبياً مع موسى ووزيراً وعضّداً له ورِدْءاً يصدّقه، نرى مؤلف سفر "الخروج" يجعل منه "نبياً لموسى" لا "نبياً معه"، ويجعل من موسى "إلهاً لفرعون"، ولا أظن أن هناك من يخالف في أن ما ذكره العهد العتيق هو السخف بل الكفر، والعياذ بالله!
ويزعم سفر "الخروج" أن الله كان يكلم موسى "وجهاًَ لوجه كما يكلم المرء صاحبه"، وهو ما يتعارض مع ما جاء في القرآن الكريم من إنه عليه السلام حين طلب من ربه أن يمكّنه من النظر إليه ردّ سبحانه قائلاً:{لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} . وهذا هو الذي يقبله المنطق، إذ كيف تستطيع حواسّنا الكليلة المحدودة أن ترى الله الرهيب الذي لاتحدّه حدود؟
ومن طوامّ العهد العتيق أيضاً اتهام كاتب سفر "الخروج" لهارون عليه السلام بأنه هو الذي صنع العجل لبني إسرائيل وبَنَى كذلك لعبادته مذبحاً حيث أخذ بنو إسرائيل، أثناء غياب موسى للقاء ربه فوق الجبل، يدورون حوله عراه كما ولدتهم أمهاتهم وهو يرقصون. وهي شِنْشِنةٌ يهودية أصلية في الإفتراء على رسل الله الكرام وإلصاق أشنع التُّهَم بهم تلذذاً بتشويه كل صورة إنسانية نبيلة. وعلى العكس من ذلك القرآنُ الكريمُ، الذي يؤكد أن صانع العجل هو السامري، أما هارون فقد حاول الوقوف في وجه هذه الفتنة التي لقيتْ من بني قومه التحمس والتهافت، إلا أنهم ظلوا في غيّهم سادرين. وفوق ذلك فرواية سفر "الخروج" تتناقض مع نفسها تناقضاً أبلق، إذ تقول إن موسى قد أمر بني لاوى (وهو واحد منهم) أن يقتلوا جميع ذويهم وأصدقائهم وأهل محلّتهم الذين اقترفوا خطيئة العجل، وأن محصّلة القتل كانت ثلاثة آلاف نفس، إذ يثور هنا (كما يقول أبو الأعلى المودودى) سؤال هام هو: لماذا لم يُقْتَل هارون أيضاً إذا كان هو صاحب عبادة العجل؟
وبغباءٍ منقطع النظير سببه الجهل والحقد والعناد يزعم العبد الفاضي أن في كلام القرآن عن نهاية فرعون تناقصاً، إذ يقول سبحانه في سورة "القصص"/40:{فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} ، بينما يقول في سورة "يونس"/91 - 92 مخاطباً فرعون عندما أدركه الغرق فصاح معلناً إيمانه:{آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} ، فيظن الجهول إنه عز وجل قج نجَّي فرعون من الموت! متى قال القرآن ذلك؟ وأين؟ واضح إنه قد فهم من قوله جل جلاله:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} أن فرعون لم يمت. فهل هذا هو ما تقوله العبارة؟ إن معنى الكلام في الآية أن الله وعد بأن يطرح البحرُ جثته على الشاطئ فلا تأكلها الحيتان والأسماك في قاعه حتى يكون عبرة لمن وراءه، أما لو كان المقصود هو أن الله سينقذه من الغرق إلى مصر كأن شيئاً لم يكن فإنه لن يكون عبرة لغيره بل فتنة، إذ ها هو ذا يعود، بعد كل كفره وضلاله وبغيه وتألهه، إلى سلطانه وهيلمانه كرة أخرى!
وهذا هو الذي يقوله العهد العتيق أيضاً، بيد أن الجهل والحقد والعناد هو الذي صرف عَيْنَىِ الأبعد عنه فلم يقرأ ما جاء فيه من لَفْظ
البحر أبدانَ فرعون وجنوده بعد غرقهم، إذ قال مؤلف سفر "الحكمة":"وعَبَرَتْ بهم (أي عبرتْ رحمةُ الله ببني إسرائيل") البحر الأحمر وأجازتهم المياه الغزيزة. أما أعداؤهم فأغرقتْهم ثم قذفتْهم من عمق الغِمار على الشاطئ". ومن قبله قال مؤلف سفر "الخروج": "فغرّق الربُّ المصريين في وسط البحر، ورجعت المياه فغطّتْ مراكب وفرسانَ جميع جيش فرعون الداخليين وراءهم في البحر، ولم يبق منهم أحد، وسار بنو إسرائيل على اليَبَس في وسك البحر، والماء لهم سوّر عن يمينهم وعن شمالهم. وخلَّص الربُّ في ذلك اليوم إسرائيل من أيدي المصريين، ورأى إسرائيل المصريين أمواتاً على شاطئ البحر". ترى أفَهِم الأبعد أم على قلوب أقفالها؟
ومع العبد الفاضي نمضي فنتناول اعتراضه حول قارون، الذي ذكر القرآن أن الله أرسل إليه هو وفرعون وهامان تبيه موسى عليه السلام فكذّبوا واستكبروا وأمروا بتقتيل الأطفال الذكور من بني إسرائيل، حيث جاء في سورة "العنكبوت"/39: {وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا
كَانُوا سَابِقِينَ} ، كما جاء في سورة "غافر"/ 23 - 25:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} . أما اعتراض الأُحَيْمق فهذا نصُّه: "يتبادر إلى الذهن من هذه الآيات أن قارون وهامان مصريان من قوم فرعون وأنهما مع فرعون قاوموا موسى في مصر. ولكن هذا خطأ لأم قارون إسرائيلي لا مصري، ومن قوم موسى لا من قوم فرعون كما جاء في سورة "القصص"/76: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ} (ص 29) .
هذا ما قاله الغبي النّزِق، وأنا أرجو القارئ أن يرجع إلى الأيتين الأُولَيَيْن ويُتْئِر فيهما النظر ثم يجيب على السؤال التالي: هل ذكر القرآن فيهما أو أوحى مجرد إيحاء أن قارون مصري حتى يقال إنه قد تناقض مع نفسه حين ذكر في آية "القصص" إنه من قوم موسى؟ إن كثيراً من الناس ينشقوُن على أبناء طائفتهم وينضمون إلى أعدائهم ويكونون في خدمتهم، وبخاصة حين تكون مصالحهم مع هؤلاء الأعداء. وقد كان قارون فاحش الثراء، وأغلب الظن أن هذا الثراء