الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مِنَ الْمُحْسِنِينَ} بما يغنينا عن إعادة القول عنا رداً على الشبهة العشرين التي تورد آية أخرى توجد فيها الظاهرة اللغوية نفسها هي الآية 17 من "الشورى"، ونصها:{وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ} .
* * *
21- ويأخذ المتنطع الفارغ العقل على قوله جلّ من قائل في الآية 196 من "البقرة" عمّن تمتّع بالعمرة إلى الحج
ولم يتيسر له شراء هَدْى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أن كلمة "كاملة" لا لزوم لها لأنها توضح ما لا يحتاج إلى توضيح، وإلا فمن ذا الذي يظن العشرة تسعة؟ (ص 11) . وهذا تنطع بلغ الغاية في السُّخْف والتفاهة. إن المتنطع التافه لا يعجبه العجب: فإذا رأى حذفاً قال: لماذا كان هناك حذف؟ وإذا رأى توكيداً قال: لا داعي
…
وهكذا. وأذكر أني كنت قبل نحو عشرين سنة أسمع أغنية نجاة الصغيرة التي تسأل فيها فتاٌة حبيبها عما جعله يتنبه إلى جبّها له: أهو قلبه أحسَّ بها فجاوبها حباً بحب؟ أم كثرة الشوق الذي أطلّ من عينيها؟ أم
…
؟ أم
…
؟ أم الحنان الذي كان في "سلام يدها اليمين"؟ فتساءلتُ
ضاحكاً: وهل هناك "سلام" بغير اليد اليمنى حتى تحتاج الفتاة إلى تأكيد ذلك؟ ثم عدتُ أنظر في العبارة من جديد فوجدتُ الحسن كله في هذا التحديد الذي قد يبدو للعجلين إنه زيادة لا ضرورة لها، لأن هذه الكلمة قد حوَّلت "السلام" من معنًى مجردٍ إلى واقعةٍ حية يبصرها الذهن ويرى فيها اليد مشتبكة باليد تصافحها وتبثها الحنان. وكذلك الحال هنا، فقد تحولت العبارة بكلمة "كاملة" كم مسألة حسابية مجردة إلى واقعة حية. ولا تنس أن العرب في الجاهلية لم يكونوا من علوم الحساب في شيء، فكان لابد من التأكيد ليعرفوا أن رقم العشرة هنا رقم كامل لا عدد تقريبي، وهذا كقول النابغة الذبياني مثلاً:
قالت: ألا لَيْتَمَا هذا الحمام لنا
…
إلى حمامتنا أو نصفه، فَقَدِ
فحسَّبوه فألْفَوْه كما حَسَبَتْ
…
تسعاً وتسعين لم تنقص ولَم تزِد
وقوله أيضاً:
أسائل عن سُعْدَى وقد مرَ بعدنا
…
على عرصات الدار سبعً كواملُ
وحتى في العصر العباسي نجد الجاحظ مثلاً يقول إن بعض الشعراء الجاهليين كانوا يقضون في تنقيح قصيدتهم وصقلها "حَوْلاً كريتا"، أي عاماً كاملاً لا ينقص يوماً واحداً. وكذلك نحن الآن بعد كل هذا التقدم الهائل في الحساب والرياضيات لا يزال الواحد منا يقول
لمدينة مثلاً: "أريد منك ألف الجنية التي اقترضتها مني كاملةً لا تنقص مليماً واحداً" أو "لابد أن تدفع الخمسمائة جنيه والسبعة عشر قرشاً التي اشتريت بها بضاعة مني، والسبعة عشر قرشاً قبل الخمسمائة جنية". وبالمثل نقول: "رأيته بعيني، وسمعته بأذني" رغم أن الرؤية لا تكون إلا بالعين، ولا السَّمْع إلا بالأذن، وقد فات الجاهلَ الفَدْمَ أن الكلام لا يمكن أن يجري دائماً على وتيرة آلية واحدة في كل الأحوال والسياقات، بل لابد من نتوءات ومفاجآت تُنْعشه وتجعله جديداً أخضر، وإلا فيستطيع أي متنطع أن يعترض مثلاً على ما جاء في الفقرة 23 من الفصل التاسع والعشرين من سفر "الخروج"، إذ يأمر الله هارون أن يأخذ إلى المذبح "رغيفاً واحداً من الخبز وجَرْدقَةً واحدة من الخبز"، ويتساءل:"ولم وُصِف كل من الرغيف والجردقة بأنه واحد، والرغيف لا يكون إلا رغيفاً واحداً رغيف ولا رغيفين ولا ثلاثة، ومثله الجردقة؟ أليس هذا تزيداً في الكلام لا جدوى منه؟ ". هذا ما يقوله المتنطع الأملط العقل مثل "عبد الفاضي"، أما العقلاء فإنهم يحترمون أنفسهم ولا يعترضون.؟ ومثل ذلك ما جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل السادس عشر من سفر "الأحبار" من قول كاتب السفر:"مرة واحدة في السنَّة"، وكذلك قوله في آخر الفصل العشرين عن العرّاف: "فَلْيُقْتَل
قتلاً بالحجارة"، الذي يمكن أن يتحامق فيه أي جهول فيقول: "وهل يمكن أن يُقْتَل أي شيء آخر غير القتل؟ فلماذا قيل إذن: "فَلْيُقْتَلْ قتلاً" ولم يُقَلْ: "فَلْيُقْتَل" فقط؟ وبالمثل يستطيع أي بليد جاهل أن يتساءل عن السّر فيلا جمع السُّبوت في الأعوام السبعة في آخر العبارة التالية بعد أن عُرِف أن المدة هي سبع سنين في كل سنة منها سبعة سبوت: "واحسُبْ لك سبعة سبوت من السنين سبع سنين سبع مرات فتكون لك أيام السبوت السبعة تسعاً وأربعين سنة" قائلاً: "وهل يكون حاصل ضرب 7 في 7 إلا 49؟ ". ثم ما هذه العثكلة في قوله: "سبعة سبوت من السنين سبع سنين سبع مرات" التي توحي بأن مؤلف الكتاب كتبه وهو سكران أو مرهق يريد أن ينام؟ ومثل ذلك أيضاً ما جاء في الآية 24 من الفصل الثامن من سفر "يشوع": "وسقطوا جميعهم بحدَ السيف عن آخرهم" مع أنه كام يكفي، بماء على رأي المتنطع الجهول، أن يقال:"وسقطوا بحد السيف". ومثله قول مؤلف "نبوءة زكريا على لسان الله سبحانه: "في اليوم الرابع والعشرين من الشهر الحادي عشر الذي هو شباط"، إذ يَقْدِر أيُّ نَزِقٍ من كينة المدعوّ عبد الفاضي أن يقول