الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مفسروهم في شرحها اختلافاً شديداً ومازالوا رغم إنهم، كما قلت، لا يتقيدن بمنهج في تفسيرهم.
وأخيراً قد يكون من المفيد أن نشير إلى الطريقة التي شكَّل بها هذا اللعينُ الحروفَ المقطعة في أوائل السُّوَر، فقد ضبط كل حرف فيها بالفتحة (هكذا: أَلَمَ، طَسَ، حَمَ (1) عَسَقَ
…
إلخ) مع أن الصواب هو نطق كل منها كما يُنْطَق في الأبجدية منفرداً. فأنظر أيها القارئ إلى مدى جهل هذا الأحمق الذي يتصدى لنور الله بنفجة من فمه المنتن يظن إنه يقدر أن يطفئه بها!
* * *
ومن اعتراضاته الحمقاء قوله: "كيف يكون القرآن عربياً مبيناً وبه كلمات أعجمية كثيرة
من فارسية وأشورية وسريانية وعبرية ويونانية ومصرية وحبشية وغيرها؟ ". وقد أتبع هذا السؤال الصبياني بقائمة من الألفاظ التي يقال إنها أعجمية (ص 175 - 177) .
وقبل أن أبين ما في كلام هذا الأحمق من سخفٍ جاهلٍ أشير إلى وجهات نظر علمائنا القدامى في هذه المسألة: فبعضهم يقول إن هذه الألفاظ المنسوبة إلى اللغات الأعجمية هي أيضاً الألفاظ عربية، وقد وردت هنا وهناك من باب الإتفاق وتوارد الخواطر. وهذا الرأي
يقول به الطبري والرازي وكثير من العلماء. وقد كنت أستغرب في البداية هذا الكلام، إلى أن تنبهت إلى أن كثير من هذه الألفاظ منسوب لهذه اللغة السامية أو تلك إلى جانب العربية، فمن الطبيعي إذن أن تكون موجودة في لغتنا وفي تلك اللغات في ذات الوقت لأنها كلها منحدرة من م واحدة هي اللغة السامية، مثلما توجد ألفاظ كثيرة مشتركة بين اللغات المتفرعة من اللاتينية. وهناك رأي آخر مُفَاده أن هذه الألفاظ الأعجمية قليلة لا يُعْتَدً بها ولا تُخْرِج القرآن من ثم من عروبته. وهذا القول منسوب إلى ابن عباس وعكرمة وغيرهما. أما الرأي الثالث فيتلخّص في أن العرب قد عَلِقَتْ هذه الألفاظ في أثناء سفرها إلى البلاد المجاورة، لكنهم عرّبوها، أي أعطَوْها شكلَا عربياً حتى جرت مجرى العربي الصريح. ومن أصحاب هذا الرأي أبو القاسم عبيد بن سلام.
وكعادتي في التسليم بما يقول صويحبنا سوف أفترض أن كل هذه الألفاظ هي فعلاً ألفاظ أعجمية، فهل هذا يُخْرِج القرآنَ عن
عروبته؟ أبداً لأنه ما من لغة من اللغات إلا وفيها ألفاظ كثيرة جداً من اللغات الأخرى. بل إن اللغة العالمية الأولى في عصرنا الحالي، وهي الإنجليزية، مفعمة بالآف الألفاظ والعبارات المأخوذة بنصها من اللاتينية والفرنسية والعربية والألمانية والفرنسية واليونانية. وفي الأسبانية، وهي أيضاً إحدى اللغات العالمية، عدد هائل جداً من الكلمات العربية، ولا يقدح ذلك في إسبانيتها. وقل مثل ذلك في الفارسية والتركية والسواحلية والأوردية، ولم يدّع أحد أن هذه اللغات قد فقدت هويتها بسبب ما غزاها من جيوش الألفاظ والعبارات العربية. إن الظن بأن هناك لغة نقية من الألفاظ الأجنبية هو كالظن بأن هناك جنساً من الأجناس البشرية لم تخالط دماءه أية دماء أجنبية قط، وهو ظنًّ طفوليًّ لا يقول به إلا أحمق متنطع كصاحبنا. والعبرة على كل حال بقواعد اللغة وتراكيبها وطرائقها الخاصة بها في التعبير والتصوير وما إلى ذلك. ولنفترض أن هذه الألفاظ مما
يُخْرِج القرآن عن عربيته، فإلى أية جنسية يا ترى ننسبه؟ ثم إن الكتاب المقدس عند هذا الأُحَيْمِق وأشباهه تتداخل فيه لغات شتى كما هو معروف، فلماذا يثير هذه الشبهة إذن؟ بل لماذا لا يثيرها إلا بالنسبة للقرآن ولم يُثِرْها بالنسبة للغة العربية كلها؟ أم إن أفاعي حقده هو ومن وراءه لا تهيج إلا على القرآن فقط؟
وهذا كله على افتراضأن هذه الألفاظ كلها ألفاظ أعجمية. ولقد أثبتَّ في كتابي "دائرة المعارف الإسلامية الاستشراقية - أضاليل وأباطيل" أن معظم ما يقول المستشرقون والمبشرون إن العربية قد استعارته من اللغات السامية الأخرى هو زعم باطل؟ كما أن أحد تلاميذي الذين درسوا معي للحصول على درجة الدكتورية قد انتهى في بحثه إلى أن الأغلبية الساحقة من الألفاظ القرآنية المقول بأعجميتها هي ألفاظ عربية أصلية. وقد ارتكن في دراسته هذه على معرفته ببعض اللغات السامية ورجع إلى كل ما استطاع أن يضع يده عليه من مؤلفاتِ من كتبوا في هذه القضية من عرب ومستشرقين.