الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النار من أفواهما". أليس ينبغي بعد هذا أن يخرس كل سمج وذيل؟
* * *
وهناك شبهات لغوية أخرى أوردها هذا الشقيُّ في مواضع أخرى من كتابه منها قوله: "جاء في فواتح 29 سورة بالقرآن حروف عاطلة
لا يُفْهَم معناها" (يقصد الحروف المقطعة التي في أوائل بعض السور كالبقرة والحِجْر والشورى) ، ثم يختم كلامه متسائلاً: "إن كانت هذه الحروف لا يعلمها إلا الله كما يقولون، فما فائدتها لنا؟ إن الله لا يوحى إلا بما يفيد، فكلام الله بلاغ وبيان وهدى للناس" (ص 175) .
وبادئ ذي بدء أسارع فأقول: أوليس هذا الكون الهائل من صنع الله أيضاً؟ فهل كل شيء فيه مفهوم وواضح للبشر؟ بل هل كل شيء على الأرض وحدها مفهوم لنا وواضح؟ بل هل كل شيء في جسم الإنسان فقط وواضح له؟ أما ما يُفْهَم من قوله إن المسلمين يَرَوْنَ ألا سبيل إلى معرفة معنى هذه الحروف فهذا كلام بعذ العلماء فقط، لكن هناك فريقاً آخر يرى أن المقصود بها تنبيه
المعاندين إلى أن القرآن مؤلف من هذه الحروف وأمثالها، ومع ذلك لا يستطيع أي بشر أن يأتي بمثله ولا بسورة منه. ونحن إذا ما قرأنا الآية التي تلي هذه الحروف في كل سورة تقريباً وجدنا أن هذا تفسيَّر جدً وجيةٍ، كقوله تعالى مثلاً:{الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} (البقرة) ، {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ} (الحِجْر) ، {حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (فُصَّلَتْ) ، {حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الشورى)، إذ المعنى في الشاهد الأخير على سبيل المثال إنه من هذه الحروف وأشباهها (وهذا معنى قوله سبحانه:{كَذَلِكَ} {يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . وقِسْ على ذلك السُّور الباقية، وإن لم يأت التعبير فيها جميعاً على هذا النحو المباشر بل يتنوع من سورةٍ إلى أخرى. أما السورتان أو الثلاث التي لا يوجد في أولها مثل هذه الإشارة، ففي الكلام فيها حذف مالحذف الذي يقابلنا في كثير من آيات القرآن الكريم جرياً على سنة العرب وغير العرب في لغاتهم.
وللمفسرين آراء أخرى في تفسير هذه الحروف: منها مثلاً إنها أسماء للسور التي تبتدئ بها. ومن هذا أننا، عندما كنا صغاراً نحفظ القرآن في الكتاب، كنا نقول مثلاً: لقد وصل فلان في
جفظه للقرآن إلى "الحواميم"، وبعض العلماء يقولون إنها اختصار لأسماء الله، وبعضهم يقول: بل هي اختصار لصفاته تعالى، فإذا أخذنا "ألم" مثلاً فإن "الألف" تشير إلى "آلاء الله"، و"اللام" إلى "لطفه" و"الميم" إلى "مجده وملكه"
…
وهكذا. ومع أن الاتجاه الحديث في التفسير بوجه عام لا يأخذ بهذا الرأي فإنه، رغم كل شيء، أَوْجَهُ من ذلك التفسير البهلواني الذي يدّعى كاتب سفر "نبوءة دانيال" في العهد القديم أن دانيال قد فسَّر به حلم الملك البابلي حين رأى في منامه كتابة مرسومة ليس لها معنّى هذا نصّها:"مَنَا مَنَا تَقِلْ وفَرْسِين"، إذ قال له:"مَنَا أي أحصى الله ملكك وأنهاه. تَقِلْ، أي وُزِنْتَ في الميزان فوُجِدْتَ ناقصاً. فَرِسْ، أي قُسِمَتْ مملكتك ودُفِعْتَ إلى ماداى وفارس". ترى أيمكن أن يدخل في رُوع أحد أن يهودياً منفياً في مملكة ذلك العاهل يمكن أن يجبهه بهذا الكلام الفظيع؟ وأدهى من ذلك وأطمّ أن يدّعى كاتب السفر أن الملك، من إعجابه بهذا التفسير، قد ألبسه الأرجوان وطوّق عنقه بالذهب! إن هذا لهو المستحيل بعينه، إذ لو صحت الرواية لما كان رد فعل الملك شيئاً آخر غير تطيير رقبة اليهودي بالسيق في التوّ واللحظة! على أن المسرحية لمَّا تكتمل فصولاً، إذ تمضي فتقول إن الملك البابلي قد قُتِل في الليلة ذاتها وانتقل ملكه فعلاً إلى الملك
داريوس المادي.
بَيْدَ أن الباحثين في العقود الأخيرة قد توصّلوا، عن طريق استخدام الحاسوب، إلى مغزى إضافي لورود هذه الحروف في أوائل السور، إذ وجدوا أن كل حرف منها هو أكثر الحروف دوراناً في سورته، إما إذا كان هناك حرفان أو أكثر فإن تردّد أولها يكون أكبر عدداً من تردد الثاني، وهذا أكبر عدداً من تردد الثالث
…
وهكذا. ولا تزال الأيام المقبلة حُبْلَى بالكثير من هذه الاكتشافات الخاصة بالحروف والأرقام. ومن العلماء من وجد تناغماًَ مذهلاً بين أعداد المرات التي تتكرر فيها الألفاظ المتقابلة كالجنة والنار، والإنس والجن، وما إلى ذلك مما يجد القارئ شيئاً منه في بحوث المرحوم عبد الرازق نوفل عن الإعجاز العددي في القرآن الكريم.
ثم إن الذي يقرأ كلام ذلك الأحمق يظن أن كتابهم المقدس قد خلا من الألفاظ التي حيّرت مفسريهم رغم أن أسلوبهم في تفسيرِكتبهم يفتقر إلى الإنضباط والمنهجية ويتسع لكل شيء ولأي شيء. ولن أذكر للببغاء إلا مثالاً واحداً هو كلمة "سِلاه" التي وؤدت في "مزامير داود" 63 مرة، وثلاثاً في "نبوءة حَبَقّوق" والتي اختلف