الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما قوله: وقد جعل الله الإغاثة في غيره
…
فهو قول ركيك فاسد المعنى، فإن الله لم يجعل الإغاثة في غيره، بل هو المغيث. على الإطلاق، وإنما جعل لعباده عملاً وكسباً في فرد جزئي مما يستطيعه العبد ويكون في قدرته، وعبارة الزائغ في غاية البشاعة.
وأما قوله: فلهذا نفى النبي صلى الله عليه وسلم الإغاثة كما تقدم حيث قال إنه لا يستغاث إلا بالله.
فليس النفي لما ذكره الزائغ، فإن المخاطبين يعلمون أن الله خالق أفعال العباد، وإنما نفى الاستغاثة عنه حماية للتوحيد وصيانة لجانبه، كما قال لمن قال له: أنت سيدنا وابن سيدنا: "السيد الله، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"1. ولو كان كما زعم الزائغ لنفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كل فعل وكل قول صدر منه، لأنه لا يفعله استقلالاً، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} 2. والزائغ قد خاض فيما لا يدريه وما هو أجنبي عنه، فالحد في الألفاظ النبوية وحرفها وكابر الحس والمعقول، والمنفي في الحديث الاستغاثة لا الإغاثة، وأظن المعترض لا يفرق بينهما.
1 تقدم.
2 سورة الصافات: 96.
(الكلام على شبه الخصم وإبطالها)
الشبهة الأولى: ما أورده ابن حجر في (الجوهر المنظم) والسبكي في كتابه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب؛ أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي. قال الله: يا آدم؛ كيف عرفت محمداً ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لما خلقتني بيدك ونفختَ فيَّ من روحك، رفعتُ رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحبَّ الخلق إليك. فقال له الله: صدقت يا آدم! إنه لأحب الخلق إليّ، وإذ سألتني بحقه
فقد غفرتُ لك، ولولا محمد ما خلقتك"1.
1 حديث باطل. أخرجه الحاكم (2/615) والبيهقي في "دلائل النبوة"(5/488) من طريق: أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعاً.
وقال الحاكم: "صحيح-[وقع في المطبوعة: صيّح]- الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب".
وتعقّبه الذهبي بقوله: "قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واهٍ. قال الحاكم: وهو أول حديث ذكرته له في هذا الكتاب. (قلت) : رواه عبد الله بن مسلم الفهري؛ ولا أدري من ذا، عن إسماعيل بن مسلمة عنه".
وقال شيخ الإسلام- رحمه الله في "قاعدة جليلة"(ص 73- ط. المكتب الإسلامي) أو (1/254- 255- مجموع الفتاوى) : "ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه" اهـ.
وكذا قال الحافظ في "النكت"(1/318) . وانظر كلام الحاكم في "المدخل إلى الصحيح"(1/199/97) .
وقد قال عنه الطحاوي: "حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف".
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل"(5/233- 234) : " ليس بقوي في الحديث، كان في نفسه صالحاً وفي الحديث واهياً".
وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/57) : "كان ممن يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف؛ فاستحق الترك".
وقال البخاري والنسائي: " ضعّفه عليٌّ جداً". وقال الساجي: "منكر الحديث".
وعبد الله بن مسلم الفهري؛ قال عنه الذهبي في "الميزان"(3/218) : "روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبراً باطلاً: "يا آدم لولا محمد ما خلقتك.." اهـ.
والحديث أخرجه الطبراني في "الصغير"(2/82- 83) وفي "الأوسط"(6502) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد به.
وقال: "لا يُروى عن عمر إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به أحمد بن سعيد". وقال في " الأوسط": "لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا ابنه عبد الرحمن، ولا عن ابنه إلا عبد الله بن إسماعيل المدني، ولا يُروى عن عمر إلا بهذا الإسناد".
قلت: لم يتفرد به عبد الله بن إسماعيل؛ بل تابعه إسماعيل بن مسلمة كما تقدم عند الحاكم والبيهقي.
وأخرجه الآجري في "الشريعة"(2/248- 249/1012) موقوفاً على عمر رضي الله عنه.
وهذا من خلط عبد الرحمن بن زيد ووهمه.
خلاصة القول: إن الحديث باطل موضوع؛ وانظر لزاماً ما كتبه العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني حول الحديث في "الضعيفة"(25) .
تنبيه: قال العلامة الفقيه الأصولي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ- حفظه الله ونفع به- في كتابه الماتع "هذه مفاهيمنا"(ص25) هامش رقم (1) : "ومن اللطائف أن طبعة المستدرك الهندية وقع فيها خطأ مطبعي؛ هكذا: "هذا حديث صيّح الإسناد"! وصيح الإسناد من قولك: تصيح الشيء؛ إذا تكسَّرَ. كما في "تاج العروس شرح القاموس" (2/186) . فمعنى: صيح الإسناد: متكسّر الإسناد. وهذه عجيبة، ولله حكمة في وقوع هذا الخطأ؛ فيتبصّروا" اهـ.
قلت: وانظر لمزيد من الفائدة "التوسل أنواعه وأحكامه" للشيخ الألباني- رحمه الله (ص115- وما بعدها) .
والمراد بحقه صلى الله عليه وسلم رتبته ومنزلته لديه تعالى، أو الحق الذي جعله الله سبحانه وتعالى له على الخلق، أو الحق الذي جعله الله تعالى بفضله له عليه.. إلخ.
الجواب: أن يقال: هذا الحديث لا أصل له، بل الثابت عند أهل العلم والمفسرين أن قوله تعالى:{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} 1. نزل في توبة آدم، وهذه الكلمات هي المفسرة بقوله تعالى: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} 2. وهذا مروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن يزيد.
وعن ابن عباس، قال: علم شأن الحج 3.
وعن عبيد بن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب؛ خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته عليّ قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل كتبته عليك قبل
1 سورة البقرة: 37.
2 سورة الأعراف: 23.
3 أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"(1/91/408) بإسناد ضعيف.
أن أخلقك، قال: فكما كتبته عليَّ فاغفره لي. فذلك قوله: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} 1.
وعن ابن عباس؛ قال آدم عليه السلام: ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. ونفخت فيّ من روحك؟ قيل له: بلى. وعطست فقلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل: بلى. وكتبت عليَّ أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى. قال: أفرأيت إن تبتُ هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم2. وكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير، وسعيد بن معبد. ورواه الحاكم في مستدركه إلى ابن عباس3. وروى ابن أبي حاتم حديثاً مرفوعاً شبيهاً بهذا4.
وعن مجاهد قال الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم"5. وهذا ما عليه المفسرون، لا ما قاله الغلاة. فإن كان بعض من لا بصيرة له قد ذكره فالحجة فيما ثبت عن الصحابة وعن سلف الأمة وأئمتها، ولا يجوز تفسير القرآن بأقوال شاذة أو موضوعة لا تثبت عند أهل العلم والحديث وأئمة التصحيح والترجيح.
1 أخرجه ابن أبي حاتم (1/1 9/409) وابن جرير في "تفسيره"(1/رقم: 781- 784) وأبو نعيم في "الحلية"(3/273) وأبو الشيخ في "العظمة"(رقم: 1011) .
وانظر: "تفسير ابن كثير" بتحقيق الشيخ الحويني- سلمه الله- (2/308) .
2 أخرجه ابن أبي حاتم (1/90- 91/407) بإسناد منقطع.
3 "المستدرك"(2/545) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
وقال الشيخ الحويني في تحقيقه على " تفسير ابن كثير"(2/309) : "إسناد جيد" وانظر باقي كلامه هناك.
4 أخرجه ابن أبي حاتم (1/90/406) وقال الحافظ ابن كثير: "هذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع".
5 أخرجه ابن أبي حاتم (1/91/411) وصححه الشيخ الحويني (2/311) .
ولما روى ابن حميد الرازي الحكاية المنسوبة إلى مالك رحمه الله مع أبي جعفر المنصور- وفيها أنه سأل مالكاً فقال: يا أبا عبد الله، أستقبل القبلة وأدعو، أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى الله يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به. فرد الحفاظ على ابن حميد هذه الحكاية، وذكروا أن إسنادها مظلم منقطع، مشتمل على من يتهم بالكذب، وقالوا: ابن حميد كثير المناكير، ولم يسمع من مالك شيئاً، بل روايته عنه منقطعة، ومحمد بن حميد الرازي هذا تكلّم فيه غير واحد من الأئمة ونسبه بعضهم إلى الكذب1.
الشبهة الثانية: أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله لي أن يعافيني.
فقال: "إن شئتَ دعوتُ وإن شئتَ صبرتَ، وهو خير لك" إلى أن قال: فأمره أن يتوضأ فيُحْسِنُ وضوءَه ويدعو بهذا الدعاء: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم نبيّ الرحمة، يا محمد؛ إني أتوجه بك إلى ربي في قضاء حاجتي لتقضي لي، اللهم شفّعه فيّ" فقام وقد أبصر.. إلخ 2.
1 انظر الكلام على هذه القصة وبيان كذبها في "قصص لا تثبت"(5/13- وما بعدها) إعداد: سليمان بن صالح الخراشي.
2 حديث صحيح. أخرجه أحمد (4/138) أو رقم (17288، 17289- قرطبة) والترمذي (3578) والنسائي في "الكبرى"- عمل اليوم والليلة- (6/169/10495) وابن ماجه (1385) والطبراني في "الكبير"(19/رقم: 8311) وفي "الدعاء"(2/1289/1051) والحاكم (1/313، 519) والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/166) والبخاري. في "التاريخ الكبير"(6/210) وعبد بن حميد (379) .
من طريق: شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف؛ أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم.. فذكره. وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح غريب".
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "التوسل"(ص 75- 76) .
وتابع شعبة عليه حمادُ بن سلمة عند: أحمد (4/138) أو رقم (17290- قرطبة) والنسائي في "الكبرى"- عمل اليوم والليلة- (6/168- 169/10494) والبخاري في "التاريخ الكبير"(6/209) .
قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي- رحمه الله: خالفهما-[أي: حماد وشعبة]- هشام الدستوائي وروح بن القاسم؛ فقالا: عن أبي جعفر عمير بن يزيد بن خماشة-[ووقع في مطبوعة السنن الكبرى: خراشة! فلتصحح]- عن أبي أمامة بن سهل عن عثمان بن حنيف" اهـ.
قلت: أما حديث هشام الدستوائي فأخرجه: النسائي في "الكبرى"(6/169/10496) والبيهقي في "دلائل النبوة"(6/168) والبخاري في "التاريخ الكبير"(6/210) .
وحديث روح بن القاسم أخرجه: البخاري في "التاريخ الكبير"(6/210) والحاكم في "المستدرك"(1/526) والبيهقي في "الدلائل"(6/167-168) والطبراني في "المعجم الكبير"(9/رقم: 8311) وفي " الصغير"(1/183-184) وفي "الدعاء"(2/1287-1289/1050) وابن السني في "عمل اليوم والليلة"(628) .
وانظر لزاماً "التوسل" للألباني (ص 75- وما بعدها) .
وانظر لتوجيه الحديث: المصدر السابق، و"قاعدة جليلة" لشيخ الإسلام، و"تحفة الأحوذي" للمباركفوري (10/33- وما بعدها) .
والجواب ما ذكره بعض أهل الحديث حيث قال: اعلم أن الجواب عنه يعلم من تأمل معناه، فقوله:"اللهم إني أسألك" أي: أطلب منك. "وأتوجه إليك بنبيك محمد" صرح باسمه، مع ورود النهي عن ذلك، تواضعاً منه صلى الله عليه وسلم لكون التعليم من قبله، وفي ذلك قَصْرُ السؤال الذي هو أصل الدعاء على الله الملك المتعال، ولكنه توسّل بالنبي؛ أي: بدعائه، ولذا قال في آخره:"اللهم فشفّعه فيَّ " إذ شفاعته لا تكون إلا بالدعاء لربه قطعاً، ولو كان المراد التوسل بذاته فقط لم يكن لذلك التعقيب معنى، إذ التوسل بقوله "بنبيك" كافٍ في إفادة هذا المعنى. فقوله:" يا محمد إني توجّهتُ بك إلى ربي". قال الطيبي1: الباء في بك للاستعانة، وقوله:"إن توجهت بك" بعد قوله: إليك؟ فيه معنى قوله: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} 2. فيكون خطاباً لحاضر معاين في قلبه مرتبط بما توجه به عند ربه من سؤال نبيه بدعائه الذي هو عين شفاعته، ولذلك أتى بالصيغة الماضوية بعد الصيغة المضارعية المفيد كل ذلك أن هذا الداعي قد توسل بشفاعة نبيه في دعائه، فكأنه
1 في "شرحه على المشكاة"(6/1931- ط. الباز) .
2 سورة البقرة: 255.
استحضره وقت ندائه، ومثل ذلك كثير في المقامات الخطابية والقرائن الاعتبارية. فقوله:"في حاجتي هذه لتقضى لي" أي: ليقضيها لي ربي بشفاعته فيّ؛ أي: دعائه. وذلك مشروع مأمور به، فإن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كانوا يطلبون منه الدعاء وكان يدعو لهم، وكذلك يجوز الآن أن تأتي رجلاً صالحاً فتطلب منه الدعاء لك، بل يجوز للأعلى أن يطلب من الأدنى الدعاء له كما طلب النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء من عمر بن الخطاب رضي الله عنه في عمرته، بأن قال:"لا تنسنا يا أخي من دعائك"1 قال عمر رضي الله عنه: ما يسرني بها حمر النّعم.
قال المناوي2: "سأل الله أولاً أن يأذن لنبيه أن يشفع له، ثم أقبل على النبي ملتمساً شفاعته له، ثم كر مقبلاً على ربه أن يقبل شفاعته. والباء في بنبيك للتعدية، وفي بك للاستعانة. وقوله: "اللهم فشفّعهُ فيّ " أي: اقبل شفاعته في حقي، والعطف على مقدر3، أي: اجعله شفيعاً لي فشفّعه ".
وكل هذه المعاني دالة على وجود شفاعته بذلك، وهو دعاؤه صلى الله عليه وسلم بكشف عاهته، وليس ذلك بمحظور، غاية الأمر أنه توسل من غير دعاء، بل هو نداء لحاضر، والدعاء أخص من النداء، إذ هو نداء عبادة شاملة للسؤال بما لا يقدر عليه إلا الله، وإنما المحظور السؤال بالذوات لا مطلقاً بل على معنى أنهم وسائل لله بذواتهم، وأما كونهم وسائل بدعائهم فغير محظور، وإذا اعتقد أنهم وسائل لله بذواتهم فسأل منهم االشفاعة للتقرب إليهم فذلك عين ما كان عليه المشركون الأولون.
1 حديث ضعيف. أخرجه أحمد (1/29) أو رقم (195- شاكر) وأبو داود (1498) والترمذي (3562) وابن ماجه (2894) وغيرهم.
وضعّف إسناده العلامة أحمد شاكر في تحقيقه على "المسند". والألباني في تحقيقه على "المشكاة"(2/695/2248) .
2 في "فيض القدير"(3/1376- ط. الباز) .
3 هكذا عبارة الأصل، وفي "فيض القدير":"ولتقضى" عطف على "أتوجه إليك بنبيك" أي:
…
".
وأما ورود هذا الحديث عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه في زمن عثمان ففي سنده مقال1، فكيف يعارض به جميع كتب الله وسنة رسوله وعمل أصحابه؟ وهل سمعتَ أحداً منهم جاء إليه صلى الله عليه وسلم بعد وفاته إلى قبره الشريف فطلب منه ما لا يقدر عليه إلا الله؟ وهم حريصون على مثل هذه المثوبات، لاسيما والنفوس مولعة بقضاء حوائجها، تتشبّث بكل ما تقدر عليه، فلو صحّ عند أحدهم أدنى شيء من ذلك لرأيتَ أصحابه يتناوبون قبره الشريف في حوائجهم زمراً زمراً، ومثل ذلك تتوفر الدواعي على نقله، ولا وسّع الله طريقاً لم يتسع للصحابة والتابعين وصلحاء، علماء الدين.
الشبهة الثالثة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسَّلَ بالعباس رضي الله عنه في الاستسقاء ولم يُنكر عليه2. وكان حكمة توسّله به دون النبي صلى الله عليه وسلم وقبره إظهار غاية التواضع لنفسه والرفعة لقرابته صلى الله عليه وسلم، ففي توسله بالعباس توسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم وزيادة.. إلخ.
والجواب: أن المراد من التوسل الدعاء لهم، يدل عليه ثبوت دعائه لهم بطلب السقيا كما جاءت به بقية الروايات، وهذا المعنى هو الذي عناه الفقهاء في كتبهم ومرادهم: التوجه إلى الله بدعاء الصالحين بأن يدعو لهم، ولو كان التوسل بالذوات هو المطلوب والمدلول الذي أقاموا عليه الدليل- وهم بمقتضى دليلهم لا يخصون الأحياء بهذا التوسل، ويستحبون التوسل بالذوات الشريفة، ولو بندائهم ودعائهم كما مرَّ تقريره من دليلهم، وأنه على معنى أن الشفعاء يدعون لهم. وقالوا: لا مانع من ذلك عقلاً وشرعاً فإنهم أحياء في قبورهم- لكان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر المهم وهم عنده بالمدينة أولى، ولكان قولهم- كما في رواية البخاري أن عمر بن الخطاب استسقى بالعباس، وقال:"اللهم إنا كنا إذا أجدَبْنَا توسَّلنا إليك بنبيك فتسقينا، وإنا نتوسَّل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيُسْقَوْنَ"-
1 انظر "التوسل" للعلامة الألباني (ص 90- وما بعدها) .
2 أخرجه البخاري (1010) .