الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} 1.
أخرج ابن إسحاق وابن جرير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهودياً. وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانياً، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية المنادية على جهلهم وغباوتهم"2. انتهى.
فَوَازِنْ بين النبهاني وبين إخوانه تجد الفريقين كما قال القائل:
رضيعي لبان ثدي أم تقاسما
…
باسم داج عوض لا نتفرق
وأما قوله: ولاسيما فيما يتعلق بسيد المرسلين.. إلخ.
1 سورة آل عمران: 65- 66.
2 أخرجه ابن جرير (6/484/7194) والبيهقي في "الدلائل"(5/384) وهو في "السيرة النبوية" لابن هشام (1/553) .
[الرد على النبهاني فيما ادّعاه من أن ابن تيمية مُخِلٌّ بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم]
فإنه يدل على أن ابن تيمية مخل بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم، وبه صرح مراراً، حيث قال: إن ابن تيمية حيث لم يجوّز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دعاءه ولا الالتجاء إليه ولا شد الرحل إلى زيارة قبره.
فاعلم أن حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه باتباع شريعته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وحبه وتعظيمه بما ذكره الخصم؛ هو من قبيل تعظيم النصارى لعيسى، وغلوهم في الأنبياء والرسل عليهم السلام، قال تعالى:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} 3.
3 سورة النساء: 171.
والغلو في المخلوق هو أعظم أسباب عبادة الأصنام والصالحين، كما كان في قوم نوح من عبادة نسر وسواع ويغوث ويعوق ونحوهم، وكما كان من عبادة النصارى للمسيح عليه السلام، وهذا هو القول على الله بغير الحق.
والمقصود؛ أن مراعاة حقوق النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون بالمحافظة على شريعته لا بما يقول النبهاني الغبي، ومن المعلوم ما كان عليه ابن تيمية من اتباع السنن، والمحافظة على الشريعة الغراء، ومزيد الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أنه عقد فصلاً في كتابه (الصارم المسلول) لبذل الأموال وسفك الدماء في تعزير رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره. وفصلاً آخر في فرض الله علينا تعزيره وتوقيره. وفصلاً آخر في أن قيام المدحة والتعظيم والثناء عليه صلى الله عليه وسلم قيام الدين كله. وفصلاً آخر في أن شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين قتله. وفصلاً آخر في أن الله تعالى أوجب لنبيه صلى الله عليه وسلم حقوقاً زائدة على القلب واللسان والجوارح، وأن سبه سب لجميع المسلمين، وطعن في دينهم. وفصلاً آخر في أن التعظيم والمحبة للرسول صلى الله عليه وسلم لازم للإيمان. وفصلاً آخر في بيان حكم الطعن في نسبه أو خلقه أو خُلقه أو أمانته أو وفائه أو صدقه. وذكر فصولاً أخرى مهمة كلها تدل على ما انطوى عليه من مزيد حبه وأدبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إنه قال نقلاً عن القاضي عياض: "جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به شبهة بشيء على طريق السب له والإزراء عليه أو البغض منه والعيب له؛ فهو سابٌّ له، والحكم فيه حكم الساب يقتل، ولا تستثن فصلاً من فصول هذا الباب عن هذا المقصد، ولا تمتر فيه تصريحاً كان أو تلويحاً، وكذلك من لعنه، أو تمنى مضرة له، أو دعا عليه، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عيبه في جهة الغريزة بسخف من الكلام، وهجر ومنكر من القول وزوراً، أو عيره بشيء مما يجري من البلاء والمحنة عليه، أو غمضه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهود لديه، قال: وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من لدن أصحابه، وهلم جراً.
وقال ابن القاسم؛ عن مالك: من سب النبي صلى الله عليه وسلم قُتل، ولم يُستتب. قال ابن
القاسم: أو شتمه أو عابه أو تنقّصه، فإنه يقتل كالزنديق، وقد فرض الله توقيره.
وكذلك قال مالك في رواية المدنيين عنه من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو شتمه أو عابه أو تنقصه قتل مسلماً كان أو كافراً ولا يستتاب. وروى ابن وهب عن مالك: من قال إن رداء النبي صلى الله عليه وسلم وسخ وأراد به عيبه قتل. وروى بعض المالكية إجماع العلماء على من دعا على نبي من الأنبياء بالويل أو بشيء من المكروه أنه يقتل بلا استتابة. وذكر القاضي عياض أجوبة جماعة من فقهاء المالكية المشاهير بالقتل بلا استتابة في قضايا متعددة أفتى في كل قضية بعضهم وفصلها" انتهى ما قصدنا نقله من كتاب (الصارم المسلول)1. وهو كتاب جليل يدل دلالة صريحة على ما كان عليه مؤلفه من المحبة بالاتباع، وبه يسقط كل ما هذى به النبهاني من الباطل والزور.
قال النبهاني: ويقوي عدم اعتبار نقل ابن تيمية في بعض ما ينقله ما قاله في حقه الحافظ العراقي الكبير، وها أنا أنقله تتميماً للفائدة وتقوية للحجة، وإن لم يكن مما نحن فيه، فأقول: قد اطلعت على جزء لطيف تأليف الحافظ العراقي، شيخ الحافظ ابن حجر والإمام العيني، تكلم فيه على أكل الدجاج والحبوب والتوسعة على العيال يوم عاشوراء، رد به على الإمام ابن تيمية في منعه ذلك، ثم إنه أورد الرسالة بتمامها.
جوابه: أن ما ذكرناه سابقاً بل ويأتي أيضاً من ثناء أهل العلم وأكابر المحدثين وعدهم له من أكابر الحفاظ يستوجب سقوط ما ذكره النبهاني من عدم اعتبار نقله، وهو الثقة الصدوق، شهد له بذلك أحباؤه وخصومه، ولم يخالف في ذلك أحد، حتى إن علماء الحديث قالوا: كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فهو ليس بحديث، فانظر إلى هذه المنزلة العظيمة والدرجة العليا من الصدق، وما نقله عن العراقي- إن صح نقله- فهو دليل على جهله وعدم معرفته بأحكام الدين، فإن تخصيص يوم عاشوراء بشيء من الأمور الدينية والدنيوية مما لا أصل له، كما عليه
1 انظر "الصارم المسلول "(3/978- 980) .