الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ
(279)
(فإن لم تفعلوا) يعني ما أمرتم به من الاتقاء وترك ما بقي من الربا (فأذنوا) قريء بكسر الذال والمد على وزن آمنوا ومعناه فأعلموا بها غيركم من آذن بالشيء إذا أعلم به، وقيل هو من الأذن وهو الاستماع لأنه من طرق العلم، وقرىء بفتح الذال مع القصر ومعناه فاعلموا أنتم وأيقنوا.
(بحرب من الله ورسوله) قال ابن عباس: يقال لآكل الربا يوم القيامة خذ سلاحك للحرب.
قال أهل المعاني: الحرب هنا السيف، وقيل المراد بهذه المحاربة المبالغة في الوعيد والتهديد دون نفس الحرب، وقيل بل نفس الحرب، وذلك إن كان آكل الربا ذا شوكة لا ينزع عنه فحق على الإمام أن يحاربه، والأول أولى.
وقد دلت هذه الآية على أن أكل الربا والعمل به من الكبائر، ولا خلاف في ذلك وتنكير الحرب للتعظيم وزادها تعظيماً نسبتها إلى اسم الله الأعظم وإلى رسوله الذي هو أشرف خليقته.
(وإن تبتم) من الربا (فلكم رؤوس أموالكم) تأخذونها دون الزيادة (لا تظلمون) غرماءكم بأخذ الزيادة مستأنفة أو حال من الكاف في لكم (ولا تظلمون) أنتم من قبلهم بالمطل والنقص، والجملة حالية أو استئنافية، وفي هذا دليل على أن أموالهم مع عدم التوبة حلال لمن أخذها من الأئمة ونحوهم ممن ينوب عنهم.
وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)
(وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة) لما حكم سبحانه لأهل الربا برؤوس أموالهم عند الواجدين للمال حكم في ذوي العسرة بالنظِرة إلى يسار، والعسرة ضيق الحال من جهة عدم المال ومنه جيش العسرة، والنظِرة التأخير، والميسرة مصدر بمعنى اليسر، وارتفع ذو بكان التامة التي بمعنى وجد، وهذا قول سيبويه وأبي علي الفارسي وغيرهما وفي مصحف أُبيّ وإن كان ذا عسرة على معنى وإن كان المطلوب ذا عسرة.
وقرأ الأعمش (وإن كان معسراً) قال النحاس ومكي والنقاش: وعلى هذا يختص لفظ الآية بأهل الربا، وعلى من قرأ ذو فهي عامة في جميع من عليه دين وإليه ذهب الجمهور.
وقد وردت أحاديث صحيحة في الصحيحين وغيرهما في الترغيب لمن له دين على معسر أن يُنْظِرَه، وفي ثواب إنظار المعسر والوضع عنه وتشديد أمر الدين والأمر بقضائه، وهي معروفة يطول ذكرها، والميسرة في اللغة اليسار والسعة.
(وأن تصدقوا خير لكم) أي على معسري غرمائكم بالإبراء من كل الدين أو بعضه، وفيه الترغيب لهم بأن يتصدقوا برؤس أموالهم على من أعسر وجعل ذلك خيراً من إنظاره، قاله السدى وابن زيد والضحاك.
قال الطبري وقال آخرون: معنى الآية وأن تصدقوا على الغني والفقير
خير لكم، والصحيح الأول، وليس في الآية مدخل للغني (إن كنتم تعلمون) جوابه محذوف أي إن كنتم تعلمون أنه خير لكم عملتم به، وفي الحديث:" من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله "(1) رواه مسلم.
(1) مسلم 3006.
(واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) هو يوم القيامة وتنكيره للتهويل، وذهب قوم إلى أن هذا اليوم المذكور هو يوم الموت، وذهب الجمهور إلى أنه يوم القيامة كما تقدم، قرىء ترجعون بفتح التاء أي تصيرون فيه إلى الله، وقرىء بضمها وفتح الجيم أي تردون فيه إليه.
(ثم توفّى كل نفس) من النفوس المكلفة (ما كسبت) أي جزاء ما كسبت يعني عملت من خير أو شر (وهم لا يظلمون) أي في ذلك اليوم، والجملة حالية وجمع الضمير لأنه أنسب بحال الجزاء كما أن الإفراد أنسب بحال الكسب.
وهذه الآية فيها الموعظة الحسنة لجميع الناس، وفيها وعيد شديد وزجر عظيم.
عن ابن عباس قال: آخر آية نزلت من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، وكان بين نزولها وبين موت النبي صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون يوماً.
وعن سعيد بن جبير أنه عاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال ثم مات، وقيل سبعاً وقيل ثلاث ساعات ومات صلى الله عليه وسلم لليلتين خلتا من ربيع الأول في يوم الإثنين، حين زاغت الشمس سنة إحدى عشرة من الهجرة، قال الخفاجي: وكون هذه الآية آخر آية مذكور في كتب الحديث مصحح.