الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
(154)
(ثم أنزل عليكم) يا معشر المسلمين (من بعد الغم) التصريح بالبعدية مع دلالة ثم عليها وعلى التراخي لزيادة البيان وتذكير عظم النعمة (أمنة) الأمنة والأمن سواء، وقيل الأمنة إنما تكون مع بقاء أسباب الخوف والأمن مع عدمه وكان سبب الخوف بعد باقياً (نعاساً) وهو أخفّ من النوم بدل كل أو اشتمال، واختاره السمين.
(يغشى طائفة منكم) قال ابن عباس إنما ينعس من يأمن، والخائف لا ينام، والطائفة تطلق على الواحد والجماعة، وهذه الطائفة هم المؤمنون الذين خرجوا للقتال طلباً للأجر، والطائفة الآتية هم معتب بن قشير وأصحابه، وكانوا خرجوا طمعاً في الغنيمة وجعلوا يتأسفون على الحضور، ويقولون الأقاويل.
وقد ثبت في صحيح البخاري وغيره أن أبا طلحة قال غشينا ونحن في مصافّنا يوم أحد فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه فذلك قوله يعني هذه الآية (1).
(1) ابن كثير 1/ 418.
(وعن الزبير بن العوام قال رفعت رأسي يوم أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت حجفته من النعاس وتلا هذه الآية (1).
(وطائفة قد أهمتهم أنفسهم) حملتهم على الهم، أهمني الأمر أقلقني وجاز الإبتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال أو مستأنفة، وقيل إن المعنى صارت أنفسهم همهم لا هم لهم غيرها فلا رغبة لهم إلا نجاتها دون النبي وأصحابه فلم يناموا وهم المنافقون، وفي إلقاء النعاس على المؤمنين دون المنافقين آية عظيمة ومعجزة باهرة لأن النعاس كان سبب أمن المؤمنين وعدم النعاس عن المنافقين كان سبب خوفهم.
(يظنون بالله) أي في الله أي في حكمه والجملة استئناف على وجه البيان لما قبله ظناً (غير الحق) الذي يجب أن يظن به وهو ظنهم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باطل، وأنه لا ينصر ولا يتم ما دعا إليه من دين الحق (ظن الجاهلية) بدل من غير الحق وهو الظن المختص بملة الجاهلية، قاله القاضي فهو من إضافة الموصوف إلى مصدر الصفة أو من إضافة المصدر إلى الفاعل على حذف المضاف أي ظن أهل الجاهلية وأهل الشرك قاله التفتازاني.
(يقولون) لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (هل لنا من الأمر من شيء) أي من أمر الله نصيب، وهذا الاستفهام معناه الجحد أي ما لنا شيء من الأمر وهو النصر والاستظهار على العدو. وقيل هو الخروج أي إنما خرجنا
مكرهين فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله.
(قل إن الأمر كله لله) وليس لكم ولا لغيركم منه شيء فالنصر بيده والظفر منه (يخفون) أي يضمرون (في أنفسهم) ويقولون فيما بينهم بطريق الخفية (ما لا يبدون لك) من الكفر والشرك والشك في وعد الله، وقيل يخفون الندم على خروجهم مع المسلمين، وقيل النفاق، بل يسألونك سؤال المسترشدين. والجملة حال.
(يقولون لو كان لنا من الأمر شيء) استئناف على وجه البيان له، أو بدل من يخفون والأول أجود كما في الكشاف (ما قتلنا ههنا) أي ما قتل من قتل منا في هذه المعركة، فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله (قل لو كنتم) قاعدين (في بيوتكم) بالمدينة كما تقولون (لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم) أي لم يكن بد من خروج من كتب عليه القتل في اللوح المحفوظ بسبب من الأسباب الداعية إلى البروز إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها فإن قضاء الله لا يردّ وحكمه لا يعقب.
وفيه مبالغة في رد مقالتهم الباطلة حيث لم يقتصر على تحقيق نفس القتل بل عين مكانه أيضاً، ولا ريب في تعين زمانه أيضاً لقوله (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة).
(وليبتلي الله) علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل لها أخرى مطوية للإيذان بكثرتها كأنه قيل فعل ما فعل لصالح جمة وليبتلي أي ليمتحن (ما في صدوركم) أي قلوبكم من الإخلاص والنفاق (وليمحص) أي يميز (ما في قلوبكم) من وساوس الشيطان (والله عليم بذات الصدور) يعني بالأشياء الموجودة في الصدور وهي الأسرار والضمائر الخفية التي لا تكاد تفارق الصدور، بل تلازمها وتصاحبها لأنه عالم بجميع المعلومات.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)
(إن الذين تولوا منكم) عن القتال (يوم التقى الجمعان) جمع المسلمين وجمع الكفار أي انهزموا يوم أحد، وقيل المعنى إن الذين تولوا المشركين يوم أحد (إنما استزلّهم الشيطان) استدعى زللهم بإلقاء الوسوسة في قلوبهم (ببعض) أي بشؤم بعض (ما كسبوا) من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قيل لم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة عشر رجلاً؛ وقيل أربعة عشر. من المهاجرين سبعة ومن الأنصار سبعة، فمن المهاجرين أبو بكر وعمر وعلي وطلحة بن عبيد الله وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهم. وقيل استزلّهم بتذكير خطايا سبقت لهم فكرهوا أن يقتلوا قبل إخلاص التوبة منها، وهذا اختيار الزجاج.
(ولقد عفا الله عنهم) لتوبتهم واعتذارهم. عن عبد الرحمن بن عوف قال: هم ثلاثة واحد من المهاجرين وإثنان من الأنصار، وعن ابن عباس قال: نزلت في عثمان ورافع بن المعلى وخارجة بن زيد، وقد روي في تعيين من في الآية روايات كثيرة (إن الله غفور) لمن تاب وأناب (حليم) لا يعجل بالعقوبة ولا يستأصلهم بالقتل.
(يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا) هم المنافقون الذين
قالوا: لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ههنا (وقالوا لإخوانهم) في النفاق أو في النسب أي قالوا لأجلهم (إذا ضربوا) أي ساروا وسافروا وبعدوا (في الأرض) للتجارة ونحوها، قال مجاهد: هذا قول عبد الله بن أبي بن سلول والمنافقين وعن السدّى نحوه (أو كانوا غزّاً) جمع غاز كراكع وركّع وغائب وغيّب وقياسه غزاة كرام ورماة (لو كانوا) مقيمين (عندنا ما ماتوا وما قتلوا) أي لا تقولوا كقولهم.
(ليجعل الله ذلك) يعني قولهم وظنهم في عاقبة أمرهم، والجعل هنا بمعنى التصيير واللام لام العاقبة (حسرة في قلوبهم) يعني غماً وتأسفاً أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم، والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ولم يحضروا ما قتلوا حسرة، وقيل معناه لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم.
قال الزمخشري: هو النطق بالقول والاعتقاد، وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم، وأجاز ابن عطية أن يكون النهي والانتهاء معاً وقيل المراد حسرة يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة.
(والله يحيى ويميت) فيه رد على قولهم أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد فيحيي من يريد. ويميت من يريد، من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك .. فإنه تعالى قد يحيى المسافر والغازي مع اقتحامهما لموارد الموت. ويميت المقيم والقاعد مع حيازتهما لأسباب السلامة.
والمعنى أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت، والقعود لا يمنع منه.
(والله بما تعملون) بالتاء والياء من خير وشر (بصير) فيجازيكم به فاتقوه تهديد للمؤمنين أي لا تكونوا مثل المنافقين المذكورين في تنفير المؤمنين عن الجهاد. أو وعيد للذين كفروا، واللفظ عام شامل لقولهم المذكور ولمنشئه الذي هو اعتقادهم.
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
(ولئن) وقع ذلك من أمر الله سبحانه و (قتلتم في سبيل الله أو متم) شروع في تحقيق أن ما يحذرون ترتبه على الغزو والسفر من القتل والموت في سبيل الله ليس مما ينبغي أن يحذر وبل مما يجب أن يتنافس فيه المتنافسون أثر إبطال ترتبه عليهما.
قرىء متم بضم الميم وكسرها من يموت ويمات وهما قراءتان سبعيّتان (لمغفرة من الله) لذنوبكم (ورحمة) منه لكم من العاقبة (خير مما يجمعون) أي الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم.
وقرىء بالتاء والمعنى مما تجمعون أيها المسلمون من غنائم الدنيا ومنافعها، والمقصود في الآية بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة.
(ولئن متّم أو قتلتم) على أي وجه اتفق هلاككم حسب تعلق الإرادة الإلهية، وقرىء متم بكسر الميم من مات يمات (لإلى الله) أي إلى الرب الواسع الرحمة والمغفرة لا إلى غيره كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف والقهر (تحشرون) في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم. قيل من عبد الله خوفاً من ناره آمنه الله مما يخاف، وإليه الإشارة بقوله لمغفرة من الله، ومن عبده شوقاً إلى جنته أناله ما يرجو، وإليه الإشارة بقوله (ورحمة) لأن الرحمة هي الجنة، ومن عبده شوقاً إلى وجهه الكريم لا يريد غيره فهذا هو العبد المخلص الذي يتجلى
له الحق سبحانه في دار كرامته، وإليه الإشارة بقوله (لإلى الله تحشرون).
(فبما رحمة من الله لنت لهم)" ما " فاصلة غير كافية مزيدة للتأكيد قاله سيبويه وغيره، وقال ابن كيسان والأخفش: إنها نكرة في موضع الجر بالباء، ورحمة بدل منها، والأول أولى بقواعد العربية، ومثله قوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم) والجار والمجرور متعلق بقوله (لنت) وقدم عليه لإفادة القصر، وتنوين رحمة للتعظيم.
والمعنى أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه، وقيل إن ما استفهامية والمعنى فبأي رحمة من الله لنت لهم، وفيه معنى التعجب وهو بعيد، ولو كان كذلك لقيل فيم رحمة بحذف الألف، والمعنى سهلت لهم أخلاقك وكثرت احتمالك، ولم تسرع إليهم بتعنيف: على ما كان يوم أحد منهم.
وفيه تلوين للخطاب وتوجيه له إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والفاء لترتيب مضمون الكلام على ما ينبىء عنه السياق من استحقاقهم للملامة والتعنيف بموجب الجبلة البشرية أو من سعة ساحة مغفرته تعالى ورحمته.
(ولو) لم تكن كذلك بل (كنت فظاً غليظ القلب) أي جافياً قاسي الفؤاد سيء الخلق قليل الاحتمال، والفظ الغليظ الجافي، وقال الراغب: الفظ هو الكريه الخلق، وذلك مستعار من الفظ وهو ماء الكرش وذلك مكروه شربه إلا في ضرورة، وغلظ القلب قساوته، وقلة إشفاقه وعدم إنفعاله للخير، وجمع بينهما تأكيداً.
(لانفضوا من حولك) أي لنفروا عنك وتفرقوا حتى لا يبقى منهم أحد عندك، والانفضاض التفرق في الأجزاء وانتشارها، ومنه فضّ ختم الكتاب، ثم استعير هنا لانفضاض الناس وغيرهم أي لتفرقوا عن حولك هيبة
لك واحتشاماً منك بسبب ما كان من توليهم، وإذا كان الأمر كما ذكر (فاعف عنهم) فيما يتعلق بك من الحقوق (واستغفر لهم) الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه.
(وشاورهم في الأمر) الذي يرد عليك أي أمر كان مما يشاور في مثله أو في أمر الحرب خاصة كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم، واستجلاب مودتهم، ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منهم أحد بعدك.
قال السمين: جاء على أحسن النسق وذلك أنه أمر أولاً بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصة نفسه، فإذا انتهوا إلى هذا المقام أمر أن يستغفر لهم ما بينهم وبين الله لتنزاح عنهم التبعات، فلما صاروا إلى هنا أمر بأن يشاورهم في الأمر إذ صاروا خالصين من التبعتين متصفّين منهما انتهى.
والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها، قال أهل اللغة الاستشارة مأخوذة من قول العرب شرت الدابة وشورتها إذا علمت خيرها، وقيل من قولهم شرت العسل إذا أخذته من موضعه.
قال ابن خواز منداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وفيما أشكل عليهم من أمور الدنيا ومشاورة وجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح ووجوه الكتاب والعمال والوزراء فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها.
وحكى القرطبي عن ابن عطية أنه لا خلاف في وجوب عزل من لا يستشير أهل العلم والدين.
وأخرج ابن عدي والبيهقي في الشعب قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس قال لما نزلت (وشاورهم في الأمر) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما إن الله
ورسوله لغنيّان عنها ولكن الله جعلها رحمة لأمتي، فمن استشار من أمتي لم يعدم رشداً، ومن تركها لم يعدم غيّاً.
وعنه في الآية قال هم أبو بكر وعمر، وقال الحسن قد علم الله أن ما به إلى مشاورتهم حاجة، ولكن أراد أن يستنّ به من بعده من أمته.
وقيل أمره بها ليعلم مقادير عقولهم وأفهامهم لا ليستفيد منهم رأياً، وروى البغوي بسنده عن عائشة أنها قالت ما رأيت رجلاً أكثر استشارة للرجال من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وللاستشارة فوائد كثيرة ذكرها بعض المفسرين لا نطول بذكرها، ويغني عنها أمر الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بها، ولنعم ما قيل في ذلك.
وشاور إذا شاورت كل مهذب
…
لبيب أخي حزم لترشد في الأمر
ولا تك ممن يستبد برأيه
…
فتعجز أو لا تستريح من الفكر
ألم تر أن الله قال لعبده
…
وشاورهمو في الأمر حتماً بلا نكر
(فإذا عزمت) على إمضاء ما تريد عقب المشاورة على شيء واطمأنت به نفسك (فتوكل على الله) في فعل ذلك أي اعتمد عليه وفوض إليه، وقيل إن المعنى فإذا عزمت على أمر أن تمضي فيه فتوكل على الله وثق به لا على المشاورة، والعزم في الأصل قصد الإمضاء أي فإذا قصدت إمضاء أمر فتوكل على الله.
وفيه إشارة إلى أن التوكل ليس هو إهمال التدبير بالكلية وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافياً للأمر بالتوكل بل هو مراعاة الأسباب الظاهرة، مع تفويض الأمر إلى الله، والاعتماد عليه بالقلب.
عن علي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العزم قال مشاورة أهل الرأي ثم اتّباعهم، أخرجه ابن مردويه (إن الله يحب المتوكلين) عليه في جميع أمورهم.
إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)
(إن ينصركم الله) كما فعل يوم بدر، والنصر العون جملة مستأنفة لتأكيد التوكل والحث عليه (فلا غالب لكم) عمم الخطاب هنا تشريفاً للمؤمنين لإيجاب توكلهم عليه (وإن يخذلكم) كما فعل يوم أحد، والخذلان ترك العون أي وإن يترك الله عونكم (فمن ذا الذي ينصركم) استفهام إنكاري (من بعده) الضمير راجع إلى الخذلان المدلول عليه بقوله (وإن يخذلكم) أو إلى الله، وفيه لطف بالمؤمنين حيث صرح لهم بعدم الغلبة في الأول، ولم يصرح لهم بأنه لا ناصر لهم في الثاني، بل أتى به في صورة الاستفهام وإن كان معناه نفياً ليكون أبلغ، ومن علم أنه لا ناصر له إلا الله سبحانه وأن من نصره الله لا غالب له، ومن خذله لا ناصر له فوض أموره إليه وتوكل عليه، ولم يشتغل بغيره.
(وعلى الله فليتوكل المؤمنون) لا على غيره، وتقديم الجار والمجرور على الفعل لإفادة القصر عليه، وقد وردت في صفة التوكل أحاديث كثيرة صحيحة، وقد عد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتوكل من سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب كما في مسلم.
(وما كان لنبي أن يغل) ما صح له ذلك لتنافي الغلول والنبوة، وقال ابن عباس: ما كان له أن يتهمه أصحابه، قال أبو عبيد الغلول من المغنم خاصة ولا نراه من الخيانة ولا من الحقد، ومما يبين ذلك أنه يقال من الخيانة أغل يغل ومن الحقد غل يغل بالكسر، ومن الغلول غل يغل بالضم.
يقال غل في المغنم غلولاً أي خان بأن يأخذ لنفسه شيئاً يستره على
أصحابه، فمعنى القراءة بالبناء للفاعل. ما صح لنبي أن يخون شيئاً من المغنم فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه، وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول.
ومعناه على القراءة بالبناء للمفعول ما صح لنبي أن يغله أحد من أصحابه أي يخونه في الغنيمة، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كون خيانة غيرهم من الأئمة والسلاطين والأمراء حراماً لأن خيانة الأنبياء أشد ذنباً وأعظم وزراً.
(ومن يغلل يأت بما غل) أي يأت به حاملاً له على ظهوه (يوم القيامة) كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول والتنفير منه بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤس الأشهاد يطلع عليها أهل الحشر، وهي مجيئه يوم القيامة بما غل حاملاً له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب به.
(ثم توفى كل نفس) جزاء (ما كسبت) وافياً من خير أو شر، وهذه الآية تعم كل من كسب خيراً أو شرا، ويدخل تحتها الغالّ دخولاً أولياً لكون السياق فيه، فكأنه ذكر مرتين.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في قطيفة حمراء افتقدت يوم بدر، فقال بعض الناس لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها فنزلت (وهم لا يظلمون) بل يعدل بينهم في الجزاء فيجازى كل على عمله، وقد وردت أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما في ذم الغلول ووعيد الغال (1).
(1) زاد المسير 490
أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164) أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)
(أفمن اتبع) الاستفهام للإنكار أو ليس من اتبع (رضوان الله) في أوامره ونواهيه فعمل بأمره واجتنب نهيه (كمن باء) أو رجع (بسخط) عظيم كائن (من الله) بسبب مخالفته لما أمر به ونهى عنه. ويدخل تحت ذلك من اتبع رضوان الله بترك الغلول واجتنابه، ومن باء بسخط منه بسبب إقدامه على الغلول (ومأواه) يعني الغال أو المتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (جهنم وبئس المصير) أي المرجع هي، ونزول الآية في واقعة معينة لا يخصص العموم.
ثم أوضح ما بين الطائفتين من التفاوت فقال
(هم درجات عند الله) أي متفاوتون في الدرجات والمعنى هم أولو درجات أو لهم درجات إطلاقاً للملزوم على اللازم على سبيل الاستعارة أو جعلهم نفس الدرجات مبالغة في التفاوت بينهم، فهو تشبيه بليغ بحذف الأداة، وهذا ما رجحه القاضي كالكشاف.
فدرجات من اتبع رضوان الله ليست كدركات من باء بسخط من الله، فإن الأولين في أرفع الدرجات، والآخرين في أسفل الدركات (والله بصير بما يعملون) فيه تحريض على العمل بطاعته وتحذير عن العمل بمعاصيه.
(لقد منّ الله على المؤمنين) أي أحسن إليهم وتفضل عليهم، والمنة النعمة العظيمة، وخص المؤمنين لكونهم المنتفعين ببعثة الرسول (إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم) يعني من جنسهم عربياً مثلهم، ولد ببلدهم، ونشأ بينهم يعرفون نسبه، وقيل بشراً مثلهم، ووجه المنة على الأول أنهم يفقهون عنه ويفهمون كلامه، ولا يحتاجون إلى ترجمان، ومعناها على التاني أنهم يأنسون به بجامع البشرية، ولو كان ملكاً لم يحصل كمال الأنس به لاختلاف الجنسية.
وقرىء من أنفسهم بفتح الفاء أي أشرفهم، لأنه من بني هاشم، وبنو هاشم أفضل من قريش وقريش أفضل من العرب، والعرب أفضل من غيرهم.
ولعل وجه الامتنان على هذه القراءة أنه لما كان من أشرفهم كانوا أطوع له وأقرب إلى تصديقه، ولا بد من تخصيص المؤمنين في هذه الآية بالعرب على الوجه الأول، وأما على الوجه الثاني فلا حاجة إلى هذا التخصيص، وكذا على قراءة من قرأ بفتح الفاء لا حاجة إلى التخصيص، لأن بني هاشم هم أنفس العرب والعجم في شرف الأصل وكرم النجار (1) ورفاعة المحتد.
ويدل على الوجه الأول قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) وقوله (وإنه لذكر لك ولقومك).
وكان فيما خطب به أبو طالب حين زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد وقد حضر ذلك بنو هاشم ورؤساء مضر: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضىء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته وسوّاس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوجاً وحرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس. وإن ابنى هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به فتى إلا رجح، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل.
(1) النجار بالضم والكسر الأصل والحسب اهـ منه.
(يتلو عليهم آياته) هذه منة ثانية أي يتلو عليهم القرآن بعد أن كانوا أهل جاهلية لا يعرفون شيئاً من الشرائع، ولم يطرق أسماعهم الوحي (ويزكيهم) أي يطهرهم من نجاسة الكفر والذنوب، ودنس المحرمات والخبائت (ويعلمهم الكتاب) أي القرآن (والحكمة) السنّة.
وقد تقدم في البقرة تفسير ذلك وكل واحد من هذه الأمور نعمة جليلة على حيالها مستوجبة للشكر (وإن كانوا من قبل) أي قبل محمد- صلى الله عليه وسلم أو من قبل بعثته (لفي ضلال مبين) واضح لا ريب فيه.
(أو لما أصابتكم مصيبة) الألف للاستفهام لقصد التقريع؛ والمصيبة الغلبة والقتل الذي أصيبوا به يوم أحد (قد أصبتم مثليها) يوم بدر، وذلك أن الذين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعون وقد كانوا قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين وأسروا سبعين، وكان مجموع القتلى والأسرى يوم بدر مثلى القتلى من المسلمين يوم أحد.
والمعنى أحين أصابكم من المشركين نصف ما أصابهم منكم قبل ذلك جزعتم و (قلتم أنى هذا) أي من أين أصابنا هذا الإنهزام والقتل ونحن نقاتل في سبيل الله، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد وعدنا الله بالنصر عليهم.
(قل هو من عند أنفسكم) أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عن سؤالهم
بهذا الجواب أي هذا الذي سألتم عنه هو من عند أنفسكم بسبب مخالفة الرماة لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم من لزوم المكان الذي عينه لهم، وعدم مفارقتهم للمركز على كل حال.
وقيل إن المراد خروجهم من المدينة، ويرده أن الوعد بالنصر إنما كان بعد ذلك وقيل هو اختيارهم الفداء يوم بدر على القتل.
وعن علي قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الأسارى وقد أمرك أن تخيرهم بين
أمرين إما أن يقدموا فتضرب أعناقهم وبين أن يأخذوا الفداء على أن يقتل منهم عدتهم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فذكر ذلك لهم فقالوا يا رسول الله عشائرنا وإخواننا، لا بل نأخذ فداءهم فنقوى به على قتال عدونا ويستشهد منا عدتهم، فليس في ذلك ما نكره فقتل منهم يوم أحد سبعون رجلاً عدة أسارى أهل بدر.
وهذا الحديث في سنن الترمذي والنسائي، قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة.
وعن عمر بن الخطاب قال لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفرّ أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عنه وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله سبحانه وتعالى يعني هذه الآية وأخرجه أحمد بأطول منه.
ولكنه يشكل على حديث التخيير السابق ما نزل من المعاتبة منه سبحانه وتعالى لمن أخذ الفداء بقوله: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) وما روي من بكائه صلى الله عليه وآله وسلم هو وأبو بكر ندماً على أخذ الفداء ولو كان أخذ ذلك بعد التخيير لهم من الله سبحانه لم يعاتبهم عليه، ولا حصل ما حصل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه من الندم والحزن، ولا صوّب النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى عمر حيث أشار بقتل الأسرى وقال ما معناه لو نزلت عقوبة لهم لم ينج منها إلا عمر، والجميع في كتب الحديث والسير.
أقول ويمكن الجمع بأن يقال إن العتاب نزل أولاً ثم نزل التخيير لأن العتاب على الشروع والعزم على الفداء، والتخيير على تمامه، ويؤيده قوله في الحديث " إن الله قد كره ما صنع قومك "(إن الله على كل شيء قدير) ومنه نصركم على الطاعة وترك نصركم مع المخالفة.
وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)
(وما أصابكم يوم التقى الجمعان) أي ما أصابكم يوم أحد من القتل والجرح والهزيمة (فبإذن الله) أي فبعلم الله وقيل بقضائه وقدره، وقيل بتخليته بينكم وبينهم (وليعلم) الله (المؤمنين) حقاً
(وليعلم) الله (الذين نافقوا) قيل أعاد الفعل لقصد تشريف المؤمنين عن أن يكون الفعل المسند إليهم وإلى المنافقين واحداً، والمراد بالعلم هنا التمييز والإظهار، لأن علمه تعالى ثابت قبل ذلك، والمراد بالمنافقين هنا عبد الله بن أبي وأصحابه، والنفاق اسم إسلامي لم تكن العرب تعرفه قبل الإسلام.
(وقيل لهم) معطوف على قوله (نافقوا) وقيل هو كلام مبتدأ أي قيل لعبد الله المذكور وأصحابه (تعالوا قاتلوا في سبيل الله) أعداءه إن كنتم ممن يؤمن بالله واليوم الآخر (أو ادفعوا) عن أنفسكم إن كنتم لا تؤمنون بالله واليوم الآخر فأبوا جميع ذلك.
وقيل معنى الدفع هنا تكثير سواد المسلمين وقيل معناه رابطوا والمرابطة الإقامة في الثغور، والقائل للمنافقين هذه المقالة التي حكاها الله سبحانه هو عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري والد جابر بن عبد الله.
و (قالوا لو نعلم قتالاً) أي أنه سيكون قتال (لاتّبعناكم) وقاتلنا معكم ولكنه لا قتال هنالك، وقيل المعنى لو كنا نقدر على القتال ونحسنه
لاتبعناكم ولكنا لا نقدر على ذلك ولا نحسنه، وعبّر عن نفي القدرة على القتال بنفي العلم به لكونها مستلزمة له، وفيه بعد لا ملجأ إليه.
وقيل معناه لو نعلم ما يصح أن يسمى قتالاً لاتّبعناكم ولكن ما أنتم بصدده ليس بقتال، ولكنه إلقاء بالنفس إلى التهلكة لعدم القدرة منا ومنكم على دفع ما ورد من الجيش بالبروز إليهم والخروج من المدينة، وهذا أيضاً فيه بعد دون بعد ما قبله.
(هم للكفر يومئذ) أي هم في هذا اليوم الذي انخذلوا فيه عن المؤمنين إلى الكفر (أقرب منهم للإيمان) عند من كان يظن أنهم مسلمون لأنهم قد بيّنوا حالهم وهتكوا أستارهم وكشفوا عن نفاقهم إذ ذاك، وقيل المعنى أنهم لأهل الكفر يومئذ أقرب نصرة منهم لأهل الإيمان.
(يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم) جملة مستأنفة مقررة لمضمون ما تقدمها أي أنهم أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر، وذكر الأفواه للتأكيد مثل قوله (يطير بجناحيه) وقال الزمخشري: ذكر القلوب مع الأفواه تصوير لنفاقهم، وإنما إيمانهم موجود في أفواههم فقط، وهذا الذي قاله الزمخشري ينفي كونه للتأكيد لتحصيله هذه الفائدة (والله أعلم بما تكتمون) من النفاق (1).
(1) قال ابن عباس: والمراد بالذين نافقوا عبد الله بن أُبَيّ، وأصحابه. قال موسى بن عقبة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ومعه المسلمون، وهم ألف رجل، والمشركون ثلاثة آلاف، فرجع عنه ابن أبي في ثلاثمئة. فأما القتال، فمباشرة الحرب. وفي المراد بالدفع ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه التكثير بالعدد. رواه مجاهد عن ابن عباس وهو قول الحسن، وعكرمة، والضحاك، والسدي، وابن جريج في آخرين.
والثاني: أن ادفعوا عنها أنفسكم وحريمكم، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وهو قول مقاتل.
والثالث: أنه بمعنى القتال أيضاً. قاله ابن زيد.
الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168) وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)
(والذين قالوا لإخوانهم وقعدوا) أي قالوا لهم ذلك، والحال أن هؤلاء القائلين قد قعدوا عن القتال (لو أطاعونا) بترك الخروج من المدينة (ما قتلوا) فرد الله ذلك عليهم بقوله (قل فادرؤا عن أنفسكم الموت) الدرء الدفع أي لا ينفع الحذر عن القدر، فإن المقتول يقتل بأجله (إن كنتم صادقين) في أنكم وجدتم إلى دفع القتل سبيلاً وهو القعود عن القتال. فخذوا إلى دفع الموت طريقاً، قيل إنه مات يوم قالوا هذه المقالة سبعون منافقاً من غير قتال ومن غير خروج لإظهار كذبهم والله تعالى أعلم.
(ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون)
لما بين الله سبحانه أن ما جرى على المؤمنين يوم أحد كان امتحاناً ليتميز المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب، بين ههنا أن من لم ينهزم وقتل فله هذه الكرامة والنعمة، وأن مثل هذا مما يتنافس فيه المتنافسون، لا مما يخاف ويحذر كما قال من حكى الله عنهم (لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا) وقالوا لو أطاعونا ما قتلوا. فهذه الجملة مستأنفة لبيان هذا المعنى والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل أحد.
وقرىء بالياء التحتية أي لا يحسبن حاسب.
وقد اختلف أهل العلم في الشهداء المذكورين في هذه الآية من هم فقيل شهداء أحد وقيل شهداء بدر، وقيل شهداء بئر معونة، وعلى فرض أنها نزلت في سبب خاص فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ومعنى الآية عند الجمهور أنهم أحياء حياة محققة، ثم اختلفوا فمنهم من يقول إنها ترد إليهم أرواحهم في قبورهم فيتنعمون. وقال مجاهد: يرزقون من ثمر الجنة أي يجدون ريحها وليسوا فيها.
وذهب من عدا الجمهور إلى أنها حياة مجازية، والمعنى أنهم في حكم الله مستحقون للنعم في الجنة، والصحيح الأول ولا موجب للمصير إلى المجاز.
وقد وردت السنة المطهرة بأن أرواحهم في أجواف طيور خضر، وأنهم في الجنة يرزقون ويأكلون ويتمتعون، فالطيور للأرواح كالهوادج للجالسين فيها، وبهذا قد استدل من قال أن الحياة للروح فقط، وقيل إن الحياة للروح والجسد معاً، واستدل له بقوله (عند ربهم يرزقون) الخ.
وعلى الأول وجه امتيازهم من غيرهم أن أرواحهم تدخل الجنة من وقت خروجها من أجسادهم، وأرواح بقية المؤمنين لا تدخل إلا مع أجسادها يوم القيامة، والامتياز على الثاني ظاهر.
وقال ابن عباس نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه، وعن أبي الضحى أنها نزلت في قتلى أحد وحمزة منهم.
وأخرج عبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم قالوا يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله لنا، وفي لفظ قالوا من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله أنا أبلغهم عنكم فأنزل هذه الآيات (ولا تحسبن الذين قتلوا) الآية وما بعدها (1).
(1) المستدرك - كتاب التفسير 2/ 297.
وقد روي من وجوه كثيرة أن سبب نزول الآية قتلى أحد، وعن أنس أن سبب نزول هذه الآية قتلى بئر معونة، وعلى كل حال فالآية باعتبار عموم لفظها يدخل تحتها كل شهيد في سبيل الله.
وقد ثبت في أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره أن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر، وثبت في فضل الشهداء ما يطول تعداده ويكثر إيراده مما هو معروف في كتب الحديث (1).
وقوله (الذين قتلوا) هو المفعول الأول، والحاسب هو النبي صلى الله عليه وسلم أو كل أحد كما سبق. وقيل معناها لا يحسبن الذين قتلوا أنفسهم أمواتاً، وهذا تكلف لا حاجة إليه، ومعنى النظم القرآني في غاية الوضوح والجلاء.
قيل وفي الكلام حذف والتقدير عند كرامة ربهم، قال سيبويه هذه عنديّة الكرامة لا عندية القرب، والمراد بالرزق هو الرزق المعروف في العادات على ما ذهب إليه الجمهور كما سلف وعند من عدا الجهور المراد به الثناء الجميل.
ولا وجه يقتضي تحريف الكلمات العربية في كتاب الله تعالى وحملها على مجازات بعيدة لا بسبب يقتضي ذلك.
وقد تعلق بهذا من يقول بالتناسخ من المبتدعة، ويقول بانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرفهة وتعذيبها في الصور القبيحة، ويزعمون أن هذا هو الثواب والعقاب؟ وهذا ضلال مبين، وقول ليس عليه أثارة من علم لما فيه من إبطال ما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والمعاد والجنة والنار والأحاديث الصحيحة تدفعه وترده.
(1) أخرجه الإمام أحمد 2388 وأبو داود 2389 والطبري 7/ 385 والحاكم 2/ 297 وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.
فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)
(فرحين بما آتاهم الله) أي ما ساقه إليهم من الكرامة بالشهادة وما صاروا فيه من الحياة وما يصل إليهم من رزق الله سبحانه، والزلفى من الله والتمتع بالنعيم المخلد عاجلاً (ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم) من إخوانهم الذين تركوهم أحياء في الدنيا على منهج الإيمان والجهاد، والمراد اللحوق بهم في القتل والشهادة أي بل سيلحقون بهم من بعد، وقيل المراد لم يلحقوا بهم في الفضل وإن كانوا أهل فضل في الجملة.
وقيل المراد بإخوانهم هنا جميع المسلمين الشهداء وغيرهم، لأنهم لما عاينوا ثواب الله وحصل لهم اليقين بحقية دين الإسلام استبشروا بذلك لجميع أهل الإسلام الذين هم أحياء لم يموتوا، وهذا قوي لأن معناه أوسع، وفائدته أكثر، واللفظ يحتمله بل هو الظاهر، وبه قال الزجاج وابن فورك.
(أن لا خوف عليهم) في الآخرة والخوف غم يلحق الإنسان بما يتوقعه من السوء (ولا هم يحزنون) على ما فاتهم من نعيم الدنيا والحزن غم يلحقه من فوات نافع أو حصول ضار، فمن كانت أعماله مشكورة فلا يخاف العاقبة ومن كان متقلباً في نعمة الله وفضله فلا يحزن أبداً.
(يستبشرون بنعمة من الله وفضل) كرر قوله يستبشرون لتأكيد الأول، قاله الزمخشري ولبيان أن الاستبشار ليس بمجرد عدم الخوف والحزن بل به
وبنعمة الله وفضله، والنعمة ما ينعم الله به على عباده، والفضل ما يتفضل به عليهم وقيل النعمة الثواب والفضل الزائد، وقيل النعمة والفضل داخل في النعمة، ذكر بعدها لتأكيدها.
وقيل إن الاستبشار الأول متعلق بحال إخوانهم والاستبشار الثاني بحال أنفسهم (وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين) كما لا يضيع أجر الشهداء والمجاهدين، وقد ورد في فضل الجهاد والشهادة في سبيل الله ما يطول تعداده من الأحاديث الصحيحة والآيات الكريمة.
(الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم) صفة للمؤمنين أو بدل منهم أو من الذين لم يلحقوا بهم أو هو مبتدأ خبره للذين أحسنوا منهم بجملته أو منصوب على المدح، وقد تقدم تفسير القرح، قال سعيد ابن جبير القرح الجراحات (1).
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن عائشة في هذه الآية أنها قالت لعروة بن الزبير يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب نبي الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يرجع في أثرهم فانتدب منهم سبعون فيهم أبو بكر والزبير، والروايات في هذا الباب كثيرة قد اشتملت عليها كتب الحديث والتفسير.
(1) جاء في " الدر المنثور " ج 2/ 101. وأخرج النسائي، وابن أبي حاتم، والطبراني بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس، قال: لا رجع المشركون عن أحد، قالوا: لا محمداً قتلتم، ولا الكواعب أردفتم، بئسما صنعتم، ارجعوا، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فندب المسلمين. فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد، أو بئر أبي عنبة -شك سفيان- فقال المشركون: نرجع قابل، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت تعد غزوة، فأنزل الله (الذين استجابوا لله والرسول) الآية. وقد كان أبو سفيان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: موعدكم موسم بدر حيث قتلتم أصحابنا، فأما الجبان فرجع، وأما الشجاع فأخذ أهبة القتال والتجارة، فأتوه فلم يجدوا به أحداً وتسوقوا، فأنزل الله تعالى:(فانقلبوا بنعمة من الله وفضل) الآية.
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)
(الذين قال لهم الناس) المراد بالناس هنا نعيم بن مسعود وجاز لفظ الناس عليه لكونه من جنسهم فهو من قبيل العام الذي أريد به الخاص أو من إطلاق الكل وإرادة البعض كقوله أم يحسدون الناس يعني محمداً وحده.
ونقل على القارىء أنه أسلم يوم الخندق وهو مصرح به في المواهب، وقيل المراد بالناس ركب عبد القيس الذين مروا بأبي سفيان، وقيل هم المنافقون.
والمراد بقوله (إن الناس قد جمعوا لكم) أبو سفيان وغيره من أصحابه، والعرب تسمى الجيش جمعاً (فاخشوهم) أي فخافوهم فإنه لا طاقة لكم بهم (فزادهم إيماناً) أي تصديقاً بالله ويقيناً، والمراد أنهم لم يفشلوا لما سمعوا ذلك ولا التفتوا إليه بل أخلصوا لله وازدادوا طمأنينة وقوة في دينهم وثبوتاً على نصر نبيهم، وفيه دليل أن الإيمان يزيد وينقص.
(وقالوا حسبنا الله) حسب مصدر حسبه أي كفاه وهو بمعنى الفاعل أي محسب بمعنى كاف، قال في الكشاف الدليل على أنه المحسب أنك تقول هذا رجل حسبك فتصف به النكرة لأن إضافته لكونه بمعنى اسم الفاعل غير حقيقية (ونعم الوكيل) هو من يوكل إليه الأمور أي نعم الموكول إليه أمرنا أو الكافي أو الكافل والمخصوص بالمدح محذوف أي نعم الوكيل الله سبحانه.
وقد ورد في فضل هذه الكلمة أعني حسبنا الله ونعم الوكيل أحاديث منها ما أخرجه البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقاله محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم.
وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم الوكيل، قال ابن كثير بعد إخراجه: هذا
حديث غريب من هذا الوجه (1).
وأخرج أبو نعيم عن شداد بن أوس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم حسبنا الله ونعم الوكيل أمان كل خائف.
وأخرج ابن أبي الدنيا في الذكر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتد غمّه مسح بيده على رأسه ولحيته ثم تنفس الصعداء وقال حسبي الله ونعم الوكيل.
(1) ابن كثير 1/ 430.
(فانقلبوا بنعمة من الله) أي فخرجوا إليهم فانقلبوا، والتنوين للتعظيم أي رجعوا متلبّسين بنعمة عظيمة وهي السلامة من عدوهم وعافية (وفضل) أي أجر تفضل الله به عليهم، وقيل ربح في التجارة، وقيل النعمة خاصة بمنافع الدنيا والفضل بمنافع الآخرة.
وقد تقدم تفسيرهما قريباً بما يناسب ذلك المقام لكون الكلام فيه مع الشهداء الذين صاروا في الدار الآخرة، والكلام هنا مع الأحياء.
وقوله (لم يمسسهم سوء) أي سالمين عنه لم يصبهم قتل ولا جرح ولا ما يخافونه، وقال ابن عباس: لم يؤذهم أحد (واتبعوا رضوان الله) فيما يأتون ويذرون وأطاعوا الله ورسوله، ومن ذلك خروجهم لهذه الغزوة.
وعن ابن عباس: النعمة أنهم سلموا، والفضل أن عيراً مرت وكان في أيام الموسم فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم فربح مالاً فقسمه بين أصحابه، وعن مجاهد قال الفضل: ما أصابوا من التجارة والأجر، وقال السدي أما النعمة فهي العافية وأما الفضل فالتجارة والسوء القتل.
(والله ذو فضل عظيم) لا يقادر قدره ولا يبلغ مداه، ومن تفضله عليهم تثبيتهم وخروجهم للقاء عدوهم وإرشادهم إلى أن يقولوا هذه المقالة التي هي جالبة لكل خير، ودافعة لكل لضر، وقيل تفضل عليهم بإلقاء الرعب في قلوب المشركين حتى رجعوا.
إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175) وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)
(إنما ذلكم) المثبّط لكم والمخوّف أيها المؤمنون (الشيطان) والظاهر أن المراد هنا الشيطان نفسه باعتبار ما يصدر منه من الوسوسة المقتضية للتثبيط، وقيل المراد به نعيم بن مسعود لما قال لهم تلك المقالة، وقيل أبو سفيان لما صدر منه الوعيد لهم، والمعنى أن الشيطان (يخوّف) المؤمنين (أولياءه) وهم الكافرون وقال ابن عباس: الشيطان يخوف بأوليائه، وقال أبو مالك: يعظّم أولياءه في أعينكم. وقال الحسن: إنما كان ذلك تخويف الشيطان، ولا يخاف الشيطان إلا وليّ الشيطان.
(فلا تخافوهم) أي أولياءه الذين يخوفكم بهم الشيطان أو فلا تخافوا الناس المذكورين في قوله (إن الناس قد جمعوا لكم) نهاهم الله سبحانه أن يخافوهم فيجبنوا عن اللقاء ويفشلوا عن الخروج، وأمرهم بأن يخافوا الله سبحانه فقال (وخافون) هذه الياء التي بعد النون اختلف السبعة في إثباتها لفظاً واتفقوا على حذفها في الرسم لأنها من آيات الزوائد كلها لا ترسم، وجملتها اثنتان وستون، والمعنى فافعلوا ما آمركم به واتركوا ما أنهاكم عنه، لأني الحقيق بالخوف مني، والمراقبة لأمري ونهي لكون الخير والشر بيدي وقيده بقوله (إن كنتم مؤمنين) لأن الإيمان يقتضي ذلك ويستدعي الأمن من شر الشيطان وأوليائه.
(ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر) يقال حزنني الأمر وهي لغة قريش وأحزنني وهي لغة تميم، والأولى أفصح، والغرض من هذا تسليته صلى الله عليه وسلم -
وتصبيره على تعنّتهم في الكفر، وتعرّضهم له بالأذى، وضمن يسارعون يقعون فعدّى بفي أي لا يحزنك مسارعتهم لمقوّيات الكفر من قول وفعل، فهذا هو الذي يسارع إليه أي الأمور المقوية له كالتهيؤ لقتال النبي، وأما الكفر فهو دائم فيهم فلا تتأتى مسارعتهم للوقوع فيه لأن هذا التعبير يشعر بطروء هذا الأمر.
وأما إيثار كلمة (إلى) في قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) فلأن المغفرة والجنة منتهى المسارعة وغايتها، وقيل هم قوم ارتدوا فاغتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك فسلاّه الله سبحانه ونهاه عن الحزن وعلل ذلك بقوله.
(إنهم لن يضروا الله شيئاً) أي شيئاً من الضرر، والتنكير لتأكيد ما فيه من القلة والحقارة، وقيل على نزع الجار أي بشيء ما أصلاً، وقيل هم كفار قريش، وقيل هم المنافقون ورؤساء اليهود، وقيل هو عام في جميع الكفار.
قال القشيري: والحزن على كفر الكافر طاعة ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرط في الحزن فنهى عن ذلك كما قال تعالى (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات) وقال (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا) والمعنى أن كفرهم لا ينقص من ملك الله سبحانه شيئاً، وقيل المراد لن يضروا أولياءه، ويحتمل أن يراد لن يضروا دينه الذي شرعه لعباده، وفيه مزيد مبالغة في التسلية.
(يريد الله ألاّ يجعل لهم حظاً) نصيباً (في الآخرة) أو نصيباً من الثواب، وصيغة الاستقبال للدلالة على دوام الإرادة واستمرارها، وفي الآية دليل على أن الخير والشر بإرادة الله تعالى، وفيه رد على القدرية والمعتزلة (ولهم عذاب عظيم) في النار بسبب مسارعتهم في الكفر، فكان ضرر كفرهم عائداً عليهم جالباً لهم عدم الحظ في الآخرة ومصيرهم إلى العذاب العظيم.
إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)
(إن الذين اشتروا) استبدلوا (الكفر بالإيمان) وقد تقدم تحقيق هذه الاستعارة والمراد المنافقون آمنوا ثم كفروا (لن يضروا الله شيئاً) نفي الضرر معناه كالأول وهو للتأكيد لما تقدمه، وقيل إن الأول خاص بالمنافقين والثاني يعم جميع الكفار، والأول أولى (ولهم عذاب أليم) في الآخرة، ولما جرت العادة بسرور المشتري بما اشتراه عند كون الصفقة رابحة، وبتألمه عند كونها خاسرة، ناسب وصف العذاب بالأليم.
(ولا تحسبن الذين كفروا) وقرىء بالتحتية فالمعنى لا يحسبن الكافرون (أنما نملي لهم) بتطويل الأعمال وتأخيرهم ورغد العيش، أو بما أصابوا من الظفر يوم أحد (خير لأنفسهم) فليس الأمر كذلك بل هو شر واقع عليهم ونازل بهم، وعلى الأولى لا تحسبن يا محمد صلى الله عليه وسلم أن الإملاء للذين كفروا بما ذكر خير لهم.
(إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) بكثرة المعاصي، واللام لام الإرادة أي إرادة زيادة الإثم، وهي جائزة عند الأشاعرة ولا تخلو عن حكمة، وعند المعتزلة القائلين بأنه تعالى لا يريد القبيح هي لام العافية وهي جملة مستأنفة مبينة لوجه الإملاء للكافرين. أو تكرير للأولى. والإملاء الإمهال والتأخير، وأصله من الملوأة وهي المدة من الزمان يقال أمليت له في الأمر أخرت وأمليت للبعير في القيد أرخيت له ووسعت (ولهم عذاب مهين) في الآخرة.
قال أبو السعود لما تضمن الإملاء التمتع بطيبات الدنيا وزينتها وذلك
مما يقتضي التعزز والتكوم وصف عذابهم بالإهانة ليكون جزاؤهم جزاء وفاقاً انتهى.
واحتج الجمهور بهذه الآية على بطلان ما يقوله المعتزلة لأنه سبحانه أخبر بأنه يطيل أعمار الكافرين ويجعل عيشهم رغداً ليزدادوا إثماً، قال أبو حاتم وسمعت الأخفش يذكر كسر (أنما نملي) الأولى وفتح الثانية ويحتج بذلك لأهل القدر لأنه منهم ويجعله على هذا التقدير
(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ليزدادوا إثماً نملي لهم خير لأنفسهم).
وقال في الكشاف إن ازدياد الإثم علة، وما كل علة بغرض، ألا تراك تقول قعدت عن الغزو للعجز والفاقة وخرجت من البلد لمخافة الشر، وليس شيء من ذلك بغرض لك، وإنما هي أسباب وعلل.
وعن ابن مسعود قال: ما من نفس برة ولا فاجرة إلا والموت خير لها من الحياة إن كان براً فقد قال تعالى: (وما عند الله خير للأبرار) وان كان فاجراً فقد قال تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا) الآية، وعن أبي الدرداء ومحمد ابن كعب وأبي هريرة نحوه (1).
(1) أخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، وصححه
عن ابن مسعود قال: ما من نفس برة، ولا فاجرة، إلا والموت خير لها من الحياة. إن كان براً، فقد قال الله تعالى:(وما عند الله خير للأبرار) وإن كان فاجراً، فقد قال الله تعالى:(ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً) وإسناده صحيح.
مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)
(ما كان الله) كلام مستأنف (ليذر المؤمنين) هذه اللام تسمى لام الجحود وينصب بعدها المضارع بإضمار إن ولا يجوز إظهارها ولهذا القول دلائل واعتراضات مذكورة في كتب النحو.
والخطاب في قوله (على ما أنتم عليه) عند جمهور المحدّثين للكفار والمنافقين، وقيل الخطاب للمؤمنين والمنافقين أي ما كان الله ليترككم على الحال الذي عليه أنتم من الاختلاط، وقيل الخطاب للمشركين، والمراد بالمؤمنين من في الأصلاب والارحام أي ما كان الله ليذر أولادكم على ما أنتم عليه حتى يفرق بينكم وبينهم.
وقيل الخطاب للمؤمنين أي ما كان الله ليذركم يا معشر المسلمين على ما أنتم عليه من الاختلاط بالمنافقين حتى يميز بينكم، وعلى هذا الوجه والوجه الثاني يكون في الكلام التفات.
(حتى يميز الخبيث من الطيب) أي بعضكم من بعض، قال ابن عباس: يميز أهل السعادة من أهل الشقاوة، وقال قتادة يميز بينهم في الجهاد والهجرة، وقرىء يميز بالتشديد بالمخفّف من ماز الشيء يميزه ميزاً إذا فرق بين شيئين، فإن كانت أشياء قيل ميزها تمييزاً.
(وما كان الله ليطلعكم على الغيب) الخطاب لكفار قريش أي ما كان ليبيّن لكم المؤمن من الكافر فيقول فلان كافر، وفلان مؤمن وفلان منافق لتعرفوا قبل التمييز لأن المستأثر بعلم الغيب لا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول فيميز بينكم، كما وقع من نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من تعيين كثير من المنافقين، فإن ذلك كان بتعليم الله له لا بكونه يعلم الغيب أو أن يشاهد أمراً يدل على أمر يكون من بعد كما نصب له علامات دالة على مصارع الكفار يوم بدر، وقيل المعنى ما كان الله ليطلعكم على الغيب فيمن يستحق النبوة حتى يكون الوحي باختياركم.
(ولكن الله يجتبي) أي يختار أو يختص، قاله مجاهد وعن مالك يستخلص (من رسله من يشاء) فيطلعه على ما يشاء من غيبه، عن السدي قال: قالوا إن كان محمد صلى الله عليه وآله وسلم صادقاً فليخبرنا بمن يؤمن منا ومن يكفر، فأنزل الله هذه الآية، وعن الحسن قال لا يطلع على الغيب إلا رسول (فآمنوا بالله ورسله) بصفة الإخلاص (وإن تؤمنوا وتتقوا) النفاق (فلكم أجر عظيم) في الآخرة.
(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيراً لهم بل هو شر لهم) أي لا يحسبن الباخلون البخل خيراً لهم، قاله الخليل وسيبويه والفراء وقرىء بالتاء أي لا تحسبن يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بخل الذين يبخلون خيراً لهم، قال الزجاج هو مثل (واسئل القرية) الآية دالة على ذم البخل، وقد ورد فيه أحاديث.
قال البرد: والسين في قوله (سيطوقون ما بخلوا به) سين الوعيد، وهذه الجملة مبينة لمعنى ما قبلها قيل ومعنى التطويق هنا أنه يكون ما بخلوا به من المال طوقاً من نار في أعناقهم، وقيل معناه أنهم سيحملون عقاب ما بخلوا به،
فهو من الطاقة وليس من التطويق.
وقيل المعنى أنهم يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق، يقال طوّق فلان عمله طوق الحمامة أي ألزم جزاء عمله.
قال القرطبي: البخل في أصل اللغة أن يمنع الإنسان الحق الواجب، فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل، قال في القاموس البخل ضد الكرم.
وقد ذكر الشوكاني في شرحه للمنتقى عند قوله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أعوذ بك من البخل أنه قيده بحضهم بما يجب إخراجه، ثم قال: ولا وجه له لأن البخل بما ليس بواجب من غرائز النقص المضادة للكمال، والتعوذ منه حسن بلا شك، فالأولى تبقية الحديث على عمومه انتهى، فمعنى البخل عام لا كما ذكره القرطبي.
وأما في الآية فهو للواجب ولكن عبارته تفيد التعميم والله أعلم، قال ابن عباس: هم أهل الكتاب بخلوا به أن يبثوه للناس، وعن مجاهد قال: هم اليهود، وعن السدي: قال بخلوا أن ينفقوها في سبيل الله ولم يؤدوا زكاتها.
(يوم القيامة) بأن يجعل حية في عنقه تنهشه كما أخرج البخارى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مثّل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة فيأخذ بلهزمتيه يعنى بشدقيه فيقول أنا مالك أنا كنزك " ثم تلا هذه الآية، وقد ورد هذا المعنى في أحاديث كثيرة عن جماعة من الصحابة يرفعونها (1).
(1) أخرجه أحمد في " المسند " رقم 3577، والترمذي، وابن خزيمة، وابن ماجة ج/1/ 567، ولفظه:
⦗ص: 388⦘
" ما من أحد يؤدي زكاة ماله، إلا مُثّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع حتى يطوق عنقه "، ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله:(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) الآية.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى البخاري ج/8/ 273، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مثل له ماله شجاعاً أقرع له زبيتان، يطوقه يوم القيامة، يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية:(ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله) إلى آخر الآية.
الشجاع: الحية الذكر، وهو ضرب من الحيات، خبيث مارد. وأقرع: صفة من صفات الحيات الخبيثة، يزعمون أنه إذا طال عمر الحية، وكثر سمه، جمعه في رأسه حتى تتمعط منه فروة رأسه.
(ولله ميراث السموات والأرض) أي له وحده لا لغيره كما يفيده التقديم والمعنى أن له ما فيهما مما يتوارثه أهلهما ومنه المال، فما بالهم يبخلون بذلك ولا ينفقونه وهو لله سبحانه لا لهم. وإنما كان عندهم عارية مستردة.
ومثل هذه الآية قوله تعالى (إنا نحن نرث الأرض ومن عليها) وقوله (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) والميراث في الأصل هو ما يخرج من مالك إلى آخر، ولم يكن مملوكاً. لذلك الآخر قبل انتقاله إليه بالميراث، ومعلوم أن الله سبحانه هو المالك بالحقيقة لجيمع مخلوقاته (والله بما تعملون خبير) قرىء بالتاء على طريقة الالتفات وهي أبلغ في الوعيد، وقرىء بالياء على الظاهر.