الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
(181)
(لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء) قال أهل التفسير لما أنزل الله من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً، قال قوم من اليهود هذه المقالة تمويهاً على ضعفائهم لا أنهم يعتقدون ذلك لأنهم أهل كتاب، بل أرادوا أنه تعالى إن صح ما طلبه منا من القرض على لسان محمد- صلى الله عليه وسلم فهو فقير، ليشككوا على إخوانهم في دين الإسلام.
(سنكتب ما قالوا) في صحف الملائكة أو سنحفظه أو سنجازيهم عليه والمراد الوعيد لهم وإن ذلك لا يفوت على الله بل هو معد لهم ليوم الجزاء.
وجملة سنكتب على هذا مستأنفة جواباً لسؤال مقدر كأنه قيل ماذا صنع الله بهؤلاء الذين سمع منهم هذا القول الشنيع، فقال: قال لهم سنكتب ما قالوا (و) نكتب (قتلهم الأنبياء) أي قتل أسلافهم للأنبياء، وإنما نسب ذلك إليهم لكونهم رضوا به، جعل ذلك القول قريناً لقتل الأنبياء تنبيهاً على أنه من العظيم والشناعة بمكان يعدل قتل الأنبياء (بغير حق) حتى في اعتقادهم، فكانوا يعتقدون أن قتلهم لا يجوز ولا يحل وحينئذ فيناسب شن الغارة عليهم.
(ونقول) أي ننتقم منهم بعد الكتابة بهذا القول الذي نقوله لهم في النار أو عند الموت أو عند، الحساب، وقرىء بالياء أي يقول الله لهم في الآخرة على لسان الملائكة (ذوقوا عذاب الحريق) الحريق اسم للنار الملتهبة، وإطلاق الذوق على إحساس العذاب فيه مبالغة بليغة (1).
(1) أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه دخل بيت مِدْراس اليهود، فوجدهم قد اجتمعوا على رجل منهم، اسمه فنحاص، فقال له أبو بكر: اتق الله وأسلم، فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله. فقال: والله يا أبا بكر ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، ولو كان غنياً عنا ما استقرض منا. فغضب أبو بكر وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة، وقال: والله لولا العهد الذي بيننا لضربت عنقك. فذهب فنحاص يشكو إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره أبو بكر بما قال، فجحد فنحاص، فنزلت هذه الآية.
ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)
والإشارة بقوله
(ذلك بما قدمت أيديكم) إلى العذاب المذكور قبله، وأشار إلى القريب بالصيغة التي يشار بها إلى البعيد للدلالة على بعد منزلته في الفظاعة، وذكر الأيدي لكونها المباشرة لغالب المعاصي (وأن الله ليس بظلام للعبيد) معطوف على ما قدمت أيديكم.
ووجهه أنه سبحانه عذبهم بما أصابوا من الذنب وجازاهم على فعلهم فلم يكن ذلك ظلماً، أو بمعنى أنه مالك الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء وليس بظالم لمن عذبه بذنبه، وقيل إن وجهه أن نفي الظلم مستلزم للعدل المقتضى لإثابة المحسن ومعاقبة المسيء، ورد بأن ترك التعذيب مع وجود سببه ليس بظلم عقل ولا شرعاً حتى ينتهض نفي الظلم سبباً للتعذيب.
وقيل إن جملة قوله وأن الله ليس بظلام للعبيد في محل رفع على أنها خبر مبتدأ محذوف أي والأمر أن الله ليس بظلام للعبيد، والتعبير بذلك عن نفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم عند أهل السنة فضلاً عن كونه ظلماً بالغاً لبيان تنزهه عن ذلك، ونفي ظلاّم المشعر بالكثرة يفيد ثبوت أصل الظلم، وأجيب عن ذلك بأن الذي توعد بأن يفعله بهم لو كان ظلماً لكان عظيماً فنفاه على حد عظمه لو كان ثابتاً، عن ابن عباس قال: ما أنا بمعذب من لم يجترم.
(الذين قالوا) أي جماعة من اليهود (إن الله عهد الينا) في التوراة (ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار) وهذا منهم كذب على التوراة إذ الذي فيها مقيد بغير عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. والقربان ما يتقرب به إلى الله من نسيكة وصدقة وعمل صالح، وهو فعلان من القربة، وقد كان دأب بني إسرائيل أنهم كانوا يقرّبون القربان فيقوم النبي فيدعو فتنزل نار من السماء فتحرقه، ولم يتعبّد الله بذلك كل أنبيائه ولا جعله دليلاً على صدق دعوى النبوة.
ولهذا رد الله عليهم فقال (قل قد جاءكم رسل من قبلي) كيحيى بن زكريا وشعياء وسائر من قتلوا من الأنبياء (بالبيّنات) أي الدلالات الواضحات على صدقهم (وبالذي قلتم) أي بالقربان (فلم قتلتموهم) أراد بذلك فعل أسلافهم (إن كنتم صادقين) في دعواكم.
(فإن كذّبوك) يا محمد هؤلاء اليهود (فقد كذّب)(رسل من قبلك) مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم وغيرهم من الرسل (جاؤوا بالبينات) أي الحلال والحرام أو المعجزات الباهرات (والزبر) جمع زبور وهو الكتاب المقصور على الحكم من زبرته إذا حسنته، وقيل الزبر الواعظ والزواجر من زبرته إذا زجرته (والكتاب المنير) الواضح الجلي المضيء، يقال نار الشيء واستنار وأناره ونوره بمعنى.
وقال قتادة: الزبر كتب الأنبياء والكتاب المنير هو القرآن الكريم، وقيل الزبر المصحف، والكتاب المنير التوراة والإنجيل، وزاد أبو السعود والكتاب في عرف القرآن ما يتضمن الشرائع والأحكام، ولذلك جاء الكتاب والحكمة متعاطفين في عامة المواقع.