الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شروط صحة الصوم (1) :
- أولا: النية: لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى)(2) ولأنه عبادة محضة، فلم يصح من غير نية، كالصلاة.
وتجب النية لكل يوم، لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميعه لم يجزئ إلا عن أول يوم، لكن يسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسيها فيه على مذهب الإمام مالك (3) ، كما يسن له أن ينوي أول النهار الذي نسيها فيه ليصح صومه على مذهب الإمام أبو حنيفة (4) ، هذا إن نوى عندئذ تقليده، فإذا لم ينو التقليد كان متلبسا بعبادة فاسدة وهذا حرام. وإن نسى النية في ليلة من الليالي، ولم يقلد المذاهب الأخرى، وجب عليه قضاء ذلك اليوم.
محل النية: محل النية القلب، وتكون بأن يستحضر حقيقة الصوم التي هي الإمساك عن المفطر جميع النهار، بقلبه، ولا تكفي النية باللسان دون القلب، لكن يندب النطق بها ليساعد اللسان القلب.
ولو نوى الصوم وهو في الصلاة، أو في حالة الجماع، أو في أثناء الأكل، صحت نيته. ويشترط في نية صوم الفرض أمران:
-1- التبييت: فلا بد من إيقاع النية ليلا، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:(من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له)(5) . ويصح التبييت في أي جزء من الليل، من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، أما إن قارنت النية الفجر فلا يصح صومه وعليه القضاء. ولا يضر الأكل والشرب والجماع بعد النية، وكذا الجنون والسكر والإغماء والنوم.
وإذا شك قبل الغروب هل وقعت نيته قبل الفجر أم بعده لم يصح للتردد بالنية، أما لو شك هل طلع الفجر أم لا بعد أن كان ناويا فيصح ذلك، وأما لو شك بعد الغروب هل نوى أم لا، ولم يتذكر فلا يؤثر لمشقة إعادة الصوم (6) .
ولو عقب النية بقوله: إن شاء الله بقلبه أو بلسانه، فإن قصد التبرك، أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى، لم يضره، وإن قصد تعليقه والشك لم يصح صومه، ومثله ما لو قال: أصوم غدا إن شاء فلان، أو إن نشطت، لم يصح صومه لعدم الجزم.
-2- التعيين: فلا يصح الصيام دون تعيين نوع الفرض، هل هو كفارة (7) أو نذر (8) أو أداء أو قضاء عن رمضان، لقوله صلى الله عليه وسلم (وإنما لامرئ ما نوى) فهذا ظاهر في اشتراط التعيين.
وإذا كان على المرء قضاء اليوم الأول من رمضان، فصام ونوى قضاء اليوم الثاني، فلا يجزئ، وكذا لو كان عليه قضاء يوم من رمضان سنة، فنوى قضاءه من صوم أخرى غلطا لا يجزئه، وإن كان لو أطلق نيته عن واجبه في الموضعين أجزأه.
وينبغي أن تكون النية جازمة، فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان وإلا فهو مفطر أو متطوع، فكان منه، لم يجزئه صوم ذلك اليوم عن رمضان إلا إذا ظن كونه منه، حين نوى، وذلك بقول من يثق به، لأن غلبة الظن هنا كاليقين، كما في أوقات الصلوات فتصح النية المبنية عليه.
وأقل النية في صوم رمضان: نويت صوم رمضان، أو نويت الصوم عن رمضان، فلا تجب نية الغد، ولا أداء، ولا إضافة لله تعالى، ولا تعيين السنة.
وأكملها: نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى.
أما نية صوم النفل فلا يشترط فيها التبييت (9) بل تجزئه النية قبل الزوال، بشرط انتفاء المفطرات قبلها، لما ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، قالت:"دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: (هل عندكم شيء؟) فقلنا: لا. قال: (فإني إذن صائم) . ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حَيْس (10) . فقال: (أرينيه فلقد أصبحت صائما، فأكل) "(11) .
وكذا لا يجب التعيين، فتصح نية النفل بقصد القلب ما معناه: نويت صوم غد لله تعالى.
إلا أن يكون صوما مرتبا كصوم عرفة وعاشوراء وأيام البيض، وستة من شوال، وغيرها، فيشترط في صومها التعيين لتحصيل ثوابها المعين، أما الصوم فصحيح وإن لم يعين.
(1) مطلقاً؛ سواء كان الصوم مفروضا أو مسنونا.
(2)
مسلم ج 3/كتاب الإمارة باب 45/155.
(3)
عند الإمام مالك تكفي نية صوم جميع الشهر في أول ليلة منه.
(4)
يصح صوم رمضان عنده بنيته إلى قبل الزوال كل يوم.
(5)
النسائي ج 4/ص 196.
(6)
بخلاف الصلاة، فعليه الإعادة إذا شك بعد السلام بالنية.
(7)
دون تعيين الكفارة عن يمين أو ظهار.
(8)
دون تعيين نوع النذر: تبرر أو لجاج.
(9)
أما في صوم الصبي رمضان، فيجب تبيت النية رغم أن صومه يقع نفلا.
(10)
الحيس: هو طعام يتخذ من تمر وسمن وغيرهما.
(11)
مسلم ج 2/كتاب الصيام باب 32/170.
- ثانيا - الإمساك عن الجماع عمداً (1) وإن لم ينزل، والإمساك عن الاستمناء: أما الجاهل المعذور بجهله، والمكره، فالجماع غير مفطر في حقهما، وكذا الجماع ناسيا للصوم، فهو كالأكل ناسيا لا يفطر، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله)(2) فالنص هنا على الأكل والشرب، ويقاس عليه الجماع وسائر المفطرات.
ويفطر بخروج المني من مباشرة، ولو لم يجامع، لذلك حرمت المباشرة إن حركت شهوة لخوف الإنزال، أما الإنزال بلا مباشرة فلا يفطر.
(1) العمد: هو فعل الشيء مختاراً مع علمه بالتحريم.
(2)
الترمذي ج 3/كتاب الصوم باب 26/721.
- ثالثا - الإمساك عن الاستقاءة (1) : والاستقاءة مفطرة ولو تيقن عدم رجوع شيء إلى جوفه، ولا يضر تقيؤه بغير اختيار مهما كثر بشرط ألا يبلع منه شيئا، فإذا ابتلع شيئا باختياره أفطر وعليه القضاء، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض)(2) .
أما إن كان ناسيا أنه صائم، واستقاء، فلا يفطر، وكذا لو كان جاهلا معذورا في جهله، أو كان مكرها فلا يفطر.
(1) الاستقاءة: التقيؤ عمدا.
(2)
الترمذي ج 3/كتاب الصوم باب 25/720.
- رابعا - الإمساك عن وصول عين إلى ما يسمى جوفا هن منفذ مفتوح:
فأما العين: فيدخل فيها دخان اللفائف (1) والتنباك (2) ، فيفطران الصائم لأن لهما أثرا يشاهد في باطن العود، وكذلك ابتلاع ما لا يؤكل في العادة، كقطع النقد، والتراب، والحصاة، والحشيش، والحديد، والخيط.
ويستثنى من العين المفطرة الريح والطعم، ولو وجد ذاك الطعم في الفم.
كما يستثنى وصول ذباب أو بعوض أو غبار طريق، أو غربلة دقيق إلى الجوف لعسر التحرز منه، وكدا لو خرجت مقعدة المبسور فأعادها فلا يضر لعذره، وكذا لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه حتى دخل جوفه من غير قصد لم يضر إن عجز عن تمييزه ومجه، أما النخامة فإذا خرجت إلى مخرج الخاء ثم ابتلعها فإنه يفطر. وكذا لا يضر وصول الريق الخالص الطاهر من معدنه (3) إلى جوفه، بخلاف غير الخالص وغير الطاهر، كالمختلط بدم فإنه يفطر، إلا أنه يعفى عنه بحق من ابتلي بنزف اللثة، وبخلاف الخارج من غير معدنه، كما لو جمعه على شفتيه ثم بلعه، فهذا يضر، أما إذا خرج على لسانه ثم ابتلعه فلا يفطر. وكذا لو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق شريطة عدم المبالغة فيهما، أو سبق ماء غسل مطلوب - ولو مندوبا كغسل الجمعة - إلى الجوف فلا يضر لتولده من مأمور به، أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة فإنه يفطر لأن المبالغة منهي عنها في الصوم، لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال:"قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال: (أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) "(4) . وكذا ماء الغسلة الرابعة في الوضوء، وإن لم يبالغ فإنه مفطر إن سبق إلى الجوف، أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة في غسل النجاسة (5) فلا يفطر لأن إزالة النجاسة واجبة، وأما ماء الغسل غير المطلوب كغسل التبرد والنظافة فسبقه إلى الجوف مفطر، وأما الماء الذي يضعه الصائم على فمه للتبرد أو لدفع عطش فلا يضر سبقه لشدة الحاجة إليه، وكذا الأكل والشرب ناسيا للصوم لا يفطر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه)(6) .
ولا يضر الأكل والشرب مكرها، بل يبقى الصيام صحيحا، بخلاف ما لو فعل ذلك جاهلا كونه مفطرا فإنه يفطر، إلا إذا كان الجاهل معذورا، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)(7) .
وإن تبين للصائم يقينا طلوع الفجر وهو لم يزل يأكل وجب عليه إعادة صوم ذاك اليوم، ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فليلفظه، فإن فعل صح صومه، وإن ابتلعه أفطر، فلو لفظه في الحال فسبق منه شيء إلى جوفه بغير اختياره فلا يفطر.
وأما الجوف: فيشمل جوف الإنسان كله؛ فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها أثناء الاستنجاء أو الغسل، ولو بقصد النظافة، ولو بمقدار رأس الإصبع فإنها تفطر. ومثله حك الأذن من داخلها بشيء صلب، أما بالإصبع فلا يفطر ما لم تصل إلى الصماخ. والقطرة في الأذن والأنف تفطر، أما في العين فلا، ولو وجد طعمها في حلقه، لأن العين ليس بمنفذ مفتوح. وكذا الحقنة والتحميلة فإنهما تفطران سواء كانتا في قبل أو دبر. أما لو أدخلت في الفرج قطعة قطن عليها دواء، أثناء الإفطار، بحيث تتجاوز ما يظهر أثناء قضاء الحاجة، فإذا بقيت إلى ما بعد الفجر فلا تفطر، ومثله موانع الحمل الآلية، لا تضر بالصوم ما وضعت في الإفطار.
وأما المنفذ المفتوح: فإما أن يكون مفتوحا أصالة مثل الأذن والفم والأنف والشرج، أو مفتوحاً بواسطة جرح مثل المأمومة (8) ، لذا لا يضر وصول الكحل من العين، أو الدهن أو ماء الغسل من تشرب مسام البشرة، وكذا الحقن العضلية والوريدية لا تفطر بكل أنواعها، ولو كانت للتغذية.
(1) السجائر.
(2)
النرجيلة [أي التبغ الذي يوضع فيها. دار الحديث] .
(3)
الغدة التي تفرزه.
(4)
الترمذي ج 3/كتاب الصوم باب 69/788.
(5)
كإزالة الدم من الفم أو الأنف.
(6)
مسلم ج 2/كتاب الصيام باب 33/171.
(7)
ابن ماجة ج 1/كتاب الطلاق باب 16/2045.
(8)
المأمومة: جراحة في الرأس بحيث تبلغ أم الدماغ.
- خامسا - الإسلام: ويقصد بذلك الإسلام الحالي، فلا يصح صوم المرتد الذي كان مسلما، لأن شرط العمل النية، وشرط النية الإسلام.
- سادسا - النقاء من الحيض والنفاس: فلا يصح الصوم من الحائض والنفساء، بل يحرم عليهما بالإجماع. وإذا نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولو لم تغتسل طيلة النهار حتى أذان المغرب، وكذا من احتلم أثناء النهار، أو أصبح جنبا، يصح صومه ولو لم يغتسل، روت عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام، ثم يصومه"(1) . أما إذا نقيت من الحيض أو النفاس بعد الفجر ولو بقليل لم يصح صوم ذاك النهار إلا أنه يسن لها الإمساك عن المفطرات تتمة اليوم، وعليها القضاء.
وأما لو حاضت بعد أذان المغرب ولو بقليل فيصح صوم يومها وليس عليها إعادته.
(1) البخاري ج 2/كتاب الصوم باب 25/1830.
- سابعا - العقل جميع النهار: فلو طرأ الجنون، ولو لحظة، أثناء النهار ما صح صوم ذاك اليوم، بخلاف الإغماء والسكر، فإن صومه صحيح ما لم يستغرقا النهار جميعه، فإن أفاق ولو لحظة من النهار صح صومه. أما النوم فلا يضر ولو استغرق جميع النهار، ما نوى قبل نومه.
- ثامنا - صلاحية الوقت للصوم: فلا يصح صوم الأيام التي حرم الصوم فيها، والتي سيأتي تفصيلها في قسم الصوم المحرم.