الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتكاف
- التعريف به:
هو لغة: اللبث، والحبس، والملازمة، والإقامة على الشيء، براً كان أو إثماً، قال تعالى:{ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} (1) .
وشرعاً: إقامة شخص مخصوص في مسجد، على صفة مخصوصة.
دليله:
قوله تعالى: {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} (2) .
وما روت عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان "(3) .
وإجماع المسلمين.
(1) الأنبياء: 52.
(2)
البقرة: 187.
(3)
مسلم ج 2/ كتاب الاعتكاف باب 1/3.
- حكمه:
-1 - سنة مؤكدة لكل أحد، ذكراً كان أو أنثى، في أي وقت من ليل أو نهار، في رمضان أو في غيره، وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لأجل طلب ليلة القدر، على ما تقدم.
-2 - واجب في النذر.
-3 - مكروه لذوات الهيئة من النساء إن أردن الاعتكاف في المساجد، ولو أذن الزوج، خشية الفتنة.
-4 - حرام على امرأة لم يأذن لها زوجها.
- أركانه:
-1 - النية: لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية) . ولأنه عبادة محضة فلم يصح من غير نية كالصوم والصلاة.
ومحلها القلب، ولا يشترط لفظها باللسان. وتجب نية الفرضية في الاعتكاف المنذور، بأن يقول المعتكف: نويت الاعتكاف المفروض، أو فرض الاعتكاف، ويجزئ عن ذلك قوله: نويت الاعتكاف المنذور. أما في الاعتكاف المندوب فيكفي أن يقول: نويت الاعتكاف، أو سنة الاعتكاف.
-2 - اللبث في المسجد حقيقة أو حكماً (1) بمقدار فوق طمأنينة الصلاة؛ فيصح الاعتكاف دقائق معدودات.
-3 - أن يكون في المسجد، ذكراً كان المعتكف أو أنثى، فلا يصح الاعتكاف في غيره. لكن اجتهد بعض الفقهاء، وقالوا بصحة اعتكاف المرأة في بيتها إذا أعدت فيه مكاناً لصلاتها، وقالت هذا مسجدي، ونويت الاعتكاف فيه.
والاعتكاف في الجامع (2) أفضل منه في المسجد. إلا أنه يوجب فيه على من نذر الاعتكاف مدة متتابعة فيها يوم الجمعة، وهو ممن تلزمه الجمعة، ولم يشترط حين نذر أن يخرج من الاعتكاف لها، فعندئذ يجب عليه الاعتكاف في الجامع دون المسجد لكي يتمكن من أداء فريضة الجمعة، ولو خرج لأجلها بطل التتابع وعليه إعادة الاعتكاف.
ومن عين في نذره مسجداً فإنه لا يتعين، ويكفيه أن يعتكف في أي مسجد غيره، إلا المساجد الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد المدينة، والمسجد الأقصى، إذا عين أحدها تعين، ويقوم بعضها مقام بعض على حسب الترتيب في الفضل، فلو نذر الاعتكاف في المسجد الأقصى فإنه يصح اعتكافه فيه، أو في المسجد النبوي الشريف، أو في المسجد الحرام لمزيد فضلهما عليه. كما لو نذر في المسجد النبوي الشريف، فإنه يصح فيه وفي المسجد الحرام.
أما لو عكسنا الترتيب فإنه لا يصح، ويتعين عليه ما عينه، فلو نذر في المسجد الحرام تعين ولا يصح في المسجد النبوي الشريف ولا الأقصى، وكذلك لو عين في المسجد النبوي الشريف فلا يصح في المسجد الأقصى، لحديث جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه "(3) .
(1) ويشمل ذلك التردد في جهات المسجد، أما المرور فيه، بأن يدخل من باب ويخرج من باب فلا يحصل به اعتكاف.
(2)
الجامع: هو المسجد الذي تقام فيه صلاة الجمعة.
(3)
ابن ماجه ج 1/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها باب 195/ 1406.
- أما شروط المعتكف فثلاثة:
-1 - الإسلام: ابتداء ودواماً، فلا يصح اعتكاف من كافر، لأنه من فروع الإيمان، ومن ارتد وهو معتكف بطل اعتكافه.
-2 - العقل - التمييز - ولا يشترط البلوغ، فيصح اعتكاف الصبي دون المجنون، لأنه ليس من أهل العبادة كالكافر.
-3 - الطهارة من الحدث الأكبر، حيضاً أو نِفاساً أو جنابة، لأن مكث الحائض والنفساء والجنب في المسجد معصية، ولو طرأ الحيض أو الجنابة أثناء الاعتكاف، وجب على المعتكف الخروج من المسجد فوراً.
- متى يجب تحديد نية الاعتكاف ومتى لا تجب:
-1 - إذا كان الاعتكاف غير محدد بمدة، وخرج من المسجد دون العزم على العودة، انقطع الاعتكاف، وعليه تجديد النية إن أراد اعتكافاً ثانياً. أما إن وجد العزم على العودة، وخرج لعذر، فلا حاجة إلى تجديد للنية.
-2 - أما إذا كان محدداً بمدة مطلقة، دون نية التتابع، فإن خرج لقضاء الحاجة، فلا يلزمه تجديد النية عند العودة، أما إن خرج لغير ذلك ثم عاد فعليه تجديد النية.
-3 - إن حدد الاعتكاف بمدة شرط فيها التتابع، فإن كان الخروج لعذر لم يجدد النية عند العودة.
- والأعذار التي لا تقطع التتابع هي:
-1 - الخروج من المسجد لأكل، أو شرب إن لم يتوفر في المسجد، أو لبول أو غائط، أو لغسل جنابة، لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:"وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجّله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً "(1) . لكن لا تجوز له الإقامة بعد فراغه من قضاء حاجته، لعدم الحاجة إلى ذلك.
-2 - الخروج من المسجد إلى المنارة المنفصلة عنه للأذان، إن كان المعتكف مؤذناً راتباً ألف الناس صوته، وألف هو صعود المنارة، وإلا بطل اعتكافه.
-3 - خروج المعتكف لإقامة حد ثبت عليه بغير إقراره.
-4 - خروج المرأة لأجل عدة ليست بسببها.
-5 - الخروج لأداء شهادة تعين عليه تحملها وأداؤها.
(6)
الخروج من المسجد لمرض شق عليه معه لبث فيه، كأن يحتاج إلى من يخدمه، أو طبيب يعالجه، أو خشي تلويث المسجد إن كان مصاباً بإسهال أو إقياء. أما المرض الخفيف كصداع أو حمى خفيفة فلا يعتبر عذراً للخروج من المسجد.
(7)
الخروج من المسجد لحيض، إذا كانت مدة الاعتكاف لا تخلو غالباً، بأن كانت تزيد على خمسة عشر يوماً.
(8)
الخروج من المسجد لإغماء، وإذا لبث المغمى عليه في المسجد حسبت له مدة إغمائه من الاعتكاف، بخلاف الجنون، فلا تحسب مدته من الاعتكاف لفقدان أهلية العبادة.
(9)
خروجه مكرهاً بغير حق، أو ناسياً، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه "(2) .
وكل عذر ليس قاطعاً للتتابع، يجب العود عند الفراغ منه بلا تجديد للنية، ولو أخر انقطع التتابع، وتعذر البناء، ووجب عليه الاستئناف بنية جديدة.
ويجب قضاء الأوقات المصروفة إلى غير قضاء الحاجة دون المصروفة له وللذهاب إليه والمجيء منه.
(1) البخاري ج 2/ كتاب الاعتكاف باب 3/ 1925.
(2)
ابن ماجه ج 1/ كتاب الطلاق باب 16/ 2045.
- ما يبطل الاعتكاف:
-1- الجماع مختاراً، ذاكراً للاعتكاف، عاملاً بالتحريم، ويبطل الجماع سواء كان في المسجد أو غيره، لقوله تعالى:{ولا تباشرونهن وأنتم عاكفون في المساجد} (1) .
-2 - مباشرة المعتكف بشهوة. أما غير المصحوبة بها فلا تبطل.
-3 - الردة، والسكر إن وجد التعدي به، وكذلك الجنون والإغماء إن وجد التعدي بهما، والجنابة إن لم يبادر إلى التطهر، أما إن بادر فلا يبطل اعتكافه.
-4 - الحيض والنفاس إذا كانت مدة الاعتكاف تخلو عنهما غالباً.
-5 - تعمد الخروج من المسجد لغير عذر، لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم، وفيه:"وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفاً "، ولأن الاعتكاف هو اللبث في المسجد، فإذا خرج فقد فعل ما ينافيه بلا عذر، فبطل، كالأكل في الصوم.
-6 - عدم العودة إلى المسجد، مع التمكن منها، إذا خرج لعذر ثم زال ذلك العذر.
ومعنى البطلان أن زمن ذلك لا يحسب من الاعتكاف، فإذا زال جدد النية، وبنى على ما مضى إن كان مقيداً بمدة من غير تتابع، أما إن كان مقيداً بمدة وتتابع أبطله، وخرج منه، ووجب الاستئناف. وإن كان مطلقاً، فمعنى البطلان أنه انقطع استمراره ودوامه، ولا بناء ولا تجديد نية، وما مضى داخل في الحساب، وحصل به الاعتكاف.
ولا يضر بالاعتكاف التطيب ولا الاغتسال ولا قص الشارب ولا الترجل، ولا لبس ما يلبسه في غير الاعتكاف ولا الزواج والتزويج. وللمعتكف أن يأكل ويشرب ويكتب، ولا يكره الإكثار من كتابة العلم وتعليمه وقراءة القرآن، لأن كل ذلك طاعة، وله كذلك البيع والشراء والحديث المباح، فإن أكثر كره لأن المسجد منزه عن أن يتخذ موضعاً للبيع والشراء.
(1) البقرة: 187.