الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فى بعض خصائص القرآن الكريم
إنه ما من نبى من الأنبياء إلا وأعطى ما مثله آمن عليه البشر من كلام الله الخاص وآياته المعجزات إلى من اصطفى من رسله غير أن آيات الأنبياء السابقين ومعجزاتهم كانت حسية وقتية يؤمن بها من عاصرها وشاهدها دون من نأى بهم المكان أو تأخر بهم الزمان، وكان التشريع فيها خاصا بفئة معينة وموقوتة بزمن معين، وقد ذكر القرآن الكريم من الكتب السابقة صحف إبراهيم وصحف موسى، وثلاثة كتب هى توراة موسى وزبور داود، وإنجيل عيسى.
وهذه الصحف والكتب السابقة جميعا قد داخلها التحريف والتبديل وليس فيها ما يجزم بصحة نسبته إلى الله تعالى وممّا لا شك فيه أن للقرآن الكريم المنزلة العلية الرفيعة بين سائر الكتب التى تقدمته فى النزول، وتتجلى هذه المنزلة له بكونه شاملا لأصول الهداية البشرية مع احتوائه على أعظم منهج ربانى محقق لسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة، منهج حياة كامل ملحوظ فيه نواميس الفطرة التى تصرف النفس البشرية فى كل جوانب حياتها، وإعجازه أبعد مدى من كونه إعجازا فى النظم أو المعانى بل إعجاز عن إبداع منهج كمنهجه يحيط بما يحيط به.
ولم لا. وهو يحمل رسالة الرشد البشرى الذى يخاطب مدارك الإنسان جيلا بعد جيل، ولله درّ من قال.
لا تذكر الكتب السوالف عنده
…
طلع النهار فأطفئ القنديلا
والقرآن بهذه الطبيعة المنهجية صنع الأمة المسلمة أول مرة وبها يصنع الأمة المسلمة فى كل مرة يراد فيها أن يعاد إخراج الأمة المسلمة للوجود بعد أن واراها ركام الجاهلية بما فيها من تصورات أوضاع وقوانين وأنظمة لا صلة لها بالإسلام (1).
(1) من كتاب معالم فى الطريق بتصرف.
ولقد خص الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بخصائص كثيرة ينبغى لمن أراد أن يفهم القرآن أن يعيها ويدركها بعقله وبقلبه.
وإن أول هذه الخصائص أنه- أى القرآن الكريم- كلام الله الخالص غير مخلوق ولا مفترى، غير مشوب بأوهام البشر ولا بأهواء البشر، فكله من الله من ألفه إلى يائه.
ليس لجبريل منه إلا النزول به، ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم إلا التلقى والتبليغ قال تعالى:
وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (1).
إذن فلا غرو أن تتصف أخبار هذا الكتاب بالصدق الكامل وأحكامه بالعدل المطلق. فكل ما فى القرآن من أخبار، ومواعظ وأوامر، ونواه، وتوجيهات، وتشريعات يتجلى فيها الحق كله، والخير كله والجمال كله والحكمة كلها والمصلحة كلها لأنها كلها صادرة من لدن حكيم خبير.
والخصيصة الثانية للقرآن هى التيسير فهو كتاب يسره منزله، يسر تلاوته ويسر فهمه ويسر العمل به لمن أراد، لا يكلف الإنسان شططا ولا يرهقه من أمره عسرا.
قال تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (2).
فيستطيع كل إنسان سليم الفطرة. يقرأ القرآن أو يسمعه- أن يفهم منه ويتأثر ويستقى من منهله بقدر ما يتسع واديه.
ومن خصائص القرآن: أنه كتاب معجز على مر الأيام وتعاقب الأزمان فهو آية محمد صلى الله عليه وسلم العظمى ومعجزته الخالدة، وللإعجاز القرآنى أوجه وجوانب عديدة فهو معجز فى لفظه وأسلوبه ونظمه وعباراته وألفاظه معجز فى موضوعه
(1) الشعراء: 192، 193، 194.
(2)
القمر: 17.
ومنهجه وتشريعه معجز فيما أرشد إليه من حقائق علمية كشف وما زال يكشف عنها العلم الحديث يوما بعد يوم إلى غير ذلك من وجوه الإعجاز.
قال تعالى: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (1).
ومن خصائص القرآن: أنه كتاب الخلود وليس كتاب جيل ما ولا كتاب عصر ما بل هو كتاب الزمن كله قيض له الله رجالا أمناء حفظوه فى صدورهم وسطورهم، فلن تقوى عليه يد الزمان، ومن دلائل ذلك أن أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمن مرت على نزول هذا القرآن ولم يزل كما أنزله الله وكما بلغه محمد صلى الله عليه وسلم وكما تلقاه الصحابة ومن بعدهم جيلا إثر جيل محفوظا فى الصدور، متلوا بالألسنة مكتوبا بالمصاحف يستظهره مئات الآلاف من أبناء المسلمين حتى الصبيان منهم، بل حتى الأعاجم الذين لا يعرفون لغته.
قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (2).
ومن خصائص كتاب الله العزيز الشمول فهو كتاب الحياة كلها وكتاب الإنسانية كلها فليس هو لجنس دون جنس، ولا لوطن دون وطن، ولا لطائفة دون طائفة، إنه كتاب الجميع ودستور الجميع فى نسق فريد ونظم بديع، ومن شمول القرآن: أن طالب الحقيقة العقلية يجد فى القرآن ما يرضى منطقه ويأخذ بلبه، والباحث عن الحقيقة الروحية يجد فى القرآن ما يرضى ذوقه ويغذى وجدانه، والحريص على القيم الأخلاقية يجد فى القرآن ضالته وطلبه.
وعاشق القيم الجمالية يجد فى القرآن ما ينمى حاسته الجمالية ويغذى شعوره، ومن شمول القرآن: أنه لا يخاطب العقل وحده ولا القلب وحده، بل يخاطب الكيان الإنسانى كله فيقنع العقل ويحرك القلب فى وقت واحد كذلك.
(1) فصلت: 53.
(2)
الحجر: 9.
فالقرآن دستور شامل وصفه منزّله بأنه تبيان لكل شىء.
قال تعالى: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (1).
ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة (2)
…
(1) النحل: 89.
(2)
من كتاب ثقافة الداعية د/ يوسف القرضاوى بتصرف.