الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحائض شيئا من القرآن» وهو حديث ضعيف السند لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
فلا يعول على هذا القول ولا يصار إلى القول بالمنع أو التحريم فى هذه المسألة أو فى غيرها إلا بدليل.
أما القول الثانى:
فهو إباحة القراءة حال الحيض والجنابة بشرط أن تكون القراءة نظرا بالعين أو تأملا بالقلب بدون نطق باللسان مثل أن يوضع المصحف أو اللوح فينظر إلى الآيات وتقرأ بالقلب. نقل هذا القول عن بعض أهل العلم (2).
أما القول الثالث:
فهو القول بجواز القراءة والتلفظ للحائض والجنب وأصحاب هذا القول هم الأكثرون فقال به الإمام البخارى، وابن جرير الطبرىّ، وابن المنذر، وحكى عن مالك، والشافعى- رحمهم الله جميعا (3) - وذلك لما ثبت عن عائشة رضى الله عنها أنها قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه)(4).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله فى تحقيق هذه المسألة: «ليس فى منعها من القرآن سنة أصلا فإن قوله لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن حديث ضعيف باتفاق أهل المعرفة بالحديث وقد كان النساء يحضن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم فلو كانت القراءة محرمة عليهن كالصلاة لكان هذا مما بينه النبى صلى الله عليه وسلم لأمته وتعلّمه أمهات المؤمنين، وكان ذلك مما ينقلونه فى الناس، فلمّا لم ينقل أحد عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك نهيا لم يجز أن تجعل حراما مع العلم أنه لم ينه عن ذلك،
(1) راجع هذه الأحاديث وأقوال العلم بشأنها وكيف أنها لا تنهض للاستدلال لما اعترى سندها من علل الحديث. نيل الأوطار (ج 1 ص 225: 227).
(2)
نقل هذا القول عن الإمام النووى فى شرح المهذب (ج 2 ص 356). ورجحه الشيخ ابن عثيمين حفظه الله (ص 21) .. الدماء الطبيعية للنساء.
(3)
فتح البارى بشرح صحيح البخارى (ج 1 ص 408).
(4)
رواه مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 68).
وإذ لم ينه عنه مع كثرة الحيض فى زمنه. علم أنه ليس بمحرم) (1).
قلت: (وجواز قراءة القرآن للحائض والجنب هو الرأى الراجح عندى، والذى تقوم به الأدلة وترتاح له النفس
…
والله أعلم).
أما المسألة الثانية: والتى تدعو الحاجة لذكرها لأهميتها:
«فهى هل يجوز للحائض أو الجنب مس المصحف؟» .
وفى هذه المسألة قولان لأهل العلم أعرضهما ثم أذكر الراجح منهما
…
* القول الأول بعدم جواز المس: واستدل المانعون بقوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (2) وأجيب على هذا القول بأن المراد بالضمير فى قوله «لا يمسه» هو الكتاب المكنون الذى فى السماء «والمطهّرون» هم الملائكة، وهو قول أكثر المفسرين وحتى لو سلم رجوع الضمير إلى القرآن لكانت دلالته على المطلوب من المنع من مسه غير مسلمة لأن المطهر من ليس بنجس، والمؤمن ليس بنجس دائما لحديث «إن المؤمن لا ينجس» (3) وعليه فلا يصلح حمل المطهّر على من ليس بجنب ولا حائض بل يتعين حمله على من ليس بمشرك لقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (4).
واستدل المانعون أيضا بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من قوله: «لا يمس القرآن إلا الطاهر» (5) وكل طرق هذا الحديث ضعيفة، فالحديث سنده ضعيف وهو لا يصلح أصلا للاحتجاج للقول السابق فى معنى لفظ (طاهر) وقد عرفته.
(1) الفتاوى مجموعة ابن القاسم (ج 26 ص 191).
(2)
الواقعة: 79.
(3)
رواه مسلم بشرح النووى (ج 4 ص 67). بلفظ سبحان الله إن المؤمن لا ينجس.
(4)
التوبة: 28.
(5)
الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك وغيره كالبيهقى والطبرى وفى كل طرقه ضعف، فهى إما مرسلة، وإما عن متروك أو ضعيف. انظر نيل الأوطار (ج 1 ص 205).
أما القول الثانى فهو رأى القائلين بجواز مس المصحف حال الحيض (أو النفاس) والجنابة:
وحجتهم هى كون الأدلة الواردة على المنع لا يتم بها الاستدلال. ومن القائلين بجواز مس المصحف للحائض والجنب داود وابن حزم.
قلت: والقول بجواز مس المصحف أو حمله حال الحيض أو الجنابة هو الذى تقوم به الأدلة فليس الدين بالاستحسان أو الرأى فى شىء.
لكن مع اعتبار جواز المس: فماذا يمنع الحائض إن هى أرادت أن تمس المصحف لتقرأ القرآن أن ترتدى فى يدها قفازا إعظاما منها وإكبارا لكتاب الله.
وماذا يمنع الجنب إن أراد أن يقرأ أن يغتسل ويزيل الأذى. فالأكمل فى حق كتاب الله أن يقرأ على وضوء مع تنظيف الفم بالسواك، والتطيب إن أمكن. وأن تكون القراءة فى جو تتحقق فيه النظافة وترفرف عليه السكينة، فهذه الأفعال وغيرها من مظاهر تعظيم كتاب الله عز وجل.
ولقد كان الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة رحمه الله إذا أراد أن يحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل وتطيب ولبس أحسن ثيابه ثم خرج فحدث
…
وهناك بعض المسائل التى تهم قارئ القرآن سأذكرها مفصلة فى الباب الثالث من أبواب هذا الكتاب- إن شاء الله- والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل.