الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فى هديه صلى الله عليه وسلم فى تدبر القرآن
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شرع فى قراءة القرآن شأنه التدبر والخشوع والتفكر.
والدلائل على فعله ذلك وصحابته وسلف هذه الأمة أكثر من أن تحصر. والحث على ذلك من الله. سبحانه وتعالى أجلى وأظهر- فبه تنفتح القلوب فتدرك المقاصد الصحيحة والآيات العقلية الصريحة قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (1).
وصفة ذلك أن يشغل القارئ قلبه بالتفكر فى معنى ما يقرأ، ويتجاوب مع كل آية بمشاعره، وعواطفه، ويتأمل الأوامر، والنواهى ويعتقد قبول ذلك.
فإن كان ممن قصر فيه فيما مضى اعتذر، واستغفر. وإن كان ممن وفق للعمل به شكر، وكبر. وإذا مر بآية رحمة استبشر، وسأل وإذا مر بآية عذاب أشفق وتعوذ. إلى غير ذلك من معانى الآيات.
ويستعان على كشف هذه المعانى وإبانتها بأحد كتب التفسير (2) فإن تفاوت الإدراك بين الناس أمر لا مراء فيه.
فعن حذيفة بن اليمان قال «صليت مع النبى صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها ثم النساء فقرأها ثم آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ
…
الحديث» (3).
(1) ص: 29.
(2)
أعظم تفسير عند المسلمين هو تفسير ابن جرير الطبرى، وابن كثير الدمشقى، وإن كان لا بد من أحدهما فتفسير ابن كثير.
(3)
صحيح مسلم بشرح النووى (ج 6 ص 61).
روى عن ابن عباس- رضى الله عنهما: لأن أقرأ البقرة وآل عمران وأرتلهما وأتدبرهما أحب إلىّ من أن أقرأ القرآن كله هذرمة أى (بسرعة)(1).
وذكر الإمام السيوطى عن ابن مسعود قوله: قفوا على عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة (2).
وقال الحسن البصرى رحمه الله تعالى: والله ما تدبره بحفظ حروفه وإضاعة حدوده. حتى إن أحدهم ليقول: قرأت القرآن كله. ما يرى له القرآن فى خلق ولا عمل (3).
وهكذا ينبغى لتالى القرآن أن ينظر كيف لطف الله بخلقه فى إيصال معانى كلامه إلى أفهامهم وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، ويتدبر كلامه، ويتفهم معانيه، وما أراد الله منا بهذا القرآن، ويطبع نفسه على قبول ما جاء به قبولا ينعكس أثره، ويظهر فى العمل والتنفيذ، وأن يستوضح من كل آية ما يليق بها، ويتفهم ذلك.
فإذا تلا قوله تعالى: خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ (4) فليعلم عظمته سبحانه وتعالى يتلمّح قدرته فى كل ما يراه فهذه السماء من ذا رفعها بلا عمد؟ ونثر فيها النجوم بلا عدد وهذه الأرض من ذا الذى سطحها ومهدها وشق فيها البحار والأنهار وأخرج من بطنها الثمار والأزهار فأيّا كان حظ الإنسان من العلم. فهذه المشاهد يمكن أن يدركها فتحرك قلبه ووجدانه وجوارحه نحو الخالق المبدع سبحانه وتعالى.
وإذا تلا أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (5) فليفكر فى
(1) مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (ص 52)، ولم أجده بسنده إلى ابن عباس.
(2)
الأتقان فى علوم القرآن للسيوطى (ج 1 ص 140)، ولم أقف عليه بسنده إلى ابن مسعود.
(3)
هذا الأثر المقطوع ذكره ابن كثير (ج 4 ص 34). وقال رواه ابن أبى حاتم.
(4)
الأنعام: 1.
(5)
الواقعة: 58، 59.
نفسه، وكيف خلق الله هذه النطفة، وكيف خلق منها السمع والبصر والعظام واللحم. أم هل يدعى أحد أنه خلقها؟ وهذا أمر لا يدعيه أحد ولذا فهو لا يحتاج إلى جدل كثير أو قليل فلا سبيل لرد هذا الاستفهام فى هذه الآية من آيات القرآن وما يماثلها إلا بالإذعان الكامل لله رب العالمين الواحد- سبحانه وتعالى الذى لا يشاركه أحد فى الخلق، والإنشاء. فلا يجوز أن يشاركه أحد فى الربوبية، والعبادة. وهذا منطق واضح بسيط يدركه كل إنسان أيا كان حظه من العلم. فالنظرة الواعية، وتدبر الآية وحدها يكفى.
وليتخل التالى لكتاب الله تعالى عن موانع الفهم، والتى من أعظمها الذنوب، والهوى. فالعلم نور فى القلب، ونور الله لا يهدى لعاصى. ومن موانع الفهم.
كذلك. ما سبق وأن أشرت إليه، حين حذرت من المبالغة فى النطق بالحروف مثل أن يخيل الشيطان للقارئ أنه ما حقق تلاوة الحرف، ولا أخرجه من مخرجه. فيكرره التالى فيصرف همته عن فهم المعنى.
ومن أهم موانع الفهم- أيضا- ما سوف يأتى ذكره فى الفصل التالى من سماع اللغو والغناء. فقبول المحل لما يوضع فيه مشروط بتفريغه من ضده. وسر ذلك أن إصغاء القلب كإصغاء الأذن، فإذا أصغى إلى غير حديث الله لم يبق فيه إصغاء، ولا فهم لحديثه. ولله الحمد والمنة، وبه التوفيق والعصمة.
***