الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدب العربي في مدارس العراق
نشرت سنة 1937
إذا كان الفيلسوف هو الذي يبحث ويستنتج، والعالم هو الذي يستقرئ ويعلِّل، فالأديب ولا شك هو الذي يتذوَّق ويشعر، والأدب إذن أساسه الجمال، كما أن العلم أساسه الحقيقة، والأخلاق أساسها الخير.
هذه هي الفكرة التي يجب أن تلاحظ دائماً في تدريس الأدب، لئلا يخلط بينه وبين العلم، ويتحول إلى مقاييس جافة، وحدود باردة، تفقده الجمال، وتنبو به عن الذوق، ويجب أن ينظر الطالب إلى درس الأدب، نظره إلى المتعة الحلوة، لا إلى الواجب الثقيل.
فهل تلاحظ هذه الفكرة الآن في مناهج الأدب، وفي دروسه؟
هل يقبل الطلاب على درس الأدب برغبة قوية، وميل دافع، كما يقبلون على درس الرسم والموسيقى؟
لا يشك مدرِّس واحد، في أن الجواب: لا، ولا يستطيع مدرس واحد، أن ينكر أن الطلاب ضعاف في العربية، مقصِّرون فيها، وأنهم على ضعفهم يكرهونها ولا يميلون إلى دروسها.
فما هي الطريق إلى علاج هذا الداء؟
هذا ما أحب أن أبينه في مقالتي هذه.
ولا بدَّ لي أولاً من الكلام في الأدب وتاريخ الأدب، وإن كان ذلك معروفاً، لأضع للقراء الكرام أسساً بيِّنة، نبني عليها بحثنا، ونقيم نتائجنا.
الأدب له معنيان:
فهو أولاً فن من الفنون الجميلة، التي تصف الجمال وتعبِّر عنه، فهو إذن مثل التصوير والموسيقى والنحت.
وأي فرق بين أن تعبر عن الجمال، بصورة، أو تمثال (1)، أو قصيدة من الشعر؟
وأي فرق بين أن تصوِّر مشهد الغروب بالريشة والألوان، أو بالألفاظ والأوزان؟
ينتج عن ذلك أمران: الأول أن الأدب هو الجمال، هو العاطفة، فكل من يتذوق الجمال، ويحس في صدره عاطفة، فهو أديب بالضرورة، أي أن كل إنسان أديب، لأن كل إنسان يسرُّ ويحزن، ويذكر الماضي ويحلم بالمستقبل ويهزه مشهد الجمال في الطبيعة وفي الإنسان.
وهذه النتيجة تنفعنا جداً من الناحية التعليمية، لأننا نستطيع أن نجعل كل طالب، منصرفاً إلى الأدب، مهتماً به، يحبُّه ويميل إليه، إذا درَّسناه الأدب من هذه الناحية، وعقدنا الصلات بينه وبين نفسه. ولقد جربت ذلك بالفعل في الصفوف العلمية التي أدرِّس فيها، فكان الطلاب معرضين عن الأدب كل الإعراض فما زلت بهم، أقرأ عليهم أجمل الآثار الأدبية، وأهز في نفوسهم حسَّ الجمال، ومثوى العاطفة، حتى غدوا وهم منصرفون إلى الأدب، يدرسونه، وينشؤون فيه.
والنتيجة الثانية: أن الأدب ما زال يقوم على الجمال، لا يعرف الحقيقة، وليس عنده قوانين ثابتة كالقوانين العلمية، لأن فكرة الجمال نسبية، لا تتم قانوناً، ولا تسير على قاعدة، فمن الناس من يرى جمال الطبيعة في الجبال، ومنهم من يراه في السهول والأنهار، ومن الناس من يرى الجمال في المرأة في سواد عينيها وسمرتها، ومنهم من يراه في شقرتها وزرقة عينيها، فأنت لا تستطيع أن ترغم هذا أو ذاك على العدول عن رأيه في الجمال، كذلك لا تستطيع أن تجبر التلميذ على اتِّباع رأيك في قصيدة من الشعر، أو قطعة من النثر. وهذه النتيجة تنفعنا من الناحية التعليمية، إذا تعلمنا أن نبتعد على قدر الإمكان عن تطبيق
(1) والتماثيل محرمة في الإسلام.
الطرق العلمية على الأدب، أو نعطي الطلاب بحوثاً نضطرهم إلى حفظها واتباعها، وتعلمنا أن نربي في الطالب الملَكَة الأدبية، وندلَّه على طريق البحث، ثم ندع له اختيار النتيجة.
أما المعنى الثاني للأدب:
وهو أقرب إلى الموضوع التعليمي، فهو أنه (مجموع الآثار البيانية الجميلة في لغة من اللغات). فالأدب العربي مجموع ما في اللغة العربية من نثر جميل، وشعر جيد، وأمثال وخطب ورسائل، والأدب الإفرنسي، مجموع ما في اللغة الفرنسية من قصص وأقاصيص ومذكرات وقصائد ورسائل وخطب.
ودرس هذه الآثار هو المسمَّى هنا بدرس (النصوص) وسنعود إلى الكلام فيه.
نحن إلى هنا في أدب شخصي (Subjectif) يستند على تصوير الجمال (الإنشاء) وعلى تذوق هذه الصور (النصوص)، ولكن عندنا أدباً آخر، أقرب إلى الموضوعية (Objectif) وأمسَّ بالعلم وأدنى إلى قوانينه، وهو (النقد) والمراد بالنقد وزن الآثار الأدبية وتقويمها، فالأديب يحس ويشعر ويعبر عن حسه وشعوره، فعمله إنشائي بحت، أما الناقد فيزن هذه الآثار بميزانه، ويطبقها على مقاييسه، ويفاضل بينها وبين المثل الأعلى الذي يتصوره، والنقد قسمان، نقد صوري (C. de forme) للألفاظ وصحتها والجمل ومتانتها، والأسلوب وقوته، ونقد فكري أو معنوي (C. de fond) للفكرة وتسلسلها، والصورة وجمالها، والنتيجة التعليمية لهذا التقسيم، هو أن الطالب يحتاج إلى النحو والصرف والبلاغة وما إليها من علوم الأدب لينقد نقداً صورياً شكلياً، ويحتاج إلى تربية الذوق الفني الفكري المعنوي، على أن لا ينسى المدرس أو واضع المنهج أن هذه العلوم وسيلة إلى الأدب، يؤخذ منها بمقدار الحاجة، وليست هي الغاية، ولا هي المقصودة بالذات.
وهناك ما هو أوسع من النقد وهو (تاريخ الأدب)، وعلى مؤرِّخ الأدب -عدا عن تقويم الآثار- أن يرتبها، وينصفها، وهذا التصنيف هو الأساس في تاريخ الأدب.
ويلاحظ اتجاه جديد في النقد، منذ منتصف القرن التاسع عشر، الغاية منه تحويل النقد إلى علم موضوعي، والخروج به عن هذا النطاق الشخصي الضيق، ولا أراني بحاجة إلى ذكر مذاهب تين (Taine) وسانت بوف (Saint beufe) وبرونتير (Bruntayère) في هذا المقام، وإنما أشير إلى ذلك إشارة.
تلخَّص معنا إذن، أن هناك شعوراً بالجمال ووصفاً لهذا الشعور، وهذا هو درس الإنشاء.
وأن هناك فهماً لهذا الوصف وتذوُّقاً له وهذا هو درس النصوص، وأن هناك تقويماً لهذا الوصف، وبياناً لمواطن الجمال ومواضع النقص فيه، وهذا هو النقد.
وأن هناك ترتيباً وتصنيفاً، ودرساً شاملاً، وهذا هو تاريخ الأدب.
وسأتكلم على كل درس من هذه الدروس بإيجاز واختصار.
الإنشاء:
أستأذن أولاً زملائي الكرام في عرض هذه الآراء، فلست ألقي عليهم دروساً، ولا أزعم أن ما أقوله هو الصواب بعينه، ولكني أعرض تجاربي، وأنا قد درَّست العربية، والإنشاء بوجه خاص، منذ عشر سنين فوجدت أن أسباب تقصير الطلاب في الإنشاء تتلخص كلها في أمرين:
الأول: أن الطالب قد لا يميل إلى الموضوع الذي يفرضه عليه المدرس، ولا يتصوره، أو لا يهيج من نفسه عاطفة أو ذكرى، فلا يحسن الكتابة فيه، وقد لقيت أنا البلاء الأزرق من هذا الأمر، وكنت آخذ أبداً شرَّ الدرجات في الإنشاء، برغم أنني كنت خيراً من رفاقي في الإنشاء وأقوى، ولا أذكركم من عشرات المرات، سألنا المدرسون أن نكتب (في وصف روضة) وأي روضة هي؟ هي التي حصباؤها ياقوت، وماؤها ذوب اللجين، وفيها البلابل وما لست أدري ماذا؟ فإذا كانت روضة ليس فيها حصباء، وكان فيها حمام أو عصافير، كانت الوظيفة سيِّئة في رأي المدرس، ولا أذكر كم سألونا: (ماذا تريد أن تكون في
المستقبل)، حتى مللت المستقبل، وكرهت الرياض، ووددت لو أني هجرت الكتابة فلم أخطَّ فيها حرفاً.
والثاني: أن الطالب يكتب الوظيفة، فينتقده المدرس، ويبينِّ له ما فيها من نقص ولكنه لا يبين له وجه الصواب ولا يعرفه الطالب من نفسه، فيرجع إلى خطئه ويرجع المدرس إلى نقده، وهكذا دواليك حتى يملَّ الطالب فلا يكتب، أو يكتب ولكنه ييأس من الإجادة، وتموت في نفسه ملكة الكتابة.
والدواء الذي أراه:
1 -
هو أن يتكلَّم المدرِّس في كل مناسبة في قواعد الكتابة ونظرياتها وأنواعها، فيبحث في ألوان الكتابة من القصة والأقصوصة والوصف والمذكرات والإنشاء الخطابي والشعر، ثم يفهم الطلاب قواعد القصة وعناصرها، والزمان والمكان، والأشخاص، والحادثة، وأنواعها، من المآسي إلى الملاحم (الدرام) إلى المهازل، ومن القصة الطبيعية إلى الواقعية إلى الخيالية إلى النفسية، ويلخص لهم بين ذلك بعض القصص المشهورة، لبعض الأدباء الكبار المعروفين، من عرب أو إنكليز أو روس أو طليان، فإن الأدب عالمي لا وطن له ولا جنسية.
2 -
أن يقرأ عليهم في كل درس قطعة من الأدب العالي، ويدرسها مع الطلاب، ثم يسعى لاستيحاء موضوعات جديدة من هذه القطعة، ويعتمد في ذلك على تربية تداعي المعاني (Association des idées) عند الطلاب، حتى ينتقلوا بسرعة من معنى إلى معنى، ومن صورة إلى صورة.
3 -
أن تكون موضوعات هذه القطع مما له صلة بنفوسهم، وما له علاقة بحياة الشباب، فلا يختار لهم شيئاً من الفلسفة العميقة، أو المواعظ الجافة.
4 -
أن يسألهم الكتابة في موضوع يستوحونه من هذه القطعة، على أن يدع لهم الخيار في أن يكتبوا غيره إذا شاؤوا، ولهذه الحرية في اختيار الموضوعات فائدة عظيمة جداً، لأنها تفسح للطلاب سبيل الابتكار والتجديد، ومعلوم أن حسن اختيار الموضوع، أهم بكثير من الكتابة فيه.
5 -
بقي علينا مسألة أراها مهمة، هي أن يكون الطالب حراً وصريحاً، يكتب ما يخطر في باله، ويصوِّر أفكاره وعواطفه، ولو كان في رأيه ما لا يعجب المدرِّس أو يروق له.
وليس على المنهج اعتراض من جهة الإنشاء، ولكن الاعتراض عليه من جهة النصوص.
النصوص:
أحب أن أبين أولاً كيف تدرس النصوص، ثم أعود إلى ذكر ملاحظتي على المنهج، لا بد قبل كل شيء من قراءة النص قراءة صحيحة وفهمه فهماً مستقيماً، وهذا لا يكون إلا بالوقوف علي علوم الأدب، وإتقانها في حين أن الذي رأيته من الطلاب، هو الضعف البينِّ في هذه العلوم، إلى درجة أني سألت مئتي طالب من طلاب الثانوية إعراب بيت سهل، هو:
اذكرونا مثل ذكرانا لكم
…
ربَّ ذكرى قرَّبت من نزحا
فما عرف إعرابه إلا خمسة عشر طالباً. فكل درس للنصوص قبل تقوية علوم اللغة عند الطلاب، إضاعة وقت، وعبث من العبث.
فإذا فهم الطلاب النص، قسموه بحسب الأفكار أو الصور التي فيه، ثم درسوا مزاياه وملامح أسلوبه، ثم بحثوا عن الصلة بينه وبين نفس صاحبه ومبلغ تصويره لأخلاقه وأفكاره.
وأنا أرى أن يكون مدار اختيار النصوص، لا على اللغة وضخامة الأسلوب، ولكن على الجمال والقرب من أفهام الشباب وميولهم أو يترك الخيار للمدرس إن أمكن، وذلك أحسن.
تاريخ الأدب:
بقي علينا الكلام في النقد أو تاريخ الأدب، والكلام فيهما الآن واحد.
الدرس الأدبي، فيما أفهم، ليس معناه الإحاطة بترجمة الشاعر أو الناثر، ولا حفظ أمثلة ونماذج من آثاره ولا معرفة ما قال فيه النقَّاد وأئمة الأدب، ولكن
الدرس الأدبي معناه البحث أولاً عن شخصية الأديب، وأثرها في شعره، ثم البحث عن أدبه ومزايا هذا الأدب، ومكانه في أدب أمته.
والبحث عن شخصية لا يكون إلا بمعرفة العوامل التي كوَّنت هذه الشخصية، وكانت مصدر أخلاق الأديب وطبائعه، وهذه العوامل كثيرة، لا سبيل إلى حصرها، غير أن المهم منها، هو:
الزمان – والبيئة – والثقافة – والوراثة - والتكوين الجسمي.
وقد بيَّنت هذه العوامل في موضوع آخر، فلن أعود إلى شرحها وبيانها، وإنما أشير هنا إلى أهميتها في درس الأديب ذلك أن لكل زمان ذوقاً أدبياً، واتِّجاهاً فكرياً، يؤثر في الأدب الذي ينشأ فيه فيجب معرفة هذا الاتجاه، ويجب على مؤرِّخ الأدب أن يبدأ بدرس الزمان من هذه الناحية، لا من ناحية السياسة والحروب، فذلك شيء يهم المؤرخ السياسي وقد أخطأ كثير من الكتَّاب فحسبوا أن درس الزمان هو درس ما وقع فيه من حروب، وما كان فيه من أحداث سياسة.
أما البيئة فهي الوسط الذي ينشأ فيه الشاعر، والأسرة التي ينحدر منها، والبلدة التي يعيش فيها، كل هذا يؤثر في الأديب، ويعمل في تكوين أخلاقه، فلو لم يعش أبو نواس في هذه البيئة الماجنة الخبيثة بيئة والبة وأصحابه ما كان أبو نواس شاعر الغزل الفاحش والخمر، ولو لم ينشأ بشَّار في أسرة منحطة، ولو لم يكن أبوه طيَّاناً ما كان بشَّار هجَّاءاً خبيثاً، وشاعراً داعراً، بل إن من النقاد الأوروبيين أصحاب المذاهب، من جعل البيئة هي العامل الوحيد في تكوين الأديب فيجب أن نبحث عن أسرة الشاعر ووسطه الذي عاش فيه، كما نبحث عن ثقافته التي تلقاها، والكتب التي قرأها، والشيوخ الذين لازمهم، وعن صلة ذلك كله بأدبه، وستجد أن ثقافة الجاحظ من أكبر العوامل في تكوين الجاحظ، وأن دراسة الزهاوي كان لها أثر في شعر الزهاوي، وكفر الزهاوي، وسنلاحظ أن الشعراء على قسمين: قسم ينبثق منهم الشعر منذ الطفولة، وتغلب عليهم الطبيعة والملَكَة كبشَّار وأبي العتاهية، وقسم لا يأتيهم الشعر إلا بعد الدرس والقراءة كأبي تمام.
أما عمل الوراثة، فهو أضعف مما تقدم، والوراثة النفسية لم تثبت ثبوت الوراثة الجسمية التي وضع فيها (مندل) قانونه المشهور، وقد نقل (ريبو) في كتابه أن أثر الوراثة قد استقري في مئة عالم وأديب فوجد متخلفاً ولم يقطع فيه إلى اليوم، على أن الذي يهمنا من الوراثة، ما نسميه بوراثة الدم، وهو هذه الصفات العامة في شعب من الشعوب، وأثر هذا النوع من الوراثة ظاهر في أدبنا، ولولاه ما اختلف مذهب ابن المقفَّع في الكتابة عن مذهب عبد الحميد، وهما عصريان يعيشان في بيئة واحدة تقريباً، ولا ابن الرومي عن البحتري.
أما التكوين الجسمي فأثره قوي جداً في تكوين أدب الأديب، ولست في حاجة إلى إثبات هذا الأثر، لأنه لا ينكر أحد صلة الأعصاب بالعواطف والأفكار، ولا ينكر أحد أن للحياة الفسيولوجية تأثيراً في الحياة النفسية، وأن الحواس هي النوافذ التي نطلُّ منها على العالم الخارجي، وأن نظرنا إليه يختلف باختلاف صحتها ومرضها، وكمالها ونقصها، فتصور بشَّار الأعمى للجمال غير تصور البصير، وجسم بشار الضخم وحيويته المتدفقة هي التي زادت في حاجته إلى المرأة فتغزل بها وأفحش، فحال الناس بينه وبين ما يريد، فهجاهم فأقذع، فأنت ترى أن جماع فن بشار، وهو غزله وهجاؤه راجع إلى حالته الجسمية، وقل مثل ذلك في جمال أبي نواس، ثم إن عند السيكولوجيين نظرية مركب النقص، وهي التي عبَّر عنها العرب بقولهم: كل ذي عاهة جبَّار، وهي تثبت هذا الذي نتحدث عنه.
فإذا انتهيت من درس هذه العوامل، درست نتائجها في أخلاق الشاعر وميوله، وأثر هذه الأخلاق والميول في شعره.
ثم درست مزايا شعره، ومصادره، وأثره في الأدب.
هذه هي الدراسة الكاملة، ولكن هل يمكن تطبيقها في المدارس؟ أكاد أقول: لا. وأنا مطمئن إلى صحة ما أقول، ذلك أن واضعي المنهج لم يجعلوا غايتهم مثل هذه الدراسة، ولم يلاحظوها، وإنما لاحظوا اطلاع الطالب على أكبر عدد ممكن من الشعراء والكتاب وصفات العصور الأدبية.
فهل هم على صواب؟
هل الغاية من درس الأدب، أن يملأ الطالب ذاكرته بأسماء الشعراء والكتاب أو يدرس عدداً قليلاً جداً، دراسة نموذجية تمكِّنه بعد ذلك من دراسة من شاء من الأدباء، ويقرأ آثارهم قراءة تذوُّق وفهم؟
هنا الخلاف، فالذي أراه أنا، والذي يطبَّق عندنا في سورية، هو أن يختار عدد قليل من الشعراء والكتاب يدرسون دراسة واسعة، ويتذوق التلميذ الجمال في آثارهم، ثم يترك له هو أن يدرس من شاء بعد ذلك. وقد نجحت (تلك) الطريقة وكونت من الطلاب شباباً يدرسون ويبحثون، بينما لاتكوِّن (هذه) الطريقة باحثاً ولا دارساً، لأن الطالب لا يعرف مطلقاً سبيل البحث والدرس.
هذه كلمة موجزة أرجو أن تحمل على أحسن المحامل، وأن تقبل قبولاً حسناً.