الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من شوارد الشواهد
نشرت سنة 1947
سألني سائل عن بيت:
فما كان قيس هلكهُ هلكَ واحد
…
ولكنه بنيان قوم تهدَّما
المروي في عدد الرسالة الأخير، لمن هو؟ فقلت: لعَبْدة بن الطبيب، واسم الطبيب يزيد بن عمرو، وهو شاعر مخضرم معروف من قصيدته التي يرثي بها قيس بن عاصم المنقري وقبله:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ما شاء أن يترحَّما
تحيَّةَ من غادرته غرض الردى
…
إذا زار (عن شحط (1)) بلادَك سلَّما
ففرح بذلك فرح من كان عنده لقيط فعرف نسبه، وكنت قد واليت البحث عن أمثاله من الأبيات الشاردة - التي لا تكاد تجد أديباً ولا متأدِّباً لا يتمثل بها إذا كتب أو خطب، وقلَّ في المتأدبين من علم أنسابها، وعرف أصحابها - حتى اجتمع لي طائفة صالحة، تملأ مجلَّدة لطيفة، فرأيت أن أنسب بعضها في الرسالة.
من ذلك:
1 -
لا تَنْهَ عن خلق وتأتي مثله
…
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
للمتوكِّل الليثي، وهو شاعر إسلامي، كان يمدح معاوية وابنه يزيد. من قصيدته التي يقول فيها:
للغانيات بذي المجاز رسوم
…
فببطن مكة عهدهنَّ قديم
(1) الشحط: البعد.
فَبِمَنْحَرِ البُدْن المقلَّد من مِنى
…
حِلل (1) تلوح كأنهنّ نجوم
2 -
أخاك أخاك إنَّ من لا أخا له
…
كساع إلى الهيجا بغير سلاح
لمسكين الدارمي وهو ربيعة بن عامر بن أنيف، قدم على معاوية وسأله أن يفرض له، فأبى، فخرج من عنده وهو يقول:
أخاك أخاك
…
(البيت).
وإن ابن عم المرء فاعلم جناحه
…
وهل ينهض البازي بغير جناح
وما طالب الحاجات إلا مغرر
…
وما نال شيئاً طالب كنجاح
3 -
العبد يقرع بالعصا
…
والحرُّ تكفيه المقاله
لأبي الأسود الدؤلي. وقبله:
أعصيتَ أمر أولي النهى
…
وأطعت أمر ذوي الجهاله
أخطأت حين حرمتني
…
والمرء يعجز لا محاله (2)
4 -
فعين الرضا عن كل عيب كليلة
…
ولكنَّ عين السخط تبدي المساويا
لعبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وكان صديقاً للحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، وكانا يُرميان بالزندقة، فجرى بينهما شيء، فقال له:
وإن حسيناً كان شيئاً مُلَفَّفاً
…
فكشَّفه التمحيص حتى بَدَا ليا
فأنت أخي ما لم تكن لي حاجة
…
فإن عرضت أيقنت أن لا أخا ليا
(1) ج حلة بالكسر، وهي المحلة.
(2)
لا محالة: أي لا بد (والبدُّ: المناص والمخلص)، والذي أحفظه (والمرء يعجز لا المحالة)، والمحالة: الحيلة، وهو من أمثال العرب، وأنشد في اللسان لأبي دؤاد:
حاولت حين حرمتني
…
والمرء يعجز لا المحاله
والدهر يلعب بالفتى
…
والدهر أروغ من ثعاله
وثعالة: الثعلب.
فلا زاد ما بيني وبينك بعد ما
…
بلوتك في الحاجات إلا تماديا
فلست براء عيب ذي الود كله
…
ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
فعين الرضا
…
(البيت).
كلانا غني عن أخيه حياتَه
…
ونحن إذا متنا أشد تغانيا (1)
5 -
فإن كنت مأكولاً فكن خير آكل
…
وإلا فأَدركني ولما أمزَّقِ
لشاس بن نهار من قصيدة قالها لعمرو بن المنذر بن امرئ القيس بن النعمان وهو عمرو بن هند (2)، وهند أمُّه عمة امرئ القيس الشاعر؛ لما همَّ بغزو قومه عبد القيس، فلما سمعها تركهم، وتمثَّل به عثمان يوم الدار. وبه سمي الممزق (بالفتح) وقيل بالكسر والتحقيق أن الممزق (بالكسر) شاعر آخر متأخر يعرف بالممزِّق الحضرمي.
6 -
كناطح صخرة يوماً ليوهنها
…
فلم يَضرْها واعياً قرنه الوعل
للأعشى (3) من قصيدته التي مطلعها:
ودع هريرةَ إن الركب مرتحل
…
وهل تُطيق وداعاً أيها الرجل
وقبله:
ألست منتهياً عن نحت أَثْلتنا
…
ولست ضائرَها ما أطَّت الإبل (4)
تُغري بنا رهطَ مسعود وإخوته
…
يوم اللقاء فتُردي ثم تعتزل
ومنها البيت المشهور:
قالوا: الطرادُ! فقلنا: تلك عادتنا
…
أو تنزلون فإنا معشر نُزُل
7 -
عقم النساء فلم يلدن شبيهه
…
إن النساء بمثله عقم
(1) روى هذا البيت القالي في ذيل الأمالي لغيره (ص 75) أميرية.
(2)
وهو المحرق (الثاني) وهو اللقب بـ (مضرِّط الحجارة).
(3)
وفي (المؤتلف والمختلف) الآمدي ذكر لسبعة عشر شاعراً كلهم يعرف بالأعشى، وإن أطلق الاسم انصرف إلى الأعشى الكبير ميمون.
(4)
الأثلة: الأصل، ونحت أثلته: قال في حسبه، وأطَّت: صوَّتت. وفي حديث أم زرع: (فجعلني في أهل صهيل وأطيط): أي خيل وإبل.
لأبي دهبل (وهب بن زمعة) الجمحي. مدح معاوية ومدح ابن الزبير وولَّاه عملاً في اليمن، قاله ابن الأزرق، عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد شمس بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزون وبعده:
نزْر الكلام من الحياء تخاله
…
ضَمِناً (1) وليس بجسمه سقم
8 -
وكنا كندماني جَذيمة (2) حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
لمتمم بن نويرة من قصيدته المعروفة في رثاء أخيه مالك وبعده:
فلما تفرقنا كأني ومالكاً
…
لطول اجتماع لم نبت ليلة معاً
وتمثَّلت بهما عائشة لما وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن.
9 -
وما طلب المعيشة بالتمني
…
ولكنْ ألقِ دلوك في الدلاء
لأبي الأسود الدؤلي، قاله لابنه أبي حرب لما قعد عن الكسب وقال: رزقي يأتيني، وبعده:
تجئك بمائها يوماً ويوماً
…
تجئك بحَمْأَة وقليل ماء
10 -
يا ربَّة البيت قومي غير صاغرة
…
ضمِّي إليك رحالَ القوم والقربا
لمرَّة بن مَحكان، شاعر إسلامي مقلّ، يُعدُّ في الأشراف الأجواء، وبعده:
في ليلة من جمادى ذات أندية (3)
…
لا يبصر الكلب من ظلمائها الطُنُبا
(1) الضمن: الزمن وزناً ومعنى، والضمانة: الزمانة.
(2)
جذيمة (كسفينة) الأبرش بن مالك بن فهم بن غنم بن دوس ملك الحيرة، وأخباره مع الزباء ونديميه معروفة مشهورة. وحسب قوم أن الزباء هي زينب (زنوبيا) ملكة تدمر، وليست بها، وأظن أن قصة الزباء مصنوعة.
(3)
جمع ندى على الشذوذ لأنه (في القياس) جمع لما كان ممدوداً مثل كساء وأكسية. ويروى لحاتم الطائي.
لا ينبح الكلب فيها غيرَ واحدة
…
حتى يلفَّ على خيْشومه الذَّنَبا
قالوا، وكان الضيف يستبقي معه سلاحه مخافة البيات، فهو يقول لها: ضمِّي سلاحهم إليك فهم عندي في أمان.
11 -
عن المرء لاتسأل وسلْ عن قرينه
…
فكل قرين بالمقارن يقتدي
لعدي بن زيد العبادي، من قصيدته التي مطلعها:
أتعرف رسم الدار من أم معبد
…
نعم ورماك الشوق قبل التجلد (1)
12 -
أريد حياته ويريد قتلي
وتتمته:
عذيرك (2) من خليلك من مراد
من قصيدة قالها عمرو بن معد يكرب لقيس بن مكشوح المرادي، (قالوا) وتمثَّل به علي بن أبي طالب لما رأى عدوَّ الله عبد الرحمن بن ملجم المرادي.
13 -
إذا لم تستطع أمراً فدعه
…
وجاوزه إلى ما تستطيع
لعمرو أيضاً من قصيدته التي مطلعها:
أمن ريحانة الداعي السميع
…
يؤرِّقني وأصحابي هجوع
14 -
ألا ليت اللحى كانت حشيشاً
…
فنعلفها خيول المسلمينا
لابن مفرّغ الحميري، واسمه يزيد بن ربيعة، شاعر إسلامي أولع بهجاء آل زياد بن أبي سفيان، وهو جدّ السيد الحميري، قاله في عبَّاد بن زياد وكان عظيم اللحية.
(1) ويروى البيت لطرفة.
(2)
العذير: النصير، والعاذر وهو منصوب بتقدير الفعل (اطلب)، وقد نسبه في اللسان لعلي بن أبي طالب وإنما تمثَّل به علي.
15 -
وإني لعبد الضيف ما دام نازلاً
…
وما فيَّ إلا تلك من شيمة العبد
كذلك هو على ألسنة الناس، وروايته:
وما شيمة لي غيرها تشبه العبدا
للمقنَّع الكندي وهو محمد بن ظفر بن عمير وسمي المقنع لأنه كان لجماله يخاف العين فيتَّخذ اللثام، شاعر إسلامي مقلّ، معدود في الأجواء والأشراف، والبيت من قطعة له هي:
يعاتبني في الدَّين قومي وإنما
…
ديوني في أشياء تكسبهم حمدا
أسدّ به ما قد أخَلُّوا يضيَّفوا
…
ثغور حقوق ما أطاقوا لها سدا
إلى أن قال:
وإن الذي بيني وبين بني أبي
…
وبين بني عمي لمختلف جدا
فإن أكلوا لحمي وَفرْت لحومهم
…
وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
وإن ضيَّعوا غيبي حفظت غيوبهم
…
وإن هُمْ هوُوا غيِّي هَوِيت لهم رُشدا
وإن زجروا طيراً بنَحْس تمرُّ بي
…
زجرت لهم طيراً تمُرُّ بهم سعدا (1)
ولا أحمل الحقد القديم عليهم
…
وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
وليسوا إلى نصري سراعاً وإن همُ
…
دعوني إلى نصر أتيتهم شَدَّا
لهم جُلُّ مالي إن تتابع لي غنى
…
وإن قلَّ مالي لم أكلفهمُ رفدا
وإني لعبد الضيف
…
(البيت).
16 -
تمتع من شميم (2) عرار نجد
…
فما بعد العشية من عرار
للصمَّة بن عبد الله القشيري، شاعر إسلامي غَزِل مجيد، من أبياته المعروفة، وقبله:
(1) من أمور الجاهلية زجر الطير، والتفاؤل بها أو التشاؤم (إن طارت يميناً أو شمالاً)، وهو السانح والبارح، وقد أبطل ذلك الإسلام فيما أبطله من ضلالات الجاهلية.
(2)
الشميم كالشم. والعرار: نبت في البادية طيب الرائحة.
أقول لصاحبي والعيس تهوى
…
بنا بين المنيفة فالضمار
وبعده:
ألا يا حبذا نفحات نجد
…
ورَيَّا روضه بعد القِطار
وأهلك إذا يحلُّ الحي نجداً
…
وأنت على زمانك غير زاري
شهور ينقضين وما شعرنا
…
بأنصاف لهن ولا سرار
وروي: غبَّ القطار وهو المطر. وروي: شهور قد مضين. والسرار: آخر الشهر.
17 -
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا
…
أنيس ولم يسمر بمكة سامر
(منسوب) لمضاض بن عمرو الجرهمي (1)، من قطعة (زعموا أنه) قالها يتشوَّق بها إلى مكة لما أجلت خزاعة قومه عنها، وبعده:
بلى نحن كنا أهلها فأبادنا
…
صروف الليالي والجدود العواثر
وأخرجنا منها المليك بقدرة
…
كذلك يا للناس تجري المقادر
فصرنا أحاديثاً وكنا بغبطة
…
كذلك عضَّتنا السنون الغوابر
وبدَّلنا ربي بها دار غربة
…
بها الذين يعوي والعدو المكاشر
فسحَّتْ دموع العين تبكي لبلدة
…
بها حرم أمنٌ وفيها المعاشر
18 -
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
لأعرابي، نظر إلى امرأته فرآها تتجمَّل وهي عجوز، فقال لها:
عجوز تُرَجِّي أن تكون فتية
…
وقد لحب (2) الجنبان واحدودب الظهر
تَدُسُّ إلى العطار سِلْعة أهلها
…
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
فأجابته ببيتين، وجمعت عليه نسوتها فضربنه.
(1) وما هذه لغة جرهم - ولا هذا شعرها إن كان لها (في عربيتنا هذه) شعر.
(2)
أي ذهب لحمها، ورجل ملحوب: قليل اللحم.
19 -
ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني
…
يمينك فانظر أيّ كف تَبَدَّل
لمعن بن أوس المزني، شاعر مخضرم مجيد معمَّر، من قصيدته التي يقول فيها:
لعمرك ما أدري وإني لأوْجَل
…
على أيّنا تأتي المنيَّة أوَّل
وإني أخوك الدائم العهد لم أخن
…
إنَ ايزاك خصم أو نبا بك منزل
أحارب من حاربت من ذوي عداوة
…
وأحبس مالي إن غرمت فأعقل
وإن سُؤْتني يوماً صبرت إلى غد
…
ليعقب يوماً منك آخرُ مقبلُ
ستقطع
…
(البيت).
وفي الناس إن رثَّت حبالك واصل
…
وفي الأرض عن دار القِلى متحوَّل
إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته
…
على طرف الهجران إن كان يعقل
ويركب حدَّ السيف من أن تضيمه
…
إذالم يكن عن شفرة السيف مزْحل
وهي طويلة جيِّدة، ومنها البيت السائر:
إذا انصرفت نفسي عن الشيءلم تكد
…
إليه بوجه آخر الدهر تقبل
20 -
فهبك يميني استأكلت فقطعتها
…
وجشمت قلبي صبره فتشجعا
لدعبل يعاتب مسلم بن الوليد، من قصيدته التي يقول فيها:
أبا مَخْلَد كنَّا عقيدي مودة
…
هوانا وقلبانا جميعاً معاً معا
فصيَّرتني بعد انتكاثك (1) متهماً
…
لنفسي عليها أرهب الخلق أجمعا
غششت الهوى حتى تداعت أصوله
…
بنا وابتذلت الودَّ حتى تقطَّعا
وأنزلت من بين الجوانح والحشى
…
ذخيرة ود طالما قد تمنعا
فلا تَلْحيَنِّي ليس لي فيك مطمع
…
تخرَّقت حتى لم أجد لك مرقعا
فهبك
…
(البيت).
(1) انتقاضك وتحولك.
21 -
فإما أن تكون أخي بحق
…
فأعرف منك غثِّي من سميني
وإلا فاطَّرحني واتخذني
…
عدوّاً أتَّقيك وتتَّقيني
للمثقب العبدي (1)، وبعده:
فما أدري إذا يممت أرضاً
…
أريد الخير أيهما يليني
أَاَلخير الذي أنا مبتغيه
…
أم الشر الذي يبتغيني
22 -
إن القلوب إذا تنافر ودها
…
مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
لصالح بن عبد القدوس، ومن قصيدته الطويلة في الحكم، ومطلعها:
صرمت حبالك بعد وصلك زينب
…
والدهر فيه تصرُّم وتقلُّب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه
…
واجهد فعمرك مَرَّ منه الأطيب
وبعدهما البيت السائر:
ذهب الشباب فما له من عودة
…
وأتى المشيب فأين منه المهرب
ومنها:
لا خير في ودِّ امرئ متملِّق
…
حلو اللسان وقلبه يتلهَّب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
…
ويروي منك كما يروغ الثعلب
23 -
تمسَّك إن ظفرت بذيل حر
…
فإن الحرَّ في الدنيا قليل
من شعر الفقهاء، وهو لأبي إسحق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي الفيروزآبادي العالم العَلَم المعدود من أعلام الملَّة وقبله:
سألت الناس عن خلٍّ وفيٍّ
…
فقالوا: ما إلى هذا سبيل!
24 -
إن الكرام إذا ما أسهلوا ذكروا
…
من كان يألفهم في المنزل الخشن
لأبي تمام.
(1) سيأتي ذكره.
25 -
حسن قول (نعم) من بعد (لا)
…
وقبيح قول (لا) بعد (نعم)
للمثقب العبدي وهو عائد بن محصَن بن ثعلبة (1)، شاعر جاهلي قديم كان في زمن عمرو بن هند وعُمِّر حتى أدرك النعمان بن المنذر، سمي المثقب (بالكسر) لبيت قاله وهو:
ظهرن بكلَّة وسدلن رقماً
…
وثقبن الوصاوص للعيون
من قطعة له يقول فيها:
لا تقولن إذا ما لم ترد
…
أن تتم الوعد في شيء: (نعم)
حسن قول (نعم)
…
(البيت).
إن (لا) بعد (نعم) فاحشة
…
فبـ (لا) فابدأ إذا خفت الندم
وإذا قلت (نعم) فاصبر لها
…
بنجاز الوعد إن الخلف ذم
أكرم الجار وراع حقَّه
…
إن عرفان الفتى الحقَّ كرم
إن شرَّ الناس من يمدحني
…
حين يلقاني وإن غبت شتم
26 -
مَنْذا الذي ما ساء قط
…
ومن له الحسنى فقط
للحريري، من المقامة الشعرية، وأول المقطوعة:
سامح أخاك إذا خَلَطْ
…
منه الإصابة بالغلطْ
وتجافَ عن تعنيفه
…
إن زاغ يوماً أو سقطْ
واعلم بأنك إن طلبـ
…
ـت مهذباً رمت الشطط
27 -
وإن امرأً يمسي ويصبح سالماً
…
من الناس إلا ما جنى لسعيد
للمعلوط بن بَدَل القُريعي (2) وقبله:
متى ما يرى الناس الغنيَّ وجارُه
…
فقير يقولوا عاجز وجليد
(1) وقيل اسمه شاس بن عائد، وقيل غير ذلك.
(2)
روى الأبيات حبيب في الحماسة ولم يسمِّه، وسماه صاحب اللسان.
وليس الغنى والفقر من حيلة الفتى
…
ولكن أحاظ (1) قسمت وجدود
إذا المرء أعيته المروءة ناشئاً
…
فمطلبها كهلاً عليه شديد
وكائن رأينا (2) من غنيٍّ مُذمَّم
…
وصُعلوك قوم مات وهو حميد
وإن امرأً
…
(البيت).
28 -
نوائب الدهر أدَّبتني
…
وإنما يوعظ الأديب
لسليمان بن وهب وزير المهتدي، قاله في نكبته، وبعده:
قد ذقت حلواً وذقت مرّاً
…
كذاك عيش الفتى ضروب
ما مر بؤس ولا نعيم
…
إلا ولي فيهما نصيب
29 -
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته
…
ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
لمحمد بن بشير الرياشي، شاعر عباسي ماجن ظريف هجَّاء، لم يفارق البصرة ولم يتكسَّب بشعره، وقبله:
كم من فتى قصرت في الرزق خطوته
…
ألفيته بسهام الرزق قد فلجا (3)
لا تيأسن -وإن طالت مطالبة-
…
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
إن الأمور إذا انسدَّت مسالكها
…
فالصبر يفتح منها كل ما ارتيجا (4)
أخلق بذي الصبر
…
(البيت).
30 -
من راقب الناس مات غماً
…
وفاز باللذة الجسور
لسَلْم الخاسر، ابن عمرو بن حماد، وسمي الخاسر لأنه باع (كما قالوا) مصحفاً كان له واشترى بثمنه طنبوراً، أخذه من قول (أستاذه) بشَّار:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
…
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
(1) لا يجمع في القياس حظ على أحاظي.
(2)
أي كثيراً ما رأينا.
(3)
ظفر وفاز.
(4)
انقفل، وروي: يفتق، بدل يفتح.
31 -
فلا وأبيك ما في العيش خير
…
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
رواه أبو تمَّام في الحماسة، ولم ينسبه، وقبله:
وأعرض عن مطاعم قد أراها
…
فأتركها وفي بطني انطواء
يعيش المرء ما استحيا بخير
…
ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا وأبيك
…
(البيت).
32 -
يريد المرء أن يعطى مناه
…
ويأبى الله إلا ما يشاء
لقيس بن الخطيم الأوسي، شاعر فارس، قتل على جاهليته من قطعة له يقول فيها:
وما بعض الإقامة في ديار
…
يهون بها الفتى إلا بلاء
وبعض خلائق الأقوام داء
…
كداء البطن ليس له دواء
يريد المرء
…
(البيت).
وكل شديدة نزلت بقوم
…
سيأتي بعد شدَّتها رخاء
ولا يعطى الحريص غنى لحرص
…
وقد يَنمى (1) على الجود الثراء
غنيُّ النفس (ما عمرت) غنيُّ
…
وفقر النفس (ما عمرت) شقاء
33 -
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
…
ليوم كريهة وسداد (2) ثغر
للعرجي، وهو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان، شاعر إسلامي حجازي كان ينحو منحى ابن أبي ربيعة في غَزَله، قاله لما حبس، وبعده:
وصبر عند معترك المنايا
…
وقد شرعت أسنَّتها لنحري
أُجرَّر في المجامع كل يوم
…
فيا لله مظلمتي وقسري
(1) واوي ويائي: أي ينمو وينمي.
(2)
راجع قصة أبي حنيفة وجاره، وقصة المأمون في سداد (بالفتح) وسداد (بالكسر) وهما مرويتان في أكثر كتب الأدب.
كأني لم أكن فيهم وسيطاً
…
ولم تك نسبتي في آل عمرو
عسى الملك المجيب لمن دعاه
…
سينجيني فيعلم كيف شكري
فأجزي بالكرامة أهل ودِّي
…
وأجزي بالضغائن أهل وتري
34 -
أشاب الصغير وأفنى الكبير (م)
…
كر الغداة ومرّ العشي
للصلتان العبدي (1)، وهو قثم بن خبيه من عبد القيس، شاعر إسلامي خبيث اللسان، وبعده:
إذا ليلة هرَّمتْ يومها
…
أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا
…
وحاجة من عاش لا تنقضي
ويسلبه الموت أثوابه
…
ويمنعه الموت ما يشتهي
تموت مع المرء حاجاته
…
وتبقى له حاجة ما بقي
35 -
لئن ساءني أن نلتني بمساءة
…
لقد سرَّني أني خطرت ببالكِ
لابن الدُّمَينة، عبيد الله بن عبد الله الخثعمي، والدمينة أمه، شاعر إسلامي غَزِل مجيد، من قصيدته التي أرويها كلها لنفاستها:
قفي يا أميمَ القلب نقضِ لُبانة
…
ونشْكُ الهوى ثم افعلي ما بدا لك
سلي البانة الغيناء بالأجرع (2) الذي
…
به البان هل حيَّيت أطلال داركِ
وهل قمت بعد الرائحين عشَّة
…
مقام أخي البأساء (3) واخترت ذلك
وهل هملت عيناي في الدار غدوة
…
بدمع كنظم اللؤلؤ المتهالك (4)
أرى الناس يرجون الربيع وإنما
…
ربيعي الذي أرجو نوالُ وصالكِ
(1) وهو غير الصلتان الضبي، وغير الصلتان الفهمي، الذي روى الجاحظ بيت:(العبد يقرع بالعصا) له، والصحيح أنه لأبي الأسود.
(2)
الأجرع: المكان السهل المختلط بالرمل، والغيناء: الوارفة الظل.
(3)
أي البائس الفقير.
(4)
المتساقط.
أرى الناس يخشون السنين وإنما
…
سِنِيَّ (1) التي أخشى صروف احتمالَكِ (2)
ومنها:
ليهنئْكِ إمساكي بكفِّي على الحشا
…
ورقراق عيني رهبة من زِيالكِ
ولو قُلتِ طَا في النار أعلم أنه
…
هدىً منك أو مُدْن لنا من وصالكِ
لقدَّمت رجلي نحوها فوطئتها
…
هدى منك لي أوضَلَّةً من ضلالكِ
أبيني: أفي يُمنى يديكِ جعلتِني
…
فافرحَ أم صيَّرتِني في شمالكِ
لئن ساءني
…
(البيت).
تعاللت كي أشْجى وما بك علَّة
…
تريدين قتلي قد ظفرت بذلكِ
36 -
ولي كبد مقروحة من يبيعني
…
بها كبداً ليست بذات قروح
له (3) من قصيدة له فيها إقواء. وبعده:
أبى الناس وَيْبَ الناس لا يشترونها
…
ومنذا الذي يشري دَوَىً بصحيح (4)
37 -
كل امرئ صائر يوماً لشميته
…
وإن تخلَّق أخلاقاً إلى حين
لذي الأصبع العدواني، واسمه حرثان بن محرم، من قصيدة له طويلة (5) أولها:
(1) يخلط الناس في الاستعمال بين العام والسنة، وهما مترادفتان ولكن ليس في اللغة كلمتان بمعنى واحد (انظر كتاب الصاحبي وكتاب الفروق اللغوية) ولا بد من اختصاص كل لفظة بشيء لا تدل عليه الأخرى، فالسنة في الأصل للشدَّة والقحط والعام لليسر والرخاء (إقرأ آيات سورة يوسف) والسنة عند العرب مرادفة الشدة والبلاء، تقول: أصيبوا بالسنين وأصابتهم السنة، والعام للسنة الشمسية والسنة القمرية، ومن تتبَّع كلام العرب وجد ذلك مستفيضاً وقد نبَّه عليه شيخنا المغربي في الرسالة من أمد بعيد.
(2)
ارتحالك.
(3)
في رواية القالي وياقوت، وتروى لمجنون ليلى.
(4)
ويب الناس: ويح الناس، والدوى: شدَّة المرض.
(5)
القصيدة في الأمالي (الجزء الأول).
يا من لقلب طويل البث محزون
…
أمسى تذكر رَيّاً أمّ هارون
ومنها:
ولي ابن عم على ما كان من خلق
…
مختلفان فأقليه ويقليني
أزري بنا أننا شالت نعامتنا
…
فخالني دونه بل خلْته دوني
لاهِ ابن عمك لا أفضلت في حسب
…
عني ولا أنت ديّاني فتخزوني
ولا تقوت عيالي يوم مسغبة
…
ولا بنفسك في العزاء تكفيني
فإن ترد عرض الدنيا بمنقصتي
…
فإن ذلك مما ليس يشجيني
38 -
فإن تكن الأيام فينا تبدَّلت
…
ببؤْسى ونعمى والحوادث تفعل
فما لينت منا قناة صليبة
…
ولا ذلَّلتنا للتي ليس تجمل
لإبراهيم بن كُنيف النبهاني، من شعراء الحماسة، من قطعة له، منها:
تعزَّ فإن الصبر بالحر أجمل
…
وليس على ريب الزمان معوَّل
فلو كان يغني أن يرُى المرء جازعاً
…
لحادثة أو كان يغني التذلل
لكان التعزِّي عند كل مصيبة
…
ونائبة بالحر أولى وأجمل
فكيف وكلٌّ ليس يعدو حمامه
…
وما لامرئ عما قضى الله مزحل
فإن تكن
…
(البيتين).
ولكن رحلناها نفوساً كريمة
…
تُحمَّل ما لا يستطاع فتحمل
وقينا بحسن الصبر منا نفوسَنا
…
فصحَّت لنا الأعراض والناس هزَّل
39 -
وإنما أولادنا بيننا
…
أكبادنا تمشي على الأرض
لحطان بن المعلَّى، شاعر إسلامي من شعراء الحماسة، من قطعة له يقول فيها:
أنزلني الدهر على حكمه
…
من شامخ عال إلى خفضِ
وغالني الدهر بوفر الغنى
…
فليس لي مال سوى عرضي
أبكاني الدهر ويا ربما
…
أضحكني الدهر بما يرضي
لولا بُنَيَّات كزُغْب القطا
…
رُددن من بعض إلى بعضِ
لكان لي مضطرب واسع
…
في الأرض ذات الطول والعرض
وإنما أولادنا
…
(البيت).
لو هبَّت الريح على بعضهم
…
لامتنعت عيني من الغمض
40 -
إذا ما غضبنا غضبة مضريَّة
…
هتكنا حجاب الشمس أو أقطرت دما
للقُحيْف بن خُميْر (أو خميَّر)(1) بن سُليم النديِّ (أو البديِّ) شاعر إسلامي كوفي أدرك الدولة العباسية، أخذه منه بشَّار فأدخله في قصيدته، وقبله:
لقد لقيت أفناء بكر بن وائل
…
وهِزَّان بالبطحاء ضرباً غشمشما (2)
41 -
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره
…
تعدَّدت الأسباب والموت واحد
لابن نُباتة السعدي (3) الشاعر عصريِّ المتنبي (4)، روى ابن خلكان أنه قال:
كنت يوماً في دهليزي فدق عليَّ الباب، فقلت: من؟ قال: رجل من أهل المشرق. قلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل (وذكر البيت)؟ فقلت: نعم. قال: أرويه عنك؟ قلت: نعم. فمضى. فلما كان آخر النهار، دق عليَّ الباب. فقلت: من؟ قال: رجل من أهل المغرب. فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت
(1) والذي في القاموس غلط.
(2)
أفناء الناس وأفناء القوم: من لا يعرف من أين جاء، والمشهور أنه ليس له واحد ولا يوصف به الواحد، وقيل واحده: فنو وفناً، وهزان: قبيلة، والقحيف هذا من بني عقيل وهم موالي بشار، أعني أنه مولاهم والمولى من الأضداد.
(3)
وهو غير ابن نباته خطيب سيف الدولة، المتوفى قبله بسنين، صاحب ديوان الخطب المشهور الذي لم يؤلف مثله، والذي كثرت شروحه، وآخرها ومن أجودها شرح الشيخ طاهر الجزائري، وغير ابن نباته المصري، المتوفى في القرن الثامن، صاحب (سرح العيون) وغيره.
(4)
يقال هو عصريه، ولا يقال معاصره.
القائل (وذكر البيت)؟ قلت: نعم. قال: أرويه عنك؟ قلت: نعم. وعجبت كيف وصل إلى المشرق والمغرب (1)!
42 -
والناس ألف منهم كواحد
…
وواحد كالألف إن أمر عنى
لأبي بكر بن دريد، الإمام اللغوي، من مقصورته المشهورة، التي يقول فيها:
من ظلم الناس تحاموا ظلمه
…
وعزَّ عنهم جانباه واحتمى
من لم يعظه الدهر لم ينفعه ما
…
راح به الواعظ يوماً أو غدا
من لم تفده عبراً أيامه
…
كان العمى أولى به من الهدى
من عارض الأطماع باليأس رنت
…
إليه عين العزِّ من حيث رنا
من عطف النفس على مكروهها
…
كان الغنى قرينه حيث انتوى
وقد عارضها هازلاً محمد بن عبد الواحد الشاعر المعروف بصريع الدّلاء، بمقصورة عجيبة، أسوق أبياتاً منها، وإن لم تكن من صلب موضوعي، قال:
من لم يرد أن تنتقب نعاله
…
يحملها بكفِّه إذا مشى
ومن أراد أن يصون رجله
…
فلبسها خير له من الحفى
من دخلت في عينه مسلَّة
…
فاسأله من ساعته عن العمى
من أكل الفحم تسوَّدْ فمه
…
وصار صحن خده مثل الدجى
من صفع الناس، ولم يدعهم
…
أن يصفعوه فعليهم اعتدى
من ناطح الكبش تفجَّرر أسه
…
وسال من مفرقه شبه الدما
من طبخ الديك ولا يذبحه
…
طار من القدر إلى حيث يشا
من شرب المسهل في فصل الشتا
…
أطال ترداداً إلى بيت الخلا
من مازح السبع ولا يعرفه
…
مازحه السبع مزاحاً بجفا
(1) قلت: ودعاية الأدباء لأنفسهم قديمة ومن أعجبها شيء يقال له كتاب (أنا والنثر).
من فاته العلم وأخطاه الغنى
…
فذاك والكلب على حد سوا
والدرج (1) يلفي بالنشا ملتصقاً
…
والسرج لا يلصق إلا بالغرا
والذقن شعر في الوجوه نابت
…
وإنما الأسْتُ التي تحت الـ (كذا)
فاستمعوها فهي أولى بكم
…
من زخرف القول ومن طول المرا
فتلك (2) كالدر يضيء لونها
…
وهذه في وزنها مثل الخـ
…
43 -
إذالم يكن صدر المجالس سيداً
…
فلا خير فيمن صدرته المجالس
لابن خالويه الحسين بن أحمد اللغوي النحوي، وكان له شعر حسن رواه في اليتيمة، وبعده:
وكم قائل: ما لي رأيتك راجلاً؟
…
فقلت له: من أجل أنك فارس!
44 -
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
…
فلئن رددت فأيَّ باب أقرع؟
لأبي القاسم عبد الرحمن الخطيب الأندلسي الشاعر الصوفي، توفي في مراكش في أواخر القرن السادس الهجري. من قطعته المشهورة عند الصوفية، وهي:
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
…
أنت المعدُّ لكل ما يتوقع
يا من يرجَّى للشدائد كلها
…
يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن رزقه في قول كن
…
امنن فإن الخير عندك أجمع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
…
فبالافتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي
…
(البيت).
من ذا الذي أدعو وأهتف باسمه
…
إن كان فضلك عن عبيدك يمنع
حاشا لمجدك أن تُقنِّط عاصياً
…
الفضل أجزل والمواهب أوسع
(1) الورق.
(2)
تلك يعني الدريدية.
45 -
إن الثمانين (وبلغتها)
…
قد أحوجت سمعي إلى ترْجمان (1)
لعوف بن محلَّم الشيباني، شاعر مجيد كان نديماً لطاهر بن الحسين ثلاثين سنة لا يفارقه ثم لابنه من بعده. من قصيدة قالها لعبد الله بن طاهر، وقد دخل عليه فكلَّمه فلم يسمع، فارتجل هذه القصيدة، وقبله:
يا ابن الذي دان له المشرقان
…
طراً وقد دان له المغربان
وبعده:
وبدلتني بالشطاط انحنا
…
وكنت كالصعدة (2) تحت السنان
وقاربت مني خطاً لم تكن
…
مقاربات وثنت من عنان
ولم تدع فيَّ لمستمتع
…
إلا لساني وبحسبي لسان
46 -
لا يعرف الشوق إلا من يكابده
…
ولا الصبابة إلا من يعانيها
للأبْلَه البغدادي محمد بن بختيار من شعراء الخريدة (3)، شاعر مولَّد رقيق، توفي في أواخر القرن السادس الهجري، لقِّب بالأبله لقوة ذكائه
…
47 -
ما أنت أول سار غرَّه قمر
شطر بيت للحريري صاحب المقامات، وبعده:
ورائد أعجبته خضرة الدمن (4)
فاختر لنفسك غيري إنني رجل
…
مثل المعيديِّ فاسمع بي ولا ترني (5)
48 -
منذا يعيرك عينه تبكي بها
…
ورأيت عيناً للبكاء تعار
للعباس بن الأحنف، وقبله:
(1) بضم التاء والجيم وفتحهما، وبالفتح والضم وهو الأجود.
(2)
الرمح هو الزج والقناة والسنان. والصعدة: القناة المستقيمة.
(3)
للعماد الأصبهاني الكاتب.
(4)
إشارة إلى حديث: إياكم وخضراء الدمن. وهو من جوامع الكلم والدمن في الأصل المزابل. والحديث لم يصحَّ فيما أذكر.
(5)
إشارة إلى المثل المعروف: لأن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه
…
نزف البكاء دموع عينيك فاستعر
…
عيناً لغيرك دمعها مدرار
49 -
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه
…
قلت اطبخوا لي جُبَّة وقميصا
لأحمد بن محمد الأنطاكي المعروف بأبي الرقعمق، المتوفى في نهاية القرن الرابع، شاعر يغلب على شعره الهزل كابن حجاج وصريع الدلاء، وقبله:
إخواننا قصدوا الصبوح بسحرة
…
فأتى رسولهم إليَّ خصوصا
وله في الهزل قصيدة طويلة، أولها:
وقَوققي وقوققي
…
هدية في طبق
أما ترون بينكم
…
تيساً طويل العنق
50 -
والناس من يلْق خيراً قائلون له
…
ما يشتهي ولأمِّ المخطئ الهبل
للقطامي واسمه عمير بن شُيَيْم التغلبي، شاعر إسلامي متقدم من الفحول ولقِّب القطامي ببيت قاله، وقبله:
والعيش لا عيش إلا ما تقرُّ به
…
عين ولا حال إلا سوف ينتقل
وبعده:
51 -
قد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون مع المستعجل الزلل
52 -
وربما ضرَّ بعض الناس حزمهم
…
وكان خيراً لهم لو أنهم عجلوا (1)
53 -
فمن يلق خيراً يحمد الناس أمره
…
ومن يغْو لا يعدم على الغيِّ لائما
(1) وقد روي البيت رواية أخرى.
للمرقَّش الأصغر، واسمه عمرو (وقيل ربيعة) بن حرملة (1) وقبله:
أمن حُلُم أصبحت تمكث واجماً
…
وقد تعترىِ الأحلام من كان نائماً
54 -
ألهى بني جُشَم (2) عن كل مكرمة
…
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
لِمَوْج بن قيس بن مازن وهو ابن أخت القطامي شاعر خبيث اللسان، وبعده:
يفاخرون بها مذ كان أولهم
…
يا للرجال لفخر غير مَسْؤوم
إن القديم إذا ما ضاع آخره
…
كساعد فلَّه الأيام محطوم
55 -
لو بغير الماء حلقي شَرِقْ
…
كنت كالغصَّان بالماء اعتصاري
لعدي بن زيد العبادي، من أبيات له يستعطف بها النعمان. وقبله:
أبلغ النعمان عني مألكاً (3)
…
أنه قد طال حبسي وانتظاري
وبعده:
ليت شعري من دخيل يعتري
…
حيث ما أدرك ليلي ونهاري
قاعداً يكرب نفسي بثّها
…
وحراماً كان سجني واحتصاري
56 -
جاء شقيق عارضاً رمحه
…
إن بني عمك فيهم رماح
لجَحل (4) بن نضلة الباهلي، جاهلي، وشقيق هذا هو شقيق بن جزء بن رياح (5) من بني قتيبة بن معن.
(1) وهو أشعر المرقشين وهو عم طرفة، والمرقش الأكبر عمه.
(2)
وروايته على الألسنة: ألهى بني تغلب.
(3)
رسالة كالالوكة.
(4)
الجحل في الأصل: نوع من الحرباء سمي به.
(5)
عند الآمدي رباح، وتصحيحها من الاشتقاق لابن دريد.
57 -
عليَّ نحت القوافي من معادنها
…
وما عليَّ إذا لم تفهم البقر
للبحتري.
58 -
يا أيها الرجل المعلِّم غيره
…
هلَّا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
…
كيما يصحَّ به وأنت سقيم
لأبي الأسود الدؤلي، من قصيدته التي يقول فيها:
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه
…
فالقوم أعداء له وخصوم (1)
59 -
قومي همُ قتلوا أميم أخي
…
فإذا رميت أصابني سهمي
للحارث بن وعلة الجرمي من شعراء الحماسة، من قصيدته التي مطلعها:
لمن الديار بجانب الرضم
…
فمدافع الترباع فالرجم
وبعده:
فلئن عفوت لأعفونْ جَلَلاً
…
ولئن سطوت لأوهننْ عظمي
60 -
أنا ابن جلا وطلَّاع الثنايا
…
متى أضع العمامة تعرفوني (2)
لسُحيم بن وثيل بن عمرو بن جوين بن وهيب الرياحي من قصيدة له طويلة، وقبله:
(1) ورووا له فيها:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
والبيت الأول للمتوكل الليثي، والله أعلم.
(2)
جلا اسم من أسماء العرب، وابن جلا كناية عن الواضح الأمر، وطلَّاع: صفة لـ (أنا)، والثنايا ج ثنية في الجبل، يريد أنه يطلع في الغارات من ثنية الجبل على أهلها. وقوله: متى أضع العمامة، كناية عن الحرب.
أنا ابن الغرِّ من سلفي رياح
…
كنصل السيف وضَّاح الجبين
وبعده:
عذرت البُزْل إن هي صاولتني
…
فما بالي وبال ابني لبون
61 -
وماذا تبتغي الشعراء مني
…
وقد جاوزت حد الأربعين
أخو خمسين مجتمع أشدي
…
ونجذَّني مداراة الشؤون
سأجني ما جنيت وإن ظهري
…
لذو سند إلى نضد أمين
62 -
شاور سواك إذا نابتك نائبة
…
يوماً وإن كنت من أهل المشورات
للقاضي الأرَّجاني، وهو ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسين، قاضي تُسْتَر، شاعر فقيه (1)، وبعده:
فالعين تبصر منها ما دنا ونأى
…
ولا ترى نفسها إلا بمرآة
وله البيت المشهور الذي تَقْلب حروف صدره فيجيء معك عجزه:
مودته تدوم لكل هول
…
وهل كل مودته تدوم
63 -
فألقت عصاها واستقرَّ بها النوى
…
كما فرَّ عيناً بالإياب المسافر
لمعقر بن حمار البارقي، شاعر جاهلي محسن متمكن، واسمه عمرو، وفي نسبه اختلاف (2).
وسمي معقراً لقوله في هذه القصيدة:
لها ناهض في الوكر قد مهدت له
…
كما مهدت للبعل حسناء عاقر
(1) وهو القائل، وأظنه لم يجاوز الصدق:
أنا أفقه الشعراء غير مدافع
…
في العصر لا بل أشعر الفقهاء
(2)
بين الآمدي والمرزباني (راجع معجم الشعراء والمؤتلف والختلف).
64 -
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً
…
كأنك لم تجزع على ابن طريف
للفارعة (1) بنت طريف بن الصلت الشيبانية، ترثي أخاها الوليد الشاري البطل الخارجي، الذي خرج أيام الرشيد في نصيبين والخابور وتلك النواحي، من قصيدة لها معروفة، ومنها:
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى
…
ولا المال إلا من قني وسيوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى
…
فإن مات لم يرضَ الندى بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا
…
فديناك من فتياننا بألوف
وما زال حتى أزهق الموت نفسه
…
شجي لعدو أو لجاً لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى
…
وللأرض هفَّت بعده برجيف
وللبدر من بين الكواكب قد هوى
…
وللشمس لما أزمعت لكسوف
وللَّيث كل الليث إذ يحملونه
…
إلى حفرة ملحودة وسقيف
عليك سلام الله وقفاً فإنني
…
أرى الموت وقَّاعاً بكل شريف
…
(1) وقيل اسمها فاطمة.