المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ المحيط الجديد: - فكرة كمنويلث إسلامي

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فكرة كمنويلث إسلامي

- ‌الخطوط العامة للكتاب

- ‌ المبررات الجغرافية السياسية:

- ‌ مبررات سيكولوجية:

- ‌ مبررات فنية:

- ‌الخلاصة:

- ‌رسم دراسة لفكرة كمنويلث إسلامي

- ‌ملاحظة:

- ‌ حقائق أساسية:

- ‌ المقتضيات المنطبقة:

- ‌مدخل

- ‌القسم الأول:مشروع دراسة شاملة

- ‌أ - تأريخ الفكرة:

- ‌ المحيط الجديد:

- ‌ أوَّلية المعيار الاجتماعي:

- ‌ التقليد و (التمثُّل assimilation):

- ‌ فوضى (الأشياء) و (الأفكار):

- ‌ الاضطراب:

- ‌ تكوين الفكرة:

- ‌ب - مشروع دراسة مكتملة:

- ‌ تبرير عام:

- ‌ أسباب جغرافية سياسية:

- ‌ أسباب نفسية:

- ‌ المظهر الفني:

- ‌ إعتبارات عامة:

- ‌أ - تخطيط يتعين تجنبه:

- ‌ب - التخطيط الصحيح:

- ‌القسم الثاني:قيمة (الفكرة) في المجتمع الإسلامي

- ‌أ - (الفكرة) في المجتمع الإسلامي:

- ‌ ضعف أساسنا المفاهيمي:

- ‌ الفكرة ومراقب الاستعمار:

- ‌ب - اللافعالية في المجتمع الإسلامي:

- ‌(مظاهرها المختلفة):

- ‌ملحوظة:

- ‌القسم الثالث:وظيفة كمنويلث إسلامي

- ‌ مناطق (الحضور):

- ‌ تبعية المشاكل:

- ‌ الشهادة:

- ‌ الرسالة:

- ‌ المثال البريطاني:

- ‌ نوعية المشاكل:

- ‌خلاصة

- ‌المسارد

الفصل: ‌ المحيط الجديد:

‌أ - تأريخ الفكرة:

1 -

‌ المحيط الجديد:

إن الحاج المسلم- الذي تضعه (الحافلة)، أثناء وقفة من وقفاتها، في إحدى المحطات، تحت صوامع حي الأزهر، التي طاما اختلطت بأحلامه كإنسان ذي عقيدة- يغتنم فرصة نزوله غالباً، لزيارة القاهرة. وبقدر ما يمكث داخل الدائرة التي حافظت فيها الحياة على طابعها التقليدي في قليل أو كثير- في حي (الموسكي) وما يجاوره على سبيل المثال- تحتفظ ارتساماته بلونها العادي، مع مرتفعات ومنخفضات يتلقاها انفعاله، من حب استطلاع طبيعي لديه. إنه يوجد في محيط توقظ فيه كل خطوة يخطوها، ذكرى تركتها في وعيه، حكايات أجيال الحجيج السابقة له من أسرته. فهو المحيط الذي ترعرت فيه طفولته بأحلامها الملونة، وتكونت فيه شخصيته كذلك؛ إن له روابط لا مرئية، ووشائج من القرابة الخفية، مع هذا العالم من الصوامع، والتوابيت المطعَّمة بالعاج، والأخشاب الثمينة؛ حيث لا يقاس الزمن بغير الفواصل بين الصلوات، أو بمواعيد الوجبات الغذائية الثلاث! .. فآلاف الأشياء الصغيرة، المعروضة على جنبات الدكاكين، وهذه الأشباح المارة من السكك الصغيرة، وتلك الجماعات التي تتجاذب الأحاديث أمام المقاهي الشعبية المنبثة كما اتفق في أي زاوية أو ركن، وهذا الظل الظليل حول المساجد التي ينتظر المتسوّلون أمام أبوابها إحسان المحسنين، مرددين أدعيتهم وصلواتهم الخالدة! .. وكذلك المرأة التي تدفع - لا شعورياً- بطرفٍ من برقعها فوق رأسها

كل هؤلاء يتكلمون مع هذا الحاج لغة مألوفة. إنه عالم يعرفه حق المعرفة، لأنه يحمل صورته في أفكاره الحميمة، في أحاسيسه وردود أفعاله. وهو العالم الذي فُصِّلَ على مقاسه، فوضع في

ص: 22

ذاته صورته الحميمة، وأمده بالمعايير الأساسية للحكم على الأفراد والأشياء، وانطبع على مصيره .. ومن جراء هذه الاعتبارات ذاتها، فهو لا يمثل بالنسبة إليه أيَّ إلْغازٍ، ولا يضع أمامه أيَّ معضل يضايقه. فهذا الحاج المسلم، لا يكاد ينتبه إلى الطوابير التي تجمع أطلال هذا العالم، وتحملها بعيداً، لتهيئ مكاناً لطرقات جديدة، وحركة مرور أخرى، ولإيقاع حياتيّ جديد كذلك.

ولكنه إذا ما اقتادته الصدفة في نفس صبيحة هذا اليوم، خارج دائرة حي الأزهر، ودفعت به خطاه إلى المدينة الحديثة .. اختلفت انطباعاته شيئاً فشيئاً - وبطريقة غير محسوسة- باختلاف الزخرف الجديد. إنه في محيط آخر، قد رأته عيناه في أمكنة أخرى، ولكن وعيه لما يتمثله بعد. فرجلاه تنضويان تقدُّمياً، في عالم يتبدَّى له منه: أن قلبه وفكره ووعيه، لما تصل إليه بعد كلية. ويستشعر ارتساماته، ومشاعره وأفكاره، تتبدل في لونها. فهو في عالم من الأشياء، والأشباح، والمظاهر، التي تراها باصرتاه، ولا تعتدها بصيرته بعد تماماً. إنه المحيط الجديد، الذي يُؤَطِّرُ حياته، ولكن (أناهُ) لم تتقبله بعد في (إنَّيَّتِهِ) أو ذاتيته، ولا تمثلت بنوده، ومواضعاته، ولا عرفت مقاييسه ومعاييره؛ وإن لغته لتبدو له غريبة كذلك، فالمرأة المرتدية (للشوال)، يذكره رداؤها عرضاً بغرابته، فهو يحس بطريقة غامضة، أن بينه وبين هذا العالم، تخلُّفاً وانقطاعاً معيَّنين، من غير أن يعرف بالضبط، كيف يحدد سببهما الحقيقي. فهذه الجولة الصباحية أو المسائية في أحياء القاهرة، تلخص على نحو من الأنحاء، بالنسبة إلى الحاج المسلم، تاريخه الاجتماعي الخاص. فقد ولد في عالم أخذت عربات النقل تحمل منه آخر بقاياه! ..

وإذا ما اقتادته جولته إلى (ميدان التحرير)، فإن حب استطلاعه سيستوقفه أمام بناية (المجمَّع)، التي تهيمن كل الميدان بأدوارها الثلاثة عشر. ثم ينزلق بصره نحو المسجد الصغير، الذي يبرز بشبحه الأنيق، محاذياً لكتلة البناية

ص: 23