الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خلاصة
إن هذه الدراسة جد مجملة، لكي تعرض بما فيه الكفاية لمحتوى فكرة كمنويلث إسلامي؛ وإن كانت على هذه الصورة أطول مما يجب بالنسبة إلى الإطار الضيق المرصود لأعداد هذه السلسلة. وقد اقتضانا الإطار اختصار العرض في كثير من النقط، والتحوير المنهجي في أخرى. فنحن لم نحدد مثلاً (الثقافه الإسلامية) التي تستطيع إحياء الإنسان المسلم، وتكييفه من جديد مع مسؤولياته بالنسبة إلى الدوائر المختلفة التي يتعين فيها حضوره للقيام بمهمته كممثل (أو صاحب دور)، وكشاهد عيان، وكرسول مبلغ
…
إذ لا يمكنني تناول هذا الموضوع هنا- في بضعة سطور، وإن كنت قد ذكرت أفكاري حول هذا الموضوع في مجال آخر؛ ولذلك فأنا أفترص أن القارئ على علم بوجهة نظري تلك في هذا الصدد، وأنه قد تبنى وجهة النظر هذه تلقائياً، في قراءته للفقرات السالفة، كما تبنيتها أنا بطريقة ضمنية أثناء كتابتي لهذه الفقرات.
ومن ناحية أخري، فإن للثقافة في القرن العشرين مظهراً جفرافياً- سياسياً يتعلق برسالتها في (عالم الآخرين)، وإذن فلها دورها بالنسبة إلى مشاكل هذا العالم. وضمن هذه العلاقة فإن أحد عناصر تحديدها- وهو عنصر رئيسي ولا ريب لم يتح لنا تناوله- هو مشكلة السلام. وهذا أيضاً إغْفال مقصود فرضته ظروف العمل ذاتها.
ولكننا لا نستطيع إنهاء هذا العمل، دون أن نلفت نظر القارئ مرة أخرى إلى بعض النقط الخاصة التي لم نوضحها بما فيه الكفاية فيما سبق، أو التي لم نتناولها البتة في الفصول السابقة. فقد أشرنا فحسب إلى بعض المعالم العامة في
تحديد كملنويلث إسلامي من وجهة سياسية، تاركين لمن سيأخذون على عاتقهم الأعمال التحضيرية، إعطاء تحديد أكثر دقة، لكننا بمقارنته مع المثال الأنجلنري، قد أعطينا القارئ لمحة عن الوظيفة السياسية للمثال الإسلامي.
ونريد أن نحدد أكثر من ذلك طبيعة هذه الوظيفة، بتعريف سلبي على الأقل، نقتبسه من أحد أعداد سلسلة الثقافة الإسلامية بعنوان (الوحدة الإسلامية)، حيث كتب الشيخ (أبو زهرة) ما يلي في الصفحة (29):((إن الوحدة التي نبتغيها لا تمس سلطان ذي سلطان يقوم بالحق والعدل في المسلمين، ولا شكل الحكم في الأقاليم الإسلامية، فلكل إقليم أسلوب حكمه ما دام يؤدي إلى إقامة الحق والعدل فيه، ويحقق المعاني الإسلامية السامية)).
إننا تقتبص هذه العبارات ليس فحسب لأن اتجاهها يلتقي مع التعريف الذي نوافق على منحه لفكرة الكمنويلث الإسلامي، ولكن لأنه يدعم هذا التعريف كذلك، بمنحه قاعدة شرعية
…
لأنني لا أشك مطلقاً في أن وجهة نظر الشيخ (أبي زهرة) تعبر دائماً عن مذهب القانون الإسلامي في أدق الحدود. وهذه واحدة من النقط التي نريد تنبيه القارئ إليها مرة أخرى في هذه الخلاصة.
أما النقطة الثانية فتتصل بظاهرة لاحظها مراقبو التطورات العالمية؛ فقد لاحظ هؤلاء أن الحرب العالمية الثانية قد ترتب عليها حركة انتقال لقيم الحضارة إلى الشرق، فنتج عن هذه الظاهرة حدوث توازن جديد بين القوى العالمية، أدى إلى تلك المكانة التي احتلها الاتحاد السوفياتي في مجال السياسة الدولية. وقد بدأ أن العالم الإسلامي نفسه قد تأثر تطوره هو الآخر بمفعول هذه الظاهرة، حتى لقد أمكن أن يستنتج من ظهور بعض الدول الإسلامية في آسيا.- نظراً لكثرة عدد سكانها- الحكمُ بأن مركز ثقل التاريخ الإسلامي قد انتقل هو بدوره إلى الشرق.
وقد سبق لي أنا نفسي أن أصدرت مثل هذا الحكم في دراسة كنت كتبتها إبّان أحداث فلسطين التي كشفت عن مظاهر الضعف المؤسفة في العالم العربي؛ فقد كان يبدو آنذاك أن التاريخ الإسلامي سوف يتم إنجازه في القارة الآسيوية. ولكن حدث بعد هذا الحين أن ظهرت أحداث جديدة كان من شأنها التأثير في تطور العالم العربي، الأمر الذي بدا معه أن مركز ثقل التاريخ الإسلامي قد رجع من جديد إلى معاقله التقليدية- كالقاهرة مثلاً- حيث كانت الثقافة الإسلامية تشع على العالم خلال القرون.
أما النقطة الثالثة والأخيرة- وهي التي نريد إلفات ذهن القارئ إليها بالخصوص- فتتعلق ببعض المجهولات التي لم تتبلور بعد بوضوح في الواعية الإسلامية الموضوعة أمام مشهد العالم المخطط. وهذه المجهولات يمكن التعبير عنها بطرق عديدة، ومن الراجح جداً أن يكون المختصُّون بمراقبة سير القضايا الإسلامية في العالم، متتبعين لتطورها بانتباه بالغ. ويمكننا نحن أنفسنا أن نتمثل هذا التطور في صورة عملية كيميائية تتمّ في إناء مغلق. ومنذئذ نصبح بإزاء مشكلة ميكانيكية؛ فإذا توازنت القوى الداخلية والقوى الخارجية على جانبي حواجز الإناء، أمكن للعملية أن تستمر في تساوق، وأن تؤول إلى نتيجتها الطبيعية. أما إذا حدث أيُّ اختلال في التوازن فإن حواجز الإناء تتطاير شظايا بديدة في الهواء، وتتوقف العملية الكيميائية توقفاً لا يمكن تداركه.
إن الإناء المغلق يصور العالم الإسلامي في مجرى تطوره الراهن؛ فهناك قوى داخلية تعمل على تحويله بغية تكييفه مع الحياة العالمية الراهنة إلا أنه يعاني على دائرة محيطة- كما سلف أن أوضحت ذلك- مفعول قوى خارجية مريبة. فإذا لم يتح للقوى الداخلية أن توازن مفعول القوى الخارجية، فإن الأمر سيؤول لا محالة إلى تطاير حواجز الإناء شظايا بديدة في الهواء؛ وحينئذ يتسنَّى للنزعة الاستعمارية وللشيوعية التقاط تلك الشظايا البديدة.
إلا أنه يجب علينا أن نقول بأن خطورة المشكلة قائمة في داخل ذلك الإناء بوجه خاص. وفي متوقفة على أولئك الذين يوجهون العملية الكيميائية التي تعمل على تغيير العالم الإسلامي في هذه المرحلة من تاريخه. إن أيَّ سهو من جانبهم قد يؤدي إلى انفجار الإناء. وإذا حدث الانفجار، فلن يكون مجدياً أن تقول لأولئك المتطلعين لهذه اللحظة، لا تلتقطوا شظاياه! .. ومن ثَمَّ فلا ريب في أن الخطر سيظل يتهددنا طوال العشرين سنة القادمة
…
ولكن (الإسلام) يظل دائماً القوة التي لا تحطم.
نقله عن الفرنسية
الطيب الشريف