الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
تبعية المشاكل:
غالباً ما نذكّر بأن القرن التاسع عشر، قد كان قرن التاريخ، لأن مشاكله توضع في الزمان، ويتم تقصِّيه للأحداث في ماضي البشرية حتى تخوم ما قبل التاريخ.
وكذلك يقال إن القرن العشرين، هو قرن الجغرافيا السياسية، لأن مشاكله أميل إلى عناق معطيات المكان؛ وبما أنه قد شاهد ظهور المساحات الكبيرة المخططة، فقد أدى به اطراده في هذا الاتجاه، إلى أن يشاهد الآن المحاولات الأولى، لفتح ما بين الكواكب من مجال.
وإن دوائر الأفكار التي قدمنا تخطيطها الرامز لهذا المفهوم، لهي الترجمة البسيطة لهذه الظاهرة العامة في حياة المسلم. فقد أصبح الإنسان المسلم ذاته مرغماً على الحياة في مجال أكبر، أو بتعبير أدق، في مجالات متعددة، فهو في أحدها مواطن في بلاد معينة، وفي الآخر يمكن أن يكون من مشمولات وحدة فدرالية ذات طابع سياسي سُلالي، وفي مجال ثالث يكون فرداً تابعاً لمجتمع ذي طابع ديني، وفي الرابع يمثل عضواً في مُتَّحَدٍ ما زال يبحث عن تحديد طابعه ورسالته، وأخيراً فهو في حيِّز القوة (مواطن عالمي) حسب التعبير الأصيل المعزوّ إلى جاري ديويز ( Garry Dawies).
ولكننا حتى الآن لم نضع مشكلة الإنسان المسلم إلا بالنسبة إلى المجال المحدد (بدار الإسلام). ويمكن للقارئ أن يقدر أننا بهذه الطريقة، قد استطعنا أن نهمل، في قليل أو كثير، المعطيات التي تتدخل على حد سواء في تلك المشكلة، إما باعتبارها عاملاً محدداً لموقف الإنسان المسلم الاجتماعي، أو باعتبارها نتيجة مترتبة على هذا الموقف. وهذا حق فقد قصرنا موضوعنا طواعية على زاوية جد محدودة، إذ لم نأخذ في اعتبارنا إلا العناصر التي تتعلق مباشرة بفكرة
الكومنويلث الإسلامي. ولكننا بنظرتنا الى المسلم في هذا المجال، يمكننا ان نتعرف من هذه النظرة نفسها على ماضيه ومستقبله، وِراثته ومهمته، وعلى دوره كإنسان عقيدي، ودوره كمواطن.
ولقد لاحظنا في الفقرة السالفة أن كل انتقال من دائرة داخلية إلى دائرة خارجية، يسجل تقدماً في التطور النفسي للفرد، وتمدداً في مستواه الشخصي يمنحه سَعَةً أكبر على نحو من الأنحاء. وعلى ذلك فمن الحق القول بأننا إذ نسلم للمسلم بمهمة تشمل سعة العالم الإسلامي، نكون قد زدنا في مستواه الشخصي أولاً وبالذات؛ ولكن أليس هذا التقدم للإنسان العقيدي في نهاية الحساب تقدماً للمواطن؟ .. المؤكد أنه قيد مشترك بين الطرفين، القول بأن العقيدي الحق، يكون دائماً مواطناً حقيقياً حتى بالنسبة إلى مساكنيه من ذوي المعتقدات المغايرة لمعتقده.
ومن ناحية أخرى فقد قلنا فيما مضى أن (عالم أفكارها) هو الذي يحمل الداء وأسباب أزمة العالم الإسلامي. وهذه الملحوظة يمكن أن تُتَرْجَمَ بطريقة أخرى هنا، فنقول إن (الإنسان العقيدي) يحمل في داخله المشاكل التي يواجهها المواطن، وإذا ما خلَّصْنا الواحد من بعض عقده المعينه، نكون قد خلصنا الآخر، بهذه العملية ذاتها من جزء كبير من مشاقه، لأنه يتصرف حاملاً لردود فعل ليست متأتية من بلاده، ولكن من (حبكة) تاريخية متأتِّية من الحضارة الإسلامية ذاتها. فثلاثة عشر قرناً قد فصَّلت نموذجماً اجتماعياً مسلماً، يتصرف ويفكر حسب كيفيات لا تغيب عنا ملاحظة سماتها المشتركة من (طنجة) إلى (جاكرتا). والمترتب على ذلك، أننا بملاحظتنا لمشكلة (الإنسان العقيدي)، نكون قد لاحظنا مشكلة المواطن في عمقها: إذ أن مشاكل هذا أو ذاك ذات تبعية متلازمة.
وإذن فنحن إذ نتناول مشكلة الإنسان المسلم نكون قد التقينا بمشكلة