الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
المثال البريطاني:
إننا باختيارنا لعنوان هذا الكتاب، قد استقينا النموذج الأصلي- كما لا يغيب عن فطنة القارئ- من مثال موجود فعلاً، وهو (الكمنويلث البريطاني). وكل اختيار لمثال يفرض مواطن شَبَهٍ في مظهر الأشياء أو في ماهيتها. ولكننا لو قمنا بصنع تقويم لمواطن الشبه هذه، فإننا نصل بالضرورة إلى نهايتها التي تتبدَّى فيما وراءها حينئذ مواطن الاختلاف. والمشابهات قائمة على نحو من الأنحاء في مستوى المشاكل، والمفارقات كائنة في طبيعتها؛ فالكمنويلث البريطاني (مساحة كبيرة). وفي هذا المستوى تتخذ المشاكل صبغة جغرافية- سياسية، أعني صبغة سياسية محدَّدة بالمساحة على الخصوص.
والكمنويلث الإسلامي، بسبب مسافاته المحورية، والكتل البشرية التي تشملها مساحته، يضع أمامنا مشكلة ذات طابع جغرافي- سياسي، في مستوى الكمنويلث البريطاني.
وهذه مشابهة مهمة. جداً، من شأنها، في مقياس معين، الإيحاءُ بالحلول، والتقريب بينها، خاصة وأن الكمنويلث البريطاني، ليس دولة، ولا فيدرالية دول، ما دامت كل بلاد عضوة فيه تمارس سيادتها في كل المجالات، وتملك تمثيلها الديبلوماسي الخاص بها في الخارج. وعلى العكس من ذلك، فإن دول (الولايات المتحدة الأمريكية)، تكون فيدرالية ذات تمثيل ديبلوماسي واحد. والمترتب على هذا أنه لكي نحدِّد الرابطة العضوية، التي تستطيع الربط بين أجزاء كمنويلث إسلامي، يمكننا- ما دمنا على علم بالوضع الحقيقي لهذه الأجزاء- أن نستلهم المثال البريطاني، أكثر من استلهامنا للمثال الأمريكي أو السوفياتي.
على أن لهذه المشابهة نفسها حدها الذي لا تتعداه، فالرابطة العضوية بالنسبة إلى الكمنويلث البريطاني، المجسَّمة كما هو الواقع في شخص (ملك
إنجلترا)، تدار سياسياً بواسطة (لائحة وستمنستر)، الناجمة عن قانون صوَّت عليه (مجلس العموم البريطاني) في 11 ديسمبر سنة 1931. ومن ناحية أخرى، فهو يدار من وجهة النظر الاقتصادية (باتفاقيات أوتاوا) التي تعين بعد سنة من التصويت على لائحة وستمنستر، أن تحدد موقف الكمنويلث، لمواجهة الوضع الاقتصادي العالمي، غداة الحرب العالمية الأولى، وبالخصوص لمواجهة عامل جديد هو: الانطلاق الصناعي لليابان.
فمن الوجهة السياسية والاقتصادية بالخصوص، يمنحنا المثال البريطاني إذن، عناصر بالغة الإفادة فيما يتعلق بتصيم أوَّلي للمثال الإسلامي.
إلا أن التشابه يقف لدى مدى جد مبكر، ولا يتيح لنا مثلاً أن نتصور الرابطة العضوية للكمنويلث الإسلامي مشخَّصة في (ملك) أو حتى في (رئيس جمهورية)، ولكن في (فكرة) هي:(الإسلام)، ممثلة في (مجمع دائم) يجسِّم (الإرادة الجاعية) للعالم الإسلامي، ويمثل مصالحه العامة.
والمقر الرسمي، لهذا (المجمع) يجب أن يكون في ذات الوقت (الوحدة القاعدية) التي تتصل على أساسها أجزاء الكمنويلث المختلفة لتتبادل فيما بينها ما يتعلق (بشؤونها الإسلامية)، و (مركز الدراسة) للمشاكل النوعية في العالم الإسلامي، و (مركز الإنجاز والإذاعة) للحلول التي يعثر عليها.
وعلى هذا فإذا كان في إمكان المثال البريطاني أن يوحي بحلول نافعة للمثال الإسلامي، فإن لهذا الأخير، علاوة على ذلك، مشاكله النوعية التي تحتم حلولاً خاصة.
فالكمنويلث البريطاني في أساسه، (مجموعة دول)، ويترتب على هذا أنها ذات مشاكل سياسية بالخصوص، بينما يجب أن يكون الكمنويلث الإسلامي (مجموعة شعوب) بالخصوص.