المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مناطق (الحضور): - فكرة كمنويلث إسلامي

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فكرة كمنويلث إسلامي

- ‌الخطوط العامة للكتاب

- ‌ المبررات الجغرافية السياسية:

- ‌ مبررات سيكولوجية:

- ‌ مبررات فنية:

- ‌الخلاصة:

- ‌رسم دراسة لفكرة كمنويلث إسلامي

- ‌ملاحظة:

- ‌ حقائق أساسية:

- ‌ المقتضيات المنطبقة:

- ‌مدخل

- ‌القسم الأول:مشروع دراسة شاملة

- ‌أ - تأريخ الفكرة:

- ‌ المحيط الجديد:

- ‌ أوَّلية المعيار الاجتماعي:

- ‌ التقليد و (التمثُّل assimilation):

- ‌ فوضى (الأشياء) و (الأفكار):

- ‌ الاضطراب:

- ‌ تكوين الفكرة:

- ‌ب - مشروع دراسة مكتملة:

- ‌ تبرير عام:

- ‌ أسباب جغرافية سياسية:

- ‌ أسباب نفسية:

- ‌ المظهر الفني:

- ‌ إعتبارات عامة:

- ‌أ - تخطيط يتعين تجنبه:

- ‌ب - التخطيط الصحيح:

- ‌القسم الثاني:قيمة (الفكرة) في المجتمع الإسلامي

- ‌أ - (الفكرة) في المجتمع الإسلامي:

- ‌ ضعف أساسنا المفاهيمي:

- ‌ الفكرة ومراقب الاستعمار:

- ‌ب - اللافعالية في المجتمع الإسلامي:

- ‌(مظاهرها المختلفة):

- ‌ملحوظة:

- ‌القسم الثالث:وظيفة كمنويلث إسلامي

- ‌ مناطق (الحضور):

- ‌ تبعية المشاكل:

- ‌ الشهادة:

- ‌ الرسالة:

- ‌ المثال البريطاني:

- ‌ نوعية المشاكل:

- ‌خلاصة

- ‌المسارد

الفصل: ‌ مناطق (الحضور):

1 -

‌ مناطق (الحضور):

إن (عالم أفكارنا) يتكوَّن بالتَّدريج، منذ اللحظة التي ندخل فيها هذا العالم. وهو يعانق على التوالي دائرة أوسع، بقدر ما نُحَسِّنُ من تفكيرنا في الأشياء، ابتداء من المرحلة/ ما قبل الاجتماعية/، في انتقالنا تقدمياً من محيط الأسرة إلى المحيط الاجتماعي. وهكذا يتكوَّن تفكيرنا وتنمو معه أفكارنا من احتكاكنا بعالم الأشياء.

وهذا الاطراد النفسي هو الذي يحدد الخصائص الاجتماعية (للأنا) لدى الطفل، كما يحدد على نحو ما مدى حقل نشاطه، أو بتعبير آخر فَلَكَ (حضوره) في العالم، وبقدر ما تزداد تربية الطفل، بقدر ما تكتمل الخصائص الاجتماعية (لأناه)، وتتسع دائرة (حضوره) في العالم، وتخصب شخصيته. ومن ناحية أخرى، نلاحظ أن تكيّف طفل اليوم مع (عالم الأفكار) وتكوُّن دائرة حضوره، يتمان بأسرع مما كان عليه الأمر قديماً.

فالعنصر الصياغي الذي أبرز إلى الوجود من الوجهة الجغرافية- السياسية.: المساحات الكبيرة المخططة، وسَرَّع التطور الاجتماعي للكتل البشرية التي تعيش في هذه المساحات، قد سَرَّع كذلك، من وجهة النظر النفسية، تكيف الأطفال مع (عالم الأفكار)، لأن الطفل نفسه قد أصبح يعيش في مجال أوسع، بفضل المذياع، والسينما والتلفزيون، ومجلات الأطفال المصورة. فقد حدث ما يشبه التمدد في مستواه الشخصي، وعلى العكس من ذلك، إذا ما طرأت ظروف خاصة لا تمكنه من التكيف بهذه الطريقة، فهو يبدو متخلفاً بالنسبة إلى جيله، ومن ثَمَّ تطول مرحلته ما قبل الاجتماعية.

ص: 66

وهذه الاعتبارات ذاتها، صالحة فيما يتعلق بتطور الفرد النفسي عموماً، وتطور المسلم نفسياً بالخصوص. فالمستوى الشخصي لهذا المسلم، حتى ولو نما نمواً نسبياً، يمكن أن يبدو في حالة تضاؤل، بقدر ما ينمو تطور الآخرين بسرعة أكثر. والواقع أن الوعي الاجتماعي الذي كان يتكون منذ حين في دائرة محدودة، أمام منظر محدَّد عموماً، بنطاق بلاد معينة هي الموطن، قد أصبح يتكون اليوم في إطار أكثر امتداداً بدرجة لا تضارع، وفي منظر أكثر انفساحاً كذلك. فكما هي الحال بالنسبة إلى الطفل، وللأسباب نفسها، يحصل امتداد في المستوى الشخصي للفرد: امتداد حضوره إلى مدى أبعد هن مقره، فوسطه، فبلاده. وهذا التوسع في مستواه الشخصي، يكون مقياساً غير مباشر لدرتجة تحضر هذا الوسط، حيث لا يحيا الفرد مع أهله ومواطنيه فحسب، ولكن مع عدد أكبر من الآدميين.

وإذا كان هذا مقياساً للتحضر بالنسبة إلى وسط معين، فهو صالح كذلك بالنسبة إلى الوسط الإسلامي، إما لقياس تقدمه إذا كان متقدماً في هذا الطريق، وإما لقياس تخلفه إذا كان متخلفاً فيه.

وإذن فنحن إذا أردنا استدراك هذا (التخلف) الذي تناولناه كحالة مرضية خاصة بالمجتمع الإسلامي، كما سلف أن شرحنا ذلك فيما مضى، فهناك مجال لكي نأخذ في اعتبارنا بطريقة منهجية الإطار الاجتماعي الذي يتكوَّن فيه وعي المسلم المعاصر، بغية منحه أقصى مستوى شخصي ممكن. والواقع أن فكرة الكمنويلث الإسلامي تمثل في ذاتها تمديداً في المنظر الذي يتكوَّن فيه الإنسان المسلم، وبالتالي امتداداً في مستواه الشخصي.

ونحن إذ نُلخِّص هذه الاعتبارات بالنسبة إلى مسلم معين؛ يمكننا أن نقول إن وعيه يتكوَّن وسط عدد معين من الدوائر التي نستطيع تخطيطها، في اعتبارنا لها

ص: 67

بالنسبة إلى فرد (عربي جزائري) لا يتعدى نطاق حضوره الدائرة المشار إليها بالرقم (1)، ولتكن (مدينة الجزائر) على سبيل المثال:

(1 عربي جزائري)

(2 العالم العربي)

(3 العالم الإسلامي)

(4 العالم الإفريقي - الآسيوي)

(5 الدائرة العالمية)

فنشاهد على هذا التخطيط، أنه بقدر ما يعي فيه الفرد المولود في الدائرة رقم (1)، الدائرةَ رقم (2)، أعني مشاكل العالم العربي واتجاهاته وآماله، بقدر ما يكتمل وعيه ذاته، وينمو مستواه الشخصي؛ وبقدر ما يتخطَّى دائرة داخلية إلى أخرى خارجية، بقدر ما ينمو عالم أفكاره؛ وعندما يبلغ وعيه الاكتمال المتطابق مع (الدائرة العالمية) يكون مستواه الشخصي قد بلغ أقصى اكتماله، بحيث يَنْبَثُّ (حضوره) في سائر أجزاء المعمورة.

ولكي نعود إلى موضوعنا، نقول إن الإنسان المسلم بتطوره في الاتجاه (الانبساطي)، يستدرك تقدمياً من تأخره، ويملأ فراغ تخلفه كذلك. وإذن فانتقاله من دائرة مواطنه إلى دائرة العالم الإسلامي حيث تحتل فكرة الكمنويلث الإسلامي مكانها، يمثل اتجاه اكتماله الطبيعي في عصر المساحات الكبيرة المخططة!

ص: 68