المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ أولية المعيار الاجتماعي: - فكرة كمنويلث إسلامي

[مالك بن نبي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فكرة كمنويلث إسلامي

- ‌الخطوط العامة للكتاب

- ‌ المبررات الجغرافية السياسية:

- ‌ مبررات سيكولوجية:

- ‌ مبررات فنية:

- ‌الخلاصة:

- ‌رسم دراسة لفكرة كمنويلث إسلامي

- ‌ملاحظة:

- ‌ حقائق أساسية:

- ‌ المقتضيات المنطبقة:

- ‌مدخل

- ‌القسم الأول:مشروع دراسة شاملة

- ‌أ - تأريخ الفكرة:

- ‌ المحيط الجديد:

- ‌ أوَّلية المعيار الاجتماعي:

- ‌ التقليد و (التمثُّل assimilation):

- ‌ فوضى (الأشياء) و (الأفكار):

- ‌ الاضطراب:

- ‌ تكوين الفكرة:

- ‌ب - مشروع دراسة مكتملة:

- ‌ تبرير عام:

- ‌ أسباب جغرافية سياسية:

- ‌ أسباب نفسية:

- ‌ المظهر الفني:

- ‌ إعتبارات عامة:

- ‌أ - تخطيط يتعين تجنبه:

- ‌ب - التخطيط الصحيح:

- ‌القسم الثاني:قيمة (الفكرة) في المجتمع الإسلامي

- ‌أ - (الفكرة) في المجتمع الإسلامي:

- ‌ ضعف أساسنا المفاهيمي:

- ‌ الفكرة ومراقب الاستعمار:

- ‌ب - اللافعالية في المجتمع الإسلامي:

- ‌(مظاهرها المختلفة):

- ‌ملحوظة:

- ‌القسم الثالث:وظيفة كمنويلث إسلامي

- ‌ مناطق (الحضور):

- ‌ تبعية المشاكل:

- ‌ الشهادة:

- ‌ الرسالة:

- ‌ المثال البريطاني:

- ‌ نوعية المشاكل:

- ‌خلاصة

- ‌المسارد

الفصل: ‌ أولية المعيار الاجتماعي:

الإدارية الضخمة فيَبْدَهُ نظرَه التباين البَيِّن بين العمارتين؛ إذ يتعين توافر عشرين مكعباً في حجم ذلك المسجد تقريباً، لكي تضارع حجم بناية (المجمَّع)! .. وإذن فهناك انقلاب واضح في سُلَّم الأشياء؛ إذ أن الحاج، قد ولد في عالم تقاس فيه الأطوال، على مستوى المساجد- كمسجد (ابن طولون) أو (الجامع الأزهر) - وهو يحيا الآن في عالم، تقاس فيه الأطوال على مستوى بناية إدارية .. وهذا الانقلاب، يمثل عَرَضاً من أعراض تطور العالم الإسلامي، منذ نصف قرن، ويعني أن سُلَّمَ الأشياء عندنا قد تبدل. ولكننا. يجب أن نضع الإنسان المسلم هو الآخر، في هذا المستوى نفسه- (المسلم المقود كإنسان بضرورات اجتماعية، والمدفوع كإنسان عقيدي برغائب أخلاقية معينة) - لنفهم ما يَعْتَمِلُ في داخله؛ ويمر بوعيه

2 -

‌ أوَّلية المعيار الاجتماعي:

إن الإنسان المسلم لما يعرف بعد تماماً، عالم الضرورات، لأنه لم يصنعه بنفسه. إنه عالم مستورد، تدخل في حياته بفعل تقلُّبات تاريخه الخاص. لقد كان لا يزال نائماً، عندما وجد نفسه منْضَوياً فيه، حوالي منتصف القرن التاسع عشر، عندما فرضته النزعة الاستعمارية عليه وعلى نشاطاته، وعلى أذواقه أيضاً، بالتدريج. فهو يستطيع المعارضة في طابعه الخاص، لأنه في باطن الأمر، عندما يفحص تلك الضرورات عن كثب، لا تبدو لعينيه جد ضرورية. فأي ضرورة يا ما ترى في رقص (الروك آندرول Rock and roll) أو في ارتداء (الشوال)

؟ ولكن عالم الضرورات- الحقيقية أو المزيفة- يبلغ حداً من التعقيد، لا يبدو من السهل إزاءه عملياً، أن نقيم على عتبة كل (مَوْئِل) مصفاةً لا تسمح بالعبور لغير الضرورات الحقيقية. فهذا النوع من التكرير أو التصفية يمكن أن يحدث لا على عتبة كل أسرة بمفردها، ولكن على عتبة المجتمع نفسه. وهذا هو الذي لم يحدث بالفعل كما هي الحال بالنسبة إلى رب الأسرة الذي يريد

ص: 24

توجيه تربية أطفاله وحياتهم إذ يجد نفسه محمولاً على إعداد حساب معين للضرورات الزائفة

هكذا غزت الحياة الإسلامية- بدون تصفية أو بنصف تصفية- أشياءُ عديدة ليست ضرورية مطلقاً، ظلَّت تقلب التقاليد والأفكار والرغائب التي كانت تحرك تلك الحياة حتى يومنا هذا

ونحن ندرك أن الوعي الإسلامي، قد- أصبح ممزقاً منذئذ، بإن الرغبة في استدراك تأخر يعرف شدة وقعه في المجال السياسي- ونعني به التأخر الذي حاق به على الصعيد الاجتماعي- وبين الرغبة في إنقاذ تراث أخلاقي يعرف مدى قيته. وإذا كان يمكن لهذا التوق المزدوج أن يجد- في شكل من أشكال التطور الموجه- تعبيره في صورة تركيب يتم فيه التوفيق بين الحدود المتضاربة والمتنافرة، فإنه على العكس من ذلك تماماً قد أنتج تناقضاً صريحاً في التطور الحقيقي المتَّبَع من طرف البلاد الإسلامية منذ نصفه قرن. فقد مُزَّق وعي الإنسان المسلم في يومنا هذا من جراء التناقض، لأن هذا الإنسان لم يعرف كيف يندمج في عالم زمني هو مرغم على الحياة فيه، وإن كان لم يتمثل بعد معاييره. وهذا حدث من أحداث تطور (إعوازيّ entropique) كان قد زاد من حجم الأشياء أكثر مما زاد في حجم الأفكار

وقد ترتب على ذلك في الفكر الإسلامي. (تقاطب polarisation) مزدوج، شطر حياته النفسية إلى عالمين منفصلين: فالمسلم يعيش في عالم غريب له منه (أشياؤه) وليس- (أفكاره)؛ وتلك خاصية النفسية الصبيانية، عندما يبدأ الطفل بوضع يده على الأشياء من غير استعداد لفهمها، فإذا بنا نراه أحياناً يمد يده إلى القمر جاداً في طلابه ولكن من غير طائل بطبيعة الحال! فهذه الحركة. تبدو لنا جذابة، لدى الطفل الذي تضحكنا منه هذه البادرة الدالة على براءته، عندما يندفع في أول تجاربه، لالتقاط. عود ثقاب مثلاً، أشْعِل بغية إثارة حبوره .. ولكننا ندرك كم يكون مثل هذه الحركة فاجعاً، في مجتمع مندفع وراء (الأشياء)، وكم يمكن أن تكون حروق هذا المجتمع نفسه شديدة الإيلام!.

ص: 25