الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المواطن)، في أي بلاد ربطها التاريخ بصلات تقليدية مع المجتمع الإسلامي، بل نحن نتناول هذه المشكلة الأخيرة بطريقة أفضل. فنحن بهذه الطريقة سنتفهم بالخصوص، وبأفضل من ذلك، البدعة المتبدِّية فيما هو واقع من أن مواطن (جاوة) ومواطن (مراكش)، يعيشان اليوم على نفس المحور الجغرافي - السياسي الذي يبدأ من طنجة إلى جاكرتا، وهما مع ذلك جد مختلفيْن، بالنظر إلى النموذج المجتمعي الذي يحيا على محور واشنطن- موسكو
…
وذلك راجع لما بينهما من قاسم مشترك، ليس متأتياً من الطقس ولا من التراب في بلادهما، ولكن من وراثة معينة يدينان بها إلى مجمتع (ما بعد الْمُوَحِّدين) الذي خصَّهُما في الواقع بالكثير من العناصر السلبية التي سبق لي أن حاولت إدراجها في دراسة أخرى تحت عنوان:(القابلية للاستعمار). وإذن ففي يومنا هذا توضع مشكلة (المواطن) في أي بلاد على نفس المضمون الاجتماعي لمشكلة أي كان من (إخوانه في الدين) في البلاد الأخرى. وهذا يؤدي إلى القول بأن مشكلة الإنسان العقيدي هي التي توضع في حقيقة الأمر، أعني مشكلة الإنسان المسلم الذي لا يعرف البتة كيف يستعمل عقيدته باعتبارها أداة اجتماعية
…
وإن إحدى الفضائل التي يتعين ربطها بفكرة الكمنويلث الإسلامي، لهي إرْجاعُ هذا الاستعمال للإنسان المسلم، ومن ثَمَّ إرجاع ما للإسلام ذاته في النهاية من فعالية اجتماعية، ومن إشعاع في العالم.
3 -
الشهادة:
إن الاعتبارات التي أجْرِيتْ على تخطيط الدوائر (أي مناطق الحضور)، قد تناولت بالخصوص موضوع المظهر النفسي- الاجتماعي في مشكلة الإنسان المسلم باعتباره (مُمَثلاً) لأفعاله أو (مؤلفاً) لها .. ولكن القرآن يعينه لدور آخر، هو دور (الشاهد) أو المشاهد الأمين لأعمال الآخرين:
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة 2/ 143].
والتخطيط السالف يمكن أن يتيح المجال لاعتبارات بالغة الأهمية متعلقة بهذا المظهر الأخلاقي، تلتقي تماماً مع الاعتبارات التي قدمناها في الفقرتين السالفتين، أو هي تواكبها امتداداً على نحو من الأنحاء ..
فالواقع أن (الشاهد) في أساسه هو (الحاضر) في عالم الآخرين. والصفة الأولى المكتسبة، لإثبات قيمة أي (شهادة) هي:(حضور) الشاهد. ومنذئذ، إذا كان متعيناً على المسلم أن يقوم بالدور الملقى على عاتقه في الآية السالفة، فهو مجبر على الحياة في اتصال وثيق بأكبر عدد من الذوات البشرية ومشاكلها كذلك. ومن ثم يتعين على (حضوره) أن يعانق أقصى حدّ ممكن في المكان، لكي تعانق (شهادته) أقص كمٍّ ممكن من الوقائع. وعلاوة على ذلك، فإن المسلم في هذه الحالة ليس صاحب دور سلبي محض؛ إذ أن حضوره نفسه يؤثر على الأشياء وعلى أعمال الآخرين.
فعندما يكون الشاهد حاضراً، يمكن لحضوره فحسب أن يغير من سير الأحداث، وأن يجنب الوقوع في المحظور؛ وعلى هذا فإن رسالة المسلم في عالم الآخرين لا تتمثل في ملاحظة الوقائع، ولكن في تبديل مجرى الأحداث، بردها إلى اتجاه (الخير) ما استطاع إلى ذلك سبيلاً:
«من رآى منم منكراً، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» .
فهذا الحديث يضبط درجات الشهادة الثلاث، والدرجة الثالثة تمثّل الحضور المحض من غير تأثير مشاهد على الأحداث. وحتى في هذه الدرجة التي يصفها الحديث «بأضعف الإيمان» ، ليس حضور المسلم بالسلبيّة المحضة
…
ففي تَثبّت