المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌أنواعه: 1- فالنثر الاجتماعي يتطلب صحة العبارة، وبالضرورة البعد عن الزخرف - في الأدب الحديث - جـ ١

[عمر الدسوقي]

الفصل: ‌ ‌أنواعه: 1- فالنثر الاجتماعي يتطلب صحة العبارة، وبالضرورة البعد عن الزخرف

‌أنواعه:

1-

فالنثر الاجتماعي يتطلب صحة العبارة، وبالضرورة البعد عن الزخرف والزينة، ووضوح الجمل، وترك المبالغات، وسلامة الحجج، وإجراءها على حكم المنطق الصحيح؛ لأن الغرض منه معالجة الأمر الواقع، فلا ينبغي استعمال أقيسة الشعرية، ولا الخيال المجنح، اللهم إلّا في المقامات التي تقتضي استفزاز الجماهير، وإثارة عواطفهم، وتحميسها للإقلاع عن خلةٍ فاسدةٍ، أو التظاهر على الاضطلاع بنفعٍ عامٍّ، على أن يكون ذلك بقدر، فإن الأغراض الاجتماعية إنما تجري في حدود الحقائق الواقعة على كل حال.

وقد رأيت أن هذا النوع من النثر قد خلا من السجع المتكلف؛ لأن الاهتمام باقتناص السجعة قد يفوت على الكاتب الغرض الذي يرمي إليه، وقد يذهب بالمعنى في سبيل سجعة متكلفة، بل حمل بعض الكتاب في هذا العصر على هذا السجع، فقال أديب إسحاق -مع أنه كان ممن يسجعون كثيرًا، وممن يحتفي بأسلوبه لأنه كان أديبًا بطبعه.

"ولم يدخل هذ السجع كلام القدماء في الجاهلية وصدر الإسلام إلّا ما كان منه عفو القريحة، فواصل غير مقفاة، أو ما يعزى إلى الكهان والمشعوذينن مما يراد به الإيهام والإبهام، فلما استولت العجمة على الألسن، وضعفت قوة الاختراع في الأذهان، سرى داؤه في المكاتبة إلى هذا العهد، فعدل الكتاب عن الكلام

ص: 259

الفحل، واللفظ الساذج، والأسلوب الطبيعي، إلى هذه الأسجاع الملفقة البالية، يتناقلونها خلفًا عن السلف، ويطيلون بها الكلام بلا طائلٍ سترًا لقصورهم في ابتداء المعاني، وإيضاح وقائع الحال من طريق البلاغة والإيجاز"1.

والانصراف عن السجع والزخرف في هذ النوع من النثر بدهي؛ لأن الفكر منصرف إلى تفتيق المعاني، وسوق الحجج، وضرب الأمثلة لا إلى الجري وراء كلمة أو سجعة.

2-

النثر السياسي أو الصحفي، ويمتاز بالسهولة والوضوح؛ بحيث يكون معناه في ظاهر لفظه؛ لأن الصحف تخاطب الجماهير، ويقرؤها الخاصة والعامة، وتتحدث إلى الجهال كما تتحدث إلى المتعلمين، هذا إلى أن قراءها إنما يبغونها للساعة، فلا محل للارتفاع بعبارتها، والتعمق في معانيها، مما يقتضي من القارئ كَدَّ الذهن، وإرهاق العصب.

وإذا كان النثر الاجتماعي ينبغي أن يجري الاحتجاج فيه على الأقيسة المنطقية؛ لأنه يعتمد على القضايا العلمية والحقائق الواقعة، فإن النثر الصحفي لا يلتزم فيه ذلك، بل يلجأ إلى الأدلة الخطابية؛ لأنها أنفقذ في إقناع الجماهير من سواها؛ إذ تقوم النزعات السياسية في الغالب على الفروض والاعتبارات والميول الوجدانية أكثر مما تقوم على الحقائق العلمية.

وليس في هذا النثر احتفاءٌ بالأسلوب، أو تخيرٌ للألفاظ، أو جنوحٌ إلى الخيال، أو تعمقٌ في المعنى، وإنما هو التصوير السريع، وليس فيه تحقيقٌ للغرض المقصود بها؛ من تعلم العلم، وترقية الآداب، ولا يقبل على قراءة مثل هذه المجلات إلّا المتعلمون.

3-

النثر الأدبي، وهو أشد أنواع النثر حاجة غلى تخير اللفظ، والتأنق في النظم، حتى يخرج الكلام مشرقًا منيرًا، لطيف الموقع في النفوس، حلوة النبرة في الآذان؛ لأن للموسيقى اللفظية أثرًا كبيرًا في الأذهان، وهو أدنى أنواع النثر إلى

1 مجالي الغرر ص8 ج3.

ص: 260