الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصرت على إرجاع اللغة العربية، وعمل جاهدًا على غسل هذه الوصمة، والرجوع بلغة التدريس إلى اللغة العربية، فكان لها ما أرادت، وكانت حسنةً لا تنسى له وللجمعية التشريعية؛ لأنها أعادت التيار إلى مجراه القديم، وأخذ العلم الحديث يتدفق في هذا المجرى كتبًا طريفة التأليف، بارعة العرض، جذابة الأسلوب، وسار نهر العربية زخارًا صوب الكمال حتى يومنا هذا.
وبقي درس اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي درسًا أصيلًا في المدراس، يقف منه الشباب على لون من التفكير الأوروبي، وكان لهذا أثره العميق في التفكير العربيّ والنتاج الأدبي فيما بعد، وسنعود إلى هذا الموضوع بشيء من التفصيل في مقدمة الجزء الثاني إن شاء الله.
ب-
المستشرقون:
ومن أهم العوامل في النهضة الأدبية الحديثة، والاتصال بالفكر الأوربيّ بجانب الترجمة، ما قام به المستشرقون من جهدٍ في سبيل اللغة العربية وآدابها، وبحث العقيدة الإسلامية ومذاهبها، ونشر ما عفت عليه الدهور، وأغفلته يد النسيان من كنوز اللغة العربية.
اتصل الغرب بالمشرق بادئ الأمر حينما كان الشرق في عنفوان صولته، وقمة مجده، يغص بالمدارس الجامعة، ويزخر بالكتب الثمينة، ويشمخ بعلمائه وفلاسفته ورياضييه، وكانت أوربا لا تزال في سِنَةٍ من النوم، حينما فرغ الشرق أو كاد من يقظته الطويلة وجهاده العنيف في سبيل العلم والمدينة، ولما استيقظت أوربا قليلًا، تلفتت فوجدت شعبًا غريبًا يعمر جزءًا خصبًا من قارتها، وقد أحاله جنةً فينانةً ترف فيها العلوم والفنون والآداب، فتطلع أهله إلى الأندلس منذ ذلك الحين، يرمقونها بعيون دهشة، وأفواه فاغرة، وبودهم أن يعرفوا بعض ما عليه أهلها من علم.
وطئت أقدام العرب كثيرًا من أرض القارة الأوروبية، وعبرت بعضها عبور المسافر أو المغامر أو التاجر، ووقفت في بعضها وقفة الفاتح القادر، فعبروا فرنسا عبورًا سريعًا، وامتد طوفانهم إلى أودية "بوردو"، وتألب عليهم أوشاب أوربا من فرنسيين وألمان، وسواهم، حتى انحسر طوفان العرب عن فرنسا غب معركة
"بواتييه" أو بلاط الشهداء، بيد أن مقامه قد طال نوعًا في جنوب فرنسا من جهة البحر الأبيض المتوسط، وتركوا ثمة آثمارًا في صميم الحياة الفرنسية تدل على طول المكث والعشرة، ولا سيما في مقاطعة "بروفانس" وقد امتد نفوذهم منها حتى سويسرا عبر جبال الألب.
وأقاموا بصقلية قرنين ونصف قرن من الزمان، وتركوا من المساجد والآثار في "بالرمو" ما يشهد بعزهم وثروتهم وحضارتهم، ولم يكن من السهل التخلص من ثقافتهم وآثارهم حتى بعد جلائهم عن بعض تلك البلاد والثغور، لا أدل على ذلك من صقلية، فقد ظلت العربية في بلاط ملوكها، وعلى ألسنة أهلها بعد نزوحهم عنها بقرون، وقد بلغ من سلطانهم أن ملوك صقلية تزيوا بزي العرب، ورأس وزاراتهم، وقاد جيوشهم، وأشرف على أمورهم عرب أقحاح ممن تخلف الجزيرة بعد نزوح جمهرتهم، وهاك ابن جبير يقول في رحلته المشهورة حين زار صقلية سنة 1187، في عهد الملك غليوم:"وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين.. وهو كثير الثقة بهم، وساكن إليهم في أحواله والمهم من أشغاله، حتى إن الناظر في مطبخه رجل من المسلمين، وعليهم قائد منهم.. ومن عجيب شأنه المتحدث به أنه يقرأ ويكتب بالعربية، وشعاره على ما أعلمنا أحد المختصين به، الحمد الله، حق حمده".
ولا عجب فالعرب في ذياك الوقت قد بلغوا شأوًا عظيمًا من الحضارة، وكان أهل أوربا في أشد الحاجة لمعونتهم وثقافتهم، وهاك "دوزي" يؤكد أن بعد أن وقف بالدرس على كنه الحضارة العربية في الأندلس:"أنه لم يكن في كل الأندلس أميّ يوم لم يكن في كل أوربا مَنْ يعرف القراءة والكتابة إلّا في الطبقة العليا من القساوسة" وصارت جامعة طليطلة قِبْلَةَ الطلاب من كل بقاع أوربا في القرن الثاني عشر، حتى بعد أن تقلص ظل الملك العربي عن معظم بلاد الأندلس، وبقيت العربية لغة الثقافة والمعاملات والعقود حتى سنة 1580، وظلت بعض قرى بلنسية تتكلم العربية حتى القرن التاسع عشر، ولسنا الآن في صدد تبيان
1 نزح العرب عن صقلية 1072م.
أثر العرب في الحضارة الأوربية وآدابها وغنائها وموسيقاها، وبحسبك أن تعلم أن الفلسفة الإسلامية ظلت تدرس في جامعات أوربا حتى سنة 1650، وأن أرسطو لم يكن يفهم إلّا بشروح ابن رشد، وأن طب ابن سينا كان غاية كل مشتغل بالطب في أوربا أمدًا طويلًا، وأن مئات الكلمات العربية التي تنبيء عن الحضارة والعلم قد دخلت اللغات الأوربية واستعجمت؛ من مثل: قيثارة، وقطران، وأميرال، وشراب، وزعفران، وكافور، وقرمز، وصك، ورزمة، وإكسير، وكيمياء، وجبر، وساقية، وما شاكل ذلك، وهم الذين علموهم صناعة الحرير والغلائل الموشاة، وصناعة السلاح والخز المذهب، والفسيفساء والبلور والورق والأصباغ والأدهان، والمعادن، وعلم الجبر والحساب بأرقامه1.
واتصل الغرب مرةً أخرى بالشرق إبَّان الحروب الصليبية التي شنها متعصبة المسيحيين، حينما أَنِسُوا في عرب الأندلس ضعفًا، وظلَّت نحو قرنين وطوفان جنود أوروبا يتكسر على صفاة حماة الإسلام، ويرتد، ثم يعود أشد مما كان بأسًا، فتقابله صدمات تخفف من غلوائه، وهكذا حتى خمد، ولكن خلف هذا الاتصال الطويل آثارًا بعيدة الغور في كل من المغاربة والمشارقة، أما المغاربة فدهشوا من حضارة العرب في بلادهم، ووجدوا أشياء كثيرة لا عهد لهم بها، فقلدوا المشارقة في لبس الدروع الخفيفة المنسوجة، وفي استخدام الموسيقى العسكرية؛ واصطنعوا السيوف والرماح، وأخذوا عنهم فن بناء الحصون وحفر الخنادق، وإقامة الاستحكمات، واستعملوا النار لنقل أخبارهم في الليل، والحمام الزاجل بالنهار، وأخذوا كثيرًا من أصول الهندسة وتأسيس المنازل بالطنافس والنماذج والسجاد والأواني الخزفية وغيرها، وإن الفلسفة اليونانية التي يعتز بها الغرب، وعليها بنى حضارته وثقافته، إنما وصلت إليه عن طريق العرب، فهم الذين حفظوها وشرحوها وعلقوا عليها، وأضافوا إليها فلسفتهم وآراءهم، فلما استيقظت أوربا وجدت الطريق ممهدًا فسارت في المدنية بخطى واسعة.
1 راجع: تراث الإسلامن، وراجع كذلك غزوات العرب في أوربا للأمير شكيب أرسلان، وأثر الشرق في الغرب، ترجمة الدكتور فؤاد حسنين، وكتابنا الفتوة عند العرب، الفصل الخاص بالموازنة بين الفتوة العربية والفروسية الغربية.
كان هذا استشراقًا غير منظم، نشأ عن الاختلاط ولم ينتج عن الدرس، أما الاهتمام بالعلوم العربية ودراستها فقديمٌ يرجع إلى القرن العاشر الميلادي، واهتم ملوك أوروبا بآداب العرب وعلومهم، وأول من فعل ذلك فرديريك الثاني ملك صقلية سنة 1350، ثم ألفونس ملك قشتالة، فقد جمع الأخير المترجمين كما فعل المأمون من قبل، أمر بترجمة كتب العرب، وكانوا ينقلونها إلى الإسبانية ثم إلى اللاتينية، وشاع خبر هذه التراجم فحاكه كثير من ملوك أوربا، ومضت القرون الوسطى والثقافة العربية من طب وهندسة وفلسفة وجبر وحساب وكيمياء وصناعة وأدب1 هي عماد الثقافة الأوربية، ولكن ما لبثت أوربا أن تخطت دور التعلم، ومهرت في شتّى أنواع العلوم، وبنت على هذا القديم الذي نقلته ومحصته ودرسته دراسة عميقة، علمًا جديدًا لا يزال في نموٍّ واطراد، وهو عماد الحضارة الغربية اليوم، ومع أن أثر العلوم والآدب العربية لا يجحد، فإن هذا الأثر قد ضعف على مر الأيام2 واستقلت العلوم والآداب الأوروبية، وصارت مرجعًا ومعينًا، وتراثًا شائعًا للإنسانية، ومع كل هذا فقد تجدد نشاط الغرب في الاستشراق خلال العصور الحديثة، وظهر هذا النشاط في صور عدة:
1 بلغ ما ترجم من الكتب العربية في القرون الوسطة أكثر من 300 كتاب؛ منها 60 في الفلسفة والطبيعيات، و70 في الرياضيات، والنجوم، 60 في الطب، 400 في الفلك والكيمياء.
2 لا مراء في أن الأدب الأوربي قد تأثر بالأدب العربي خلال العصور الوسطى، وظهر هذا الأثر في صور شتّى؛ فنرى الشعر الغربي يقتبس القافية من الشعر العربي، بعد أن لم تكن معروفة في الشعر اليوناني أو اللاتيني Legacy of Islam p. 373،والطروبادور نوع من الشعر الغنائي الغزلي الرقيق، وقد ظهر في جنوب أوربا في القرون الوسطى، وهو يشبه إلى حد كبير في أوزانه وقوافيه ومعانيه وحرارته الشعر الغزلي العربي، ولا سيما الغزل العذريّ، وكلمة "طروب" عربية لا شك فيها، والقصص العربية والخرفات والأمثال والنوادر كان لها أكبر الأثر في الأدب الأوربي حينذاك؛ ومن أهم الكتب التي ترجمت: كليلة ودمنة في القرن الثالث عشر، وكان النواة التي نشأ من حولها أدب قصص عن الحيوان والطير، وإذا وزانت بين أشعار "لافونتين" وبين قصص كليلة ودمنة، تجد الاقتباس واضحًا، وقصص بوكاشيو "دي كاميرون" عليها طابع عربيّ ظاهر، ولما ترجم ألف ليلة سنة 1704 احتفى به الأدباء الأوربيون احتفاءً شديدًا واقتبسوا منه، ونسجوا على منواله، وظهرت قصص أوربية مشهورة، فيها النفحة العربية والخيال الشرقي، خذ مثلًا "زاديج" لفولتير أو "الكوميديا الإلهية" لدانتي، فإنك تلمس أثر رسالة الغفران قويًّا في الملحمة الإيطالية، ولم يكن التشابه مجرد مصادفة، بل الأمر أعمق من هذا. ومن أشهر الآثار التي تتسم بالطابع الشرقي العربيّ ديوان الشاعر العالمي "جيته" المسمى "ديوان الشرق والغرب"، ومسرحية كورني "السيد" ومسرحية راسين "باجازيت أي بايزيد" من أثر هذا الاتصال الثقافي.
1-
الجمعيات الأسيوية:
وهي جمعيات أنشأها المستعمرون أول الأمر لدراسة شئون الدول التي يحكمونها، وتعرف لغاتهم وآدابهم ونفسياتهم، حتى يكون حكمهم مبنيًّا على أسس متينة، ومن أقدم هذه الجمعيات تلك التي أنشئت في بتافيا عاصمة جاوا سنة 1781، ومن أشهرها الجمعية الأسيوية الملكية بلندن، وقد أسست سنة 1723، ونظيرتها الفرنسية 1820، ولكلٍّ من الجمعيتين مجلة مشهورة تعنى بالأبحاث الشرقية والإسلامية والعربية، وتقوم أحيانًا بطبع كتب لم تنشر من قبل، أو إخراجها بتعليقات قيمة، ومن ذلك نشر المجلة الأسيوية الإنجليزية لمقامات الحريري، وترجمان الأشواق لابن عربي "ترجمها نيكلسون"، وقد اعتنى الفرنسيون بخاصة في مجلتهم بالمذاهب الإسلامية؛ فبحثوا في الدروز والشيعة والإسماعيلية والوهابية والنصيرية، وماشاكل ذلك.
وحذا كثر من الدول حذو إنجلتزا وفرنسا في إنشاء الجمعيات الأسيوية، فصار لأمريكا الجمعية الشرقية، ولألمانيا الجمعية الأسيوية، وفي إيطاليا والنمسا كذلك.
2-
المؤتمرات:
ومن مظاهر نشاطهم المؤتمرات التي يعقدونها في إحدى مدنهم المشهورة، ويؤمها المستشرقون من كل دولة، وكثير من الأدباء والعلماء في الدول الشرقية، وتلقى فيها البحوث، وينتاقش المؤتمرون في شتَّى المسائل، ويطلعون على ما قام به كل من الخدمات في سبيل الاستشراق، وأول مؤتمر عقده المستشرقون هو مؤتمر باريس سنة 1773، وتكررت بعد ذلك المؤتمرات حتى زدات في القرن العشرين، وقد أخذت مصر في العصر الحديث تشترك في هذه المؤتمرات، ومن أول من اشتركوا فيها عبد الله فكري، وحمزة فتح الله، وحفني ناصف وأحمد شوقي الشاعر.
3-
المكتبات:
ومن العجب أن كثيرًا من نفائس الفكر العربي والإسلامي ليس في البلاد
العربية، وإنما اكتنزه الغربيون في مكاتبهم، وقد جمعوا كثيرًا من هذا التراث في خلال العصور الماضية، وأيام محن المسلمين بالأندلس وصقلية وفرنسا وإيطاليا، وأيام الحروب الصليبية، وأيام أن دخلو غزاة فاتحين، أو تجارًا مستعمرين، وحرصوا على اقتناء النسخ النادرة والكتب الثمينة؛ حتى تجمع في هذه المكتبات ما يزيد عن مائتين وخمسين ألف مجلد، ومن أشهرها: مكتبة برلين، وباريس، ولندن، وليبزيج، وليدن، وأكسفورد، وأدنبرة، وليننجراد، ومدريد.
وقد عز على كثير من أدباء العرب وعلمائهم أن يظل هذا التراث النفيس غريبًا محتبسًا في مكاتب أوربا، فأخذوا منذ تنبهوا يغشون هذه المكتبات وينقلون بعض المخطوطات القيمة، أو يصورنها؛ وقد اهتمت بذلك جامعة القاهرة، ورصد لهذا العلم الأموال، وبعثت العلماء لهذه الغاية، وقد جدت الجامعة العربية في نقل كثير من هذه المخطوطات وتصويرها، حتى تهيأ لها عدد غير يسير منها، سيلقى ولا شك كثير من الضوء على الحقائق العلمية والأدبية والتاريخية المتداولة.
على أننا ما زلنا نطمع في المزيد، وأن تنقل كل هذه الكتب وترد صورها على الأقل إلينا، فنحن أولى بها من سوانا، ولا سيما وقد نشأت بين ظهرانينا طائفة من العلماء المحققين الذين أجادوا إخراج هذه الكتب إخراجًا علميًّا صحيحًا، ومن أشهر الذين اهتموا بهذا وجلبوا عشرات الكتب النادرة أو صورها؛ المرحوم أحمد تيمور والمرحوم أحمد زكي.
4-
معاهد اللغات الشرقية:
وفي العواصم الكبرى بأوربا، مدارس للغات الشرقية، يرد مناهلها طلاب أوربيون يدرسون اللغات كي يتمكنوا من العيش ببعض بلاد الشرق تجارًا أو موظفين أو سياحًا أو مستعمرين، كما يؤمها اليوم كثير من أبناء البلاد الشرقية والعربية، ويتزودون من علم كبار المشتشرقين، ويأخذون عنهم طرق البحث، والاستنباط، ومن أشهر هذه المعاهد مدرسة اللغات الشرقية بلندن وباريس وبرلين، وكل مدرسة تحوي مكتبة قيمة، تعنى بدارسة اللهجات وتسجيل الأصوات، ويدرس بمدرسة اللغات الشرقية بلندن ما يزيد عن ثلاثين لغة.
5-
أشهر المستشرقين المحدثين:
1-
دي ساسي الفرنسيّ، توفي سنة 1838:
منشئ الجمعية الأسيوية الفرنسية، وكان من أعظم المسشترقين وأصبرهم على الدرس، وخلَّفَ عدة آثار تشهد بفضله، من ترجمةٍ لكليلة ودمنة، ومقامات الحريري، ورحلة عبد اللطيف البغدادي، وألفية ابن مالك، والبردة، وكتاب النقود للمقريزي، وكتاب الزاجل لابن الصباغ، وترجم كثيرًا من أشعار العرب كقصيدة الطغرائي: يا خالي البال، وله مؤلف في تاريخ العرب أيام الجاهلية، وآخر عن ديانة الدروز، وهو الذي أنشأ مع تلامذته المجلة الأسيوية Jourral Asisique.
2-
كاترمير Quatremere 1857:
وهو من تلاميذ دي ساسي الفرنسي، ومن أعماله: نقل تاريخ المماليك للمقريزي، وطبع مقدمة ابن خلدون في ستة أجزاء بالعربية والفرنسية، ونشر منتخبات من أمثال الميداني متنًا وترجمةً، وترجم المعلقات السبع، ومن أبحاثه المشهورة بالمجلة الأسيوية ماكتبه عن النبطيين والعباسيين، وكتاب الأغاني، والفاطميين، وذوق الشرقيين، وغير ذلك من الأبحاث المفيدة التي تدل على نشاط جَمٍّ، وصبر بليغ.
3-
مونك Muuk 1867:
وهو ألماني يهودي، درس على ساسي، وقدم مصر فجمع مخطوطات كثيرة منها تاريخ الهندي للبيروني، ومن آثاره: تأثير اللغة العربية في اللغة العبرية بعد التوراة، وبحث ونقد في ديانة الدروز، ومجموعة في الفلسفة العربية واليهودية "وهو كتاب نفيس".
4-
دي برسفال De Perecval 1871:
وهناك أب وأبن بهذا الاسم، وكلاهما اشتغل بالعلوم الشرقية، وإنما نعني بهذا التاريخ الابن، وقد قام برحلة إلى لبنان، ومكث به ثلاث سنوات، وعُيِّنَ أستاذًا للعربية العامية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس، ثم للفصحى في معهد
فرنسا، ومن آثاره: المعلقات السبع "وباكورة تاريخ العرب" في ثلاثة مجلدات، وقد طبع مرارًا.
5-
رينان Renan:
وقد درس اللاهوت في أول نشأته، وتعمق في اللغات الشرقية، وقام برحلة في بلاد الشرق العربيّ، ومن مؤلفاته: تاريخ اللغات السامية، في جزأين، كتاب ابن رشد، وقد علق عليه بقوله:"ولولا ابن رشد لما فهمت فلسفة أرسطو وتاريخ فينيقية" وقد اشتهر بتعصبه الذميم ضد العرب والمسلمين، وفي كتابه تاريخ اللغات السامية مطاعن كثيرة على العقلية العربية سنرد على بعضها عما قليل.
6-
دي فو De Vaux:
واشتهر بأبحاثه الرياضية والفلسفية، ومن أحسن كتبه: مفكرو الإسلام، في خمسة أجزاء، وكتاب الفلسفة المشرقية، وترجم قصيدة ابن سينا في النفس، وترجم تائية ابن الفارض.
7-
Massignon:
وهو من المستشرقين المعاصرين: وكان عضوًا بمجمع اللغة العربية بمصر، ومن أكثر المستشرقين نشاطًا، وأطولهم باعًا، وقد كان أستاذًا لتاريخ الفلسفة في الجامعة المصرية، وتتلمذ أول أمره في الجزائر وتونس وفاس، ورحل إلى العراق، جاب كثيرًا من الأقطار العربية، ومن آثاره المهمة: أخبار الحلاج، والصوفية، والأمثال البغدادية للطالقاني، وكتاب مراكش في القرن السادس عشر، وله بحوث طيبة في دائرة المعارف الإسلامية.
8-
لفي بروفنسال Provencol:
وهو كذلك من المستشرقين الفرنسيين المعاصرين، ولد بالجزائر سنة 1894، وقد انتدب أستاذًا زائرًا بجامعة القاهرة، ومن أشهر آثاره: أسبانيا المسلمة في القرن العاشر، والحضارة العربية في أسبانيا، وثائق غير منشورة عن تاريخ الموحدين، وتقويم للسير الأندلسية في القرن الثالث عشر، وقد عاون في طبعة الذخيرة لابن بسام، من مطبوعات جامعة القاهرة.
أما المستشرقون الإنجليز فمن أشهرهم:
1-
كارليل، توفي سنة 1805، وهو صاحب كتاب الأبطال المشهور.
2-
إدوارد لين Lane:
وقد قدم مصر سنة 1825، ودرس عاداتها دراسة طيبة، حتى لقد لقبه أصدقاؤه بمصر بمنصور أفندي؛ لكثرة تقليده للمصريين في معيشتهم، ومن أجَلِّ آثاره: معجمه المشهور سواء العربي أوالإنجليزي، ومعجمه العربي نموذج احتذاه من قام بعمل المعاجم بعده، ومن آثاره كذلك: كتاب عن أخلاق المصريين وعاداتهم، وهو تحفة جميلة، وقد ترجمه أخيرًا الأستاذ عدلي نور بالرسالة، ثم نشر على حدة.
3-
وليم رايت Wright 1896:
ترجم رحلة ابن جبير ونقدها وعلق عليها، ومن أشهر كتبه وأعمها نفعا: كتابه في النحو، وقد طبع مرات، وله كتاب جيد في الموازنة بين اللغات السامية Comparative Grammer، واشترك مع "دوزي" في إخراج نفح الطيب للمقري، ونشر كتاب الكامل للمبرد، وكتاب تلقيب القوافي لابن كيسان، وكتاب أخبار الرواد، وترجم كليلة ودمنة، وهو صاحب أبحاث الأدب السوري في دائرة المعارف البريطانية.
4-
إداورد بروان T.BVrowne:
وكان أستاذًا بجامعة كمبردج للعربية والفارسية، ومن آثاره: الطب عند العرب، وتاريخ الأدب الفارسي، ونشر كتاب مذكرة الشعراء لدولتشاه، وكتاب نهاية الأرب في أخبار الفرس والعرب، والصحافة والشعر في إيران الحديثة.
5-
السير توماس أرنولد Arnold:
وهو أول أساتذ بمدرسة اللغات الشرقية بلندن، ومن مؤلفاته العظيمة ذات الأثر الجليل كتابه الدعوة إلى الإسلام، وقد ترجم إلى كثير من اللغات، وقمنا بترجمته ونشر جزء كبير من هذه الترجمة بمجلة الرسالة سنة 1939، ولكن
حالت دون نشره عوامل مختلفة، وقد تمت ترجمته إلى العربية، ونشر في هذه السنة على يد بعض الأساتذة، وفيه يظهر توماس أرنولد دون تحيز سر الإسلام وعظمته.
6-
مرجوليوث، وقد اكتسب شهرة كبيرة في البلاد العربية، ونشر معجم الأدباء لياقوت الحموي، ونشوار المحاضرة، وديوان ابن التعاويذي، وحماسة البحتري، وترجم فصولًا من التمدن الإسلامي لجورجي زيدان.
7-
نيكلسون: وهو كذلك من أشهر المستشرقين وأبعدهم صيتًا، ولا سيما في أبحاثه عن التصوف الإسلامي، وله في ذلك كتاب في ثمانية مجلدات، ونشر ترجمان الأشواق لابن عربي، وترجم لابن الفارض في المجلة الأسيوية، وفكرة الشخصية في الصوفية، وله كتاب مشهور في تاريخ الأدب العربي، وتوفي نيكلسون من أمد وجيز.
8-
جب Gibb:
وهو من أشهر المسشترقين الإنحليز، وقد درسنا عليه بمدرسة اللغات الشرقية بلندن، وكان عضوًا بمجمع اللغة العربية بمصر، وله عناية فائقة بالأدب الحديث في مصر والشام، ونشرت في مجلة معهد اللغات الشرقية بلندن من سنة 1927-1930، وله كتاب موجز عن تاريخ الأدب العربي، ومن أحدث كتبه وأنفعها كتاب "الميول الحديثة في الإسلام" غير أنه شديد العناية بتركيا وتطورها، وله أبحاث عن الفتوحات العربية في آسيا الوسطى وعلاقتها ببلاد الصين، وصار محررًا لدائرة المعارف الإسلامية، وهو أستاذ بجامعة "هارفرد" بأمريكا، وله خبرة واسعة ببلاد الشرق العربي.
أما المستشرقون الألمان، فقد كان الحافز لهم على الاستشراق في مبدأ الأمر الاشتغال بالمسائل الدينية وترجمة التوراة، فاضطروا إلى دراسة العبرية ثم العربية، وبعد ذلك حفزته عوامل سياسية وتجارية إلى الاهتمام باللغات الشرقية، وإن لم يتهيأ لهم أن يكونوا مستعمرين لهم أملاك واسعة وإمبراطوريات شرقية مترامية الأطراف كالفرنسيين والإنجليز، ومع هذا فقد نبغ منهم عدد أفادوا الدراسات الشرقية والإسلامية فائدة لا تنكر، ومن أشهرهم:
1-
فريتاخ، توفي سنة 1861:
وتعلَّم على دي ساسي في باريس، واشتغل بالتدريس في جامعة "بون"، ومن آثاره ديوان الحماسة لأبي تمام مع شرح التبريزي وبترجمة لاتنية، وأمثال لقمان، وأمثال العرب، وأمثال الميداني بترجمة لاتينية، وفاكهة الخلفاء لابن عربشاه؛ وله معجم عربي لاتيني في أربعة أجزاء، وطَبَعَ معجم البلدان لياقوت مع فهارس قيمة وتذييل.
2-
فلوجل، توفي سنة 1870:
ومن آثاره: نشر كتاب كشف الظنون لحاجي خليفة، مع ترجمة لاتينية في سبعة مجلدات، ودراسة عن الكندي الفيلسوف العربي، ونشر كتاب التعريفات للجرجاني، وأتبعه بدراسة عن ابن عربي، ومدارس العرب النحوية حتى القرن العاشر، ونشر الفهرس لابن النديم كذلك.
3 فليشر، توفي سنة 1888:
مؤسس الجمعية الشرقية الألمانية، وقد نشرت هذه الجمعية كثيرًا من الكتب القيمة؛ مثل: معجم البلدان تصحيح "وستنفلد" وشرح المفصل لابن يعيش، تصحيح "بان"، وكتاب الآثار الباقية للبيروني، تصحيح "سخو".
ومن آثاره: ترجمة ألف ليلة وليلة في تسعة مجلدات، وتفسير القرآن للبيضاوي، وعجائب المخلوقات للقزويني.
4-
وستنفلد، سنة 1899:
ومن آثاره: مختلف القبائل ومؤتلفها، لمحمد بن حبيب، وتاريخ مكة للأزرقي، وأخبار قبط مصر للمقريزي، وجغرافية مصر للقلقشندي، وتاريخ الخلفاء الفاطميين، وتاريخ أطباء العرب، وديوان علقمة الفحل، وكتاب الاشتقاق لابن دريد، ومعجم البلدان لياقوت في جزأين، وآثار البلاد للقزويني، وطبقات الحافظ للذهبي، وغير ذلك من الكتب القيمة، وكلها تدل على نشاط وافر، ورغبة صادقة في خدمة الأدب العربيّ والتاريخ الإسلامي.
5-
نولدكه، توفي سنة 1931:
ومن آثاره: قواعد اللغة العربية، وتقارب اللهجات، وتاريخ القرآن، ودراسة عن المعلقات، وتاريخ عرورة بن الورد، وتاريخ الفرس والعرب، والعرب في عهد الساسانيين، وله مختارات شعرية من العصر الجاهلي والإسلامي الأول، وجمعت مقالاته في مجلد؛ فبلغت خمسائة مقالة.
ولم يقتصر الاستشراق على علماء هذه الدول، بل نرى في معظم البلاد الأوربية وفي أمريكا مستشرقين لهم باعٌ طويلٌ في نشر الكتب وتصحيحها، وترجمة بعضها إلى لغاتها، حتى لو لم يكن لهم مطمع استعماري، أو مقصد تجاري أو تبشيري، ومن هؤلاء المستشرقين:
1-
كراتشوفسكي الروسي1: "ولا يزال حيًّا" وقد عُنِيَ عنايةً خاصةً بالأدب العربي الحديث، وانتدب أستاذًا بجامعة القاهرة، ومن آثاره التي يقال إنها لا تقل عن الثلاثمائة؛ بين مصنف ومترجم ومفسر: الرواية التاريخية في الأدب العربي المعاصر، نشر مخطوطتين مجهولتين عن الجغرافية وعلم الفلك في الحبشة وأسبانيا المسلمة والمتنبي وأبي العلاء، وطبع كتاب البديع لابن المعتز بتفسير وتعليق ومقدمة في ثمانين صفحة.
2-
دوزي الهولاندي، توفي سنة 1883.
ولد بليدن، وهي من أشهر المدن اهتمامًا بنشر الكتب العربية، ومن أشهر مؤلفاته: تاريخ الإسلام في إسبانيا في أربعة أجزاء، بدأه بدرس القبائل العربية في العصر الجاهلي، ثم عهد النبي عليه السلام، ثم عصر الأمويين، وتخلص إلى الأندلس، فأرخها من سنة 711 إلى 1110، وله كتاب "كلام كُتَّاب العرب في دولة العباديين" في ثلاثة أجزاء، ومن أجل آثاره: ملحق المعاجم العربية، ذكر فيه الألفاظ التي لم ترد بها، ويقع في جزأين، ومما نشره تاريخ ابن زبان، وتاريخ المعجب للمراكشي، وجغرافية الإدريسي.
1 راجع ترجمته بالتفصيل إذا شئت في كتب "المستشرقون" لنجيب العقيفي ص132 وما بعدها، وقد اعتمدنا في الكلام عن المستشرقين على هذا الكتاب، وتاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان، وتاريخ الآداب العربية للأب لويس شيخو، وعلى صلاتنا ببعض هؤلاء المستشرقين، ولا سيما المعاصرين منهم.
3-
دي جويه De Goeje المتوفي سنة 1909، وهو هولندي، وقد اشتهر بنشر المؤلفات العربية الهامة بعد تصحيحها وضبطها، فمما نشره: فتوح البلدان للبلاذري، وديوان مسلم بن الوليد، والمكتبة الجغرافية العربية في ثمانية مجلدات، وتاريخ الطبري الكبير في خمسة عشر مجلدًا مع فهارس قيمة، وغريب الحديث لأبي عبد الله القاسم بن سلام "وهو أقدم المخطوطات العربية بأوربا بعد القرآن"، ونشر كذلك رحلة ابن جبير، والمسالك والممالك لابن حوقل، وأحسن التقاسيم للمقدسي البشاري، والأعلاق النفيسة لابن رستة، وجزء من تجارب الأمم لابن مسكويه، وجغرافية الأصطخري، ورسالة حي بن يقظان، والتمدن الإسلامي لجرحي زيدان، وسيرة الرسول عليه السلام لابن هشام، وعشرات الكتب والمخطوطات القيمة.
4-
جولد زيهير المجري، وتوفي سنة 1929:
وهو إسرائيلي تبحر في اللغة العربية، والشريعة الإسلامية، وله فيهما أبحاث تدل على سعة اطلاع، وطول باعٍ، ومن أشهر آثاره: العقيدة الإسلامية في الإسلام، وقد ترجم أخيرًا إلى العربية، وكتاب آداب الجدل عن الشيعة، والفقه العربي، التقية في الإسلام، ونشر كتاب المستظهري في الفضائح الباطنية وفضائح المستظهرية للغزالي، وغير ذلك من الكتب التي تدل على اهتمامه بالعقائد والمذاهب.
وهذا وقد اشتهر في كثير من الدول بعض أفراد المستشرقين مثل: سانتلاتا، ونيلنو، وجويدي الكبيرن وجويدي الابن في إيطاليا1، والبارون كريمر، والدكتور مونر في النمسا، وفنديك، وماكدونالد، وشارلز آدمس في أمريكا، وكريمرسكي في بولندا، وبول كراوس في تشكوسلوفاكيا2، وبركلمن في ألمانيا، وكتابه في تاريخ الأدب العربي من أهم المراجع المعتمدة، ولا سيما تلك الملاحق التي
1 وكل هؤلاء المستشرقين كانت لهم صلات وثيقة بمصر، وقد درسوا في جامعة القاهرة، وفي الجامعة المصرية القديمة، واشتهر سانتلانا بأبحاثه الفلسفية، ونلينو بأبحاثه الفلكية والتصوف، وجويدي الكبير بالأدب والتاريخ واللغة الحبشية والحميرية، وجويدي الابن بأبحاثه في الأدب وفقه اللغة والعقائد والمذاهب الإسلامية.
2 انتدبته الجامعة المصرية للتدريس بها من 1936، حتى انتحاره في سنة 1944، واشتهر بأبحاثه عن الفرق الدينية وتراجم رجاله، وقد اعترف له كثير من المستشرقين بالفضل والدأب.
الملاحق التي يضيفها إليه في كل عام، وقد قام بترجمته زميلنا المرحوم الدكتور عبد الحليم النجار.
أثر المستشرقين:
تفرغ المستشرقون للبحث، ومنحتهم أممهم المال والوقت، وتحت أيديهم المكاتب العامرة بالأبحاث وبالمخطوطات النادرة، وكلهم يعرف عدة لغات عربية وشرقية، فكان من الطبيعيّ أن تتسم آثارهم بسمات التحقيق والمثابرة والاطلاع والموازنة ومراجعة الأصول أو المخطوطات ووضع الفهارس، وغير ذلك مما كان مفقودًا في الكتب العربية.
ولقد مهَّدوا السبيل أمام الباحثين بنشرهم المخطوطات الثمينة في طبعات أنيقة مصححة، مزودة بتعليقات نفيسة، وبفهارس تيسر الاطلاع وتجمع الأشخاص والأماكن، والموضوعات، واشتهروا بتحقيقاتهم اللغوية، وبأبحاثهم في أصول اللغات، وفقه اللغة، والساميات، وباكتشافاتهم الأثرية في بلاد العرب، وقد غيرت هذه الاكتشافات كثيرًا من نظريات التاريخ وحقائقه المتداولة، وامتازت أبحاثهم بحسن العرض، وبالتدقيق العلميّ، وبالنظرات الشاملة، وأهم أثر للمستشرقين يتضح في الكتب العربية التي ألفت على نمط كتبهم، ولا يهولنك هذا، فهم كما ذكرت لك قد أتقنوا طرق البحث في لغتهم، وطبقوها على الدراسات الشرقية التي يضطلعون بها، وعندهم من الوقت والمال ما يمكنهم من حسن الإخراج وجمال الأداء.
إن الدراسات الأدبية وتاريخ الأدب بصورته التي نعرفها اليوم، هي أثر من آثار المستشرقين، وحسنة من حسناتهم؛ ولا تعجب، فالكتب العربية منذ طبقات الشعراء لابن سلام الجمحي، وما أتى بعده من كتب التراجم؛ كمعجم الأدباء لياقوت، ووفيات الأعيان لابن خلكان، لم تبحث في الأسباب والعلل والنتائج والبيئة والظواهر السياسية والاجتماعية، وتفاعل الأديب وعصره، كما نرى اليوم في الدراسات الأدبية، وإنما كان الأديب وحدة منفصلة لا تربطه بغيره روابط.
ومن الكتب التي ظهرت في هذه الحقبة التي نؤرخ لها -أي: أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين- وتجلَّت فيها آثار المستشرقين وطريقة بحثهم، بل وكثير من آرائهم وأحكامهم وأبحاثهم:
1-
كتاب تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان، وقد اعتمد فيه على بروكلمن الألماني في كتابه تاريخ الأدب العربي، ولم يقف بروكلمن عن القرن التاسع عشر، بل أصدر ملاحق عديدة يسجل فيها تطور الآدب العربية في عصرنا هذا، وينقد معظم الأدب الذي تصدره المطبعة العربية ويتتبع الأديب منذ نشأته، ويسجل تطورات أدبه.
2-
كتاب الأدب لويس شيخو في الأدب العربي إبان القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين، وكتابه هذا محاولة أولية لمحاكاة المستشرقين في كتاباتهم، وفيه كثير من طرق البحث القديمة، ويمنك أن تدرك الفرق بين ما يكتب اليوم وما كتبه الأب شيخو منذ ربع قرن.
3-
وتاريخ أدب العرب، لمصطفى صادق الرافعي، وهو من الكتب التي تدل على غزارة علم وسعة اطلاع، وبذل كثير من الجهد، ولكنه لم يبلغ في بعض أحكامه وطريقة عرضه ما بلغته الأبحاث الأدبية بعد، ويعد في الطليعة من الكتب التي ألفت على الطريقة الحديثة، وقد وفق فيه مؤلفه لكثير من اللمحات والأحكام الصائبة، مع أن الرافعي لم يكن يعرف إلّا القليل من اللغات الأجنبية.
4-
وآداب اللغة العربية في العصر العباسي، للشيخ أحمد الإسكندري.
5-
وبلوغ الأرب في أحوال العرب، للسيد محمود شكري الألوسي البغدادي1:
1 صاحب هذا الكتاب السيد محمود شكري الألوسي البغدادي، ولد سنة 1273هـ-1856م، ودرس على الطريقة الأزهرية الكتب اللغوية والدينية، ولكن كتابه هذا يعد للآن كتابًا قويًّا في مادته، يدل على علم صاحبه وقدرته على التأليف، وهو من المراجع القيمة في أحوال عرب الجاهلية، وقد احتل كتابه هذا مكانته اللائقة به في عالم التأليف. ولا يزال حتى اليوم حجة في موضعه، وينتفع به كثير من من طلاب الأدب على الرغم من أن البيئة التي نشأ بها المؤلف كانت متأخرة، هذا وقد توفي السيد محمود شكري الألوسي سنة 1342هـ-1942م ببغداد، وحسبه هذا الكتاب ذكرى طيبة وعملًا صالحًا، راجع تاريخ حياته، وبقية آثاره وأشعاره في أعلام العراق، للسيد محمد بهجت الأثري.
6-
وعلم الأدب لحفني ناصف.
7-
والاشتقاق والتعريب لعبد القادر المغربي.
وكانت هذه الكتب بواكير الدراسات الأدبية التي نحا فيها الكتاب العرب منحى المستشرقين وتأثروا بهم في منهج أبحاثهم، ولكن لم تر الجامعة المصرية القديمة، ولا جامعة القاهرة عقب إنشائها غناءً عن المستشرقين، فأخذت تنتدبهم للقيام بالتدريس فيها، ونشر طرقهم السديدة في البحث بين طلاب الأدب، ولقد ظهر هذا الأثر جليًّا واضحًا في الأبحاث التي تلت ذلك، وما زلنا سائرين في هذا الطريق، نعتمد على أنفسنا مرة، ونستأنس بآرائهم مرةً، والبحوث الأدبية تكثر وتتنوع، ويظهر عليها أثر التحقيق العلمي السليم.
ولعلك تسأل: أترى المستشرقين أعلم منا بلغاتنا وبأصول عقائدنا وفرقنا الدينية، وهل هم معصومون من التعصب والخطأ؟!
في الحق إن كثيرًا من المستشرقين على حظٍّ كبير من العلم والمعرفة، ولكن الأمر الذي يهمنا نحن ليس العلم، وإنما المنهج وطريقة الاستقراء والاستنباط والدرس وتكوين الحكم بعد الموازنات، ومراجعة الأصول والمخطوطات، وكل ما قيل حول الموضوع، ولقد ذكرت لك آنفًا أن مكتبات أوربا تحوي مائتين وخمسين ألف كتاب عربيٍّ بين مخطوط ومطبوع، وهذه الثروة الهائلة حرية أن تتيح لمن يعيش معها، وقد كلفت له أسباب البحث الأخرى أن يتسع اطلاعه ويعمق نظره، ويقرب حكمه من الصواب، فلا بدع إذا كان بعض المستشرقين حجة في أبحاثهم التي تصدوا لها.
أجل! إننا لا نبرئ كثيرًا منهم من التعصب، ولا سيما في المسائل التي تتعلق بالدين والعقيدة والجنس، وهيهات أن يكتب أحد عن الإسلام أو عن العرب دون أن ينزع في كتاباته إلى ما ينم عن تعصبه، وقليل منهم مَن استطاع أن يتجرد من عواطفه ونزعاته حين البحث؛ مثل:"السير توماس أرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام".
أما عن الأدب فلا داعي للتعصب، اللهم ما أشاعوه عن أسطورة العقلية السامية والآرية حين كلامهم عن خلوِّ الأدب العربي من القصة، وتعليلهم لهذا بذلك التعليل السخيف، وهو عقم الخيال العربي وإجدابه1، ولعلك لم تنس الضجة التي أثيرت حول كتاب "في الشعر الجاهلي" للدكتور طه حسين، وما ثبت من أنه تأثر فيه برأي "مرجوليوث" وأخذه آراءه هذا المستشرق قضية لا جدال فيها، فأنكر قصة إبراهيم وإسماعيل، وشك مثله في معظم الشعر الجاهلي2، وقلَّ منهم من خلا من التعصب الديني أو الجنسي.
وللمستشرقين أخطاء كثيرة، يرجع بعضها إلى جهلٍ بالمصلطحات العربية وعدم معرفة معانيها الصحيحة، وتدعوهم إلى استنباطاتٍ فاسدة، فكازانوفا مثلًا يترجم كلمة أمي بشعبيّ، وكازميرسكي يترجم قوله تعالى للملائكة:{اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى} باعبدوا آدم، وأحيانًا يبالغون في التحليل والتعليل والتأويل، ويحاولون أن يجدوا شيئًا لم يوجد قط، فيضلون سواء السبيل، فترى كازانوفا مثلًا عند بحثه في "إخوان الصفا" يقع على نص في رسائلهم، ويجتهد في أن يستنبط منه تاريخ تأليفهم الرسائل بطريقة مضحكة أبعدته عن الصواب كل البعد2.
وعلى الرغم من كل هذا، فأخطاؤهم العلمية قليلة، وهي مغتفرة لهم إذا راعينا أنهم يبحثون في ديانات غيرهم ولغتهم وآدابهم وأخلاقهم، وأخطاؤنا نحن أكثر من أخطائهم وأشنع، ولا نستطيع أن نغمطهم حقهم، وننكر أياديهم على الأدب العربي والأبحاث الإسلامية واللغوية والاجتماعية، ونشرهم مئات الكتب والمخطوطات الثمينة التي أتاحت لنا معرفة ما كان عليه أسلافنا حق المعرفة، إننا لا زلنا نتلقى عنهم الكثير، وسوف نظل كذلك إلى أن يتاح لنا نقل صورة صحيحة من المخطوطات النادرة الموجودة لديهم، ونسخ الكتب القيمة التي تعوزنا في البحث، وإلى أن يتفرغ منا العلماء للبحث الطويل الشاق دون مراعاة الزمان والجهد كما يفعلون، وحينئذ نستطيع أن نجاريهم في مضمارهم، لهم فضل السبق.
1 سنخص القصة بكلمة في هذا الفصل باعتبارها لونًا من ألوان الأدب لم يكن موجودًا لدى العرب.
2 راجع كتاب النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي، تأليف الأستاذ محمد أحمد الغمراوي، ومقدمة الأمير شكيب أرسلان له.
3 راجع "إخوان الصفا" لمؤلف هذا الكتاب، ص68 وما بعدها.