الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن الحب
«الطائف»
…
تلك القرية المسحورة التي سارت ذات يوم (كما تروي الأساطير)(1)، سارت من ربوع الشام بينابيعها وجداولها، وبساتينها ورياضها، وزهرها وثمرها، فطافت حول الكعبة ثم تسلقت الصخور حتى استقرت في أعالي جبل «غزوان» ، وهجعت على سرير من السحاب حالمة بالسهول والأنهار والنعمة والخصب، لتستيقظ مع الفجر فتصنع العظماء والقادة وتقذف بهم إلى الدنيا الواسعة.
* * *
وكانت منازل الطائف كأنها أسراب من العشاق قد تغلغلت في هذه البساتين، لتفيء إلى عزلة سعيدة، تنعم فيها بذكرى اللقاء الماضي وتحلم بلقاء جديد .. وأوى الزرّاع إلى بيوتهم فناموا بين أهليهم كما نام الرعاة إثر نهار حافل بالتجوال الفاتن، في هذه الجبال التي تتفجر صخورها السود بالنبت الأخضر والزهور البرية
(1) راجع ياقوت في «معجم البلدان» .
ذوات الألوان العارية. ولم يبق في المدينة عين ساهرة إلا عينَ سيد غريب (يذكّره هذا الليلُ الساجي وهذا البدرُ المطل بلدَه، فيؤرقه الشوق، فهو يطوف بهذه المرابع ويده على قلبه) وعيوناً أخرى خلال تلك البيوت التي تبدو سُرُجها المضيئة - من بعيد - كلِيلةَ الضوء «ترتجف» من الخجل وهي تضرب بأشعتها تائهة وسط الفضاء، حيث يجلس على العتبات فتيات بائسات يعرضن في استحياءٍ أجساداً قد عرّتها هاتيك المهنة الآثمة، ينتظرن عابراً يسوقه المقدار إليهن فيبعنه اللذة ويطعمنه من لحمهن
…
ليعطيهن دراهم يحملنها إلى أسيادهن الذين يكرِهونهن على البغاء، ولا يكون نصيبهن بعد ذلك إلا أرغفة من الخبز معجونة بالدم والشرف والوحل.
تلك هي سنة قوم لم يتأدبوا بعد بأدب الإسلام!
فلما مال ميزان الليل، وغلبهن التعب، ولم يطرقهن طارق، تسللن إلى بيوتهن فنمن على فرش العار إلى الصباح، ليستقبلن من يقذف به القدر إليهن من الرجال. ولم يبق إلا فتاة صغيرة، تنظر إلى السماء بعينين زرقاوين بلون السماء، تفيضان بالطهر
…
رغم أنهما في وجه بغي، ولها فم صغير حلو ينطق بالصفاء من غير أن تتحرك شفتاه الرقيقتان، وكأن هذا الفم وردة من ورد الجنائن، غير أنها لا تذوي ولا تذبل، وأنها من لحم ودم. وكانت من بنات الروم؛ فما تحترف عربية حرفة الخنا. وكان لها شعر أشقر متموج يبرق تحت أشعة القمر كبريق الذهب، وجسم أبيض لدن له لون العاج، ولين الحرير، وسحر الحب، وفعل الخمر
…
فهي وردة نمت في غير أرضها، فازدادت - بِنُدرتها - جمالاً إلى جمالها.
وكان مكان هذه الفتاة بين ذراعَي أم تحنو عليها أو زوج يحميها، يكتم سر هذا الجمال أن يفشو ويستعلن وتعبث بقدسيته العيون السارقة والأيدي المجرمة .. ولكنّ مَن بيده أمرها لم يرَ لها إلا هذا المكان الذي تنتهبها فيه العيون وتعبث بها فيه الأيدي وتفترسها فيه سباع البشر. أفرأيت الزهرة اليانعة تلقى بين ألسنة اللهيب، والحَمَل الضعيف يرمى بين أنياب الذئاب؟ كذلك كانت هذه الفتاة وقد قذفت بها الحياة بين ذراعي كل وَبْش (1) فظ غليظ من ذئاب الناس وكلابهم. هي زهرة ولكن الرياح العاتية قطفتها من غصنها ثم ألقتها بين الأشواك البرية لتجف عليها وتذوي، وهي وردة ولكن النهر الجياش اختطفها من منبتها ثم رمى بها في الحقل لتموت تحت أرجل البهائم والأناسي.
لبثت هذه الفتاة جالسة تطارد النوم الذي يعبث بعينيها الناعستين من غير نعاس، تأمل أن تجد امرءاً يدفع إليها المال الذي فرضه عليها سيدها حين أرادها على هذه الحياة الداعرة، فنزلت على إرادته وجعلت جسدها مائدة لكل جائع. وهل تستطيع له دفعاً وهي أمَته وملك يمينه، حملها من وطنها البعيد فنهل من كأس جمالها حتى شبع وروي، فوضع الكأس على حافة السبيل تلغ فيها الكلاب؟ إنه يصرفها كما يصرف دابته، ويصنع بها ما يصنع بثوبه، يلبسه أو يرميه في الطريق أو يهديه إلى صديق أو يرضى له التخريق والتمزيق. وذكرت عرضها الذي مزقته مطامع سيدها، وجسدها الذي أبلته وحشية الرجال طلاب اللذة من كل شكل
(1) الوَبْش: واحد الأوباش من الناس؛ وهم الأخلاط والسفلة (مجاهد).
ولون، فانطلقت تبكي، وذهبت هائمة على وجهها حتى ابتعدت عن هذه البيوت، وإذا هي بشبح يسير في شعاع القمر متشحاً بثوب أسود لا يبين منه شيء، فظنته من رجالها ومشت إليه، فلما رآها ارتاع وارتد، وعجب أن يرى فتاة صغيرة كأنما هي حوراء من حور الجنان تسير تحت ذوائب الليل، وسألها: ما لك أيها الفتاة؟
- ما لي؟ ماذا ترى فيّ؟
فلم يجب وجعل يحدق فيها تحديقاً شديداً مأخوذاً بجمالها، وهي تنظر متعجبة، لأنها كانت من السذاجة والصفاء بحيث لا تدري جمالها وفتنتها، ولأنها لم تجد من الرجال من يرفع عينيه إلى وجهها، وإنما وجدتهم جميعاً يخفضون عيونهم إلى غير الوجه. فما بال هذا الرجل؟
ومرت دقائق حسبها كل منهما دهراً طويلاً، ثم قال لها بصوت حلو رقيق (وقد أشفق عليها أن تنال برودةُ الليل من هذا الجسم اللدن الناعم الذي خُلق لينعم بدفء الحب): لِمَ لا تدخلين إلى دارك؟
فأجابته هذا الجواب الذي ألِفَته حتى ما تفكر في معناه، ولا تدري منه إلا أنه واجب عليها يجب أن تؤديه كآلة جامدة: بعشرة دراهم
…
هل تدخل؟
ووثبت بين يديه تسعى إلى الدار بخفة ظبي أفلت من شبكة الصياد، وتبعها حزيناً متألماً، يفكر في هذا الجمال كيف تعلق به الأرجاس، ويأسى لها ويتمنى لو استطاع أن يسمو بها إلى أفق
الطهر والعفاف. حتى بلغت الدار فدخلت ودعته إلى الدخول، ثم أغلقت الباب ووقفت بين يديه تنظر ما يريد.
يا لهذه المسكينة التي عاشت وسط الرجس، ولكن قلبها ظل نقياً طاهراً لأن الخطيئة لم تصل إليه. فلم يُبدِ الرجل حراكاً، فجعلت تنظر إليه حائرة وقد بدأت تخشاه وتظن به الظنون. ما له لا يصنع ما يصنع سائر الرجال، يأخذونها عارية كشعاع القمر، فيعبثون بها ويسخّرونها للذّاتهم كأنما هي أداة لا تعقل ولا تشعر، ثم يلقونها كما يلقي المرء برتقالة امتصّها حتى لم يدع فيها إلا قشرة خالية من الماء.
ما له لا يفعل شيئاً من هذا؟ إنه ينزع ثوبه فيلقيه عليها يحفظها من برودة الليل، فيبدو من ورائه شبابه وجماله وثيابه الغالية، ثم يأخذها برفق ويجلسها على ركبتيه، وينطلق يسائلها عن أصلها ومنبتها، ويلقي في أذنيها من أحاديث الحب ما لم تسمع مثله من قبل، فيحيي في نفسها الطهر والفضيلة، ويغسلها من أدران هذه الحياة الداعرة فتحس كأن جناحيها اللذين حطمتهما يد الأيام قد نبتا من جديد، وتحس بأن هذا السيد الذي هبط عليها هذه الليلة هبوط ملك الرحمة يطير بها في آفاق طال عهدها بفراقها، آفاق واسعة كلها نور وعطر. وتذوق المرة الأولى لذة العاطفة التي تمتزج بها النفسان وتتحدان، وتعرف حرارة الصدر المحب وحلاوة العناق اللذ (1).
(1) قال في اللسان: اللذّ واللذيذ يجريان مجرى واحداً في النعت. قال: ومنه قوله تعالى: {من خمر لَذّةٍ للشاربين} ، أي لذيذة (مجاهد).
ولما خرجت تشيعه كان الليل قد تصرّم وبدت طلائع الفجر من وراء الصخور، تغسل الأرض بالنور بعد أن خلعت عنها رداء الظلام. فوقفت الفتاة تنظر إليه وقد أحست بأن هذا الحب قد نقّاها من رجسها، وأن الفجر قد سطع على قلبها فبدد ظلماته. وتنبهت في نفسها ذكريات ماض بعيد حسبته قد مات منذ زمن طويل فإذا هو حي قد أكسبه الحب يقظة وقوة، وطفقت صور هذا الماضي تتدفق على نفس الفتاة فتبصر صباها الطاهر كثلج الصباح وحياتها في تلك الخمائل البعيدة من وطنها النائي كفراشة تطير خلال الورد
…
ولكنها لا تتبين هذه الصور ولا ترى منها إلا خيالات ضعيفة. لقد مشت عليها السنون فمحتها بأقدامها
…
ثم تفكر في حياتها الحاضرة التي تخوض حمأتها الدنسة، وتعرض لها صور هذه الأجساد البشعة القذرة التي مست جسدها وعانقته وقبست منه لذتها، فيعروها ارتجاف شديد، وتواري وجهها بكفيها حياءً وخجلاً
…
ثم تذكر هذا الحب الذي مس قلبها بكهربائه فأضاءه وزكّاه، فتعتزم التوبة لتصل ماضيها البعيد بمستقبلها الذي طهره هذا الحب الوليد.
* * *
وبزغت الشمس ولم يغمض للفتاة جفن، فدخلت منزلها تستريح، وإذا هي برجل يدخل عليها يبتغي أن تمنحه اللذة. فتتأمل في وجهه فإذا هو بكر الثقفي، أشد شباب الطائف وأقواهم. فيرعبها مشهده، ويروعها كأنما هي عذراء لم تفارق خدر أمها، فتبتعد عنه مضطربة، فيعجبه ذلك منها ويظن أنها تداعبه، فيبالغ في الاقتراب منها ويأخذ بيدها، فتحس لملمسه كأن حية سوداء قد
التفَّتْ على عنقها، فيقشعر جسمها كله ويقف شعر رأسها وتصرخ به: ابتعد عني! فيضحك الرجل ويكركر من الضحك، ويشد على يدها ليجذبها إليه، فتعود إلى صراخها.
- ما للغزال نافراً هذا اليوم؟ تعالي!
- قلت لك دعني، دعني؛ لست لك.
فيصيح بها ساخراً: لمن أنت إذن أيتها العذراء البَتول؟ ألزوجك؟
ويوغل في الضحك ويضمها إليه، فتلطم وجهه وتوغل في الصراخ، فيغضب الرجل ويقسو عليها.
- ألم تقل لك إنها لا تريدك؟
صوت هادئ متزن جعل بكراً يرسل الفتاة ويلتفت إليه، فيرى سيداً كامل الشباب موفور الرجولة، بثياب غالية تشعر بالسيادة والغنى. وتطمئنّ الفتاة وترى فيه حبيبها ومنقذها، ثم يخالطها الخوف عليه لأنها تعلم أي رجل هو بكر، ذلك الذي لا يقوم له شاب في هذا البلد ولا كهل، وتنتظر نهاية هذا العراك وقد أعدت نفسها للدفاع عن حبيبها.
ويصيح به بكر مغضباً: من أنت أيها الرجل الذي يتجرأ على بكر الثقفي؟
ويرفع يده عليه، ولكن الرجل يغض من يده ويقول له هادئاً: أتحب أن تعرف من أنا؟ اقترب لأخبرك.
ويلقي في أذنه ذلك الاسم الكبير، فتسقط يد بكر على جنبه، ويعتذر لهذا السيد، ثم يخرج يائساً يفتش خلال البيوت عن بنت أخرى تبيعه اللذة. ويأخذ هذا السيد بيد الفتاة إلى دارها التي أعدها لها.
وانعقد الرباط بين قلبيهما الحبيبين، فأصبحت هي حياته لا يعرف الحياة إلا ساعة يكون معها، واختُصرت دنياه كلها فكانت نظرة واحدة في عينها، وملأت نفسه هذه الفتاة التي ظهرت له فجأة كما تظهر الشمس من وراء الجبل فتملأ الوادي نوراً وحياة.
لقد نسي هذا السيد المجد الذي ينتظره في مكة، والمعركة الكبرى التي ترقب فيه قائدها ومديرها.
ذلك هو الحب، أقوى كائن وأعظم مخلوق.
يستطيع الحب أن يمحو من النفس صورة المجد والجاه، والفضيلة والرذيلة، والطموح والحسد، ولكن لا يمحوه شيء. الحب أحجية الوجود. ليس في الناس من لم يعرف الحب، وليس فيهم من عرف ما هو الحب. الحب مشكلة العقل التي لا تحل، ولكنه حقيقة القلب الكبرى.
الحب أضعف مخلوق وأقواه، يختبئ في النظرة الخاطفة من العين الفاتنة، وفي الرجفة الخفيفة من الأغنية الشجية، وفي البسمة المومضة من الثغر الجميل
…
ثم يظهر للوجود عظيماً جباراً فيبني الحياة ويهدمها، ويقيم العروش ويثلّها، ويفعل في الدنيا الأفاعيل.
* * *
كانا يلتقيان دائماً فيتحدثان عن ماضيهما وحاضرهما، ويكشف لها من أسرار قلبه مثلما تكشف له من أسرار قلبها، فكان هذا التكاشف طريق الوحدة والفناء في الحب؛ حتى إذا لم يبق لأحدهما سر يكتمه عن الآخر، لم يبق له «أنا» ينفرد بها عنه.
لقد طهرها حبه، وصهر ماضيها الملوث فأحاله بنار الهوى جوهراً خالصاً، ورفعها من الحضيض الضيق الذي كانت تتقلب في ظلماته إلى سماء عالية رحيبة. وليس كالحب (إذا لم يكن في حرام) مطهراً للنفوس، ومصلحاً للأمم، وحافزاً إلى الفضيلة.
لولا الحب ما أشرقت الشمس وغمرت الأرض بنور ربها ولا منحتها الدفء والحياة. ولولا الحب ما التفّ الغصن على الغصن في الغابة النائية، ولا عطفت الظبية على الطلا في الكِناس (1) البعيد، ولا حنا الجبل على الجبل في الوادي المتعزل، ولا أمد الينبوع الجدول الساعي نحو البحر. ولولا الحب ما بكى الغمام لجدب الأرض، ولا ضحكت الأرض بزهر الربيع، ولا كانت الحياة.
كانا يخرجان كل غداة حين تبسم الشمس بسمتها الأولى، فيجلسان على هذه الصخرة المنفردة المطلّة على البساتين القريبة والقفار البعيدة، فيشاركان العصافير غناءها، والورد ضحكه، والنسيم همسه، والنور طهره وصفاءه. فيتحدثان ويتناغيان كحمامتين ضمهما وكر، وهما ينظران إلى الرعاة يسوقون أغنامهم
(1) الطَّلا هو ولد الظبية، والكِناَس مأوى الظبي بين الشجر (مجاهد).
نحو السفوح العاشبة، يغنون أغانيهم الساحرة أو ينفخون في الناي تلك النغمة الفاتنة التي يتوارثها الرعاة جيلاً عن جيل فلا يفقدها التكرار حلاوتها ولا جمالها. فإذا انبسطت الشمس وتصرمت الظلال أويا إلى الدار فعاشا روحاً واحدة في جسمين
…
ثم إذا وقفت الشمس للوداع خرجا مرة أخرى إلى الصخرة يودعان الشمس، فينظر كل منهما بأربع عيون، ويلقي هامساً في أذنيها أغاريد الحب، فتسمعها بروحها وتجيب عنها بعينيها، حتى تغيب الشمس ويلقي الليل ذوائبه السود على الدنيا، فيعودان.
الحب ربيع الحياة المزهر، ولكن الربيع ينتهي ويأتي الصيف بحرارته، والخريف بشحوبه، والشتاء بزمهريره، ولا بد أن ينتهي الربيع. أيام الحب كأس مترعة بالشراب، ولكن الكأس تفرغ ويحس الإنسان بالظمأ، ولا بد أن تفرغ الكأس.
عاشا في ليالي الحب ما عاش الصيف، فلما بدت طلائع الخريف وغمرت الطائف وصخورها علا صوت الواجب من بطن مكة يدعو هذا السيد، ولم يبق بد من الفراق. إن الحرب تدور هناك وراء هذه السفوح البعيدة، يخوض قومه لظاها، أفيبقى في نجوة من لظى الحرب وهو السيد الشريف والفارس المعلم؟ أيتقلب قومه في غمار المعركة المشتعلة ويتقلب هو في أحضان امرأة يقطف من عينيها السحر ويذوق من فمها الخمر؟ لو أن رجلاً من قريش لم يكن في العير ولا في النفير رضي بهذا الفرار لكان له سبّة الدهر، فكيف بسيد العير وصاحب النفير؟ لم يبق بدٌّ من الفراق، فليمزق قلبه شطرين، فيضع شطراً في هذه الأعالي المخضرّة الساحرة يحلم بالحب ويتجرع الذكريات، ويذهب بالشطر الثاني
إلى ميدان المعركة ليألم في سبيل المجد، وليحمل جرحه الدامي ليأسو جرح بلده، ليضحِّ بالحب في سبيل الواجب (أو ما كان يراه بجاهليته وشركه واجباً).
وتهيأ للوداع.
وعادا يزوران مرابع الهوى ومجالس الحب فيُودعها ذكرياته وقلبه؛ لم يدع بقعة بين صخور «الشفا» المطلة على تهامة ومن وراء تهامة البحر، ومشارف «الهدا» التي تشرف على سفوح غزوان ومن ورائها وادي الأراك وعرفات ومكة إلا زارها، فقعد على صخرة «الهدا» وأخذ فتاته بين ذراعيه، يضمها ويخفي وجهه خلال ثيابها، ويشم عبقها كأنما يريد أن يتزود منها لأيام الفراق. وأُخذت هي بنشوة الحب فجعلت تشد بيدها عليه وتعبث بشعره، وتريح رأسها على رأسه، وتتمنى لو أن هذا الحب يصنع المعجزة التي ينتظرها المحبون أبداً
…
أن يمحو هذه «الأنا» و «الأنت» ويجعل العاشقين شخصاً واحداً كما جعلهما روحاً واحدة. فلما أبطأت المعجزة وأيست منها جعلت ترى - وهي بين ذراعيه - كأن بينهما بعد المشرقين.
وكان عند أقدامهما بستان جميل، قد خالطت خضرته حمرة الشقائق الفاتنة، فرأته يحدّق فيه وفي عينيه دمعة، فراعها ما ترى
…
وانطلقت تسائله، فقال لها: اسمعي يا فتاتي.
قالت: أنا سامعة.
قال: أريد أن تغفري لي.
قالت: وممَّ تستغفرني أيها الحبيب؟
قال: لقد كان حبي وبالاً عليك. لقد كانت حياتك ساجية كليل الطائف، فملأها حبي زمهريراً وبرقاً ورعداً. لقد كانت مثل اللجّة الهادئة، فهاجت فيها الأمواج. لقد أورثتك الألم، والألم حصاد الحبّ، فهل تغفرين لي؟
قالت: أي ألم يا حبيب؟ أنا سعيدة، سعيدة جداً.
قال: ولكن الواجب يدعوني إلى الذهاب. بودي ألاّ أذهب وأن أبقى معك أبداً، ولكن ماذا يصنع الإنسان - يا حبيبتي - إذا حكم القدر؟ أتحبين أن يقال إني فررت من المعركة؟
قالت: وأنا؟
قال: سأعود إليك، أحلف لك أني سأعود.
قالت: وهذا الذي في أحشائي؟
قال: ماذا، ماذا تقولين؟! أأنت حامل؟
قالت: نعم.
قال: آه
…
ابني. واستطاره الفرح فأقبل يضع قبلاته من وجهها وعنقها حيث تبلغ شفتاه. قال: ليتني أبقى حتى أراه؛ ليتني أبقى. هذا ابن الحب.
قالت: ابقَ، ابقَ، أتوسل إليك، ماذا تخشى؟
قال: أخشى العار؛ إنها سبّة الدهر، فدعيني أذهب. سأعود
إليك، أفتنسينني إذا أنا ذهبت؟ أتلقين بنفسك في أحضان غيري؟ لا، لا؛ إنك لن تنسي، إنك ستقومين على تربية ابننا، ستنشئينه على العظمة والمجد ليكون رجلاً يحمل قسطه من إرث أبيه. وإذا سألك عن أبيه فلا تخبريه من هو أبوه. دعيه ينشأ مستقلاً كالزهرة المنبثقة من صخر الجبل، ويعيش حراً كالطائر الذي يغرد على كل غصن. لا تخبريه من هو أبوه، بل أعديه لفهم هذه الحقيقة، حتى إذا صار أهلاً لفهمها، وغدا كفواً لحمل هذا الاسم كنت أنا الذي يخلعه عليه، وإن لم أكن حياً فسأدع له من يخلع عليه اسمي.
* * *
ووقفت الفتاة تنظر إليه وهو ينحدر في هذا الطريق الضيق، الذي يختفي حيناً وراء الصخر ثم يظهر ويوالي سيره نحو الرمال، حتى غاب عن ناظريها، فتلفتت تلقاء البلد فإذا هي تنكره، وإذا هي لا تعرف من هذه الدنيا شيئاً بعد أن غابت عنها دنيا الحب. فخفق قلبها واضطرب، وجعلت تنادي حبيبها وتلح في النداء، وتشير إليه وقد غاب عن ناظريها وراء الأفق البعيد. فلما لم تجد مُجيباً تيقنت أنها لن تلقاه أبداً، فخرّت على وجهها باكية منتحبة.
ولم يبقَ لها من الحياة إلا ذكريات هذا الحب الذي وُلد شاباً قوياً ولكنه مات طفلاً صغيراً، وهذا المال الذي أبقاه لها الحبيب تنفق منه على نفسها وولدها. فكانت تتألم وحيدة كشمعة تشتعل في البهو الخالي، وتقهر نفسَها الأحزانُ فلا تجد من تبثه أحزانها. لم يكن لها إلا الحب، فكانت تعانق طيف حبها في الليل وتسايره في الطريق، وتناجيه في الصباح وتناغيه في المساء، وتصحبه إلى
هذه الأماكن التي عرفت فيها السعادة، ولكنها لا تجد في كل ذلك إلا الألم. إن كلّ ما ترى يذكّرها بالحبيب فيزيدها لوعة، ومتع ليالي السعادة تستحيل إلى آلام.
فيا ليت الإنسان لا يذكر، إذن لما تألم! إن ذكرى اللذة مؤلمة، وذكرى الألم لا تسر .. أوَليس من أكبر النعم على الإنسان أن ينسى! لولا النسيان كانت الحياة لا تطاق.
لقد قوي حبها واشتد، ولكنه استحال من طفل يرقص في شعاع الشمس يلهو بالألاعيب إلى شيخ يائس يتأمل في الظلام. لقد نزع ثوب الفرح الزاهي ولبس ثوب الكآبة القاتم. لقد انحصرت حياتها في أمر واحد هو التفكير في الحبيب الذي أكسبه طول الفكر صورة سحرية بارعة لا يملكها بشر، فكانت تقيس مَن ترى من الرجال بهذه الصورة التي استقرت في خيالها فلا يعجبها رجل ولا تحفله، بل لو أنها نظرت إلى صاحب هذه الصورة بشكله الحقيقي لما أعجبها!
أرادت أن تُغرق غرامها في لجة العبادة، فكانت تؤم معبد قومها في الصباح الباكر فلا تجد في هذه الآلهة المصنوعة من الحجر ما يثير في نفسها الورع والخشوع، وتتمثل لها مطرقة النحّات الذي صنع هذه الآلهة
…
فتعاف عبادتها ولا يروقها منها ما كان يروقها.
ما أشقى المحبين! يمشون كما يمشي الناس، ويأكلون كما يأكلون، ولكنهم يعيشون في دنيا لا يعرفها الناس ولا يصلون إليها. تضيق الدنيا بالمحب إذا جفاه محبوبه حتى ليكاد يختنق فيها على
سعتها، ويجد في العش الضيق الذي يلجأ إليه مع محبوبه دنيا واسعة. ويتألم المحب في اللذائذ إذا لم يذقها معه من يحب، والطبيعة الجميلة سواد في عين المحب قاتم إذا لم تُنِرْها مقلتا المحبوب.
كان عمل الفتاة أن تطوف كل يوم بهذه المنازل التي وُلد فيها حبها ونما، تتفكر وتتذكر وتقبل الأحجار والأشجار، وتسير مع الوهم أحياناً فتظن بأن الحبيب حاضر معها فتهم بعناقه وبثه شكواها، ثم تجدها وحيدة فيَجِبُ (1) قلبها وتشتد خفقاته، وتسقط على وجهها فتبكي وتذوب وحيدة لا يدري بها إلا الله. وكانت تأمل أن يعود فتنظره على الطريق وترقب الدقائق، فإذا تصرّم النهار ولم تره عادت إلى منزلها آيسة محزونة.
وانتفخ بطنها من الحمل، فباتت تحمل أثقال الحب في بطنها وقلبها. وعزفت عن الطعام والمنام، فرقّ جلدها وتهافت جسدها، فلم يعد في طوقها أن تطوف بمناسك حبها ومنازل هواها، فكانت تحيي الليل ساهرة مؤرقة، تناجي النجم وتسائل الليل عن حبيبها، وتخاطبه من وراء الصحراء كأنه معها:
"أين أنت أيها الحبيب؟ هل تنام الساعة آمناً مطمئناً، أم أنت بين ذراعي غيري، قد نسيتني ومحوت من نفسك ذكرى هذه البغي التي طهرتها بحبك ولكنها لوثت شرفك ومجدك بماضيها الدنس؟
(1) وَجَب القلب يَجِبُ وَجيباً: خفق واضطرب ورجف (مجاهد).
لقد كان حبك لي نقياً كماء السماء، أنا الطائر الضعيف الذي حطم الدهر جناحيه فألِفَ حياة الأرض مع الحشرات والهوام، فجئت أنت من السماء لترفعه بجناحيك القويين إلى السماء، فرفعته حتى استطاع أن يحلق فيها، ولكن هذا التراب الذي ظلّ عالقاً به غبّر جناحك أيها الصقر، أفلا تعفو؟
قد قنعت بك من الحياة حتى ما أبالي إذا وجدتك ماذا خسرت، ولكن بماذا أقنع وقد خسرتك أنت؟ أتذكر ساعة جلسنا إلى الصخرة وحيدَين والطير ترتل صلاة المساء، والشمس نائمة على سرير الأفق صفراء كأنها مريضة كاد يختفي رأسها بين الوسائد، ونحن متعانقان، صدري إلى صدرك، وعيناي إلى عينيك، ثم نبهتني إلى مشهد الغروب فطفقنا ننظر إليه مشدوهين حتى غبنا في قرارة حلم ممتع من أحلام الحياة.
أتذكر؟ أتذكر مسرانا في هذه الغابة الصغيرة الملتفة وقد خلونا فيها وحدنا وتركنا الدنيا بضجتها وصخبها، نمشي وحيدين ليس معنا إلا الحب الذي يربط بين قلبينا، نتلفّت حولنا فلا نرى إلا جذوع الأشجار المتعانقة تتسلل من كل جهة حتى يضل البصر طريقه خلالها، وأغصانها متشابكة من فوقنا كأنها سقف مرفوع
…
لم أكن أشعر بالوحدة لأنك معي، وهل كنت أبتغي من دنياي أكثر من ذلك؟ حسبي أنت من الدنيا. أتذكر ذلك؟
أتذكر تلك الشجرة المنعزلة الوحيدة التي كان لها في تاريخ حبي أجمل الآثار، أما أنا فساهرة أذكرها وأفكر فيها!
لماذا أذقتني لذة الحب؟ لقد كنت راضية بالحياة مطمئنة
إليها، أعيش في الظلام. فلما عرفت الحب عرفت النور والسمو وعلمت ما هي اللذة، فلا أنا أجد الآن النور ولا أنا أطيق الرجوع إلى الظلام".
* * *
ولست أستطيع أن أعيد كل ما قالت لأنه مكتوب في كل قصة غرام. وهل الغرام إلا قصة واحدة تتكرر أبداً ولا يمل البشر تمثيلها؟ وهل تمر ليلة على بلد فلا ترى في أحشائه عاشقاً مدنفاً يسهر ويتألم، بينا ينام الناس آمنين، لا يرحمون المحبين لأن الحب شيء لا يدري به إلا المحبون!
ولبثت الفتاة على عذابها، حتى أحست بالجنين يتحرك في بطنها
…
فذهبت تحمل وحدها عواقب هذه اللذة التي شاطرها متعتها الرجل.
* * *
واستهل الوليد جميلاً كالزهر، حلواً كالأمل، نقياً كثلج الربا، تبدو في عينيه كبرياء أبيه وجمال أمه، كما يبدو خيال السماء الصافية في البحيرة الساكنة، فتمتلئان بهما كما يمتلئ الجدول بمياه الينبوع الصافي، ويترددان فيهما كما يتردد صدى أنشودة الراعي في مسارب الوادي العميق. فضمته إلى صدرها الفياض بالحب، ونذرت له حبها وحياتها، وعزمت أن تكون له أماً لأنه ابنها، وأن تكون له أباً لأنه ابن حبيبها الغائب، وأن تنشئه على العزة والمجد
والسيادة، نزولاً عند إرادة الرجل الذي أحبت ورجاء أن يحمل هذا الوليد اسم أبيه الكبير.
وتكامل مثلما يتكامل القمر في أوائل الشهر فلم يلبث أن صار بدراً في كل عين، ونما مثلما ينمو الغصن الغض في خمائل الروض، يرتفع في الربيع ليدرك نيسان ويستمتع بجماله ويزينه بورده، فلم يلبث أن ملأ بعطره كل أنف. ويتزايد كأنه أغنية محب بدأها همساً في جوف الليل ثم استطال بها صوته حتى ملأ الفضاء، فلم تلبث أن صارت على كل لسان. ويقوى كأنه الحب ينبثق في القلب، فلم يلبث أن صار حباً مستقراً في كل قلب.
كذلك أصبح هذا الغلام.
كان ملء العيون والأفئدة، تمر السنون فلا تزيده إلا ذكاءً ونبوغاً. وكان سعيداً ينعم بحب أمه ومالها، ولكن أمراً واحداً كان ينغص عليه هذه السعادة ويؤلمه أشد الألم؛ ذلك أنه لا يعرف من هو أبوه. وكثيراً ما سأل أمه وأطال عليها المسألة ولوّن لها الأساليب، فكان يمنعها من أن تخبره إرادة أبيه، فتظل معتصمة بالصمت. وكثيراً ما أمضى الساعات ساهماً واجماً يفكر فلا يهتدي.
فأزمع أن يكون بفعاله أباً لنفسه، وأن ينزل من هذه الجبال فيغامر في الشرف المروم.
* * *
ظل ذلك السيد القرشي يفكر في الفتاة ويصلها بالمال،
ويتعرف أخبار ابنه ويقوّم سبيله، ولكنه انصرف عن الحب ولم يعد له في حياته مكان. إن على عاتقه عبءاً ضخماً؛ إنه يقود إحدى الفئتين في أعظم معركة عرفها تاريخ الإنسان من يوم هبط آدم من الجنة إلى يوم تقوم الساعة
…
المعركة بين الحق والباطل، بين الحرية والاستعباد، بين المستقبل المنتظَر والماضي الذميم، بين الحضارة والبداوة
…
وكان هو قائد الفئة المدافعة عن الباطل، فجال الباطل جولة ثم اضمحل، فإذا النور الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يضيء الجزيرة، ثم يخرج إلى الشام والعراق فترفرف عليها رايات محمد ظافرة منصورة، وإذا هذا السيد القرشي جندي صغير في جيش محمد!
ذلك أن مقاييس العظمة قد تبدلت، وأن الدين الجديد لا يعتمد على النسب ولكن على المزايا، ولا يعرف قانون الطبقات بل قانون الكفايات. فهبط أبو سفيان حتى صار جندياً، وارتفع هذا الرجل الذي لا يملك نسباً في هاشم ولا أمية وليس له جدود من مخزوم، ارتفع عمر حتى صار أمير المؤمنين ووارث كسرى وقيصر.
تبدلت الدنيا كلها، فإذا الدعوة التي كانت تكافح لتغلب مكة وأهلها قد ملكت الجزيرة كلها وغدت في حرب مع الأعداء الذين سرقوا حرية الشعوب وعبثوا بتراث الإنسانية.
وإذا القرية التي كانت منقطعة وراء الرمال قد صارت منذ هبطها محمد قصبة الأرض، ووارثة المدائن سلطانها، وشريكة القسطنطينية في بلادها.
وإذا هذا المسجد الصغير المبني من الحجارة والطين وسعف النخل يغلب الإيوان العظيم بشرفاته ودعائمه، وقصر الشالسيه بزخارفه ونقوشه وقبابه وأبراجه، ويصير ندوة الدنيا ومدرسة العالم.
ففي ذات مساء دُعي الناس إلى الاجتماع في هذا المسجد (وكان المسجد دار السياسة، كما كان دار العلم والعبادة)، فتوافدوا عليه من كل صوب، فلما اجتمعوا قام أمير المؤمنين فبشر الناس بفتح جديد، وقدّم إليهم شاباً لم يروه من قبل يُدعى زياداً، ليصف لهم هذا الفتح الذي جاء بخبره. واستشرف الناس ونظروا إليه، فلما أبصره أبو سفيان - وكان في أصل المنبر إلى جانب علي - خفق قلبه واضطرب
…
إنه ابنه زياد، ابن الحبّ! وحبس أنفاسه ليصغي إليه وقد خاف عليه الفضيحة، فإذا الفتى الجميل الوسيم يخطب خطبة يملك بها الألباب ويستهوي القلوب.
"فلا يتمالك نفسَه أبو سفيان أن يقول لعلي: أيعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ فيقول: نعم. قال: أما إنه ابن عمك. قال: وكيف ذلك؟ قال: أنا قذفته في رحم أمه سمية. قال: فما يمنعك أن تدّعيه؟ قال: أخشى هذا القاعد على المنبر (يريد عمر بن الخطاب) "(1).
* * *
وذهب أبو سفيان يلقى معاوية، وقد استيقظت في نفسه
(1) بين الأقواس جمل من التاريخ هي أصل هذه القصة.
ذكريات حبه القديم، وطفق ينظر من وراء خمسة وعشرين عاماً إلى تلك الفتاة التي أذاقته السعادة، ونازعته نفسه إلى الاعتراف بابنها علناً ثم ثناه أنه لم يحن الوقت بعد، فليتربص ولينتظر. ولكنه شيخ كبير هو هامة اليوم أو غد، فمن هو الذي يحمّله هذا السر الذي يضيق به صدره؟ ليس له إلا صدر معاوية، «كسرى العرب» .
ودعا معاوية فقال له:
"اسمع يا معاوية. أتعرف الفاكه بن المغيرة؟ لقد كان هذا الرجل زوجَ أمك هند بنت عتبة بن ربيعة، التي جمع الله لها كبر النفس وشرف الوالد، فلم يقوَ على حفظ هذه الأمانة. واختلفا، وتحاكما إلى بعض كهّان اليمن.
وجزعت أمك وخافت، فقال لها أبوها عتبة: إنى أرى ما حل بك من تنكّر الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك. قالت: لا والله يا أبتاه، ما ذاك لمكروه، ولكني أعرف أنكم تأتون بشراً يخطئ ويصيب ولا آمنه أن يَسِمني ميسماً يكون عليّ سُبَّة.
قال: إني سوف أختبره لك. وخبأ له خبيئة فعرفها، ثم قدموا إليه أمك في نسوة، فجعل يدنو من إحداهن فيضرب بيده على كتفها ويقول: انهضي، حتى دنا من أمك، فقال لها: انهضي غير متهَمة ولا جانية، وستلدين ملكاً يقال له:«معاوية» . فنهض إليها الفاكه فأخذ بيدها، فنترت يده وقالت: إليك عني؛ فوالله لأحرصنّ على أن يكون ذلك الملك من غيرك" (1).
(1) بين الأقواس هو ما جاء في الأسطورة التي روتها كتب التاريخ.
فكانت امرأتي وكنت ابني. فإذا صحّت بشارة الكاهن وجاء يوم تحقيقها فاعلم أن لك شريكاً في ذلك الملك.
في ذلك اليوم تسمع صوت أبي سفيان، أبيك، الذي يستصرخك من أعماق قلبك لترفع ابنه الذي انبثق من قلبه وحبه، وتخلع عليه اسمه، وتمنحه حقه من إرث أبيك وإرث أسرتك الماجد.
أتعرف من هو ذلك الأخ؟
هو الرجل الذي خطب على منبر المدينة بين يدي عمر مخبراً بالفتح؛ إنه «زياد بن أبي سفيان» .
* * *