الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سقطات العلماء مما نهينا عنه، واكتفى برد الفرية عند من كان يعرفها، وبذلك حال بين إشاعة ما يدل على الاعتماد بالعقائد والأحكام على الأحلام والأقوال غير الصحيحة مما يفعله البعض، فلو أدرك ذلك الذين استغلوا التعليق، وعملوا بموجبه لكان خيرًا لهم».
سادسًا: قال عقب ما سبق:
«وقد أفاد قولهم هذا: «أن الفقه الحنفي ونحوه» ليس من شرعنا وليس من الكتاب والسنة». فأقول: هذا تكرار لقوله المتقدم: «وأخرجوها عن دائرة شرعنا
…
» وقد سبق بيان ما فيه من الكذب والتضليل والصواب الذي نعتقده حول المذاهب وهل يقال هي من الشرع مطلقًا أم لا فلا داعي للإعادة.
سؤال إلى «أبو غدة» فهل يجيب
؟
ولكني أريد أن أسأل هذا المتعصب الذي يحاول أن يصطاد في الماء العكر: مفهوم كلامك هذا
…
-ومفاهيم الكتب معتبرة عند الحنفية- أن الفقه الحنفي هو كله من الكتاب والسنة فهل تقول بهذا؟ ! فإن أجبت بالنفي فقد صرت إلى قولي فما الذي تنكره علي؟ !
وإن أجبت بالإيجاب، فقد كشفت عن ضلالك وتناقضك!
أما الضلال، فهو أن في المذهب الحنفي -كغيره من المذاهب- كثيرًا من المسائل المخالفة لأدلة الكتاب والسنة كما سبق بيانه ودعمه بكلام ابن دقيق العيد، فإذا قلت: إنها من الكتاب والسنة فقد نسبت الاختلاف والتناقض والخطأ إلى الشريعة والله عز وجل يقول {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ
لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وليس وراء ذلك الضلال ضلال. وأما التناقض فهو أنك اعترفت في «كلماتك» (ص 44) بأن في «كل مذهب الفروع الشواذ مما لا يعمل به» . فكيف يقال: إن الفقه الحنفي كله من شرعنا وفيه الشواذ التي لا يعمل بها؟ ! فهل ينطق بمثل هذا إلا مغفل لا يدري ما يخرج من فيه، ثم هو لا يكتفي بهذه الحماقة حتى يضم إليها أخرى فينكر على من ينكر أن يكون كل ما في الفقه الحنفي من الشرع الإسلامي!
أقول هذا، وأنا لا أستبعد على مثل هذا الأنوك (1) أن يجمع بين النقيضين في ذهنه، فهو تارة يتكلم بما هو الصواب كمثل اعترافه بوجود فروع شواذ في المذهب الحنفي لا يعمل بها، وتارة يقول بما يذكرنا بالضلالة الكبرى التي تقول:«كل مجتهد مصيب» وأن المذاهب على ما بينها من اختلاف واسع كشرائع متعددة لا حرج على المسلم أن يأخذ من أيها ما شاء ويدع ما شاء إذ الكل شرع (2) فإنه علق على قول الشيخ القاري في «فتح باب العناية» (1/ 261):
«ويصلى على ثوب بطانته نجسة عند محمد، وعند أبي يوسف لا يجوز» . ثم نقل عن حاشية ابن عابدين أنه قال: وظاهر «البدائع» ترجيح قول محمد، وهو الأشبه ورجح في «الحاشية» قول «أبي يوسف» قال أبو غدة:
«فالقولان مرجحان يسوغ العمل بكل منهما» !
أليس هذا يدل على أن أبا غدة يرى أن الأقوال
(1) هو الأحمق.
(2)
انظر «صفة الصلاة» ص 44 - 49.
المتناقضة -وما أكثرها في مذهبه- كلها شرع يجوز العمل بما شئت منها؟ وقد يقول قائل: لعل هذا خاص بما كان من الاختلاف في المذهب الحنفي فقط! فأقول: كلا، فقد رأيته رجح مذهب الإمام مالك في جواز قراءة القرآن ومس المصحف للحائض والنفساء للتعلم والتعليم وجواز قراءة الجنب ما الشأن أن يتعوذ به كآية الكرسي وسورة الإخلاص وسورتي المعوذتين عند خوف أو نوم
…
إلخ ما صرح بتجويزه خلافًا لمذهبه الحنفي الذي لا يجيز ذلك. وختم كلامه بقوله:
فأقول: ولكن في مذهبك الحنفي -الذي تدين الله به- خلاف ما ذكرت من السماحة والتيسير وهو باعترافك (ص 40) ليس شيئًا غير الشريعة الإسلامية التي هي الكتاب والسنة فهل الإسلام عندك دينان، أحدهما يسر، والآخر عسر؟ ! فاعتبروا يا أولي الأبصار.
والآن وبعد هذا البيان وقبل الانتقال إلى الرد عليه في
(1) من تعليقه على «فتح باب العناية» (1/ 218) وأقول: لو أن أحدًا من السلفيين اختار مثل هذا القول المخالف لمذهبه لصاح أبو غدة وانتفخت أوداجه حمية لمذهبه وطعنًا في أنصار السنة لاجتهادهم ومخالفتهم لمذهبهم، وقد ذكرنا فيما سبق طعنه في خطبة الجمعة فيهم لمثل هذه المخالفة، وأما هو إذا اجتهد فخالف فيجوز. إذن يجوز له ما لا يجوز لغيره! أليس هذا مما يؤكد وصفنا السابق إياه بأنه يزن بميزانين ويكيل بكيلين؟
آخر ما تلفظ به من الزور والجهل أريد أن أسأل المتعصب الجائر عن رأيه فيما يأتي:
1 -
نحن نعتقد أن عيسى حين ينزل يحكم بالكتاب والسنة، وليس بمذهب من المذاهب الأربعة، فهل تعتقد أنت ذلك معنا، أم تعتقد العكس الذي رددنا عليه في تعليقنا الموجز؟
2 -
نحن نعتقد أن في كل مذهب من المذاهب صوابًا وخطأ، وليس هناك مذهب معصوم عن الخطأ، فهل تعتقد أنت هذا معنا، أم تقول:
مذهبك الحنفي صواب كله، ومذهب غيرك خطأ كله، فإن قلت في كل من السؤالين بما يوافق ما عندنا، فقد ظهر للقراء أن ردك علينا إنما هو مجادلة بالباطل واصطياد في الماء العكر حقدًا وحسدًا وتقربًا إلى العامة الذين يظنون بسبب أمثالك أن المذهبي هو الأحق بالاتباع، وأن الحق* يتعدد وفي كل ذلك يقولون:«وكلهم من رسول الله ملتمس» . وإن كان جوابك على خلاف اعتقادنا، فأنت حينئذ مع ضلالك متناقض كما سبق بيانه. فنسأل الله الهداية إلى الحق والخلق الكريم!
وأزيد الآن فأقول: قال أبو غدة في تعليقه على «التصريح بما تواتر في نزول المسيح» (ص 58):
«وقال العلامة الآلوسي في تفسيره:
«ثم إن عيسى عليه السلام حين ينزل باق على نبوته السابقة لم يعزل عنها بحال، لكنه لا يتعبد بها لنسخها في حقه وحق غيره. وتكليفه بأحكام هذه الشريعة أصلًا وفرعًا، فلا يكون إليه عليه السلام وحي ولا نصب أحكام، بل يكون
* (بسبب أمثالك أن المذهبي هو الأحق بالاتباع، وأن الحق) سقطت من الطبعة الثانية، واستدركتها من الطبعة الأولى للكتاب. [معد الكتاب للمكتبة الشاملة]
خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاكمًا من حكام ملته بين أمته بما علم في السماء قبل نزوله من شريعته عليه الصلاة والسلام كما في بعض الآثار».
نقل هذا أبو غدة وأقره ولم يتعقبه بشيء مما يدل بمجموعه على أنه قد ارتضاه لنفسه مذهبًا، وعليه أليس معنى ذلك أن عيسى عليه الصلاة والسلام لا يحكم بالمذهب الحنفي ولا بغيره، وإنما يحكم بالكتاب والسنة، فما الذي تنقمه منا أشل الله يدك وقطع لسانك؟ !
سابعًا وأخيرًا: قال فُض فُوه (ص 43):
وقد أغرب الشافعية فقالوا: أما لو ستر اللون -أي العورة في الصلاة- (1) ووصف [حجم] الأعضاء فلا بأس كما لو لبس سروالًا ضيقًا».
قالوا: ويستحب أن تصلي المرأة في قميص سابغ وخمار وتتخذ جلبابًا كثيفًا فوق ثيابها ليتجافى عنها، ولا يتبين حجم أعضائها، ذكره الرافعي في شرحه (4/ 92، 105 بشرح المهذب) انتهى كلامهم. ثم علقوا عليه بقولهم بالحرف الواحد:
(1) هذه الزيادة من أبي غدة للبيان والتفسير، والصواب أن يقول:«أي لون العورة في الصلاة» .
«قلت: فعلى رأيهم هذا، يجوز للمرأة اليوم أن تخرج لابسة هذه الثياب الضيقة التي تلتصق بالجسم، وتصفه وصفًا دقيقًا، حتى ليخال من كان بعيدًا عنها أنها عارية! كهذه الجوارب اللحمية التي تصف حجم الساقين والفخذين وتزيدهما جمالًا، بل التبان الذي يصف العضو نفسه!
لو أن امرأة لبست مثل هذا اللباس جاز لها ذلك عندهم لأنها سترت اللون به، ولو أعطت المرأة لونًا أجمل من لونها الطبيعي! فهل يقول بجواز هذا اليوم مسلم؟ ! فهذا من الأدلة الكثيرة على وجوب الاجتهاد وترك التقليد، فهل من مدكر؟ ! » انتهى كلامهم بالحرف».
أقول: هكذا استدل هذا المتعصب الجائر الحاقد الأنوك بهذه الكلمات التي نقلها عني على ما زعمه من الطعن في الأئمة المتبوعين
…
إلخ كلامه الذي قدمه بين يديها (شنشنة نعرفها من أخزم) والمتأمل في صنيعه هذا لا يمكن أن يفهم منه إلا أحد أمرين:
الأول: أنه لا يوافقني على ما ذهب إليه من وجوب كون الثوب الساتر للعورة فضفاضًا واسعًا غير ضيق بحيث يحجم العورة، ويرى تقليدًا منه للشافعية أنه لا بأس من لبس السروال الضيق، وبالتالي يرى ما ألزمتهم به من تجويز هذه الثياب الضيقة التي تلتصق بالجسم، وتصفه .. إلخ لأنها سترت اللون، وهذا ما لا أظنه يذهب إليه إن كان قد بقي لديه ذرة من عقل ودين! فإن كان هذا الذي يعنيه فليفصح به لنرد عليه من مذهبه، إن كان ما يترتب من المفاسد والفتنة من لبس هذه الثياب الضيقة لا يقنعه بخطئه،