الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
التكييف الفقهي للشركة المساهمة والآثار المترتبة على ذلك
تبين لنا في التمهيد أن الشركة المساهمة كما عرفها النظام: شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة، وقابلة للتداول، ولا يسأل فيها الشركاء إلا بقدر أسهمهم، ثم إن النظام ينص على أن الشركة المساهمة يديرها مجلس إدارة تعينه الجمعية العامة كما هو نص المادة (66) من النظام، ونصت المادة (68) على أنه:(يجب أن يكون عضو مجلس الإدارة مالكا لعدد من أسهم الشركة لا يقل قيمتها عن عشرة آلاف ريال)، كما جاء في النظام الطرق التي يتم بها مكافأة أعضاء مجلس الإدارة إذ نصت المادة (74) على أنه:(يجوز أن تكون هذه المكافأة راتبا معينا أو بدل حضور جلسات أو مزايا عينية أو نسبة معينة من الأرباح ويجوز الجمع بين اثنين أو أكثر من هذه المزايا).
وخلاصة هذا كله تقتضي أن الشركة المساهمة عبارة عن رأس مال يقدمه الشركاء، ويديره بعضهم مقابل جزء زائد من الربح، أو أجر معين نظير عملهم، أو مقابل الاثنين معاً، ولا يسأل فيها الشركاء إلا بقدر أسهمهم.
ولما كانت هذه الخصائص مشابهة لخصائص شركة العنان التي يذكرها الفقهاء المتقدمون، فقد خرج بعض العلماء المعاصرين (1) الشركة المساهمة على أنها شركة العنان بناء على التشابه بينهما في بعض الخصائص.
(1) ومنهم د. وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته 4/ 881، ود. عبد العزيز الخياط في كتابه الشركات 2/ 208.
وشركة العنان هي عند الفقهاء: الشركة التي يشترك فيها رجلان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما.
قال ابن قدامة (1): وهي جائزة بالإجماع، وإنما اختلف في بعض شروطها (2).
كما أن الحنابلة ذكروا صورة قريبة جداً لصورة الشركة المساهمة وهي كون أحد الشركاء يعمل في الشركة دون الآخر، حيث جاء في الإنصاف: (فإن اشتركا على أن العمل مع أحدهما في المالين صح، ويكون عنانا ومضاربة
…
فهذه الشركة تجمع شركة ومضاربة، فمن حيث أن كلا منهما يدفع المال تشبه شركة العنان، ومن حيث إن أحدهما يعمل في مال صاحبه في جزء من الربح هي مضاربة. أ. هـ. وهي شركة عنان على الصحيح من المذهب) (3).
وتكييف الشركة المساهمة على أنها شركة عنان هو ما نصت عليه المادة (14) من نظام المحكمة التجارية الصادر عام 1350هـ (4).
ويمكن أن يناقش هذا التخريج بأن التشابه في بعض الخصائص بين الشركة المساهمة، وشركة العنان لا يعني كون الشركة المساهمة شركة عنان لعدة أمور:
أولا: أن هناك فروقاً أساسية بين شركة المساهمة وشركة العنان
(1) هو العلامة الفقيه المجتهد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي، مولده بجماعيل من عمل نابلس سنة إحدى وأربعين وخمسمائة في شعبان، له مصنفات كثيرة من أشهرها: المغني، والكافي والمقنع، والعمدة. توفي وانتقل إلى رحمة الله يوم السبت يوم الفطر، ودفن من الغد سنة عشرين وست مائة. انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 165.
(2)
المغني 7/ 123. وانظر: المبسوط 11/ 152، مواهب الجليل 5/ 135، مغني المحتاج 3/ 224.
(3)
الإنصاف مع الشرح الكبير 14/ 10.
(4)
نظام المحكمة التجارية ص3.
تدل على أن إلحاق الشركة المساهمة بشركة العنان فيه تكلف ظاهر، ومن أهم تلك الفروق المسؤولية المحدودة للشركاء في الشركة المساهمة بينما لم نجد أحداً من الفقهاء قال: بمحدودية المسؤولية في شركة العنان.
ثانيا: أن التشابه بين شركتين في بعض الخصائص قائم حتى في تلك الشركات القديمة، فمن المعلوم أن بعض خصائص شركة العنان مشابهة لخصائص شركة المضاربة، كما أن بعض خصائص شركة المضاربة مشابه لخصائص شركة المفاوضة، ولم يجعل الفقهاء هذه الشركات شركة واحدة، ولم ينزلوا بعض أحكامها على بعض.
ثالثا: أنه لا يعلم دليل شرعي يربط مشروعية الشركات الحديثة بكونها مشابهة للشركات القديمة المذكورة في كتب الفقهاء، بل القاعدة الشرعية تنص على أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه منها، وأما الشركات التي تناولها الفقهاء المتقدمون في كتبهم، فلا تعدو أن تكون عبارة عن الشركات التي كانت سائدة في تلك الأيام، ومعروفة لديهم آنذاك، ولا يعني ذلك حصرا لأنواع الشركات الجائزة والمشروعة في تلك الشركات التي أوسعوها جانب التحقيق والتأصيل (1).
وعلى هذا، فالمنهج السليم في النظر في هذه الشركة هو عرض خصائصها على أدلة الشرع مع استصحاب القاعدة الشرعية المتفق عليها وهي أن الأصل في المعاملات الإباحة بناء على قوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ولما كانت الشركة المساهمة بهذه الصورة لم تخالف نصا شرعيا ولم تتضمن محذوراً شرعياً مجمعاً عليه، فإن التكييف الفقهي الصحيح لها مماثل لتكييف نظام الشركات السعودي (2)، لأنها
(1) انظر: بحث الشركات الحديثة، للدكتور قطب سانو، المنشور في مجلة المجمع الفقهي، العدد (14) 2/ 329.
(2)
نظام الشركات ص20.
شركة حديثة لا مانع منها شرعا، وهذا هو فحوى قرار المجمع الفقهي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بشأن الشركات الحديثة، ومما جاء فيه:
* أولا: التعريف بالشركات الحديثة:
1 -
شركات الأموال: هي الشركات التي تعتمد في تكوينها وتشكيلها على رؤوس أموال الشركاء، بغض النظر عن الشخصية المستقلة لكل مساهم، وتكون أسهمها قابلة للتداول. وتنقسم إلى:
أ- شركة المساهمة: هي الشركة التي يكون رأسمالها مقسما إلى أسهم متساوية قابلة للتداول، ويكون كل شريك فيها مسؤولاً بمقدار حصته في رأس المال
…
كما جاء في القرار:
* ثانيا: الأصل في الشركات الجواز إذا خلت من المحرمات والموانع الشرعية في نشاطاتها، فإن كان أصل نشاطها حراما كالبنوك الربوية أو الشركات التي تتعامل بالمحرمات كالمتاجرة بالمخدرات والأعراض والخنازير في كل أو بعض معاملاتها، فهي شركات محرمة لا يجوز تملك أسهمها ولا المتاجرة بها. كما يتعين أن تخلو من الغرر والجهالة
المفضية للنزاع، وأي من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى بطلان الشركة، أو فسادها في الشريعة .... ) (1).
المطلب الثاني: الآثار المترتبة على ذلك
يترتب على مشروعية الشركة المساهمة أن على الشراء فيها الالتزام بالقواعد النظامية المنظمة لأحكامها ما لم تشتمل تلك القواعد على محذور شرعي، ومن ذلك ما جاء في قرار المجمع الآنف ذكره والذي نص على أن الشركة:( .... يتعين أن تخلو من الغرر والجهالة المفضية للنزاع، وأي من الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى بطلان الشركة أو فسادها في الشريعة .... )(2).
وكذلك من المحذورات الشرعية التي يتعين أن تخلو منها الشركات المساهمة ما جاء في نص القرار أنه: (يحرم على الشركة أن تصدر أسهم تمتع أو أسهم امتياز أو سندات قرض)(3).
ومن الآثار المترتبة على ذلك أيضا أنه (في حالة وقوع خسارة لرأس المال، فإنه يجب أن يتحمل كل شريك حصته من الخسارة بنسبة مساهمته من رأس المال)(4).
ومن الآثار أيضا أن المساهم في الشركة (يملك حصة شائعة من موجوداتها بمقدار ما يملكه من أسهم، وتبقى ملكية الرقبة له إلى أن تنتقل إلى غيره لأي سبب من الأسباب، من تخارج أو غيره)(5).
فكل هذه الآثار ناتجة عن إقرار الشركة المساهمة كما هي عليه في العصر الحديث مع منع كل ما يتعارض مع الشريعة من بعض المعاملات المشتملة عليه، إذ أن ما هو محرم منها ليس من أساسيات الشركة المساهمة ونحن نرى الكثير من الشركات المساهمة القائمة والتي حققت نجاحات كبيرة مع خلوها من تلك المعاملات المحظورة شرعا.
* * * * *
(1) مجلة المجمع عدد (14) 2/ 669.
(2)
مجلة المجمع عدد (14) 2/ 669.
(3)
المرجع السابق ص669.
(4)
المرجع السابق ص669.
(5)
المرجع السابق ص669.