المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني: حكم الاكتتاب - أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة

[حسان السيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌خطة البحث

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولالتعريف بمصطلحات البحث

- ‌المطلب الأول: تعريف الاكتتاب لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشركة لغة واصطلاحاً

- ‌المطلب الثالث: تعريف الشركة المساهمة

- ‌المبحث الثانيتأسيس الشركة المساهمة

- ‌المطلب الأول: إجراءات تأسيس الشركة المساهمة

- ‌المطلب الثاني: رأس مال الشركة المساهمة

- ‌المطلب الثالث: التزامات المؤسسين وحقوقهم

- ‌المطلب الرابع: التزامات المساهمين وحقوقهم

- ‌المطلب الخامس: شروط الاكتتاب في النظام

- ‌المبحث الثالثأنواع الاكتتاب وتكييف كل نوع في النظام

- ‌المطلب الأول: الاكتتاب التأسيسي للشركة

- ‌المطلب الثاني: الاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة

- ‌الفصل الأولالتكييف الفقهي للشركة المساهمة، ولعملية الاكتتاب، والآثار المترتبة على ذلك

- ‌المبحث الأولالتكييف الفقهي للشركة المساهمة والآثار المترتبة على ذلك

- ‌المبحث الثانيالتكييف الفقهي لعملية الاكتتاب والآثار المترتبة على ذلك

- ‌المطلب الأول: التكييف الفقهي لعملية الاكتتاب

- ‌المطلب الثاني: حكم الاكتتاب

- ‌الفصل الثانيإدارة وتسويق عملية الاكتتاب

- ‌المبحث الأولمسؤوليات مدير الاكتتاب

- ‌المبحث الثانيالتكييف الفقهي للعلاقة

- ‌المطلب الأول: إدارة الاكتتاب وعلاقتها بعقد الوساطة المالية (السمسرة)

- ‌المطلب الثاني: أنواع الوساطة المالية في الاكتتاب وهي نوعان

- ‌المبحث الثالثضمان الإصدار

- ‌المطلب الأول: بيان المراد بضمان الإصدار

- ‌المطلب الثاني: التخريجات الشرعية لضمان الإصدار

- ‌الفصل الثالثالاكتتاب باسم شخص آخر

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولاستعمال المكتتب لاسم غيره في الاكتتاب

- ‌المطلب الأول: استعمال الاسم بعوض

- ‌المطلب الثاني: استعمال الاسم بغير عوض

- ‌المطلب الثالث: استعمال الاسم على سبيل المشاركة في الربح

- ‌المبحث الثانيالاكتتاب باسم الزوجة والأولاد

- ‌المطلب الأول: الاكتتاب باسم الزوجة

- ‌المطلب الثاني: الاكتتاب باسم الأولاد

- ‌المبحث الثالثاكتتاب الولي بأسماء القصر الذين تحت ولايته

- ‌المبحث الرابعالتوكيل في الاكتتاب

- ‌الفصل الرابعتمويل الاكتتاب

- ‌المبحث الأولالتمويل بالإقراض

- ‌المطلب الأول: الإقراض بفائدة نسبية على مبلغ القرض

- ‌المطلب الثاني: الإقراض بمقابل مبالغ مقطوعة (الرسوم الإدارية)

- ‌المبحث الثانيالتمويل بالبيع بالآجل

- ‌المطلب الأول: كيفية التمويل بالبيع بالآجل

- ‌المطلب الثاني: حكم التمويل بالبيع بالآجل

- ‌المبحث الثالثالتمويل بالمشاركة

- ‌المطلب الأول: أنواع التمويل بالمشاركة

- ‌المطلب الثاني: حكم التمويل بالمشاركة

- ‌المطلب الثالث: الاعتراضات الواردة على التمويل بالمشاركة

- ‌الفصل الخامسالتخصيص

- ‌المبحث الأولتعريف التخصيص

- ‌المبحث الثانيالتخصيص في النظام

- ‌المبحث الثالثالتكييف الفقهي للتخصيص

- ‌المطلب الأول: التكييف الفقهي لعملية التخصيص

- ‌المطلب الثاني: حكم استثمار أموال الاكتتاب قبل التخصيص

- ‌الفصل السادستداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب

- ‌المبحث الأولتعريف التداول

- ‌المبحث الثانيالتكييف الفقهي للسهم والآثار المترتبة على ذلك

- ‌المطلب الأول: التكييف الفقهي للسهم

- ‌المطلب الثاني: الآثار المترتبة على هذا التكييف

- ‌المبحث الثالثكيفية قبض السهم وأثر ذلك في عملية التداول

- ‌المبحث الرابعحكم تداول أسهم الشركات في مرحلة الاكتتاب

- ‌المطلب الأول: حكم تداول الأسهم قبل طرحها للاكتتاب

- ‌المطلب الثاني: حكم تداول الأسهم بعد الاكتتاب، وقبل التخصيص

- ‌المطلب الثالث: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص، وقبل الإذن بالتداول

- ‌المطلب الرابع: حكم تداول الأسهم بعد التخصيص والإذن بالتداول

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني: حكم الاكتتاب

الناس في هذا العصر إلا العمل بطريق الكتابة لحفظ الحقوق وتوثيقها خاصة في مثل الاكتتاب في الشركات المساهمة، إذ من الصعب حصول الإيجاب والقبول بين ملايين المكتتبين وبين مدير الاكتتاب بغير طريق الكتابة، وقد أصدر المجمع الفقهي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي قرارا بشأن الاكتتاب في صكوك المقارضة وهو مماثل في حقيقته للاكتتاب في أسهم الشركات المساهمة، ومما جاء في ذلك القرار:

(يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار)، وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.

ولابد أن تشتمل نشرة الإصدار على جمع البيانات المطلوبة شرعاً في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار، على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية) (1).

‌المطلب الثاني: حكم الاكتتاب

المسألة الأولى: حكم الاكتتاب من حيث الأصل:

الاكتتاب كما تبين من تكييفه الفقهي هو عقد مشاركة بالنسبة للاكتتاب التأسيسي، وعقد بيع بالنسبة للاكتتاب اللاحق لتأسيس الشركة، والأصل في العقود والبيوع الحل والإباحة كما قال الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ما لم يكن المبيع أو الثمن محرما، أو يتم التعاقد بصورة محرمة شرعا، فإذا كان المبيع والثمن مباحين وتم التعاقد بصورة خالية من المحذورات الشرعية فالعقد جائز ومعتبر شرعا، وعلى

(1) قرارات وتوصيات المجمع ص68.

ص: 51

هذا فإن الأصل في الاكتتاب الإباحة، وقد تطرأ عليه الأحكام الخمسة وفق ما تكون عليه نشاط الشركة المساهمة، وهو ما سنبينه في المسألة الثانية في هذا المطلب.

المسألة الثانية: حكم الاكتتاب بالنظر إلى نشاط الشركة:

الحكم على كل شركة مساهمة بعينها يتطلب من الباحث النظر في نشاط الشركة على وجه التفصيل مما نصت عليه في نظامها إن كانت شركة جديدة، أو مما نصت عليه في نظامها وما تمارسه من أعمال في الواقع إن كانت شركة قائمة.

والشركات المساهمة تنقسم من حيث موافقة نظامها وأنشطتها للشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: شركات نصت في نظامها على أنها لا تمارس إلا الأعمال المباحة شرعاً، ولا تتعامل بالربا إقراضاً أو اقتراضاً، والتزمت بذلك في الواقع إن كانت شركة قائمة، فالاكتتاب في هذه الشركات مباح شرعا بناء على أن الأصل في البيع الإباحة ولم تتضمن هذه الشركات محذوراً شرعياً، فكان حكمها هو حكم الاكتتاب في الأصل.

القسم الثاني: شركات نصت في نظامها على ممارستها للأعمال المحرمة شرعاً أو كانت أغلب أنشطتها في الواقع أنشطة محرمة، مثل البنوك الربوية، ومثل الشركات التي تتاجر في السلع المحرمة كالخمور والملاهي والقمار، فهذه الشركات لا يجوز الاكتتاب فيها مطلقاً لأن الله عز وجل إذا حرم شيئا حرم ثمنه، ولأن الاكتتاب في هذه الشركات من التعاون على الإثم والعدوان، والله جل وعلا يقول:{وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته السابعة ما يلي: (لا خلاف في حرمة الإسهام في

ص: 52

شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا، أو إنتاج المحرمات، أو المتاجرة بها) (1).

القسم الثالث: شركات نصت في نظامها على أنها تمارس أعمالا مباحة شرعا ولم تنص على ممارسة أعمال محرمة شرعا، ولكنها في الواقع تمارس بعض الأعمال المحرمة شرعاً، كأن تقترض بالربا أو تودع بالربا أو تستثمر في استثمارات محرمة لم تنص عليها في نظامها. وقد اختلف أهل العلم في حكم الاكتتاب في هذه الشركات، وقبل أن نستعرض الأقوال يحسن أن نحرر محل النزاع في المسألة فنقول وبالله التوفيق:

عامة أهل العلم لا يختلفون في (2):

1 -

أن الاكتتاب في الشركات التي يغلب عليها المتاجرة في استثمارات محرمة محرم ولا يجوز.

2 -

حرمة الكسب المحرم من الشركات المساهمة ولو كان يسيرا، ووجوب إخراجه من نصيب كل سهم والتخلص منه.

3 -

حرمة مباشرة إجراء العقود المحرمة بالشركة وإثم الموظفين المباشرين لها من أعضاء مجلس الإدارة وغيرهم.

4 -

إن الواجب على كل مساهم في الشركات المساهمة أن يبذل ما يستطيع لمنع الشركة من ممارسة الأنشطة المحرمة، وذلك بالتصويت في الجمعية العمومية للمساهمين بمعارضة هذه الأعمال والمطالبة بإيقافها.

واختلفوا في حكم الاكتتاب والتداول في الشركات المساهمة التي أنشأت لأغراض مباحة ولكنها تقترض قروضاً محرمة أو تستثمر في أنشطة محرمة على النحو الآتي:

(1) قرارات وتوصيات المجمع ص135.

(2)

انظر: الخدمات الاستثمارية، للدكتور الشبيلي 2/ 238، بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص244.

ص: 53

القول الأول: جواز الاكتتاب في هذه الشركات، ويجب على المكتتب إذا استلم أرباحاً من الشركة أن يتحرى مقدار الجزء المحرم من الربح ويتخلص منه دون أن ينتفع به أو يدفع به ضريبة حكومية أو ما شابهها.

وهذا هو قول عدد من الهيئات الشرعية في البنوك وجمع من العلماء المعاصرين (1).

أدلتهم:

استدل أصحاب هذا القول بأدلة متعددة ترجع في مجملها إلى الأدلة التالية:

الدليل الأول: قاعدة يجوز تبعا ما لا يجوز استقلالا:

وهذه القاعدة دل عليها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من باع عبداً له مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع» (2)، فهذا الحديث دل على جواز بيع مال العبد تبعا للعبد دون مراعاة شروط الصرف في البيع، مما يدل على جواز بيع ما يحرم بيعه استقلالا إذا بيع تبعا لما يجوز بيعه (3).

وكذلك دل على هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم: «من باع نخلاً بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع» (4)، ومن المعلوم أن بيع

(1) ومن هذه الهيئات: الهيئة الشرعية لبنك الراجحي، والهيئة الشرعية للبنك الأهلي التجاري، ومن العلماء الشيخ ابن عثيمين، والدكتور نزيه حماد، والقاضي محمد تقي العثماني. انظر: مجلة النور عدد (184) لعام 1421هـ، والشيخ مصطفى الزرقا في كتاب "فتاوى مصطفى الزرقا" ص558، والشيخ ابن منيع في: بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص244.

(2)

رواه البخاري، كتاب المساقاة، باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو نخل، حديث رقم (2205).

(3)

انظر: بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص244.

(4)

رواه البخاري، كتاب الشروط، باب إذا باع نخلا قد أبرت ولم يشترط الثمرة حديث رقم (2515).

ص: 54

الثمرة قبل بدو صلاحها محرم، لكن لما كانت تابعة لأصلها اغتفر فيها ما لم يغتفر لو كانت مستقلة بالعقد.

(وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعا، وليست أصلا مقصودا بالتملك والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة، وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية، أو الاقتراض منها، فهذا العمل بلا شك عمل محرم يأثم فاعله (مجلس الإدارة) لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة، وهو أيضا عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة) (1).

ونوقش هذا الدليل: بأنه قياس مع الفارق، لأن إباحة شراء أسهم شركة تمارس أنشطة محرمة يلزم منه تجويز استمرار ملك الشخص لذلك السهم، وبالتالي استمرار مزاولة الأنشطة المحرمة، وهذا ما لا تدل عليه هذه القاعدة ولا أدلتها المبنية عليها، فإن إباحة تملك مال العبد تبعا له لا يلزم منه إجازة بيع المال بالمال بلا تقابض أو تماثل، وكذلك بيع الثمرة قبل بدو صلاحها تبعا لأصلها لا يلزم منه تجويز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها (2).

الدليل الثاني: الاستدلال بقاعدة: "الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة"(3):

ويدل على هذه القاعدة قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 87]. ومن تطبيقات هذه القاعدة: إباحة بيع العرايا لحاجة عامة الناس للتفكه، فأقيمت الحاجة العامة هنا منزلة الضرورة الخاصة المبيحة للمحرم، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجوز للحاجة

(1) الاستثمار في الأسهم للدكتور علي محيي الدين القره داغي ص82.

(2)

انظر: الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 242.

(3)

بحوث في الاقتصاد للشيخ ابن منيع ص225.

ص: 55

ما لا يجوز بدونها كما جاز بيع العرايا للتمر" (1).

ووجه الاستدلال بهذه القاعدة: "أن حاجة الناس تقتضي الإسهام في هذه الشركات الاستثمارية لاستثمار مدخراتهم فيما لا يستطيعون الاستقلال بالاستثمار فيه، كما أن حاجة الدولة تقتضي توجيه الثروة الشعبية إلى استخدامها فيما يعود على البلاد والعباد بالرفاهية والرخاء، فلو قلنا بمنع بيع الأسهم أو شرائها لأدى ذلك إلى إيقاع أفراد المجتمع في حرج وضيق حينما يجدون أنفسهم عاجزين عن استثمار ما بأيديهم من مدخرات"(2).

ونوقش هذا الاستدلال: بأنه لا يسلم بوجود الحاجة للاستثمار في هذه الأسهم لا بالنسبة للشركات ولا للأفراد، أما الشركات فلا حاجة تجعلها تقترض أو تودع بالربا، فإن الشريعة فيها من صور التمويل والاستثمار المباحة ما يغني عن المعاملات المحرمة، "لاسيما بعد أن استنبط علماء الفقه، والاقتصاد من مسائل الفقه معاملات تسهل على الناس التعامل مع المصارف بحيث يستفيد منها أرباب المشاريع بإقامة مشروعاتهم، وتستفيد منها المصارف بالربح الذي تطمح إلى تحقيقه مثل المضاربة، والشركات الخالية من الربا بأنواعها المتعددة، ومثل السلم والمرابحة"(3).

كما أنه لا يسلم أن منع الناس من بيع هذه الأسهم وشرائها يوقعهم في الحرج والضيق، لأن مجالات الاستثمار المباحة متعددة ومتنوعة، ولا تعد هذه الشركات إلا جزءاً يسيراً من مجالات الاستثمار المختلفة، "ولو فرضنا أن الاستثمار في الأسهم يحقق حاجة ومصلحة

(1) مجموع الفتاوى 29/ 480.

(2)

بحوث في الاقتصاد الإسلامي للشيخ ابن منيع ص230.

(3)

حكم الاشتراك في شركات تودع أو تقرض بفوائد، بحث للدكتور صالح البقمي في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة عدد (21) ص121.

ص: 56

للبلد فما القول في الاستثمار في الأسهم العالمية؟ والتي أصبحت تضارع في نفوذها وسيطرتها سوق الأسهم المحلية" (1).

الدليل الثالث: قياس ملكية الأسهم في الشركات المختلطة على ملكية الرقيق بجامع أن المسؤولية في كل منهما محدودة بمقدار القيمة الكلية (2):

وقد ذكر الفقهاء أنه: "لا ينبغي الإذن لغير المأمون ومتعاطي الربا، فإن فعل وكان يعمل بالربا تصدق السيد بالربح، وإن جهل ما يدخل عليه من الفساد في البيع استحب التصدق بالربح لعدم اليقين بالفساد"(3).

"فمالك السهم إذا عرف ما يدخل على الشركة من الفساد تصدق به وإذا لم يعلم استحب له أن يتصدق بالربح الناتج من أعمال الشركة، وذلك إنما هو على سبيل الاستحباب ولا وجه حينئذ للقول بتحريم الاستثمار في هذه الشركات، وإلا لكان حراما على المسلم أن يمتلك عبدا يعمل بالربا"(4).

ونوقش هذا الاستدلال: بأنه قياس مع الفارق، لأن انتقال ملكية العبد لمالك جديد لا يقتضي انتقال ملكية ما يستثمره لما كان تحت المالك الأول، بل الدليل يقتضي خلافه كما هو نص حديث ابن عمر:«من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه» (5)، بخلاف شراء أسهم الشركات المساهمة فإنه يقتضي انتقال كل ما للسهم وما عليه من حقوق والتزامات ومنها الاستثمارات والقروض وغيرها.

القول الثاني: تحريم الاكتتاب في الشركات المساهمة التي أنشئت لأغراض مباحة ولكنها تقترض قروضا محرمة أو تستثمر في أنشطة محرمة.

(1) الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 248.

(2)

الخدمات الاستثمارية 2/ 254.

(3)

الذخيرة للقرافي 5/ 319.

(4)

الخدمات الاستثمارية 2/ 254، نقلا عن بحث د. محمد القري في مجلة دراسات اقتصادية إسلامية عدد (5).

(5)

سبق تخريجه ص54.

ص: 57

واختار هذا القول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي (1).

أدلتهم:

استدل أصحاب هذا القول بعدد من الأدلة منها:

الدليل الأول: عموم الأدلة الشرعية المحرمة للربا ومنها:

قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} ، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، وحديث جابر رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء» رواه مسلم (2).

والاكتتاب أو المساهمة في الشركة التي تقترض أو تستثمر في الربا هو ممارسة للربا، سواء كان المكتتب مباشراً لذلك أو كانت تلك الممارسة وكالة عند بماله، ولا يصح عقلاً أن يقال إن المساهم في الشركة بريء من تلك الممارسات إذا كان عالماً بها لأنه ليس مكرهاً على وضع أمواله فيها، ولا تبرأ ذمة المسلم من العمل المحرم إلا إذا كان جاهلاً أو مكرهاً على ذلك العمل.

ونوقش هذا الاستدلال: بأن القول بإجازة المساهمة في مثل هذه الشركات لا يلزم منه أكل الربا بل يجب على المساهم التخلص من النسبة المحرمة وصرفها في وجوه البر.

وأجيب عن هذا الاستدلال من وجهين:

1 -

إن المساهم وإن كان لا يأكل الربا فهو يؤكله لمن تقترض منه الشركة بفائدة، وبهذا يشمله لعن الرسول صلى الله عليه وسلم (3).

(1) فتاوى اللجنة 13/ 407، قرارات المجمع ص135.

(2)

رواه مسلم في كتاب المساقاة، باب لعن آكل الربا وموكله، رقم الحديث (1598).

(3)

انظر: الخدمات الاستثمارية للدكتور يوسف الشبيلي 2/ 257.

ص: 58

2 -

إن الجزء المحرم لا يكون في الأرباح فقط بل يتسرب لرأس المال، وذلك لأن نظام الشركات يلزم الشركات المساهمة بتجنيب جزء من الأرباح كل عام ليكون احتياطيا للشركة، فإذا تجاوز هذا الاحتياطي ـ المشتمل على شيء من الربح المحرم ـ نصف رأس المال جاز للشركة (1) أن تتصرف بما زاد عن نصف رأس المال منه بزيادة رأس مالها عبر ضم هذا الاحتياطي لرأس المال، كما أن للشركة أن تغطي بهذا الاحتياطي الخسائر التي تمس برأس مالها وبذلك تصبح العوائد المحرمة جزءاً لا يتجزأ من رأس مال الشركة المساهمة ويتعذر التخلص منها.

الدليل الثاني: قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]:

والمساهمة في هذه الشركات هو من قبيل المعاونة على أكل الحرام وتأكيله، وهذا من أعظم الإثم.

الدليل الثالث:

إن منع الناس من الاكتتاب أو الإسهام في هذه الشركات فيه مصلحة عظيمة، إذ أنه يجعل هذه الشركات تكف عن هذه الممارسات المحرمة، لأن الشركات المساهمة لا تقوم على رؤوس أموال عامة الناس ولا تستغني عنها، وبالتالي فإنها سوف تسلك السبل المشروعة للاقتراض أو الاستثمار إما اختياراً أو اضطراراً.

وفي المقابل فإن إباحة ذلك يترتب عليه تشجيع تلك الشركات على الاستمرار والتمادي في هذه الأعمال المحرمة شرعا، والشريعة جاءت بسد الذرائع المفضية إلى المحرم، وإباحة المساهمة في هذه الشركات يعارض هذا المبدأ بل يناقضه.

(1) انظر المادة (125) والمادة (126) من نظام الشركات السعودي.

ص: 59

الترجيح:

لاشك أن هذه المسألة من أكثر المسائل التي دار حولها الجدل والخلاف بين الفقهاء لما فيها من الإشكالات المتعددة.

والمتأمل لهذا الخلاف يجد أن الحكم بحرمة تلك الاستثمارات للشركة المختلطة متفق عليه بين الفريقين، بيد أن الخلاف واقع في حكم الاشتراك في الشركة لمن لا يرضى هذه الممارسات المحرمة فيها ويتخلص من الربح المحرم فيها، وكلا القولين له حظ كبير من النظر والاستدلال المعتبر، ولكن يزداد الإشكال حين نعلم أن الشركات التي اتفق على إباحة الإسهام فيها وهي الشركات التي لا تقترض ولا تودع بالربا لا تكاد تخلو من استثمارات محرمة، إما بالإجماع كممارسة الربا مباشرة وغيره من المعاملات المحرمة والتي قد لا تبينها الشركة في قوائمها المالية، وكذلك قد تكون لديها ممارسات أو استثمارات يعتبرها القائلون بحرمة الشركات المختلطة ممارسات محرمة، ومن أبرز تلك الممارسات المضاربة في شركات أخرى تقترض أو تودع بالربا (1)، فالقول بحرمة المساهمة في الشركات المختلطة يلزم منه القول بحرمة المساهمة في الشركات التي تسمى بالنقية لأن تلك الشركات تستثمر جزءا من أموالها في الشركات المختلطة، ولهذا فإنه لابد من قول وسط يجمع شتات المسألة، وهو القول بأن الاكتتاب في الشركات المختلطة يجوز للحاجة إذا كانت نسبة الاستثمارات المحرمة في الشركة قليلة جداً ومغمورة بالنسبة للاستثمارات المباحة فيها، مع وجوب بذل الوسع في التخلص من النسبة المحرمة من الربح، وعدم الرضى بتلك الممارسات، والسعي الحثيث لإيقافها.

وتقييد حكم الإباحة بالحاجة وضح المراد بها ونص عليها بعض

(1) انظر للاستزادة: الأسهم المختلطة لإبراهيم السكران ص27، وانظر: موقع الدكتور يوسف الشبيلي وفقه الله http://www.shubily.com.

ص: 60

العلماء، ومنهم الشيخ عبد الله بن منيع إذ يقول حفظه الله: "إن الحاجة المبررة لتداول هذه الأسهم لا تعتبر ما دامت مجرد دعوى حتى تثبت، فمتى استطاع الفرد أن يجد مجال استثمار لا شبهة في كسبه، وكان عنصر المخاطرة في هذا المجال ضعيفا، فيجب على هذا الفرد أن يستبرئ لدينه وعرضه وأن يكتفي بما هو حلال محض عما فيه الاشتباه والارتياب، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل مالك حمى إلا وإن حمى الله محارمه (1)» (2).

* * * * *

(1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، حديث رقم (50).

(2)

بحوث في الاقتصاد الإسلامي ص244، وقد نشر هذا البحث في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد الحادي عشر الصادر في عام 1411هـ.

ص: 61