الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطروحة للاكتتاب قبل طرحها للاكتتاب بسعر أقل من السعر المحدد لبيعها على المكتتبين ويمثل الفارق بين القيمتين المصروفات الإدارية للأعمال التي قام بها مدير الاكتتاب إضافة إلى ربحه من شرائه للأسهم ثم بيعها على المكتتبين.
ولما كان لضمان الإصدار أكثر من صورة اختلفت الآراء في التخريج المناسب له بناء على الاختلاف في تصوير ضمان الإصدار.
المطلب الثاني: التخريجات الشرعية لضمان الإصدار
الفرع الأول: تخريجه على عقد الضمان:
تخريج ضمان الإصدار على عقد الضمان هو ما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي في قراره رقم 65/ 1/7، حيث جاء فيه: إن "ضمان الإصدار: هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم أو جزء من ذلك الإصدار.
وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره، وهذا لا مانع منه شرعا إذا كان تعهد الملتزم بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه ـ غير الضمان ـ مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم" (1).
المسألة الأولى: مستند هذا التخريج:
إن تعهد الملتزم بالاكتتاب فيما يتبقى من الأسهم فيه معنى الضمان، إذ أن مدير الاكتتاب يضمن للشركة المساهمة بيع أسهمها، وذلك يتم إما باكتتاب المستثمرين في كل الأسهم المطروحة، أو اكتتاب المستثمرين في بعضها وشراء مدير الاكتتاب لما يتبقى من الأسهم بعد الاكتتاب.
(1) قرارات وتوصيات مجمع الفقه ص136.
المسألة الثانية: ما يترتب على هذا التخريج:
رتب القائلون بهذا التخريج على ذلك حرمة أخذ مدير الاكتتاب أجرا مقابل هذا التعهد، وأن يكون شراؤه للأسهم المتبقية بالقيمة الاسمية دون مقابل، لأن أخذ الأجر على الضمان محرم، وقد علل المجمع حرمة أخذ الأجر على الضمان بأنه يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، وذلك ممنوع شرعاً (1)، فمنع القائلون بهذا التخريج أخذ الأجر على هذا الضمان، وكذلك منعوا شراء مدير الاكتتاب للأسهم المتبقية بأقل من قيمتها الاسمية، وأجازوا الصورة الأولى من صور ضمان الإصدار المتمثلة في التزام مدير الاكتتاب بشراء ما يتبقى من الأسهم المطروحة بعد اكتتاب عامة الناس فيها بقيمتها الاسمية بدون مقابل على هذا الضمان، كما أجازوا لمدير الاكتتاب أخذ أجرة على قيامه بإعداد الدراسات وتسويق الأسهم وغير ذلك من الأعمال الأخرى.
المسألة الثالثة: مناقشة هذا التخريج:
يمكن أن يناقش هذا التخريج من وجوه:
الوجه الأول: عدم التسليم بأن هذا التعهد من قبيل الضمان فليس كل تعهد يعد ضمانا ًبالمعنى الذي يذكره الفقهاء، فالفقهاء يذكرون الضمان ويريدون به: ضم ذمة الضامن إلى المضمون عنه في التزام الحق، فيثبت في ذمتهما جميعا (2).
وتعهد مدير الاكتتاب في هذه الصورة ليس فيه ضم لذمته إلى ذمة أخرى، بل هو مجرد تعهد بشراء الأسهم المطروحة للاكتتاب أو شراء جزء منها.
(1) انظر: قرارات وتوصيات مجمع الفقه ص25.
(2)
المغني 7/ 71.
الوجه الثاني: التسليم بتسمية هذا التعهد من قبيل الضمان تجوزا، ومع ذلك فالمعنى الذي من أجله حرم أخذ أجر على الضمان ليس متحققا في صورة ضمان الإصدار، وهو كونه يشبه القرض الذي جر نفعا على المقرض، إذ أن ضمان الإصدار لا قرض فيه ولا مقرض، بل هو مجرد ضمان من مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بشراء ما يتبقى من أسهمها بعد الاكتتاب، والأجر الذي يأخذه مدير الاكتتاب هو مقابل هذا التعهد.
الفرع الثاني: تخريجه على بيع الوضيعة:
بيع الوضيعة: بيع بمثل الثمن الأول، مع نقصان شيء معلوم منه، وهو جائز باتفاق الفقهاء من حيث الجملة (1).
المسألة الأولى: مستند هذا التخريج:
إن الشركة المساهمة تبيع الأسهم المتبقية على مدير الاكتتاب بالقيمة الاسمية لتلك الأوراق ناقصاً نسبة محددة، ويمثل الفرق بين القيمة الاسمية وسعر البيع على مدير الاكتتاب الربح المتحقق لمدير الاكتتاب.
المسألة الثانية: ما يترتب على هذا التخريج:
يترتب على هذا التخريج جواز شراء مدير الاكتتاب لأسهم الشركة المصدرة بأقل من قيمتها الاسمية، لأن هذا الفارق يمثل ربح مدير الاكتتاب من هذه العملية، وهو ربح مباح لأنه ناتج عن عملية بيع وشراء حقيقية.
المسألة الثالثة: مناقشة التخريج:
نوقش هذا التخريج من وجهين:
الوجه الأول: إن مدير الاكتتاب لا يتملك الأسهم الحقيقية، يدل على ذلك أن الشركة المصدرة للأسهم تشترك على مدير الاكتتاب أن يبيع
(1) انظر: بدائع الصنائع 5/ 229، بلغة السالك 3/ 219، المغني 6/ 276.
السهم بالقيمة الاسمية، وليس له الزيادة على ذلك، ولو كان مالكا للأسهم لما كان لها أن تقيده بذلك.
ويمكن أن يجاب على هذا: بعدم التسليم بذلك، بل إن هذا البيع حقيقي يتملك فيه مدير الاكتتاب الأسهم حقيقة، وأما شرط الشركة المساهمة هنا، فهو شرط صحيح لأنه شرط مباح لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، وفيه مصلحة للبائع والمبيع.
الوجه الثاني: إن في العقد غررا، ووجه ذلك: أن النسبة المتبقية بعد تصريف الأسهم والتي التزم مدير الاكتتاب بشرائها، غير معلومة، فقد يكون المتبقي مليون سهم، أو ألف سهم، أو لا يتبقى شيء.
ويمكن أن يجاب على هذا: بأن هذا الاعتراض مبني على خلاف الفقهاء في حكم ما لو باعه بعضا من الصبرة ـ دون تسمية ذلك البعض ـ كل قفيز بدرهم.
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: التحريم:
وهذا هو قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والظاهرية والمعتمد عند الحنابلة (1).
واستدلوا: بأن الثمن مجهول حالة العقد، فالعقد فيه غرر.
ونوقش استدلالهم: بأن الجهالة هنا ليست مفضية للمنازعة، لأن الثمن معلوم وهو قدر ما يقابل كل جزء من المبيع، والغرر منتف في الحال لأن القفيز قدر معلوم، وثمن ما يقابل هذا القدر معلوم، فانتفى الغرر ههنا، لأن الجهالة كما تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالجملة فهي تنتفي بالعلم بثمن السلعة بالتفرقة.
(1) المبسوط 26/ 82، المدونة 3/ 471، المجموع 380، المغني 6/ 208، المحلى 7/ 509.
القول الثاني: جواز هذه البيع:
وهو قول عند المالكية، والحنابلة (1).
واستدلوا: بالقياس على ما لو آجره الدار كل شهر بدرهم مع عدم العلم بمدة الاستئجار، وكذا ما لو آجره كل دلو بتمرة كما روى علي رضي الله عنه أنه استقى لرجل من اليهود كل دلو بتمرة، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكل منه (2).
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول بجواز هذا البيع لقوة ما استدلوا به وسلامته من المناقشة.
وعلى هذا نقول إن الجهالة في مقدار الأسهم التي ستؤول إلى ملكية مدير الاكتتاب غير مؤثرة، لأن العلم بسعر السهم الواحد كاف في نفي الجهالة كما هو القول الراجح في المسألة السابقة.
الترجيح في حكم ضمان الإصدار:
يرى الباحث أنه لا يمكن تخريج ضمان الإصدار تخريجاً واحداً يشمل جميع صوره، وذلك لاختلاف صور ضمان الإصدار وإن اتحدت في المسمى.
وعلى هذا يمكن أن يقال: إن ضمان الإصدار إن كان التزاماً مجردا من قبل مدير الاكتتاب للشركة المساهمة بشراء ما يتبقى من الأسهم بعد الاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية بدون عوض على هذا الالتزام كان ذلك بيع وضيعة بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب، وهو مماثل لبيع بعض الصبرة كل قفيز منها بدرهم، وهو بيع جائز شرعاً على الصحيح من قولي الفقهاء.
(1) المنتقى 5/ 145، الفروع 4/ 31.
(2)
رواه ابن ماجة، كتاب الرهون، باب الرجل يستقي كل دلو بتمرة ويشترط رقم (2446). وقال في مجمع الزوائد 4/ 97: رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه انقطاعا.
وإن كان ضمان الإصدار تمثل في تسويق مدير الاكتتاب للأسهم المطروحة والتزامه بشراء ما يتبقى من الأسهم بعد التسويق بقيمتها الاسمية فإنه جائز شرعاً إن كان ذلك الالتزام بدون عوض مقابل لهذا الالتزام لأنه مماثل لبيع بعض الصبرة كل قفيز منها بدرهم، فإن كان ذلك الالتزام مقابل عوض محدد فهو محرم شرعاً لأن فيه غرراً ظاهراً.
وإن كان ضمان الإصدار تمثل في شراء مدير الاكتتاب لجميع الأسهم قبل طرحها للاكتتاب بأقل من قيمتها الاسمية ثم قام بتسويقها لحسابه بالقيمة الاسمية، كان ذلك العقد بيع وضيعة محض لا مدخل للوساطة فيه.
* * * * *