الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاكتتاب بالإضافة إلى ربحه (1).
ومن هنا تتبين العلاقة الوثيقة بين إدارة الاكتتاب وعقد الوساطة المالية (السمسرة)، فمدير الاكتتاب يقوم بمهمة الوسيط بين الشركة والمكتتبين سواء ضمن مدير الاكتتاب بيع كل الأسهم المطروحة أم لم يضمن بيعها، فهو في كلتا الحالتين يعد سمساراً للشركة.
المطلب الثاني: أنواع الوساطة المالية في الاكتتاب وهي نوعان
النوع الأول: الوساطة المقدرة بالزمن:
وذلك بأن يتم الاتفاق بين الشركة ومدير الاكتتاب على طرح أسهم الشركة للاكتتاب، وتسويقها في مدة معينة على أن يستحق مدير الاكتتاب أجره المسمى بانقضاء المدة المحددة لعمله في إدارة الاكتتاب بغض النظر عما تم تسويقه من الأسهم المطروحة.
وهذه الوساطة المقدرة بالزمن جائزة باتفاق الفقهاء لأنها من قبيل الإجارة على عمل مباح قد حدد له مدة معينة وأجرة معلومة، والإجارة جائزة بإجماع أهل العلم (2).
النوع الثاني: الوساطة المقدرة بالعمل:
وذلك بأن يتم الاتفاق بين الشركة المساهمة ومدير الاكتتاب على تفاصيل العمل الذي سيقوم به مدير الاكتتاب ويستحق المدير أجره بإتمامه للعمل المتفق عليه.
وقد اختلف الفقهاء في حكم تقدير أجرة الوسيط بالعمل على قولين:
(1) انظر: البورصة لمحمد ياسين ص24، 25.
(2)
المبسوط 15/ 115، المنتقى شرح الموطأ 5/ 113، الأم 4/ 26، المغني 8/ 5.
القول الأول: جواز ذلك، سواء كان العمل قليلاً أو كثيراً.
وهو قول بعض الحنفية والمالكية في المشهور عندهم والشافعية والحنابلة (1).
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بنصف ما يخرج منها على أن يعملوها بأموالهم وأنفسهم (2).
الدليل الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن أريقط هاديا خريتا، وهو الماهر بالهداية، ليدلهما على طريق المدينة (3).
وجه الاستدلال من الدليلين: أنه صلى الله عليه وسلم جعل أجرتهم في مقابل عمل معلوم، فدل ذلك على جواز تقدير أجرة الوسيط بالعمل بجامع الإجارة في الكل.
الدليل الثالث: أنه يجوز عقد الإجارة مقدرًا بزمن، فجاز مقدراً بعمل كالخياطة (4).
القول الثاني: تحريم ذلك سواء كان العمل قليلاً أم كثيراً.
وهو المذهب المعتمد عند الحنفية (5).
واستدلوا بما يلي:
إن تقديره بالعمل فيه غرر وجهالة، فالبيع قد يتم بكلمة واحدة، وقد لا يتم بعشر كلمات، ثم إن الوسيط لا يستطيع القيام بالعمل بنفسه إلا إن ساعده البائع، فاختل شرط من شروط صحة الإجارة وهي أن تكون على عمل معلوم أو إلى أجل معلوم (6).
(1) بدائع الصنائع 4/ 185، التاج والإكليل 7/ 600، الأم 4/ 30، المغني 8/ 42.
(2)
أخرجه البخاري، كتاب الحرث والمزارعة، باب المزارعة بالشطر ونحوه 3/ 37.
(3)
أخرجه البخاري، كتاب الإجارة، باب استئجار المشركين عند الضرورة 3/ 116.
(4)
المغني 8/ 42.
(5)
المبسوط للسرخسي 15/ 115.
(6)
المبسوط للسرخسي 15/ 115، بدائع الصنائع للكاساني 4/ 32.
ونوقش استدلالهم: بأن الغرر هنا مغتفر لحاجة الناس للتقدير بالعمل، لأن من شروط تحريم الغرر عدم حاجة الناس له، ولذا نقل ابن عابدين (1) عن بعض الحنفية ممن قال بالجواز تعليلهم كون الغرر مغتفرا هنا بحاجة الناس له.
قال رحمه الله: (سئل محمد بن سلمة (2) عن أجرة السمسار، فقال: أرجو أنه لا بأس به، وإن كان في الأصل فاسداً، لكثرة التعامل به، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه كدخول الحمام) (3).
الترجيح:
القول الذي يترجح هو القول بجواز تقدير الأجرة بالعمل لقول أدلته وسلامتها من المناقشة.
وعلى هذا فإنه يجوز للشركة المساهمة أن تتعاقد مع مدير الاكتتاب على قيام المدير بعمل معين ويستحق مدير الاكتتاب أجرته عند إنجازه لذلك العمل.
* * * * *
(1) هو محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، توفي عام 1252هـ، فقيه من أئمة الأحناف، من مصنفاته: رد المحتار على الدر المختار، والعقود الدرية. انظر: الأعلام للزركلي 6/ 267.
(2)
هو الإمام المحدث المفتي أبو عبد الله الحرَّاني، توفي عام 191هـ. انظر: سير أعلام النبلاء.
(3)
حاشية ابن عابدين 6/ 63.