الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
امرأته الذي نحلها وغيره لا يرى أن عليه جناحا، فأنزل الله:{وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} ، فلم يصح لهم بعد هذه الآية أخذ شيء من أموالهن إلا بحقها) (1).
وعلى هذا فإن الزوج يحرم عليه الاكتتاب باسم زوجته إلا برضاها سواء كان ذلك بغير عوض أو بالمشاركة، لأن حق الزوجة في الاكتتاب هو في حكم الأجنبي بالنسبة للزوج.
كما أن مما ينبغي التنبيه عليه في هذا المقام هو أنه لا يجوز الاكتفاء بسكوت الزوجة في ذلك بل لابد أن يكون بذلها هذا الحق لزوجها عن طيب نفس منها كما قال تعالى في شأن المهر: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4].
قال الشوكاني رحمه الله: (في قوله: {طِبْنَ} دليل على أن المعتبر في تحليل ذلك منهن لهم، إنما هو طيبة النفس، لا مجرد ما يصدر منها من الألفاظ التي لا يتحقق معها طيبة النفس
…
وما أقوى دلالة هذه آية على عدم اعتبار ما يصدر من النساء من الألفاظ المقيدة للتمليك بمجردها لنقصان عقولهن وضعف إدراكهن، وسرعة انخداعهن، وانجذابهن إلى ما يراد منهن بأيسر ترغيب أو ترهيب) (2).
المطلب الثاني: الاكتتاب باسم الأولاد
والمراد به اكتتاب الوالد بأسماء أولاده بغير عوض، وقد قررنا فيما سبق أن حق الاكتتاب هو من حقوق الانتفاع، وأنه حق متقوَّم بمال، وعلى هذا فإن هذه المسألة مبنية على مسألة أخرى وهي حكم أخذ الوالد شيئا من مال ولده.
(1) فتح القدير 1/ 418.
(2)
فتح القدير 1/ 681.
وقد اختلف أهل العلم في حكم أخذ الوالد شيئاً من مال ولده على قولين:
القول الأول: أن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده إلا بقدر حاجته.
وهو قول الحنفية والمالكية والشافعية (1).
واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» رواه البخاري (2).
وجه الاستدلال: أن هذا الحديث عام في تحريم أموال الناس من الأولاد وغيرهم، وعلى هذا فمال الولد محرم على والده إلا بطيب نفس منه.
القول الثاني: جواز أخذ الوالد من مال ولده ما شاء سواءً كان الوالد محتاجاً لما يأخذه أو غير محتاج له، صغيراً كان الولد أم كبيراً.
وهو قول الحنابلة، واشترطوا للجواز ثلاثة شروط:
1 -
أن لا يجحف بالابن ولا يضر به، ولا يأخذ شيئاً مما تعلقت به حاجته.
2 -
أن لا يأخذ من مال ولد فيعطيه ولداً آخر، وذلك لأنه ممنوع من تخصيص بعض ولده بالعطية من مال نفسه، فلأن يمنع من تخصيصه بما أخذ من مال ولده الآخر أولى.
3 -
أن لا يكون الأخذ في مرض موت أحدهما المخوف (3).
واستدلوا بما روته عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن
(1) انظر: رد المحتار 2/ 676، بلغة السالك 2/ 947، منهاج الطالبين ص650، المغني 8/ 272.
(2)
رواه البخاري، كتاب العلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «رب مبلغ» ، حديث رقم (65).
(3)
الروض المربع 7/ 514.
أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» رواه الترمذي (1)، ولأن الله تعالى جعل الولد موهوباً لأبيه فقال:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [الأنعام: 84].
وجه الاستدلال: إن الله عز وجل جعل الأولاد هبة لآبائهم، وما كان موهوبا للرجل كان له أخذ ماله، كما أن السيد له أن يأخذ من مال عبده ما شاء.
الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الثاني، وذلك لصحة ما استدلوا به وسلامته من المناقشة، وأما دليل أصحاب القول الأول فهو عام يخصصه دليل أصحاب القول الثاني.
وعلى هذا نقول إن الوالد له أن يكتتب بأسماء أولاده إذا كان الابن مستغن عن الربح المتوقع من الاكتتاب، على أن لا يبذل الأب ذلك لابن آخر، وأن لا يكون في مرض أحدهما المخوف.
* * * * *
(1) رواه الترمذي في كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ من مال ولده، حديث رقم (1358)، ورواه أبو داود في كتاب البيوع، باب في الرجل يأكل من مال ولده، حديث رقم (3528) والحديث صححه الترمذي.