المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٢٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (23)

- ‌جمادى الأولى - 1340ه

- ‌فاتحة المجلد الثالث والعشرين

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌سؤالعن الاسترقاق المعهود في هذا الزمان

- ‌مسيح الهند

- ‌إشْكَال في بيت من الشعر

- ‌العلة الحقيقية لسعادة الإنسان [

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(2)

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌تنبيه

- ‌جمادى الآخرة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(3)

- ‌الرحلة الأوربية(1)

- ‌الرحلة السورية الثانية(8)

- ‌سعيد حليم باشا

- ‌السياسة الإنكليزيةفي البلاد العربية

- ‌رجب - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(4)

- ‌جمعية الرابطة الشرقية

- ‌العبر التاريخيةفي أطوار المسألة المصرية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(9)

- ‌شعبان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الإسلام والنصرانية

- ‌رسالة تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(5)

- ‌الرحلة الأوربية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(10)

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌رمضان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد [

- ‌الرحلة الأوربية(3)

- ‌مصابنا بشقيقناالسيد صالح مخلص رضا

- ‌شوال - 1340ه

- ‌تتمة كلام الغزاليفي مسألة الحلال والحرام

- ‌إسلام الأعاجم عامة والترك خاصة

- ‌الرحلة الأوربية(4)

- ‌مسألة ثواب القراءة للموتى

- ‌تعزيتان

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌ذو القعدة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الهجر الجميل والصفحوالصبر الجميل [

- ‌ترجمة الأستاذ الإمام

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(6)

- ‌الرحلة الأوربية(5)

- ‌ذو الحجة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الاحتفال بذكرى الأستاذ الإمام(2)

- ‌التسمية باسم الأستاذ الإمام

- ‌الوثائق الرسمية للمسألة العربية

- ‌تتمةتلخيص مكتوباتنائب ملك الإنكليز لأمير مكة(تابع ص624)

- ‌الرحلة الأوربية(6)

- ‌ربيع الأول - 1341ه

- ‌حكم استعمالالإسبرتو - الكحول

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌عطوف آل رضا

- ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

- ‌الرحلة الأوربية(7)

- ‌الانقلاب التركي

- ‌ظفر الترك باليونان

- ‌ربيع الآخر - 1341ه

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(7)

- ‌خطبة الغازيمصطفى كمال باشا

- ‌مؤتمر لوزانللصلح في الشرق

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌البهائيةبعد موت زعيمهم عباس أفندي

- ‌خاتمة المجلد الثالث والعشرين

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌فتاوى المنار

رجم الأيِّم بالزنا

(س4) من صاحب الإمضاء أحد تلاميذنا المصريين في دار الدعوة،

والإرشاد، إنكم في تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ

} (النساء: 25)

إلخ من سورة النساء (جزء خامس ص25-26) -

استنكرتم رجم الأيِّم، وقلتم لم يرد فيه حديث صريح. أفليس حديث عبادة عند

مسلم مرفوعًا: (خذوا عني؛ قد جعل الله لهن سبيلاً، الثيب بالثيب الرجم

الرجم) والثيب هو غير البكر، فهو شامل للأيِّم، ولذي الزوج. وحديث عمر

عند الشيخين، واللفظ للبخاري، قال: (الرجم في كتاب الله حق على مَن أحصن

من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف) ، قال شارحه

صاحب الفتح: أي إذا وجدت المرأة الخَليَّة من زوجٍ أو سيدٍ حُبلى ولم تَذكر شبهةً أو

إكراهًا إلخ، وهو كما قال، وإلا فكيف يكون الحبل دليلاً على الزنا إلا إذا كانت

خليةً من زوجٍ وسيدٍ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر

الحجر) ، فإطلاق حديث مسلمٍ وتفصيل حديث الصحيحين - يفيدان أن حكم الأيِّم

في الزنا الرجم كحكم ذي الزوج سواء، فكيف تقولون: لم يرد في ذلك حديثٌ

صريحٌ؟ !

(ج) قد راجعت قبل البدء بكتابة هذا الجواب نص عبارتي في تفسير الآية

وهو: (لا أذكر أنني رأيت حديثًا صريحًا في رجم الأيِّم الثيب) وقد كنت كتبت

في حاشية نسختي الخاصة بإزاء هذه العبارة ما نصه:

(وكان الأولى تقديم الثيب على الأيم، والمراد رجم مَن كانت كذلك بالفعل

لا بالقول، وقد يقال إنه يدخل في عموم حديث عبادة بن الصامت عند أحمد،

ومسلمٍ، وأبي داود، والترمذي، وابن ماجه أن (على الثيب الجلد والرجم،

وعلى البكر الجلد والنفي) ، ولكن أكثر الفقهاء لم يأخذوا بهذا الحديث؛ إذ لم

يجمعوا بين الجلد والرجم، وفيه احتمال أن يراد بالثيب فيه المحصن بالفعل وهو

ذو الزوج.

وفي أثر عمر في الصحيحين، وغيرهما أن حمل المرأة المحصنة دليلٌ على

الزنا موجبٌ للرجم، ولم يأخذ كثيرٌ من الفقهاء بهذا كالشافعي، والكوفيين وقال

النووي في شرح مسلمٍ: إن هذا مذهب عمر. وأقول: صح عنه أنه لم يعمل به في

قصة المرأة الحُبلى التي اعترفت له في منى بأن رجلاً جامعها وهي نائمةٌ، ولم

تعرفه. اهـ.

كتبت هذا لِما يقع من الاشتباه فيه لإيضاحه عند التوسع الذي وعدت به،

وأزيد الآن أن الجمهور قد تركوا العمل بحديث عبادة للجزم بنسخه، واستدلوا على

ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه لم يعمل به، فهو لم يجمع بين الرجم

والجلد في حدِّ ماعز والغامدية المتأخر عن ذلك الحديث. والتحقيق في اللغة أن

الثيب: المتزوج، كما يُعلم من المصباح واللسان. وعللوه بأنه مِن ثاب بمعنى:

رجع، فالبكر ترجع بالزواج إلى صفةٍ أخرى تسمى بها ثيِّبًا، والأيِّم ترجع وتثوب

مِن رجل إلى آخر، فهي إنما تسمى ثيِّبًا باعتبار ما آلت إليه، لا ما كانت فيه، فلا

غَرْوَ إذا وردت في الحديث بمعنى المحصن. وما ذكره عن عمر رضي الله عنه

ليس بحديثٍ فيُعد حجةً، ولو كان حديثًا مرفوعًا لأخذ به الشافعي والحنفية، على

أن عمر قد عبَّر بالإحصان، وكون الولد للفراش - لا يمنع ثبوت حمل

المحصنة بالزنا، فإن له صورًا لا تخفى. ثم إن مذهب عمر في رجم الثيب

المحصن من ذكرٍ وأنثى قد أخذه من روايته في رجم الشيخ والشيخة إذا زنيا،

وكونه قرآنًا، وهو شاذٌّ لم يثبت كونه قرآنًا، ولو ثبت لوجب أن يكون خاصًّا

بالشيخ والشيخة؛ لأنه الشيخوخة وصف ترتب عليه الحكم، فأفاد كونه علةً له

كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} (المائدة: 38) وحكمته

ظاهرةٌ، ولو كانا غير محصنين، فإن الزنا في سن الشيخوخة فسادٌ كبيرٌ، ويستحق

أقصى العقوبة؛ ولذلك ورد في الحديث الصحيح أن الشيخ الزاني لا ينظر الله إليه

يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذابٌ أليمٌ كالفقير المستكبر.

وأما ثبوت الرجم بالسنة فلم ننكره، وإنما كان البحث فيما دل عليه قوله

تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ

العَذَابِ} (النساء: 25) ، وحديث أحمد والبخاري أن النبي صلى الله عليه

وسلم -: (قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه) ، وهو الجلد

بالإجماع، وكون حكمة الشرع تقتضي أن يكون الإحصان ثابتًا بالفعل - فهل ينقض

هذا كله حديث عبادة المنسوخ، ومذهب عمر الذي خالفه فيه جمهور المسلمين؟ !

***

ما معنى الاستطاعة في الحج

(س5) ومنه:

فسَّروا الاستطاعة بالزاد والراحلة، وهذا إجمال، فمثلاً رجل يملك قطعة

أرضٍ زراعيةٍ أو بيتًا، ويُخرج له من ذلك ما يكفيه هو ومَن يعوله كفاية القصد،

أو الضرورة، وإذا باع أرضه أو بيته حصل على ثمنٍ يكفيه مدةً وتوفر له بعد ذلك

ما يحج به، فهل يقال: إن هذا الرجل غير مستطيعٍ نظرًا لغلة ملكه أو مستطيع

نظرًا لثمن ملكه؟ ، أفيدونا مأجورين.

...

...

...

...

عبد الرزاق حمزة

(ج) بيَّنا في تفسير قوله تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران:

97) في أول الجزء الرابع من التفسير أن أمر الاستطاعة مَنُوط بالأفراد،

يختلف باختلاف أحوالهم البدنية، والمالية، وأن كل امرئٍ أعلم بنفسه ممن هو أعلم

منه بالأحكام والنصوص، حتى إن المسائل الخاصة التي اشتبه فيها السائل تختلف

باختلاف أحوال الناس في صحتهم، وهمتهم، ومعايشهم، ومعايش مَن يعولونه،

فمنهم مَن لا يضره بيع بيته، أو أرضه لينفق منها أو ينفقها على سفره لأداء

فريضة الحج، ومنهم مَن إذا باع بيته لا يجد لنفسه ولعياله مأوى سواه، وإذا باع

أرضه القليلة التي يَعِيش مع مَن تجب عليه نفقتهم مِن زرعها، لا يستطيع أن يعول

نفسه، وعياله من عملٍ يغنيه عنها، ومنهم مَن ليس كذلك، كمَن يحسن صناعةً،

أو خدمةً يجد فيها كفايته، فمتى فهم المكلف الحكم، فله أن يجتهد في تنفيذه،

والعمل به كاجتهاده في القبلة وغيرها عند الحاجة، ويعذر إذا أخطأَ في اجتهاده،

بل يؤجر أيضًا إذا لم يقصر فيه، ولم يكن مقصده منه العثور على شبهةٍ يتوَكَّأ

عليها في التَّفَصِّي عن أداء الواجب، والله أعلم.

***

التقليد والتلفيق فيه

وتقليد غير الأربعة

(س6، 7) مِن صاحب الإمضاء في بيروت (سورية)

حضرة صاحب الفضل والفضيلة مولانا الأستاذ المحترم السيد محمد رشيد

رضا صاحب مجلة المنار الغراء - حفظه الله -

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:

أرفع لفضيلتكم السؤال الآتي راجيًا التكرم بالإجابة عليه، ولسيادتكم مِن الله

تعالى جزيل الأجر ومني عظيم الشكر.

في حاشية العلامة الشيخ يوسف الصفتي المالكي على الشرح المسمى

بالجواهر الزكية على ألفاظ العشماوية، للعلامة أحمد بن تركي المالكي في باب

فرائض الوضوء ما نصه:

(واعلم أنهم ذكروا للتقليد شروطًا، إلى أن قال: (الثالث) أنه لا يلفق

في العبادة، أما إن لفق كأن ترك المالكي الدلك مقلدًا لمذهب الشافعي ولم يبسمل

لمذهب مالك فلا يجوز؛ لأن الصلاة حينئذٍ يمنعها الشافعي لفقد البسملة، ويمنعها

مالك لفقد الدلك، ثم قال - بعد ذلك -: وما ذكروه من اشتراط عدم التلفيق رده

سيدي محمد الصغير، وقال: المعتمد أنه لا يشترط ذلك، وحينئذٍ فيجوز مسح

بعض الرأس على مذهب الشافعي، وفعل الصلاة على مذهب المالكية، وكذا

الصور المتقدمة ونحوها، وهو سعةٌ ودين الله يسرٌ) .

فهل إذا اغتسل غسلاً واجبًا أو توضأ وضوءًا واجبًا مِن ماءٍ قليلٍ مستعملٍ في

رفع حدثٍ مقلدًا لمذهب الإمام مالك، وترك الدَّلك مقلدًا لمذهب الإمام الشافعي،

وترك النية مقلدًا لمذهب الإمام أبي حنيفة يكون غسله ووضوؤه صحيحًا مثل

الصورتين المتقدمتين أم لا؟ ، وهل هناك فرقٌ؟ وهل يجوز التلفيق من مذاهب

الأئمة الأربعة في قضيةٍ واحدةٍ كغسلٍ واجبٍ أو وضوءٍ واجبٍ أو تيمُّمٍ واجبٍ أو

صلاةٍ واجبةٍ، وغير ذلك من العبادات، والمعاملات أم لا؟ .

وهل يجوز تقليد غير مذاهب الأئمة الأربعة كمذهب الإمام داود الظاهري،

وأصحابه ومذهب الإمام أبي ثور، ومذهب الإمام الثَّوري، ومذهب الإمام إبراهيم

النَّخعِي، ومذهب الإمام ابن أبي ليلى، ومذهب الإمام الأصم، ومذهب الإمام عبد

الرحمن الأوزاعي، ومذهب الإمام إسحق بن راهويه، ومذهب الإمام حمَّاد بن أبي

سليمان، ومذهب الإمام ابن المبارك ومذهب الإمام الليث، ومذهب الإمام الحسن

بن صالح، ومذهب الإمام الزهري، ومذهب الإمام زُفر، ومذهب الإمام محمد بن

جرير الطبري، وغيرهم من الأئمة المجتهدين، ومذاهب الصحابة والتابعين -

رضي الله تعالى عنهم أجمعين - في العبادات والمعاملات أم لا؟ .

وهل يجوز التلفيق من مذاهبهم في قضيةٍ واحدةٍ كغسلٍ واجبٍ أو وضوءٍ واجبٍ أو

تيمُّمٍ واجبٍ أو صلاةٍ واجبةٍ، وغير ذلك من العبادات والمعاملات أم لا؟ ، تفضلوا

بالجواب ولكم من الله عظيم الأجر والثواب، والسائل

...

...

...

... عبد الحفيظ إبراهيم اللاذقي

...

...

...

...

الشافعي مذهبًا

...

...

...

...

... بيروت

(ج) إن أكثر أحكام العبادات مُجمعٌ عليها، معلومةٌ مِن الدين بالضرورة؛

لتواتُرها بالعمل، وشهرة النصوص فيها فلا تقليد فيها، ومنها ما ثبت في السنة

على وجوهٍ أو بألفاظٍ مختلفةٍ كالتشهد في الصلاة، ودعاء الافتتاح، والوصل

والفصل في الوتر وغيره، أو ثبت فعله تارة، وتركه أخرى كالقنوت في الصبح

ورفع اليدين عند الركوع والقيام منه، ومن التشهد الأول، فأخذ بعض العلماء بهذا

وبعضهم بذاك، والخَطب في هذا سهلٌ؛ إذ العمل بكل ما ثبت في السنة صحيحٌ،

لا يضر العامل اختلاف الرواة، واعتماد الفقهاء لبعضها دون بعضٍ، وأما المسائل

الاجتهادية التي وقع فيها الخلاف بين علماء المِلة للاختلاف في فهم النصوص أو

مسالك العلة في الاجتهاد؛ فالواجب فيها اتباع قوله تعالى: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ

فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (النساء: 59)

الآية، ولا خلاف بين أئمة الدين في وجوب هذا الرد، ولا في كون الرد إلى الله

هو الرجوع في المسألة إلى كتابه، وكون الرد إلى الرسول هو الرجوع فيها إلى

سنته، فمن وجد نصًّا مِن الكتاب أو السنة يرجح بعض قول العلماء المختلفين على

بعضٍ - وجب عليه اتباعه حتمًا، ولا يجوز له تركه إلى اجتهاد أحدٍ، وإلا أخذ

بقول مَن ترجح عنده دليله إذا اطَّلع على تعارض أدلتهم، ومَن لم يكن أهلاً لذلك

يستفتي - فيما يعرض له، ويُشكل عليه - مَن يثق بعلمه ودينه، سواء كان قد

تلقى الفقه على مذهب زيد مِن الأئمة أو مذهب عمرٍو، فجميع الأئمة المشهورين

ممن ذكرتم، ومَن لم تذكروا كأئمَّة آل البيت النبوي - عليهم الرضوان والسلام -

على هدى من ربهم في تحري الحق باجتهادهم، ولا يضره اختلاف مذاهب المفتين،

والمفيدين، وإن أدى في بعض المسائل إلى التلفيق الذي اختلف المقلدون في

جوازه، فإن التلفيق بهذه الصفة كان شائعًا في عامة السلف؛ إذ لم يكن أحد من

عوامهم يلتزم العمل باجتهاد فقيهٍ معيَّنٍ، ولا بروايته، على أن للتلفيق صورة لا

يفتي بها عالمٌ، وهي التي أطلق بعضهم منع جواز التلفيق لأجلها؛ لأنها ضرْبٌ من

التلاعب بالدين اتباعًا للهوى، أو تتبُّعًا للرخص، وهي أن يأتي المقلد بعملٍ لا دليل

عليه مِن كتابٍ، ولا سنة، ولا إجماعٍ، ولا قياسٍ صحيحٍ، ولم يقل به أحدٌ من

الأئمة المجتهدين، بل ركَّبه هذا المتلاعب مِن عدة أقوالٍ اجتهاديةٍ على النحو الذي

ذكره السائل، وقد مثَّل له بعضهم بمَن يتزوج بامرأةٍ بالتعاقد معها بغير وليٍّ اتباعًا

لأبي حنيفة، وغير شهودٍ تقليدًا لمالك مع عدم إشهار الزواج، وإعلانه الذي

يستغني به مالك عن الشهود، ومنعوا تتبع الرخص أيضًا فيما لا تلفيق فيه، وهذا

المبلغ حقٌّ ظاهرٌ في الرخص الاجتهادية، فإن للعلماء هفواتٍ لا يؤاخَذون عليها،

وليس مِن التقليد المباح تتبعها، والعمل بها، وأما الرخص الثابتة بالكتاب والسنة

فلا حرج في تتبعها، ولكن لا تُجعل كالعزائم في المواظبة عليها.

وأما سبب ما اشتهر بين مقلدة المتأخرين من وجوب حصر التقليد في مذاهب

الفقهاء الأربعة فهو أنها قد دُونت، واتسع فيها التخريج والتفريع؛ فصارت كافيةً

للناس، فليس في هذا غضٌّ من مقام علماء الصحابة والتابعين ومَن بعدهم من

المجتهدين، ولكن يشاركها - فيما ذكروا - مذاهب أئمة أهل البيت الذين يسند إليهم

فقه الزيدية، والإمامية من الشيعة.

وهذا لا يمنع الأخذ بقول سائر علماء السلف التي يرويها عنهم المحدثون،

والفقهاء في كتبهم المعتمدة بشرطه الذي يجوز به الأخذ بقول أحد الأربعة، وأئمة

العترة الطاهرة. وقد فصلنا القول في بطلان التقليد، ومضاره والتلفيق في مقالات

(المصلح والمقلد) التي جُردت من المنار وطُبعت في كتابٍ مستقلٍّ، وفي غيرها

من مجلدات المنار، فليراجعها السائل إن شاء التوسع في هذه المسألة.

_________

ص: 96

الكاتب: محيي الدين آزاد

الخلافة الإسلامية

ألَّفه باللغة الأُوردية أحد زعماء النهضة الهندية

مولانا أبو الكلام محيي الدين آزاد - صاحب مجلة (الهلال) الهندية

وترجمه بالعربية أحد تلاميذ دار الدعوة والإرشاد

الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي - محرر جريدة (بيغام) الهندية

(2)

اجتماع القوى والمناصب وانتشارها

لما كان المسلمون سائرين على هذا الناموس الإلهي - ناموس الاجتماع

والائتلاف - كانوا في الذُّروة العليا من التقدم والرقي، ولما حادوا عن هذا السبيل

القويم سقطوا وانحطوا، فحلَّ محل الاجتماع الانتشار؛ فتفرق جمعهم، وتمزق

شملهم، وتبددت قواهم، فكانوا قومًا بُورًا، ولم تقتصر هذه البلية على جانب دون

جانب، بل عمَّت، وأحاطت الأمة من جميع الجوانب، وهي لا تزال ضاربةً

بأطنابها منذ ألف وثلاثمائة سنة، بل آخذة في الازدياد، وما يمر يوم إلا وتشتد

وطأتها فيها.

وقد لهج الناس كثيرًا في انحطاط المسلمين، فعلَّلوا له عِللاً، واخترعوا له

أسبابًا، غير أن القرآن الحكيم، والسنة النبوية، والعقل الصحيح لا يقيم لهذا القيل

والقال والثرثرة وزنًا، ويرى أن الفساد والانحطاط نتيجة الانتشار والتشتت فقط،

وكل ما عدا هذا من العلل، والأسباب فمتفرعةٌ منه، وراجعةٌ إليه، فعلة سقوط

المسلمين واحدةٌ لا اثنتان، وإن سُميت بأسماءٍ مختلفةٍ، وذُكرت بألفاظ عديدةٍ.

نعم، قد عمَّت الفوضى جميع شؤون الأمة، غير أننا نذكر ههنا واحدًا منها

فنقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم مركزًا للأمة الإسلامية ترتكز عليه،

ونقطةً لقواها تجتمع عليها؛ فلهذا لم يَخْلُ بوفاته محل نبيٍّ وحامل شريعةٍ فقط، بل

قد خَلا محل مركز جامعة الأمة، ومصدر قواها ونفوذها وحكومتها إلى غير ذلك

من الأوصاف والخصائص التي كانت مجتمعة في شخصه الشريف؛ إذ إنه لم يكن

كالمسيح عليه السلام معلمًا وواعظًا، ولا كالملوك الذين فتحوا، وحكموا

ودمروا، وخربوا، أو عمروا وشادوا، بل كان صلى الله عليه وسلم جامعًا

لصفات ومزايا كثيرة في حينٍ واحدٍ، فكان نبي الله ورسوله، وهادي الخلق،

وواعظهم، وواضع الشريعة، ومؤسس الأمة، وحاكم البلاد، وصاحب السلطة؛

فحينًا يقوم في المسجد على المنبر المسقف بجذوع النخل وجريده، يفسر الوحي

الإلهي، ويكشف عن خفايا أسباب السعادة الإنسانية، فهو إذ ذاك معلم الأخلاق،

وواعظ الخلق، وتارةً يقسم في صحن هذا المسجد نفسه خراج اليمن على الناس،

ويسير الجيوش إلى ميادين الوغى، فهو حينئذٍ حاكم إداري وسياسي، ثم تراه

يصلح نظام البيوت والعائلات، وينفذ قوانين الطلاق والنكاح، وبينما هو هكذا إذ

تأتيه الأخبار بقدوم الأعداء، فيأخذ سيفه على عاتقه، ويهبّ إليهم، ويناضلهم في

بدر، وأحد، وتبوك، ثم تراه داخلاً كفاتحٍ عظيمٍ في مكة، فيملكها ويكون له

السلطان فيها، فيمُنّ على هامات قريشٍ، وسادات العرب بالعتق، ويقيم بأمر الله

ميزان القسط، ولا غَروَ، فالنظام الإسلامي يوجب أن تجتمع قوى الأمة،

ومناصبها في مركزٍ واحدٍ؛ إذ هذا الدين الحنيف الفطري لم يفرق بين الدنيا

والآخرة، بل جمعها في سلكٍ واحدٍ، وجعل الشريعة والحكومة شيئًَا واحدًا، وأخبر

أن الله سبحانه إنما يرضى عن الحكومة التي يقوم بناؤها على أساس الشريعة

الإسلامية، لا على قوانين الأهواء البشرية؛ ولذا كان صاحب الشريعة - صلى الله

عليه وسلم - مركزًا لقوات الأمة الكثيرة، ومرجعًا لشؤونها المختلفة.

ولما لحق النبي صلى الله عليه وسلم بربِّه، قام في مقامه خلفاؤه

الراشدون، فكانوا خير الخلفاء لسلفهم ورسولهم، وكانوا بذلك جامعين لسائر شؤون

الأمة الدينية والسياسية، وقابضين على جميع قواتها، ومشرفين على مناصبها كلها،

فكانت خلافتهم كالنبوة قائمة على أساس اجتماع القوى والمناصب؛ ولذا سميت

(بالخلافة الراشدة) ، و (الخلافة على منهاج النبوة) .

وليعلم أن منصب النبوة يشتمل على وظائفَ كثيرةٍ، منها تلقّي الوحي الإلهي،

وتشريع القوانين والأحكام الدينية والسياسية، وصاحب هذا المنصب معصوم

وغير مسئولٍ لدى الخلق، ولقد ارتفع هذا المنصب بموت النبي - صلى الله عليه

وسلم - وكملت الشريعة، وتمت نعمة الله على الخلق، فلا نبوة بعد نبوته، ولا

شريعةَ بعد شريعته، ولا حق في التشريع لأحدٍ بعده صلى الله عليه وسلم؛ لأن

الشيء إذا بلغ منتهى الكمال لا ينسخه شيءٌ آخر؛ إذ هذا منافٍ لكماله، ومُظهِر

لنقصه، قال الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ

لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً} (المائدة: 3) .

نعم، تمت هذه الوظائف النبوية الأساسية، ولكن بقيت لها وظائف أخرى

فرعية، وستبقى على حالها ما بقي من الناس باقٍ، وقد عبر عنها النبي - صلى

الله عليه وسلم - بعباراتٍ مختلفةٍ، فقال عن عمر رضي الله عنه إنه:

(محدث هذه الأمة) ، وقال عن العلماء إنهم (ورثة الأنبياء)، وقال: (الرؤيا

الصادقة جزءٌ من أربعين جزءًا من النبوة) ، وإنه:(لم يبقَ إلا المبشرات) ،

وحديث: (التجديد) أيضًا من هذا النوع.

فخلفاؤه الراشدون كانوا خلفاءه في جميع وظائفه النبوية غير تلقي الوحي

وحق التشريع؛ إذ هما خاصان به، لا يشاركه فيهما أحدٌ من الخلق [1] ، فكانوا

مثله خلفاء الله في أرضه، وأصحاب السلطان، والنفوذ فيها، وسُوَّاس الأمم،

وقُوَّاد الجيوش، وقضاة المحاكم، وأصحاب الاجتهاد والفتيا، ومنظّمي البلاد،

وفاتحي الأقطار، وحكام الأمم والشعوب؛ وذلك لأن (الخلافة والإمامة) في ذاتها

كالنبوة مشتملةٌ على الدين والدنيا، وخليفة المسلمين كنبيهم مجتهدٌ دينيٌّ، وحاكمٌ

سياسيٌّ، فكنتَ ترى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مثلاً في دار شوراه بالمسجد

النبوي، يفتي في المسائل الدينية مِن حيث إنه مجتهدٌ، وفقيهٌ، ويقضي ويحكم بين

الناس من حيث إنه قاضٍ، وحاكمٌ، وينظم الجيوش، ويفرق عليهم الجراية مِن

حيث إنه ناظر الحربية، ويضع الخطط الحربية مِن حيث إنه القائد العام، ويقابل

سفراء الروم من حيث إنه ملِكٌ وسلطانٌ، ثم تراه في سواد الليل متفقدًا أحوال

المدينة كأنه حارسٌ وخفيرٌ، وأبٌ رحيمٌ للمسلمين.

بل الأمر أكبر مما ذُكِر؛ فقد ناب الخلفاء الراشدون عن النبي - صلى الله

عليه وسلم - في وظائفه النبوية التنفيذية المتعلقة بهداية البشر التي جعلها القرآن

ثلاثة أقسامٍ بقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (آل عمران: 164)، فوظائف النبوة التنفيذية: تلاوة الآيات وتزكية النفوس،

وتعليم الكتاب والحكمة؛ فقاموا بهذه خير قيامٍ، ونابوا عنه فيها أحسن نيابةٍ، فكانوا

أسوةً به يتلون على الناس الآيات الإلهية، ويزكُّون القلوب والأرواح، ويربون

الأمة بتعليمها الكتاب وحكمة السنة، فكأنهم كانوا في آنٍ واحدٍ أبا حنيفة،

والشافعي وجنيدًا والشبلي وحمادًا والنخعي، وابن معين وابن راهويه

والبخاري، ولم يكن سلطانهم على الأجسام فقط، بل كانوا يحكمون على القلوب

والأرواح أيضًا بسيرتهم القويمة، وروحانيتهم القوية؛ ولذا سميت خلافتهم

(بالخلافة الراشدة) ، وجعلت أعمالهم تتمَّةً لأعمال النبوة، فقال - صلى الله عليه

وسلم - من وصيةٍ له: (فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين، عَضُّوا

عليها بالنواجذ) [2] ، فذكر مع سنته سنتهم، وأوصى الأمة بأن تعَضَّ عليها

بالنواجذ.

ولكن واأسفاه! ، لم تبق الخلافة النبوية، والهيئة الاجتماعية الإسلامية على

هذا المنوال طويلاً، بل انتهت بأمير المؤمنين علي عليه السلام، فعم الانتشار،

والتشتت جميع شؤون الأمة، فتزلزلت بناية الأمة الاجتماعية، وسقطت جدرانها،

فهي خاويةٌ على عروشها، وانتقض النظام الشرعي، وتبعثرت سائر القوى بعد

أن كانت كتلةً واحدةً مجتمعةً على نقطةٍ واحدةٍ، وتفرقت المناصب، والوظائف

على أناسٍ كثيرين، بعد أن كانت في يدٍ واحدةٍ؛ فمن ثَمَّ انفصلت الحكومة والسياسة

عن الدين والشريعة، وأصبحت الخلافة عاريةً من خصائصها الروحية، ومجردة

عن وظائفها المتشعبة عن نبع النبوة، فباتت ملكًا عَضوضًا طبقًا لقوله صلى الله

عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم ملك) ، وقد تقدم، وأما وظائفها

الدينية فانقسمت أيضًا، وقام بها أناس آخرون، فحمل القضاء والاجتهاد الفقهاء

والمجتهدون، فأصبحوا فرقة، وحمل وظيفة الإرشاد وتربية الأرواح وتزكية

النفوس الصوفية وصاروا فرقةً، مع أن هذه الوظائف كلها كانت في بدء الأمر بيد

الخليفة الإسلامي، فكان قائمًا بها كلها خير قيام، وكانت بيعته تغني عن غيره، بَيْد

أنه بعد الانتشار والتشتت أصبح ملكًا محضًا، نائيًا عن وظيفة الإفتاء والقضاء،

بعيدًا عن التعليم الروحي، وتزكية النفوس، فهُرع الناس إلى أصحاب الطرق

والمتصوفة وأخذوا يبايعونهم (بيعة التوبة والإرشاد)(على اصطلاحهم) ، فبعد

أن كانت القوى والمناصب، والوظائف مجتمعة في شخص الخليفة، فكان ملكًا

وفقيهًا وقاضيًا وقائدًا ومحتسبًا - تفرقت في دور الشتات، وأصبحت لا نظام لها

ولا زمام، بل كلما امتد الزمان زاد الطين بلة، والخرق سعة، حتى بلغ السيل

الزبى، وعمت البلوى، فتعارضت القوى، وتصادم بعضها ببعض أيما تصادم،

هذه هي الداهية الدهياء التي دهت الأمة الإسلامية، فقضت عليها، لا ما يتخبط

فيه الناس مِن اختراع الأسباب والعلل لسقوط المسلمين تقليدًا للإفرنج.

والحاصل أن الخلافة التي تلت الخلافة الراشدة - سواء كانت قرشية أو غير

قرشية - كانت حكومة دنيوية محضة، وملكًا عضوضًا بعيدةً عن النيابة النبوية في

وظائفها إلا السياسية والحكم (اللهم إلا خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه

وهي لا تزال على هذه الطريقة إلى الآن إلا ما كان في عهد السلطان عبد الحميد

من الانقلاب، وتأسيس الحكومة الدستورية [3] فإنه مما لا ريب فيه عود محمود إلى

الخلافة الراشدة قليلاً؛ لأن الشورى هي الشرط الأول، والميزة الكبرى للحكومة

الإسلامية الحق، أما في غير هذا فلم تغير من أحوالها شيئًا.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

المنار: حق التشريع في الإسلام لله؛ فهو الذي شرع الدين، وأحل الحلال، وحرم الحرام، واختلف العلماء في كونه تعالى أعطى للنبي أن يشرع من تلقاء نفسه ابتداءً أم لا، فذهب الجمهور إلى أن جميع ما ثبت في سنته من الأحكام فهو بوحيٍ من الله تعالى غير القرآن، أو باجتهادٍ في فهم أحكامه، والاستنباط منها، ولهم دلائل كثيرة على هذا، أظهرها إسناد الشرع إليه تعالى، بقوله:

[شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ](الشورى: 13) إلخ، وقوله:[ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا](الجاثية: 18) وإذا أطلق عليه صلى الله عليه وسلم لقب الشارع فإنما يراد به على هذا القول مبلِّغ الشريعة، ومبيِّنها، وقال بعضهم إن الله أذن له بالتشريع من تلقاء نفسه، واستدلوا بتحريمه للمدينة كما حرم إبراهيم مكة أن يباح صيدها أو يعضد شجرها أو يُختلى خلاتها (أي يقطع حشيشها) ولما قال له عمه العباس:(إلا الإذخر يا رسول الله) ، وهو نبات عطر كانوا يضعونه على الموتى عند دفنهم، قال:(إلا الإذخر) ، ووراء هذا التشريع الديني ما جعل الله أمره مفوضًا إلى الرسول، وإلى أُولي الأمر، يقررونه بالمشاورة، وهو جميع ما يتعلق بالمصالح الدنيوية، ويسمى - في عرف علماء الحقوق، والقوانين - تشريعًا، وسنعود إلى بيانه عند الكلام على أولي الأمر.

(2)

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث العرباض بن سارية وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وأول المرفوع منه:(أوصيكم بتقوى الله) .

(3)

المنار: إن الانقلاب الذي وقع في آخر عهد عبد الحميد - بالرغم منه وكان قاضيًا على سلطته- لم يكن شرعيًّا، ولا وقع انتصارًا للشرع، وعودًا إليه، بل تقليدًا للإفرنج، ومن أصوله أن يسلب من الخليفة السلطة المستقلة في كل شيءٍ، ولكنه مع ذلك أدنى إلى تمكين الأمة من إقامة الحق، والعدل، ومراعاة الشرع من السلطة الاستبدادية التي كان يتمتع بها إذا كان الرأي العام في الأمة يريد ذلك.

ص: 102