المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الهجر الجميل والصفحوالصبر الجميل [ - مجلة المنار - جـ ٢٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (23)

- ‌جمادى الأولى - 1340ه

- ‌فاتحة المجلد الثالث والعشرين

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌سؤالعن الاسترقاق المعهود في هذا الزمان

- ‌مسيح الهند

- ‌إشْكَال في بيت من الشعر

- ‌العلة الحقيقية لسعادة الإنسان [

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(2)

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌تنبيه

- ‌جمادى الآخرة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(3)

- ‌الرحلة الأوربية(1)

- ‌الرحلة السورية الثانية(8)

- ‌سعيد حليم باشا

- ‌السياسة الإنكليزيةفي البلاد العربية

- ‌رجب - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(4)

- ‌جمعية الرابطة الشرقية

- ‌العبر التاريخيةفي أطوار المسألة المصرية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(9)

- ‌شعبان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الإسلام والنصرانية

- ‌رسالة تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(5)

- ‌الرحلة الأوربية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(10)

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌رمضان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد [

- ‌الرحلة الأوربية(3)

- ‌مصابنا بشقيقناالسيد صالح مخلص رضا

- ‌شوال - 1340ه

- ‌تتمة كلام الغزاليفي مسألة الحلال والحرام

- ‌إسلام الأعاجم عامة والترك خاصة

- ‌الرحلة الأوربية(4)

- ‌مسألة ثواب القراءة للموتى

- ‌تعزيتان

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌ذو القعدة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الهجر الجميل والصفحوالصبر الجميل [

- ‌ترجمة الأستاذ الإمام

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(6)

- ‌الرحلة الأوربية(5)

- ‌ذو الحجة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الاحتفال بذكرى الأستاذ الإمام(2)

- ‌التسمية باسم الأستاذ الإمام

- ‌الوثائق الرسمية للمسألة العربية

- ‌تتمةتلخيص مكتوباتنائب ملك الإنكليز لأمير مكة(تابع ص624)

- ‌الرحلة الأوربية(6)

- ‌ربيع الأول - 1341ه

- ‌حكم استعمالالإسبرتو - الكحول

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌عطوف آل رضا

- ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

- ‌الرحلة الأوربية(7)

- ‌الانقلاب التركي

- ‌ظفر الترك باليونان

- ‌ربيع الآخر - 1341ه

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(7)

- ‌خطبة الغازيمصطفى كمال باشا

- ‌مؤتمر لوزانللصلح في الشرق

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌البهائيةبعد موت زعيمهم عباس أفندي

- ‌خاتمة المجلد الثالث والعشرين

الفصل: ‌الهجر الجميل والصفحوالصبر الجميل [

الكاتب: محمود شكري الآلوسي

‌الهجر الجميل والصفح

والصبر الجميل [

1]

محمود شكري الآلوسي

بسم الله الرحمن الرحيم

سُئل الشيخ الإمام، العالم العامل، الحبر الكامل، شيخ الإسلام، ومفتي الأنام

تقي الدين بن تيمية - أيده الله، وزاده من فضله - العظيم عن الصبر الجميل،

والصفح الجميل، والهجر الجميل، وما أقسام التقوى والصبر الذي عليه الناس.

فأجاب رحمه الله:

الحمد لله، أما بعد:

فإن الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل،

فالهجر الجميل هجر بلا أذى، والصفح الجميل صفح بلا عتاب، والصبر الجميل

صبر بلا شكوى، قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي

إِلَى اللَّهِ} (يوسف: 86) .

فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر الجميل، ويُروى عن موسى - عليه الصلاة

والسلام - أنه كان يقول: اللهم لك الحمد، وإليك المشتكَى، وأنت المستعان، وبك

المستغاث، وعليك التكلان، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم

إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، أنت رب

المستضعفين، وأنت ربي، اللهم إلى مَن تكلني؟ ، أَإِلى بعيدٍ يتجهَّمني، أم إلى

عدو ملَّكتَه أمري؟ ، إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك هي

أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت الظلمات له، وصلح عليه أمر الدنيا

والآخرة، أن ينزل بي سخطك، أو يحل عليَّ غضبك، لك العُتْبَى حتى

ترضى) ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرأ في صلاة الفجر:

{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} (يوسف: 86) ، ويبكي حتى يُسمع نشيجُهُ من

آخر الصفوف، بخلاف الشكوى إلى المخلوق، قرئ على الإمام أحمد في مرض

موته أن طاووسًا كره أنين المريض، وقال: إنه شكوى، فما أَنَّ حتى مات، وذلك

أن المشتكي طالبٌ بلسان الحال، إما إزالة ما يضره، أو حصول ما ينفعه، والعبد

مأمور أن يسأل ربه دون خلقه، كما قال تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى

رَبِّكَ فَارْغَبْ} (الشرح: 7-8) .

وقال صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت

فاستعن بالله) .

ولا بد للإنسان من شيئين: طاعته بفعل المأمور، وترك المحظور، وصبره

على ما يصيبه من القضاء المقدور، فالأول هو التقوى، والثاني هو الصبر، قال

تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً

} (آل

عمران: 118) إلى قوله: {

وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ

اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 120)، وقال تعالى: {

بَلَى إِن

تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ

مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125) وقال تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن

تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186)، وقد قال يوسف:

{قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ

وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 90) .

ولهذا كان الشيخ عبد القادر ونحوه من المشايخ المستقيمين يوصون في عامة

كلامهم بهذين الأصلين: المسارعة إلى فعل المأمور، والتقاعد عن فعل المحظور،

والصبر والرضا بالأمر المقدور؛ وذلك أن هذا الموضع غلط فيه كثير من العامة،

بل ومن السالكين، فمنهم مَن يشهد القدر فقط، ويشهد الحقيقة الكونية دون الدينية،

فيرى أن الله خالق كل شيءٍ وربه، ولا يفرق بين ما يحبه الله ويرضاه، وبين ما

يسخطه ويبغضه، وإن قدَّره وقضاه، ولا يميز بين توحيد الألوهية، وبين توحيد

الربوبية، فيشهد الجمع الذي يشترك فيه جميع المخلوقات - سعيدها وشقيّها -

مشهد الجمع الذي يشترك فيه المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والنبي الصادق،

والمتنبي الكاذب، وأهل الجنة وأهل النار، وأولياء الله وأعداؤه، والملائكة

المقربون والمردة الشياطين، فإن هؤلاء كلهم يشتركون في هذا الجمع، وهذه

الحقيقة الكونية، وهو أن الله ربهم وخالقهم ومليكهم، لا رب لهم غيره، ولا يشهد

الفرق الذي فرَّق الله بين أوليائه وأعدائه، وبين المؤمنين والكافرين، والأبرار

والفجار، وأهل الجنة والنار، وهو توحيد الألوهية، وهو عبادته وحده، لا شريك

له، وطاعته وطاعة رسوله، وفعل ما يحبه ويرضاه، وهو ما أمر به ورسوله،

أمر إيجاب، أو أمر استحباب، وترك ما نهى الله عنه ورسوله وموالاة أوليائه،

ومعاداة أعدائه، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين

بالقلب واليد واللسان، فمَن لم يشهد هذه الحقيقة الدينية الفارقة بين هؤلاء وهؤلاء،

ويكون مع أهل الحقيقة الدينية، وإلا فهو من جنس المشركين، وهو شر من اليهود

والنصارى؛ فإن المشركين يقرون بالحقيقة الكونية؛ إذ هم يقرون بأن الله رب كل

شيء، كما قال تعالى {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (لقمان: 25) ، وقال تعالى:] قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ *

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ *

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ [2] قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ

عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [؛ ولهذا قال سبحان

(المؤمنون: 84-89) هـ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَاّ وَهُم مُّشْرِكُونَ} (يوسف:

106) ، قال بعض السلف: تسألهم مَن خلق السموات والأرض؟ ، فيقولون الله،

وهم مع هذا يعبدون غيره!

مَن أقر بالقضاء والقدر دون الأمر والنهي الشرعيين فهو أكفر من اليهود

والنصارى، فإن أولئك يقرون بالملائكة والرسل الذين جاءوا بالأمر والنهي

الشرعيين، لكن آمنوا ببعض، وكفروا ببعض، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ

يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ

وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقاًّ} (النساء: 150-151) .

وأما الذي يشهد الحقيقة الكونية، وتوحيد الربوبية الشامل للخليقة، ويقر أن

العباد كلهم تحت القضاء والقدر، ويسلك هذه الحقيقة، فلا يفرق بين المؤمنين

والمتقين الذين أطاعوا أمر الله الذي بعث به رسله، وبين مَن عصى الله ورسوله

من الكفار والفجار - فهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى [3] ، لكن من الناس مَن قد

لمحوا الفرق في بعض الأمور دون بعض، بحيث يفرق بين المؤمن والكافر، ولا

يفرق بين البر والفاجر، أو يفرق بين بعض الأبرار، وبين بعض الفجار، ولا

يفرق بين آخرين اتباعًا لظنه، وما يهواه، فيكون ناقص الإيمان بحسب ما سوّى

بين الأبرار والفجار، ويكون معه من الإيمان بدين الله تعالى الفارق بحسب ما

فرّق به بين أوليائه وأعدائه.

ومَن أقر بالأمر والنهي الدينيين دون القضاء والقدر، وكان من القدرية

كالمعتزلة وغيرهم الذين هم مجوس هذه الأمة - فهؤلاء يشبهون المجوس،

وأولئك يشبهون المشركين، الذين هم شر من المجوس، ومَن أقر بهما، وجعل

الرب متناقضًا فهو من أتباع إبليس الذي اعترض على الرب سبحانه، وخاصمه

كما نُقل ذلك عنه.

فهذا التقسيم من القول والاعتقاد - وكذلك هم في الأحوال والأفعال -

فالصواب منها حالة المؤمن الذي يتَّقي الله فيفعل المأمور، ويترك المحظور،

ويصبر على ما يصيبه من المقدور، فهو عند الأمر والدين والشريعة، ويستعين

بالله على ذلك، كما قال تعالى:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (الفاتحة: 5) ،

وإذا أذنب استغفر، وتاب، لا يحتج بالقدر على ما يفعله من السيئات، ولا يرى

للمخلوق حجة على رب الكائنات، بل يؤمن بالقدر، ولا يحتج به، كما في الحديث

الصحيح الذي فيه سيد الاستغفار أن يقول العبد: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت،

خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما

صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفرْ لي؛ فإنه لا يغفر الذنوبَ إلا

أنت) ، فيقر بنعمة الله عليه في الحسنات، ويعلم أنه هو هداه ويسره لليسرى،

ويقر بذنوبه من السيئات، ويتوب منها، كما قال بعضهم: (أطعتك بفضلك،

والمنَّة لك، وعصيتك بعلمك، والحجة لك، فأسألك بوجوب حجتك عليَّ، وانقطاع

حجتي - إلا ما غفرت لي) . وفي الحديث الصحيح الإلهي: (يا عبادي، إنما

هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمَن وجد خيرًا فليحمدِ الله، ومَن وجد

غير ذلك فلا يلومنَّ إلا نفسه) [4] ، وهذا له تحقيق مبسوط في غير هذا الموضع.

وآخرون قد يشهدون الأمر فقط، فتجدهم يجتهدون في الطاعة، حسب

الاستطاعة، لكن ليس عندهم من مشاهدة القدر ما يوجب لهم حقيقة الاستعانة

والتوكل والصبر، وآخرون يشهدون القدر فقط، فيكون عندهم من الاستعانة

والتوكل والصبر ما ليس عند أولئك، لكنهم لا يلتزمون أمر الله ورسوله، واتباع

شريعته، وملازمة ما جاء به الكتاب والسنة من الدين، فهؤلاء يستعينون بالله، ولا

يعبدونه، والذين من قبلهم يريدون أن يعبدوه، ولا يستعينوه، والمؤمن يعبده،

ويستعينه.

والقسم الرابع - شر الأقسام - وهو مَن لا يعبده، ولا يستعينه، فلا هو مع

الشريعة الأمرية، ولا مع القدر الكوني، وانقسامهم إلى هذه الأقسام هو فيما يكون

قبل وقوع المقدور من توكل واستعانة ونحو ذلك، وما يكون بعده من صبر ورضاء

ونحو ذلك، فهم في التقوى، وهي طاعة الأمر الديني، والصبر على ما يقدر عليه

من القدر الكوني، أربعة أقسام:

(أحدها) أهل التقوى والصبر، وهم الذين أنعم الله عليهم من أهل السعادة

في الدنيا والآخرة.

(والثاني) الذين لهم نوع من التقوى بلا صبر، مثل الذين يمتثلون ما عليهم

من الصلاة ونحوها، ويتركون المحرمات، لكن إذا أُصيب أحدهم في بدنه بمرض

ونحوه أو في ماله أو في عرضه، أو ابتلي بعدو يخيفه عظم جزعه، وظهر

هلعه.

(والثالث) قوم لهم نوع من الصبر بلا تقوى، مثل الفجار الذين يصبرون

على ما يصيبهم في مثل أهوائهم كاللصوص والقُطَّاع الذين يصبرون على الآلام في

مثل ما يطلبونه من الغصب وأخذ الحرام والكُتاب وأهل الديوان الذين يصبرون

على ذلك في طلب ما يحصل لهم من الأموال بالخيانة وغيرها، وكذلك طلاب

الرياسة والعلو على غيرهم يصبرون من ذلك على أنواع من الأذى التي لا يصبر

عليها أكثر الناس.

وكذلك أهل المحبة للصور المحرمة من أهل العشق وغيرهم يصبرون في

مثل ما يهوونه من المحرمات على أنواع من الأذى والآلام، وهؤلاء هم الذين

يريدون علوًّا في الأرض، أو فسادًا من طلاب الرياسة، والعلو على الخلق، ومن

طلاب الأموال بالبغي والعدوان، والاستمتاع بالصور المحرمة نظرًا أو مباشرة

وغير ذلك، يصبرون على أنواع من المكروهات، ولكن ليس لهم تقوى فيما تركوه

من المأمور، وفعلوه من المحظور، وكذلك قد يصبر الرجل على ما يصيبه من

المصائب كالمرض والفقر وغير ذلك، ولا يكون فيه تقوى إذا قدر.

(وأما القسم الرابع) فهو شر الأقسام: لا يتقون إذا قدروا، ولا يصبرون

إذا ابتُلوا، بل هم كما قال الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ

جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} (المعارج: 19-21) ، فهؤلاء تجدهم من

أظلم الناس، وأجبرهم إذا قدروا، ومن أذل الناس وأجزعهم إذا قهروا، إن قهرتهم

ذلوا لك، ونافقوك، وحبوك، واسترحموك، ودخلوا فيما يدفعون به عن أنفسهم من

أنواع الكذب والذل وتعظيم المسئول، وإن قهروك كانوا من أظلم الناس وأقساهم

قلبًا، وأقلهم رحمةً، وإحسانًا وعفوًا، كما قد جربه المسلمون في كل مَن كان عن

حقائق الإيمان أبعد، مثل التتار الذين قاتلهم المسلمون، ومَن يشبههم في كثير من

أمورهم، وإن كان متظاهرًا بلباس جند المسلمين وعلمائهم وزُهَّادهم وتجارهم

وصُنَّاعهم، فالاعتبار بالحقائق، (فإن الله لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم،

وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) ، فمَن كان قلبه وعمله من جنس قلوب التتار

وأعمالهم - كان شبيهًا لهم من هذا الوجه، وكان ما معه من الإسلام، أو ما يُظهره

منه بمنزلة ما معهم من الإسلام، وما يظهرونه منه، بل يوجد في غير التتار

المقاتلين من المظهرين للإسلام مَن هو أعظم ردة وأولى بالأخلاق الجاهلية، وأبعد

عن الأخلاق الإسلامية - من التتار.

وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في خطبته:

(خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ، وشر الأمور محدثاتها، وكل

بدعة ضلالة) ، وإذا كان خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد فكل مَن

كان إلى ذلك أقرب، وهو به أشبه - كان إلى الكمال أقرب، وهو به أحق، ومَن

كان عن ذلك أبعد وشبهه أضعف - كان عن الكمال أبعد، وبالباطل أحق، والكامل

هو مَن كان لله أطوع، وعلى ما يصيبه أصبر، فكلما كان أتبعَ لما يأمر الله به

ورسوله، وأعظم موافقة لله فيما يحبه ويرضاه، وصبرًا على ما قدره وقضاه -

كان أكمل وأفضل، وكل مَن نقص عن هذين كان فيه من النقص بحسب ذلك.

وقد ذكر الله تعالى الصبر والتقوى جميعًا في غير موضع من كتابه، وبيَّن

أنه ينتصر العبد على عدوه [5] من الكفار المحاربين المعاهدين والمنافقين، وعلى

مَن ظلمه من المسلمين، ولصاحبه تكون العاقبة، قال الله تعالى: {بَلَى إِن

تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلائِكَةِ

مُسَوِّمِينَ} (آل عمران: 125)، وقال الله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً وَإِن

تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (آل عمران: 186)، وقال تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ

بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ

تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا

آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ

الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِن تَصْبِرُوا

وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران: 118-

120) ، وقال إخوة يوسف: {أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ

اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 90) ،

وقد قرن الصبر بالأعمال الصالحة عمومًا وخصوصًا، فقال تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا

يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} (يونس: 109) .

وفي اتباع ما أُوحي إليه التقوى كلها تصديقًا لخبر الله وطاعة لأمره، وقال

تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ

ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المُحْسِنِينَ} (هود: 114-

115) ، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ

بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} (غافر: 55)، وقال تعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ

بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ} (طه: 130) ،

وقال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} (البقرة: 45)، وقال تعالى:{اسْتَعِينُوا بْالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة: 153) ، فهذه مواضع قرن فيها الصلاة والصبر.

وقرن بين الرحمة والصبر في مثل قوله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (البلد: 17) ، وفي الرحمة الإحسان إلى الخلق بالزكاة

وغيرها؛ فإن القسمة أيضًا رباعية؛ إذ من الناس مَن يصبر، ولا يرحم كأهل

القوة والقسوة، ومنهم مَن يرحم ولا يصبر كأهل الضعف واللين مثل كثير من

النساء ومَن يشبههن، ومنهم مَن لا يصبر ولا يرحم كأهل القسوة والهلع،

والمحمود هو الذي يصبر ويرحم، كما قال الفقهاء في المتولي ينبغي أن يكون قويًّا

من غير عنف، لينًا من غير ضعف، فبصبره يقوى، وبلينه يرحم، وبالصبر

يُنصر العبد؛ فإن النصر مع الصبر، وبالرحمة يرحمه الله تعالى، كما قال النبي-

صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)، وقال: (مَن لا

يَرحم لا يُرحم) ، وقال:(لا تُنزع الرحمةُ إلا من شقي) ، (والراحمون يرحمهم

الرحمن، ارحموا مَن في الأرض يرحمْكم مَن في السماء) ، والله أعلم، انتهى.

_________

(1)

هذه الفتوى أو الرسالة أرسلها إلينا - مع كثير من أمثالها - صديقنا علامة العراق السيد محمود شكري الآلوسي - أثابه الله - وسننشرها، ثم نجمعها في كتاب خاص إن شاء الله تعالى.

(2)

هذه قراءة أبي عمرو ويعقوب في الآية، وما بعدها، وقرأ الباقون (لله) ، وهي المشهورة

عندنا.

(3)

الاصطلاح الشرعي أن الكفر إذا أُطلق انصرف إلى ما يقابل الإسلام، ويضاده، فالمراد هنا أن من المسلمين جنسيةً أو ادعاءً مَن هم أبعد عن الإسلام من أهل الكتاب، ويطلق الكفر أحيانًا بالمعنى اللغوي، وإذا أطلق في عرف هذا العصر فالمراد به الإلحاد والتعطيل المطلق، ولا يدخل فيه أهل الكتاب، كما هو ظاهر.

(4)

حديث قدسي رواه مسلم في صحيحه.

(5)

المنار: كذا في الأصل، والمعنى الذي يقتضيه المقام: أنه ينصر العبد الصابر على عدوه إلخ، وقوله بعده:(المحاربين المعاهدين) غير ظاهر؛ فإن المعاهد غير المحارب ولعله: المعاندين.

ص: 501

الكاتب: محيي الدين آزاد

الخلافة الإسلامية

ألَّفه باللغة الأُوردية أحد زعماء النهضة الهندية

مولانا أبو الكلام محيي الدين آزاد - صاحب مجلة (الهلال) الهندية

وترجمه بالعربية أحد تلاميذ دار الدعوة والإرشاد

الشيخ عبد الرزاق المليح آبادي - محرر جريدة (بيغام) الهندية

فصل

إجماع أهل السنة والشيعة

ومثل الصحابة والتابعين كانت سيرة أئمة العترة عليهم السلام مع خلفاء

بني أمية، وبني العباس، وإن كانوا يرون أنفسهم أحق بالخلافة منهم، ولكن مع

ذلك لم يخرج عليهم أحد منهم، ولا انحرف عن طاعتهم، بل ظلوا تحت أمرهم

طائعين؛ لأن حكومتهم كانت قد تمكَّنت، ولما خرج من أهل البيت زيد، أنكر

عليه الإمام جعفر الصادق عمله لنفس هذه العلة، ولأجلها قَبِلَ الإمام علي الرضا

عهد المأمون بالخلافة إليه؛ لأنه لو لم يكن من المُسَلِّمين لخلافته لما قَبِلَ العهد، بل

لردَّه، واجتنبه منه، ولكنه لما لم يفعل ذلك ثبت أنه كان يرى خلافة المأمون

صحيحة وشرعية.

ولا يُؤثْر عن هؤلاء الأئمة الأطهار شيءٌ يثبت أنهم منعوا أحدًا من طاعة

خلفاء بني أمية، أو بني العباس، بل في كتب الحديث للإمامية - مثل أصول

الكافي وغيره - ما يُثْبِتُ أنهم مع إظهار استحقاقهم للخلافة، وشكوى الغصب

والتعدي عليهم - منعوا الناس من الخروج والغدر.

وأقطع برهان على ذلك عمل أمير المؤمنين علي عليه السلام نفسه،

الذي تدَّعي الإمامية أن خلافته كانت منصوصة، وأنه لم تكن الخلافة جائزة لغيره

في حياته، ولكن مع ذلك معلوم لكل الناس أنه عليه السلام لم يخرج على الخلفاء

الثلاثة الذين مَضَوْا قبله، ولا تخلَّف عن بيعتهم، ولا تنحَّى عنهم، بل ظل عشرين

سنة على طاعتهم، ومؤازرتهم، ومناصحتهم، حتى لحقوا بربهم، وآلت الخلافة

إليه، فأثبت بعمله هذا أن الأمة إذا اجتمعت على رجل فلا تجوز مخالفته وعصيانه،

والخروج عليه، بل على كل الناس أن يطيعوه، ويسمعوا له، فإذا كان هذا غير

جائز للخليفة المنصوص على خلافته فكيف يجوز لعامة الناس؟ !

فأهل السنة والإمامية كلاهما متفقان في هذه المسألة، وأما الخلاف المشهور

بينهما فإنما هو في الخلافة الجمهورية، أي إذا قدرت الأمة على نصب الخليفة فمَن

تنصب؟ فالشيعة تشترط أن يكون من أهل البيت فقط، وأهل السنة ينكرون هذا

الشرط، ولكن إذا لم يبق هذا النظام، ولم تقدر الأمة على الانتخاب لتغلُّب

المتغلِّبين على الخلافة، فإن قويت شوكتهم، وانقادت لهم الأمور انقيادًا - فكل من

الشيعة وأهل السنة يقول قولاً واحدًا، وهو أنه يجب طاعته، وإلى هذا ذهبت

الزيدية، وغيرها من الفرق الإسلامية.

***

فصل

الشواهد من كتب العقائد والفقه

وإِنَّا لنورد ههنا بعض مقالات كتب العقائد والفقه التي يتدارسها المسلمون في

مدارسهم ومساجدهم من قرون عديدة؛ ليسهل على الناس مراجعتها:

ففي شرح المقاصد: (وأما إذا لم يوجد مَن يصلح لذلك، أو لم يقدر على

نصبه لاستيلاء أهل الباطل وشوكة الظلمة وأرباب الضلال - فلا كلام في جواز

تقليد القضاء، وتنفيذ الأحكام، وإقامة الحدود، وجميع ما يتعلق بالإمام من كل ذي

شوكة) ، ثم بعد بيان شروط الإمامة - يقول: (نعم، إذا لم يقدر على اعتبار

الشرائط جاز ابتناء الأحكام المتعلقة بالإمامة على كل ذي شوكة يقتدر، تغلب أو

استولى) ، وفيه أيضًا: (فإن لم يوجد من قريش مَن يجمع الصفات المعتبرة وُلِّيَ

كناني، فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل، فإن لم يوجد فرجل من العجم) .

وفي المرقاة شرح المشكاة: (وأما الخروج عليهم، وقتالهم فمحرم، وإن

كانوا فسقة ظالمين) ، ويكتب في شرح حديث: (مَن أتاكم وأمرُكُمْ جميعٌ على

رجلٍ واحدٍ

) -: (أي له أهلية الخلافة أو التسلُّط والغَلَبَة) .

وفي الشامي: (ويثبت عقد الإمامة إما باستخلاف الخليفة إياه كما فعل أبو

بكر، وأما ببيعة جماعة من العلماء، أو من أهل الرأي) .

وفي المسامرة: (والمتغلب تصح منه هذه الأمور - أي ولاية القضاء

والإمارة والحكم بالاستفتاء ونحوها - للضرورة، وصار الحال عند التغلب كما لو

لم يوجد قرشي عدل، أو وُجد ولم يقدر - أي لم توجد قدرة على توليته لغلبة

الجَوَرَة -، إذ يُحكم في كل من الصورتين بصحة ولاية مَن ليس بقرشي، ومَن

ليس بعدل للضرورة) .

وفي شرح المواقف - بعد بيان شروط الإمامة -: (ولكن للأمة أن ينصبوا

فاقدها؛ دفعًا للمفاسد التي تندفع بنصبه) (634) .

وقد أعطى البحث حقه الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، حيث

يقول: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلِّب والجهاد معه، وأن

طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقن الدماء، وتسكين الدهماء، ولم

يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح - فلا تجوز طاعته في ذلك،

بل تجب مجاهدته لمَن قدر عليها كما في الحديث) (ج 13: 7) ، ويكتب في

شرح حديث حذيفة: (

فاعتزل الفرقَ كلها)

إلخ، (قال ابن بطال: فيه

حجة لجماعة الفقهاء في وجوب لزوم جماعة المسلمين، وترك الخروج على أئمة

الجور؛ لأنه وصف الطائفة الأخيرة بأنهم دعاة على أبواب جهنم، ومع ذلك أمر

بلزوم الجماعة) (كتاب الفتن، ج 13، صفحة 31) .

ويشرح حديث: (اسمعوا، وأطيعوا، وإن استُعمِل عليكم عبد حبشي) -

بقوله: (وأما لو تغلب عبد حقيقة بطريق الشوكة فإن طاعته تجب إخمادًا للفتنة)

(فتح، 13: 109) .

وقال النواوي في شرح مسلم: (وهذه الأحاديث في الحث على السمع

والطاعة في جميع الأحوال، وسببها اجتماع كلمة المسلمين؛ فإن الخلاف سبب

لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم، وقوله: صلى الله عليه وسلم: (وإن كان عبدًا

مجدع الأطراف) ، يعني مقطوعها، والمراد أخس العبيد، أي اسمع وأطع للأمير،

وإن كان دنيء النسب

ويتصور إمارة العبد إذا ولاه بعض الأئمة، أو تغلب

على البلاد بشوكته) .. إلخ (ج2: 125) .

وقال الشوكاني في الدرر البهية: (وطاعة الأئمة واجبة إلا في معصية الله،

ولا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة) (شرح الدرر: 414) .

وفي حجة الله البالغة لشاه ولي الله الدهلوي: (إن الخليفة إذا انعقدت خلافته

ثم خرج آخر ينازعه حل قتله) .

وقال رضي الله عنه في كتابه (إزالة الخفاء) بالفارسية ما ترجمته - وقد

بحث في هذا الكتاب مسألة الخلافة بحثًا مفصلاً وجامعًا لم يبحث مثله أحد قبله -

(والخروج على السلطان الفاقد للشروط أيضًا حرام بعد اجتماع المسلمين

عليه، إلا أن يُظهر كفرًا بواحًا، وقد تواتر هذا معنى) (ج 1، ص 132) .

وحاصل هذه الشواهد ما مر بك من قبل، وهو أنه يجب أن يكون للأمة إمام

وخليفة ذو شوكة ومَنَعَة في كل زمان، فإن استطاعت الأمة نصبه فعليها أن تراعي

الشروط التي شرطتها الشريعة في الخليفة، وإن استولى على الخلافة رجل مسلم

بقوته وعصبيته، وانعقدت حكومته - فيجب على كل الناس طاعته، وقبول

خلافته، سواء أكان قرشيًّا أو غير قرشي، عادلاً أو ظالمًا، عالي النسب أو دانيه،

حتى وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدع الأطراف، فيجب طاعته، ومناصرته على

أعدائه، إلا أن يُرَى منه كفرٌ ظاهرٌ، فلا طاعة في هذه الحالة، ولا سمع ولا بيعة،

بل يجب الخروج عليه ومقاتلته، ومَن لم يستطع ذلك يهاجر من بلده، قال

العسقلاني في الفتح: (فمَن قام على ذلك فله الثواب، ومَن داهن فعليه الإثم، ومَن

عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض) (109: 13) .

وعلم من هذا أيضًا أن الكفار إذا استولوا على بلد إسلامي يجب على أهله

الخروج عليهم، ومقاتلتهم، ولا يحل لهم أن يداهنوهم، ويداروهم، ومَن عجز

فعليه الهجرة من ذلك البلد؛ لأنه لا يجوز لمسلمٍ البقاء تحت حكم الكفار.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 509

الكاتب: محمد رشيد رضا

الاحتفال بذكرى الأستاذ الإمام

مقدمة

لقد كان مما أصاب شيخنا الأستاذ الإمام - من وراثة العلماء للأنبياء عليهم

الصلاة والسلام - أن حياته كانت خيرًا للناس؛ بما كان ينفعهم فيها بعلمه وعمله،

وسيرته وهدْيه؛ إذ كانت كل أوقاته مصروفة لمنفعة الأمة في جملتها، أو للعفاة

وطلاب الحاجات من أفرادها، وقلما كان يعمل لخاصة نفسه أو لبيته شيئًا، فلما

مات كان في مماته خير للناس بما شعروا به من الحاجة إلى الإصلاح الذي كان

يقوم به، وإلى الإمام الذي يهدي السبيل، والأستاذ الذي ينير الدليل، والطبيب

الذي يشفي العليل، والزعيم الذي يسير بالأمة من حنادس الشبهات، ودياجير

المشكلات إلى نور الحق المبين، فيما ينبغي أن تكون عليه في أمري الدنيا والدين،

فمازال أهل البصيرة منها والرأي يذكرونه كلما حزبهم أمر، وفي الليلة الظلماء

يُفتقد البدر، حتى إذا ما تطورت الأطوار، وانسلخ من الليل النهار، واضطربت

في المصلحة العامة الأفكار - توجهت العقول البحَّاثة، والقلوب الحساسة إلى

الاحتفال بإحياء ذِكْره، وتجديد البحث في تعليمه وهدْيه، اشترك في ذلك الشيخ

الضعيف القُوَى، والكهل الحصيف الذي بلغ أشُدَّه واستوى، والأستاذ المعلم،

والتلميذ المتعلم، حتى كان السابق إلى اقتراح ذلك في الصحف اليومية - طالب من

طلبة المدارس الثانوية، لم يدرك عهد الإمام، ولكنه أدرك قيمة ما ترك للأمة من

الصُّوَى والأعلام.

تشاور بعض تلاميذ الإمام ومريديه في الاحتفال بإحياء ذكره، وعرض

خلاصة من سيرته على الأمة، مع شيءٍ من نتائج فكره، فألفوا لذلك لجنة من

إخوانهم، واختاروا أن يرأس لجنتهم أحد أكابر علماء الأزهر الأعلام، الواقفين

على نشأة الأستاذ الإمام، وعرضوا ذلك على فضيلة الأستاذ الشيخ محمد بخيت،

الذي كان زميله في طلب العلم، وخلفه في إفتاء ديار مصر، ورجحوه بمجموعة

من المزايا، لا توجد في غيره، فحبَّذ رأيهم، وقبِل اقتراحهم، ثم اختاروا بعد

التشاور أن يكون الاحتفال في دار الجامعة المصرية، واجتمعوا فيها المرة بعد

المرة، فوضعوا النظام له، وجمعوا من أنفسهم ما قدروه له من النفقة، وقرروا أن

يفتتح الجلسة الرئيس بخطبة مناسبة للمقام، ويتلوه الأستاذ أحمد لطفي بك السيد

بكلمة يقولها باسم الجامعة المصرية، وأن يقفِّي عليه الأستاذ الشيخ مصطفى عبد

الرازق بإلقاء ترجمة للإمام مفصَّلة، وأن يُلقي بعد الدكتور منصور فهمي كلمة يعبر

بها عن رأي النابتة العصرية في الإمام، وما له في قلوب أحرار الفكر من المقام،

وأن ينشد بعده محمد حافظ بك إبراهيم قصيدته، ثم يختم الحفلة صاحب المنار، بما

عساه يتسع له الوقت من الكلام.

ثم إنهم بعد ذلك نشروا في الجرائد ما يأتي:

(إحياء ذكرى الأستاذ الإمام)

فكر جماعة من تلاميذ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده في الاحتفال بإحياء

ذكراه، وتألفت لجنة منهم برئاسة زميله حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ

محمد بخيت، وقررت أن تكون الحفلة بدار الجامعة المصرية، الساعة الخامسة من

مساء يوم الثلاثاء 16 ذي القعدة سنة 1340 الموافق 11 يوليو سنة 1922 (وهو

يوم وفاته بالحساب الشمسي) .

ووضعت اللجنة نظام الحفلة، وعينت خطباءها مراعية ما يتسع له الوقت،

وما يناسب الغرض من الاحتفال بإمام مصلح.

وستطبع اللجنة ما يُلْقَى في الحفلة في كراسة خاصة، مع ما يرد إليها من

الخطب والقصائد المختارة.

وهذه أسماء حضرات أعضاء اللجنة:

(1)

الشيخ محمد بخيت - رئيس.

(2)

الشيخ عبد الحميد البكري.

(3)

السيد محمد رشيد رضا.

(4)

الشيخ محمد مصطفى المراغي.

(5)

الشيخ محمد هلالي الإبياري

(6)

الشيخ عبد المجيد سليم.

(7)

الشيخ مصطفى عبد الرازق.

(8)

الشيخ علي سرور الزنكلوني.

(9)

أحمد زكي باشا.

(10)

حسن عبد الرازق باشا.

(11)

السيد عبد الرحيم باشا الدمرداش.

(12)

أحمد بك لطفي السيد.

(13)

حنا بك باخوم.

(14)

الدكتور طه حسين.

(15)

الدكتور منصور فهمي - السكرتير.

ولما جاء اليوم الموعود كانت اللجنة قد أتمَّت الاستعداد للاحتفال في رحبة دار

الجامعة المصرية بعد إذن مجلس إدارة الجامعة لها بذلك، ففرشت أرضها بالرمل

الأصفر، ونصبت في صدر المكان منبر الخطابة، وفرشت أرضه بالطنافس

العجمية النفيسة، ووضعت عليها الأرائك والمقاعد الوثيرة، وصفّت من ورائه

كراسي الخيزران، بعدد ما وزعت من رقاع الدعوة على العلماء وخواص الأمة من

جميع الطبقات.

وما جاءت الساعة المعينة للبدء في الاحتفال إلا وكانت المقاعد كلها قد شُغلت

بالمدعوين، وفي مقدمتهم حضرة صاحب المعالي محمد شكري باشا وزير الزراعة

جاء من الإسكندرية؛ لأجل حضور الحفلة بالأصالة عن نفسه، وبالنيابة عن هيئة

الوزارة.

وزاد أناس تجددوا، فأذن لهم، فاضطر كثير منهم إلى الوقوف وراء

الصفوف، فكان المجموع زهاء ألف وثلاثمائة نسمة، وقد بدئ الاحتفال بقراءة

بعض الحَفَظَة آياتٍ من القرآن الحكيم، وبعد فراغه ابتدر المنبر الأستاذ الشيخ

محمد بخيت رئيس لجنة الاحتفال، وتلا خطبته الافتتاحية، وتلاه سائر الخطباء

على الترتيب المتقدم.

***

(الخطبة الافتتاحية لفضيلة رئيس لجنة الاحتفال)

أيها السادة النجباء الأذكياء

إني أشكر لكم على تلبيتكم الدعوة، وتشريفكم هذه الحفلة، وإني أعتقد أن كلنا

سواء في إجابة هذه الدعوة؛ لأنها على الحقيقة دعوة صادرة من تلك الروح

الطاهرة روح الإمام الذي نحتفل اليوم بذكراه، فإنها هي التي دعتنا جميعًا،

وجذبت قلوبنا إلى حضور هذه الحفلة المباركة، فهي الآن ترفرف فوق رؤوسكم؛

لتتولى شكركم بنفسها على احتفالكم بذكراها، وتُثنِي عليكم ثناءً جميلاً؛ حيث

ذكرتموها بلسان صدق في الآخرين.

هذه الروح هي روح الإمام الخطير، والأستاذ الكبير، والمحقق الشهير،

والفيلسوف القدير، المغفور له (الشيخ محمد عبده) ، ولقد صاحبناه - طيَّب الله

ثراه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه - وزاملناه زمن تلقِّي الدروس بالأزهر من الصغر

إلى أن تخرجنا منه، ولازمنا معًا كبار شيوخ الأزهر في تلقي العلوم الشرعية من

فقه وغيره، وتلقي العلوم العربية من نحو وبلاغة وغيرهما، ومن العلوم العقلية

المنطق والفلسفة، ومن العلوم الطبيعية وغير ذلك كالهيئة بقسميها، وممن لازمناهم

معًا في العلوم العقلية المغفور له السيد جمال الدين الأفغاني، والمغفور له الشيخ

حسن الطويل.

وبعد أن تخرجنا من الأزهر لازم الأستاذ المشار إليه السيد جمال الدين -

رحمه الله.

فكان الأستاذ فيلسوفًا في العلوم الشرعية، عارفًا بروح الشرع، وحكمة

التشريع أصولاً وفروعًا، فيلسوفًا في العلوم العقلية، عارفًا بحقائق الموجودات

علويّها وسفليّها على حسب الطاقة البشرية، فكان إذا غاصت روحه في بحار

التحقيق استخرجت درر المعاني ولآلئها؛ فنظمتها في سلوك المباني الذهبية،

وجعلتها قلائد تتحلى بها أعناق ذوي الفضل والهمم العالية، وإذا صعدت إلى سماء

التدقيق تخيرت من دراري الحقائق أعلاها وأغلاها، ونثرتها شموسًا تشرق في أفق

قلوب ذوي العناية بالعلوم، فيشاهدون بعين البصائر من الحقائق العلوية فوق ما

يشاهدونه بالأبصار، والشمس في رابعة النهار.

كان فيلسوفًا في العلوم العربية، كملت فيه مَلَكَة الفصاحة، حتى إذا تكلم

أدهش الفصحاء، كما كملت فيه ملكة البلاغة، فإذا خطب حيَّر البلغاء، فكانت

عباراته شفاءً لأُولِي الألباب، وإشاراته نجاةً للطلاب، فهو معيار العلوم، ومشكاة

المنطوق منها والمفهوم؛ ولذلك لما انتقل في مثل هذا اليوم من دار الفناء إلى دار

البقاء، وترك في هذه الدار فراغًا كان يشغله وحده، ولم يستطع أحد أن يشغله بعده،

ذابت أسفًا عليه أكبادُ عارفي فضله، فسالت من العين سيل العين دمعًا بغير

عين، فكان حقيقًا بأن نقول فيه:

إننا لا نبكي على كل ميت

غير أَنَّا نبكي الذي هو أمة

إن يعشْ كان للبلاد حياةً

أو يَمُتْ كان موتُهُ موتَ أمة

جعله الله من الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين،

وحسن أولئك رفيقًا، آمين.

...

...

...

مفتي الديار المصرية سابقًا

...

...

...

...

... محمد بخيت

***

(كلمة الترحيب باسم الجامعة المصرية)

لحضرة الأستاذ أحمد لطفي بك السيد أحد أعضاء مجلس إدارتها

أيها السادة

اسمحوا لي أن أقدم لكم باسم الجامعة المصرية تحياتها وترحيبها بكم، بالغرض

الشريف الذي يجمعكم اليوم للاحتفال بذكرى الإمام الشيخ محمد عبده.

لم يكن غرض اجتماعنا تأبين المرحوم الإمام من جديد، بل غرض الاجتماع

في هذا اليوم الموافق يوم وفاته رضي الله عنه أن نستمع لخطيب الحفلة الشيخ

مصطفى عبد الرازق الذي سيدرسه درسًا تفصيليًّا على قدر الإمكان في هذا المقام،

وما ظننا أن هناك شروطًا يجب اجتماعها، ومناسبات ينبغي تحيُّنها لدرس رجل

من أئمة العلم والإصلاح، أكثر الحاضرين هنا إما تلميذ له أو تلميذ لتلاميذه، بل

ذلك واجب علينا، وإن أقل قدر من المناسبة يجعل القيام بهذا الواجب سائغًا إن كان

الواجب هو أيضًا يحتاج القيام به إلى المناسبات.

أيها السادة

إن لنا نحن المصريين - من جهة كَوْننا أمة متمدنة - حقًّا نقتضيه من

الإنسانية جمعاء، وهو مساواتنا بكل أمة متمدنة في الحقوق الدولية، وإن علينا

مقابل هذا الحق واجبًا يلزمنا أداؤه، وهو احتمال نصيب من المسئولية عن الارتقاء

العام للإنسانية في مدارج الكمال من جميع جهاته، فكل عصر يجب أن يؤدي

حسابًا عما عمل لخير الإنسانية، وكل أمة يجب عليها أن تحمل نصيبها من

المسئولية عن هذا العمل بقدر استعدادها، ومن الخطأ أن يظن بأن نصيبنا من هذه

المسئولية ضئيل القدر خفيف الحمل، بل الأمر على ضد ذلك، نصيبنا من

المسئولية يجب عدلاً أن يربو على نصيب كثير من الأمم، ربما عدّ غيرنا هذا

القول غلوًّا في تقدير قيمة أمتنا ومنافيًا للتواضع المحمود، ولكن هل أستطيع الحيد

عن صيغة نتيجة منطقية يسلم كل العلماء بمقدماتها؟ الإجماع واقع على أن

نظرية الانتقال الوراثي صحيحة، والإجماع واقع على أننا سلالة معلمي الإنسانية

والهادين إلى طرائق كمالها من جهة العلوم والآداب، ومن جهة أنظمة الحكم

ومختلف الصناعات

إلخ؛ فيجب أن يقع الإجماع أيضًا على أننا من أشد الأمم

استعدادًا لاحتمال المسئولية عن الارتقاء الإنساني العام، ولا ينقصنا في ذلك إلا

زوال الموانع الخارجية التي حالت منذ بضعة قرون بيننا وبين الظهور باحتمال هذه

المسئولية، والمشاطرة في المجد العلمي العام.

على هذا الاعتبار يجب علينا أن نتخذ نهضتنا العلمية الحاضرة بشير الرجوع

إلى مضمار المسابقة العلمية العامة، وأن نوطد أنفسنا على العمل بجد للاستعداد إلى

هذه المسابقة.

ومن صنوف العُدَّة أن نتبيَّن حقيقة مركزنا العلمي، وليس مركزنا العلمي شيئًا

آخر إلا تقدير ما أنتجت بلادنا من النوابغ الذين هم أركان نهضتنا الحاضرة، أولئك

هم مصابيح الماضي تنبعث منها أنوار الهداية الساطعة، فتكشف للحال طريقه إلى

الأمام في ظلمات الاستقبال.

وأكبر هؤلاء النبغاء هو أستاذنا الإمام الشيخ محمد عبده، الذي سيتفضَّل

خطيب الحفلة فيفصل الكلام عليه تفصيلاً.

وإني في الختام يسرني أن أعلن إليكم أن حضرة صاحب الدولة رئيس مجلس

الوزراء، وحضرات أصحاب المعالي زملاءه أرادوا أن يشاطروكم الاحتفال بذكرى

المرحوم الإمام، فأنابوا عنهم أحدهم حضرة صاحب المعالي محمد شكري باشا

وزير الزراعة، وهي مِنَّة تُذكر للحكومة بالثناء على جميل صُنعها.

وأعلن أيضًا أن حضرة صاحب الفضيلة والإرشاد السيد عبد الرحيم باشا

الدمرداش قد تبرع للجامعة بما يؤتيها غلة سنوية قدرها 200 جنيه مصري لإنشاء

كرسي لعلم الأخلاق؛ تخليدًا لذكرى المرحوم الإمام، جزاه الله عن العلم خير

الجزاء.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

ص: 513