المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الكاتب: محمد رشيد رضا - مجلة المنار - جـ ٢٣

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (23)

- ‌جمادى الأولى - 1340ه

- ‌فاتحة المجلد الثالث والعشرين

- ‌الدعوة إلى انتقاد المنار

- ‌سؤالعن الاسترقاق المعهود في هذا الزمان

- ‌مسيح الهند

- ‌إشْكَال في بيت من الشعر

- ‌العلة الحقيقية لسعادة الإنسان [

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(2)

- ‌تقريظ المطبوعات الجديدة

- ‌تنبيه

- ‌جمادى الآخرة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(3)

- ‌الرحلة الأوربية(1)

- ‌الرحلة السورية الثانية(8)

- ‌سعيد حليم باشا

- ‌السياسة الإنكليزيةفي البلاد العربية

- ‌رجب - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(4)

- ‌جمعية الرابطة الشرقية

- ‌العبر التاريخيةفي أطوار المسألة المصرية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(9)

- ‌شعبان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الإسلام والنصرانية

- ‌رسالة تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(5)

- ‌الرحلة الأوربية(2)

- ‌الرحلة السورية الثانية(10)

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌رمضان - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد [

- ‌الرحلة الأوربية(3)

- ‌مصابنا بشقيقناالسيد صالح مخلص رضا

- ‌شوال - 1340ه

- ‌تتمة كلام الغزاليفي مسألة الحلال والحرام

- ‌إسلام الأعاجم عامة والترك خاصة

- ‌الرحلة الأوربية(4)

- ‌مسألة ثواب القراءة للموتى

- ‌تعزيتان

- ‌أحوال العالم الإسلامي

- ‌ذو القعدة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الهجر الجميل والصفحوالصبر الجميل [

- ‌ترجمة الأستاذ الإمام

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(6)

- ‌الرحلة الأوربية(5)

- ‌ذو الحجة - 1340ه

- ‌فتاوى المنار

- ‌الاحتفال بذكرى الأستاذ الإمام(2)

- ‌التسمية باسم الأستاذ الإمام

- ‌الوثائق الرسمية للمسألة العربية

- ‌تتمةتلخيص مكتوباتنائب ملك الإنكليز لأمير مكة(تابع ص624)

- ‌الرحلة الأوربية(6)

- ‌ربيع الأول - 1341ه

- ‌حكم استعمالالإسبرتو - الكحول

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌عطوف آل رضا

- ‌الشفاعة الشرعيةوالتوسل إلى الله بالأعمال وبالذوات والأشخاص

- ‌الرحلة الأوربية(7)

- ‌الانقلاب التركي

- ‌ظفر الترك باليونان

- ‌ربيع الآخر - 1341ه

- ‌من الخرافات إلى الحقيقة(7)

- ‌خطبة الغازيمصطفى كمال باشا

- ‌مؤتمر لوزانللصلح في الشرق

- ‌المعاهدة العراقية البريطانية

- ‌البهائيةبعد موت زعيمهم عباس أفندي

- ‌خاتمة المجلد الثالث والعشرين

الفصل: الكاتب: محمد رشيد رضا

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الرحلة الأوربية

(2)

السفر من تريسته:

سافرنا من تريسته يوم الخميس في الربع الأخير من الساعة السابعة صباحًا

(6 س و45د) في قطار أوربة الأكبر، وكان موعده قبل ساعة، ولكنه تأخر

لتأخر مجيئه من الآستانة.

سار بنا القطار في خيف شجير، من ذلك الجبل النضير، فكانت شجراؤه

عن يميننا في الجبل، وعن يسارنا فوق البحر، وما زال يتسلق بنا متلويًّا كالأرقم

في الأجم، حتى استوى على تلك السهول الفيحاء، والسهوب الشجراء، ذات

المروج الخضراء، والرياض الغَنَّاء، الكثيرة النوار، والمفتَّحة الأزهار، حتى

كأن الزمان قد استدار، فتحوَّل الشطر الثاني من آبَ إلى مثله من نيسان، وأوائل

آيار، وهي السهول المعروفة بسهول لومباردية، وبعد أربع ساعات وصل إلى

مدينة البندقية (فينيسية) ، وهو يدخل إليها على طريق يبس في رقراق من الماء،

يسير فيه خمس دقائق، يقطع فيها زهاء أربعة أميال (أو 5 كيلو) ، ثم عاد بنا

القهقرَى في ذلك الماء بعد وقوف دقائق في المحطة، ثم وصلنا إلى مدينة (ميلان)

وقت العصر (الساعة 3 و45 دقيقة) ، ومكث في محطتها نصف ساعة، تزود

فيها ما يحتاج إليه من الفحم والماء، وبين البندقية، وميلان بلاد وقرى كثيرة

عامرة، لا يقف عليها القطار العام السريع، وإنما المواصلات بينها بالقُطُر الوطنية.

وأما هاتان المدينتان فهما من أعظم المدن ذات الصناعات الجميلة، والآثار

التاريخية التي يقصدها السياح من الأقطار، ولو شئنا لنقلنا من كتب التاريخ شيئًا

من وصفها، كما يفعل كثير من الناس فيما يكتبون في رحلاتهم، ولسنا من

مستحسِنِي هذه الطريقة بإطلاق، وإنما يحسن فيها تقييد بعض الشوارد المبعثرة،

والنوادّ التي لا تنال باليسير من المراجعة، والنوادر التي تزدان بها المحاضرة،

وما يستنبطه السائح من العبرة والفائدة، حتى فيما صوَّرته الفكاهة والتسلية.

ومما لاحظته في نبات هذه الأرض أن أكثر شجرها صغير، ومتوسط العمر

لعل أكبره لا يتجاوز عشر سنين؛ وذلك أنهم يتناولونه بالقطع للاستفادة من خشبه،

ولكن بالقرب من ميلان أدواحًا عظيمة باسقة، كأنهم يستبقونها للزينة، ورأيتهم

يختلون خلاها (أي يقطعون حشيشها) بآلات تستأصله من وجه الأرض ويجففونه،

ويجعلونه أكداسًا كأكداس حصيد القمح والشعير، ولا يلبث أن ينمي مكانه، ويطول؛

لأن المكان مجاج الثرى ريَّان بالماء.

ولم أَرَ في تلك الحقول الخضراء زرعًا غير الذرة، وهي غضَّة حسنة النماء

فيما قبل ميلان من الأرض، وأكثرها ضئيل فيما بعدها، وبالقرب من المدن

والقرى حقول، وبساتين مزروعة بقولاً كالفاصوليا، والكرنب، والطماطم، وأما

شجرها فمنه التفاح والكمثرى، وقد أينع ثمره، وطابت فاكهته.

وأجمل مناظر هذه البلاد - على الإطلاق - البحيرات فقد مررنا ببعضها عن

بُعد، وببعضها من كثب، ولم أنسَ لا أنسى أصيل ذلك اليوم؛ إذ بلغنا بحيرة

ماجور أو (ميجارو) ، فراعني ذلك المنظر البهيج، الذي لم أَرَ له فيما سبق من

عمري من شبيه ولا نظير، وإنما رأيت نظيره بعد ذلك في سويسرة، فأقول: إن

مثل هذه البحيرة وبحيرة لوسرن من البحيرات التي بين الجبال هو أجمل ما خلقه

الله في هذه الأرض.

البحيرة واسعة، بين جبال شاهقة، مزدانة بالجنات الألفاف، والأجم الغبياء،

من أدنَى الغور المساوي للماء، إلى الشماريخ التي تناطح السماء، وترى فيما

يدنو منك من هذه الجنات، المعروشات منها وغير المعروشات، أصناف الأعناب

وأنواع الثمرات، وهي ذات تعاريج كثيرة، وفيها جزائر صغيرة، بُنيت فيها

قصور نضيرة، يصلون إليها بزوارق جميلة، ومياهها زرقاء صافية، وهي تتسع

في مكان، وتضيق في آخر، وأخياف الجبال المحيطة بها تمتد على بعض

الضفاف، وتتقلَّص عن بعض، ولبعضها ألسنة مستطيلة فيها، ورؤوس مقنعة في

بعض نواحيها، والقطار يسايرها في جوانبها، ويلتفُّ على معاطفها، فيدنو ويبعد،

ويغير وينجد، ويصوب ويصعد، ونحن فيه متلعو الرؤوس شاخصو الأبصار،

نقلب الطرف ذات اليمين وذات اليسار، فمنظر البحيرة العجيب عن أيماننا،

ومنظر الجبال الغريب عن شمائلنا، وفي كل منهما آيات للناظرين، ومعانٍ

للمتفكرين، تثير في الخيال هواجس الشعر، وتنفث في الوهم رقي السحر، وتُلقي

في العقول معاني الفنون، وتوحي إلى القلوب حقائق الإيمان بمَن يقول للشيء كن

فيكون.

تذكرت برؤية تلك الجنات الغَنَّاء، والغابات الغبياء، والرياض الفيحاء -

وَصْفي لروضة من روضات الوطن في مقصورتي، وهو:

وروضةٍ تجلى بثوب سندس

رصَّعها النَّوْرُ بأصناف الحُلَى [1]

ما صوَّح البارحُ غضَّ نجمها

وناضرُ الأفنانِ منها ما ذَوَى [2]

والباسقاتُ رفعت أكفَّها

تَسْتَنْزل الغيث وتطلب النَّدَى [3]

تمتلجُ (الكربون) من ضرع الهوا

تؤثرنا بالأكسجين المنتقَى [4]

مدَّت على الصعيد ظلاًّ وارفًا

فلا ذَأَى العودُ ولا الظلُّ أَزَى [5]

والشمسُ تبدو من خلال دوحها

آونةً تخفَى وتارة تُرَى [6]

كغادةٍ وضَّاحةٍ قد أتْلعَتْ

من خَلَلِ السُّجوف ترنو والكُوى [7]

تلقي على الروض نَثِير عسجد

فتسحب الروض عروسًا تُجتلَى [8]

وأين هذا الوصف القاصر، من هذا المنظر الناضر، والجمال الساحر،

وأَنَّى لي بتخيل مثله في طرابلس والقلمون، وإن كانت كثيرة الجنات جارية

العيون.

كل هذا الجمال والجلال، الذي تجلى علينا بمناظر البحيرة، وما يحيط بها

من الجبال، وما يزين ضفافها، وجزائرها من القصور والفنادق، والجنات

والحدائق، والفُلْك والزوارق، وما تولده من المعاني الشعرية، والخواطر

الاجتماعية والروحية، لم تكن لتنسيني أن ولدي مريض ما أدري ما فعل الله به،

ولا لتصرفني عن الخوف عليه، والدعاء له، ولا سيما في أعقاب الصلوات، وما

وفقت له من تلاوة القرآن والوضوء والصلاة في هذه القطر من أسهل الأمور،

ومعرفة سَمْت القبلة فيها ميسور.

وانتهينا عند الساعة السابعة مساءً إلى محطة وقف فيها القطار نصف ساعة

لانكسار مركبة الطعام هنالك، وقد ظننا أنها أصلحت في تلك المدة، ولكن خاب

الظن، وبقينا بغير عشاء، على أننا مكثنا زمنًا طويلاً في المحطة التي بعدها،

وهي آخر محطة طليانية، وفيها مطعم عام، إلا أننا شغلنا عن الطعام فيها بعرض

جوازات السفر وتفتيش الصناديق، وبما اتخذ من المعاملات الجمركية بشأن لفائف

التبغ التي يحملها الرفاق.

ثم سار القطار بنا، ولم يلبث أن دخل في النفق الكبير الفاصل بين إيطالية

وسويسرة، ومكث في بطن الأرض 25 دقيقة، ثم تجاوزه، ووقف بنا بعد نصف

ساعة في أول محطة سويسرية، فمكثنا فيها مدة؛ لأجل معاملات الأجوزة، وقد

أخذوها منها واعدين بإعادتها لنا في جنيف، ثم سرنا فوصلنا إلى مدينة لوزان في

منتصف الليل، فلم ندرك القطار الذي يسافر ليلاً إلى جنيف لتأخرنا عن الموعد،

فبيتنا بقية ليلتنا في فندق فيكتوريا بقرب المحطة، وقد طلبنا فيه طعامًا، فقيل لنا

إن المطعم قد أقفل ولا طعام إلا الخبز، والجبن، والزبد، والمربى، والفاكهة،

فجاءونا من ذلك بأفضل أنواعه مع الماء المثلوج والثلج لتبريد الفاكهة، وهي موز

وتفاح وكمثرى، فكان هذا العشاء أشهى وألذّ من كل طعام أكلناه في أوربة؛ إذ كان

عقب جوع صحيح وتعب طويل.

أكلنا طعامًا لطيفًا لذيذًا، ونمنا نومًا هادئًا مريحًا، على سُرُر مرفوعة وفُرُش

وثيرة نظيفة، ولكل حجرة من حجرات النوم حمام خاص، تمتعنا بها في ليلنا وفي

صبيحته.

كان الجو في ذلك اليوم الذي قطعنا به أرض إيطالية يوم صيف معتدل، وإن

كانت أرضها أرض ربيع مُدْبرٍ ومقبلٍ، ولولا غمام رقيق كان يكفكف بعض أشعة

الشمس - لعُدَّ هنالك من أيام الحر، وقد تغير الجو علينا في سويسرة بعد نصف

الليل، فهبَّ الهواء البليل، ولما أصبحنا رأينا السحاب يتكاثف في الأفق، ثم طفق

يجود برذاذ لطيف، ثم تكاثف السحاب قبل الظهر، واشتد المطر بعد العصر،

فكان كما وصفه ابن دريد بقوله:

جَوْن أعارته الجنوبُ جانبًا

منها وواصتْ صَوبه يَدُ الصَّبا [9]

نَاءَ يمانيًّا فلما انتشرت

أحضانُه وامتدَّ كِسراه غَطا [10]

وجلَّل الأفْق فكل جانب

منها كأنْ من قُطره المُزْنُ حبا [11]

وطبّق الأرضَ فكل بقعة

منها تقولُ الغيث في هاتا ثوى [12]

إذا خَبَتْ بروقه عنَّت له

ريحُ الصَّبا تَشُبُّ منه ما خبا [13]

وإن وَنَت رعودُه حدا بها

حادي الجنوب فحدتْ كما حدا [14]

كأن في أحضانه وبَرْكه

بَرْكًا تداعى بين سَجْرٍ ووَحَى [15]

لم تَرَ كالمُزْن سَوامًا بُهَّلاً

تحسَبها مَرعيَّة وهي سُدى [16]

يقول للأجْرَاز لما استوسقت

بسَوْقه ثِقِي بِرِيٍّ وحيا [17]

فأوسع الأحداب سَيْبًا مُحسِبًا

وطبَّقَ البُطنان بالماء الرِّوَى [18]

كأنما البَيْدَاء غِبَّ صَوْبه

بحرٌ طما تياره ثم سجا [19]

هذا، وإننا كنا نريد أن نسافر إلى جنيف قبل الظهر، ولكن جاء منها

لاستقبالنا مَن كان فيها من إخواننا السوريين - نجيب بك شقير، وصلاح الدين

أفندي قاسم، وتوفيق أفندي اليازجي - الذي كان سبق من قبل حزبنا للاستعداد

للمؤتمر، فتأخرنا إلى المساء، ولم نتمكَّن من التجوال في لوزان لشدة المطر، ثم

سافرنا عند انتهاء الساعة الخامسة مساءً، والمطر يهطل، والريح تمنعنا من فتح

نوافذ القطار، ومناظر سويسرة تأخذ بأبصارنا ذات اليمن وذات اليسار، فوصلنا

إلى جنيف في خمسين دقيقة.

(للكلام بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

الروضة: الموضع المعجب بالزهور قاله في المصباح، وأصله مجتمع الماء، ثم أطلق على ما يُحْدثه الماء من النبات والزهر، وهو الترويض والنَّوْر بالفتح: زهر النبات، والشجر واحِده نورة، فهو كتمر وتمرة، وجمعه أنوار ونوار بوزن تفاح، والحلَى بالكسر وبالضم جمع حلية بالكسر، وهو ما يتزيَّن به النساء من الجواهر، والترصيع تزيين الحلي، والحلل بالجواهر التي شبه بها هنا أصناف النوار.

(2)

البارح: الريح الحارة وتصويحها للنبات تجفيفه، والنجم: النبات الذي لا ساق له، ويقابله الشجر، وأشير إليه بالأفنان، وهي الأغصان وذَوَى يذوي: ذبل.

(3)

الباسقات: جمع باسق وباسقة، وهو ما ارتفع وذهب في الأفق طولاً وارتفاعًا، وأكثر ما استعمل في وصف النخل والسحاب، والمراد هنا كل ما ارتفع من الشجر كالحور والسرو، وأكفها أغصانها المورقة، وارتفاع الشجر سبب من أسباب المطر، والندى: المطر أو ما دون الغيث من ماء السماء، أي ما يتكاثف من بخار الماء بالتدريج فيُحدث بللاً، ومنه الندى بمعنى: الجود والسخاء، وفي اللفظ هنا تورية لطيفة، على ما فيه - وفيما قبله - من استعارات طريفة.

(4)

تمتلج: ترتضع، والكربون: عنصر كيماوي يكثر في الفحم، والأكسجين: عنصر آخر يدخل في تركيب الهواء والماء، وهو علة أو سبب من أسباب حياة الحيوان والنبات، وباستنشاقه في الهواء يطهر الدم من المواد السامة، والشجر ينتشق حمض الكربون السام من الهواء، ويفرز الأكسجين النافع المطهر للدم منه ومن غيره.

(5)

الصعيد: وجه الأرض والظل الوارف المتسع الممتد، وذأى ذأيًا وذأوًا: ذبل كزوى، وأزى يأزي وأزا يأزو: تقبض وتقلص.

(6)

الدوح: جمع دوحة، وهي الشجرة العظيمة.

(7)

الغادة: الحسناء الناعمة الليِّنة العنق والقوام، وأتلعت: مدت عنقها متطاولة لتنظر، والسجوف: جمع سجف بفتح السين وكسرها، وهي الستور التي تُنصب على الأبواب والنوافذ، مؤلفًا كل منها من سِترين، بينهما فرجة، وقيل السجف: الشق بين السترين المقرونين، والكوى بالضم: جمع كوة، وهي النافذة الصغيرة والخلل بالتحريك: ما بين الأشياء من فرجة، ورنا إليه وله رنا ورنوا: نظر، بل هو إطالة النظر مع سكون الطرف كنظر العاشق.

(8)

العسجد: الذهب، والنثار والنثير: ما يُنثر أي يُلقَى متفرقًا، وكانوا ينثرون الدنانير حول العروس.

(9)

قوله: جَوْن: صفة لمحذوف تقديره سحاب جون، وهو فاعل لقوله سقى العقيق إلخ في بيت سابق، والجون الأسود - ويطلق على الأبيض - فهو من أسماء الأضداد التي يتعين المراد منها بالقرينة، والمراد بالجنوب: الريح التي تهب من جهة الجنوب، فتجيء بالمطر، والصبا: الريح الشرقية، وهي تتحد مع الجنوبية كثيرًا، وتُشْبهها، كما أن الريح الغربية تتحد مع الشمالية، وتشبهها، ويكثر مجيء المطر بعدهما في نصف الأرض الشمالي، كما يكثر مجيء المطر بعد الأوليين في النصف الجنوبي، ووصاه: واصله، والمعنى أن هذا السحاب بدأت الجنوب بإثارته بحركتها، وبتلقيحه ببردها، ثم واصلت الصبا بهبوبها ما بدأت به أختها.

(10)

ناء: نهض بثقل وجهد وبالأمر: نهض به بتعب، ومشقة، وأحضان الشيء: نواحيه، وأصله ما دون الإبط إلى الكشح من الإنسان، والكسر بكسر الكاف وفتحها: ما تكسَّر وتدلى من الخباء إلى جهة الأرض، وهو استعارة جميلة، وغطا يغطو: ارتفع وقيل انبسط، والمعنى أن هذا السحاب الجون ناء بحمل الماء حال كونه يمانيًّا؛ إذ اليمن من بلاد العرب في الجنوب، وقد بدأ ظهوره منها، فلما انتشرت جوانبه بمواصاة الصبا ومواصلتها لعمل الجنوب فيه، وامتد كسراه الجنوبي والشرقي في سائر الأفق: ارتفع إذ خفَّ حمله بما أفرغ من ثقله، أو انتشر، وصار عامًّا، كما صرح به في البيتين التاليين لهذا.

(11)

جلل الأفق: غطَّاه وعمَّه بستره إياه، والمزن: السحاب الممطر، وحبا: زحف ودنا يقال حبا الصبي إذا زحف، والمعنى أنه بعد أن عَمَّ الأفق، وجلله، صار كل قَطْر من أقطاره كان المزن قد زحف بصَيْبه منه؛ إذ لم يعد خاصًّا بالجنوب، حيث نهض، ولا بالشرق حيث امتد.

(12)

طبَّق الأرض: غطاها وجللها بمطره كما طبق هو الأفق بنفسه - وعدَّه في الأساس مجازًا - فكل بقعة منها تقول إن الغيث قد ثوى في هذه دون غيرها، كما يؤخذ من تقديم الظرف والمعنى يقتضيه، وهاتا: اسم إشارة للمؤنث معروف كهذه وهذي، وتُستعمل كلها بدون هاء التنبيه أيضًا.

(13)

خبا البرق: سكن كالسراج إذا طفئ يقول إذا خبت بروق هذا الجون عنت، وعرضت له ريح الصبا، فأعادت وميضه ولمعانه، كما تشب النار السراج بعد انطفائه.

(14)

ونت: ضعفت أو فترت، وحدا الإبل وحدا بها: غنَّى لها ينشطها على السير، وحادي

الجنوب - وفي رواية راعي الجنوب - معناه الجنوب الذي هو كالحادي أو الراعي للإبل؛ لأنه هو الذي يسوق السحاب، يقول: وإن ضعفت أو فترت رعوده انبرى له من ريح الجنوب عاصفة ما يصيح به، كما يصيح حادي الإبل بها إذا ونت وضعف سيرها، فعادت تجلجل بصوتها، كأنها تجيبه عن حدائه بمثله، وليس المراد أن البرق ومض بتأثير ريح الصبا وحدها في السحاب والرعد يقصف بتأثير ريح الجنوب وحدها، بل المراد أن هذا السحاب الذي تعاونت الجنوب والصبا على إثارته، ولفحته ببردها، فحمل القطر، ثم ألقى حمله على الأرض تتعاون الريحان في شب بروقه، وقصف رعوده بجمْعهما بين زوجَيْ الكهربائية الإيجابي والسلبي، الذي يشب البرق، فيحدث بشبوبه تفريغ الهواء الذي هو سبب الرعد، وفي الكلام من ظريف الاستعارات ما ترى وتسمع، وقد فسر الاستعارات من مكنية وتمثيلية بالتشبيه الصريح في البيت التالي، وبما بعده.

(15)

البرك الأول: الصدر، والثاني جماعة الإبل الباركة، وإنما يقال برك البعير؛ لأنه يُلقي بصدره إلى الأرض، وتداعى: أصله تتداعى، أي يدعو بعضها بعضًا، والسجر والسجور حنين الناقة، وجعله الراغب استعارة من سجر النار لالتهابها في العدو، وفي مجاز الأساس: سجرت الناقة سجرًا، وسجرت تسجيرًا: أمدت حنينها في أثر ولدها، وملأت به فاها، قال:

حنت إلى برق فقلت لها قري

بعض الحنين فإن سجرك سائقي

وإنما قيد الحنين هنا بالممتد الذي يملأ الفم؛ لأن حقيقة السجر الملء، يقال سجر التنور إذا ملأها لهبًا، وسجر المطر الوادي؛ إذ ملأه، والبحر المسجور: الممتلئ، وقوله:(قري) في الشاهد: أمر من الوقار والسكون، يقول للناقة: لا تجعلي حنينك ممتدًا دائمًا، بل اكتفي ببعضه، والتزمي أقله؛ فإن سجرك يشوقني إلى وطني، ومَن أحب فيه، فأحن إليه كما تحنين إلى فصيلك، والوَحَى- كفَتَى - الصوت الذي ينقضي بسرعة، والعجلة والسرعة، ويقال: الوحى الوحى والوحاء الوحاء: في طلب النجدة والإغاثة السريعة، والمعنى: كأنَّ ما في جوانب ذلك الجون وفي صدره وهو وسطه من قطع السحاب التي تجتمع، وتفترق، وتتحول من جانب من جوانب الأفق إلى آخر بين وميض البروق وقعقعة الرعود التي تمتد وتقوى أحيانًا، وتنقضي أحيانًا بسرعة - كأن في ذلك - إبلاً باركة، يدعو بعضها بعضًا إلى التحول والانتقال، فتنتقل بين حنين خفي قصير وحنين ممتد طويل.

(16)

السوام: الإبل السائمة أي الراعية، وأسامها رعاها فهو مسيم، والبُهل: التي لم تُحلب، فهي ملأى الضروع بالألبان، وناقة باهل غير محلوبة، ولا مصرورة أي: ولا مربوطة الضرع، يحلبها مَن شاء، وقيل المتروكة الرعي، والسدى: المهملة التي لا راعي لها، والمعني أن هذه السحب الممطرة في كل مكان - التي تشبه السوام البهل المبذول لبنها لكل إنسان - تحسبها في انتقالها وحركاتها بتأثير الرياح كالمرعية التي يسوقها الراعي إلى حيث يشاء، وهي في نفس الأمر سدى مهملة لا راعي لها؛ لأن الرياح ليس لها إرادة في تحريكها وسوقها.

(17)

الأجْرَاز: جمع جُرُز (بضمتين) : وهو الأرض اليابسة التي لا نبات فيها لجفافها، واستوسقت: حملت من أوساق الماء ما جمعت، والتوسق: جمع المتفرق، ومنه الوسق بالضم: للكيل المعلوم، والري بالكسر: الشبع من الشرب، والحيا بالقصر: يطلق على المطر، وعلى ما ينشأ عنه من النبات والخصب والمعنى ظاهر.

(18)

الأحداب: جمع حدب: وهو ما ارتفع من الأرض، والبطنان بالضم: جمع بطن، والسيْب: العطاء، والمُحسب: الكافي الذي يحمل المعطى على أن يقول: حسبي حسبي، والماء الروى - بكسر الراء المشددة والقصر -: الغزير المروي كروي ورواء بالفتح، والمعنى: أنه أروى ظاهر الأرض وباطنها، وأحدابها وأيفاعها التي ينحدر عنها الماء، فلا ترتوي إلا بالغزير المتصل.

(19)

البيداء: الصحراء، وصوب المطر: نزوله وانحداره، وطما: ارتفع، وتياره: موجه، وسجا: سكن، والمعنى: أن البيداء كانت غب نزوله - أي بعده - كبحر ارتفع موجه واضطرب، وسكن بعد ذلك، ثم ذهب؛ وبذلك كان رحمة لا نقمة.

ص: 306