المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(3) - مجلة المنار - جـ ٢٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (28)

- ‌شعبان - 1345ه

- ‌فاتحة المجلد الثامن والعشرين

- ‌تعدد الزوجات

- ‌استقلال مملكة ابن السعود

- ‌البناء على القبورومن استثنى من تحريمه قبور الأنبياء والصالحين

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌سياسة الإنكليز في الشرقوزعماء العرب

- ‌إثبات شهر رمضان

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رمضان - 1345ه

- ‌حكمة تعدد أزواج النبي ص

- ‌مال الزكاة لإعانة المدارس الخيرية الإسلامية

- ‌سماع الغناء والتلاوة من آلة الفونغراف

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(2)

- ‌مشروع بريطاني جديد لتنصير جزيرة العرب

- ‌تحول الكنيسة الإنكليزية عن التقاليد النصرانية

- ‌آثار المساجد في إصلاح الأمة

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌شوال - 1345ه

- ‌حكم بناء فنادق المسافرينوإجارتها لغير المسلمين

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(3)

- ‌نساء العرب السياسيات

- ‌خطبة الأستاذ إسعاف أفندي النشاشيبي

- ‌البيت الحرام وسدنتهبنو شيبة وحقوقهم ، والهدايا له ولهم

- ‌دعوة مفسدي الرافضةيحيَى إلى قتال ابن السعود

- ‌حجاج الشيعة الإيرانيين ومصر

- ‌لا بد من قتل صاحب المنار

- ‌ر - 1345ه

- ‌استفتاء في فتوى وطلب إقرارها وتصحيحها

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(4)

- ‌السعي لمنع الحج ومفاسد البدع

- ‌الاحتفال بتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي بك

- ‌مسألة نفقات مؤتمر الخلافة في مجلس النواب

- ‌صاحب المنار وجريدة السياسة

- ‌ذو الحجة - 1345ه

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌قرار النيابة العامةفي قضية الدكتور طه حسين

- ‌ما يسمى النهضة النسائية بمصر

- ‌الشيخ أحمد عباس الأزهري البيروتيوفاته وترجمته

- ‌المسلمون في أميركا يطلبون أستاذًا من الأزهر

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌الحج في هذا العام

- ‌صفر - 1346ه

- ‌أسئلة من البحرينفي الأئمة والمذاهب وما يجب على العامي

- ‌الزي الإسلامي والشعائر الإسلامية والألقاب العربيةعند خواص أمريكا

- ‌أموال ابن السعود التي اتهم بها صاحب المنار

- ‌أحاديث الدجال وانتقاد بعض النجديين

- ‌مصاب مصر بأكابر رجال العلم والدين والسياسة

- ‌ربيع الأول - 1346ه

- ‌خيرية القرون الثلاثة مع وقوع الفتن فيها

- ‌زكاة الفطر وقت وجوبها وحكم تعجيلها

- ‌حظر أخذ العلم الشرعي من الكتب بدون توقيف

- ‌الصريح والكناية في الطلاقوكتاب الرجل بطلاق امرأته

- ‌الطلاق الثلاث باللفظ الواحد

- ‌كيف تنهض اللغة العربية(2)

- ‌دعاية المسيحية القاديانية الملقبة بالأحمدية

- ‌بول الصبي وبول الصبيةحكمهما في الفقه، تركيبهما الكيميائيالأحاديث التي وردت فيهما

- ‌الاحتفال الخمسيني لدار العلوم

- ‌ربيع الآخر - 1346ه

- ‌حل أموال أهل الحرب

- ‌المراد بالطعن في الدينوكون مخالفة القرآن كفرًا

- ‌سعد زغلول(1)

- ‌أول كتاب من سعد إلى الأستاذ الإمام

- ‌معاهدة جدةبين جلالة ملك بريطانيا وجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها

- ‌الكتابة أو الخطوثيقة شرعية يجب العمل بها

- ‌زيارة القبور للتبرك

- ‌تقريظ الأستاذ الكبير صاحب الفضيلة الشيخ:مصطفى نجا - مفتي بيروت

- ‌حفلة التأبين الكبرى

- ‌شعر في وصفة طبية قديمةجواب عن سؤال

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌جمادى الأولى - 1346ه

- ‌سمت القبلةوأدلتها وأقواها بيت الإبرة والقطب الشمالي

- ‌تعريف الأمراض بالأوهاموسؤال عن 3 أحاديث

- ‌الاعتماد على كتب ابن تيمية والطاعن فيه

- ‌افتراء عقائد في عالم الغيب

- ‌طلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌رسالة من يحيى محمد البكري

- ‌التمدن الآثم، القاضي مترنيخ، تلقيح القضاء المصري

- ‌لماذا دخلت في الإسلام

- ‌سعد زغلول(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌رجب - 1346ه

- ‌أسئلة من تونس

- ‌الإصلاح الحقيقيوالواجب للأزهر والمعاهد الدينية [*]

- ‌نظرة عامة في حالة الإسلام

- ‌رحلة جلالة ملك الأفغان (أمان الله خان)

- ‌جمعية الشبان المسلمين

- ‌وفيات الأعيان

- ‌تفسير:] هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [[*]

- ‌خاتمة المجلد الثامن والعشرين من المنار

الفصل: ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(3)

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى

(3)

نظرة في كتاب حقيقة الإسلام وأصول الحكم

لصاحب الفضيلة الشيخ محمد بخيت المطيعي

مفتي الديار المصرية سابقًا [*]

وفي صفحة 16: (وكان أبو موسى الأشعري يتجافى عن أكل الدجاج؛ لأنه

لم يعهدها للعرب لقلتها يومئذ) إلخ، نقول: وكذلك كان صلى الله عليه وسلم

يتجافى عن أكل المباح الذي لم يتعوده كما في قصة الضب إلخ. ففي الموطأ عن

خالد بن الوليد أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة زوج النبي

صلى الله عليه وسلم، فأتي بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه

وسلم بيده، فقال بعض النسوة اللاتي في بيت ميمونة: أخبروا رسول الله صلى الله

عليه وسلم بما يريد أن يأكل منه. فقيل هو ضب يا رسول الله. فرفع يده ، فقلت:

أحرام هو يا رسول الله؟ فقال: لا ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه.

قال خالد: فاجتررته ، فأكلته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.. اهـ.

فانظر إلى هذه الوطنية [1] الصادقة حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (لم

يكن بأرض قومي) ، وإلى امتناع أبي موسى الأشعري عن أكل الدجاج؛ لأنه لم

يعهدها للعرب.. إلخ.

ومن الغريب أن يتجافى الرسول وأصحابه عن أكل طعام مباح؛ لعدم اعتياد

فقط ، بينما ترى كثيرًا من المسلمين وبعض فقهائهم وزعمائهم يتساقطون على

قصاع الخنزير ومأكولات الإفرنج، ويتغالون في شراء علب المربيات والسمك

والضفادع والحشرات رغمًا عما يرد يوميًّا في الكتب والمجلات الطبية من النهي

عن أكلها ، والتحذير من قربانها؛ لتعفنها من جهة ، ولغشها بخلطها بمواد أخرى

الله أعلم من أين يؤتى بها.

وفي صفحة 16 فانظر تجد أن النكبة إنما جاءت على المسلمين من مخالفتها

ما تقتضيه الخلافة إلخ، نقول: وعليه ، فيجب على جميع العلماء في العالم

الإسلامي السعي العظيم لإرجاع الخلافة ، وبذل أعظم المجهودات؛ لجمع مؤتمر

الخلافة ثانيًا ، وتنظيمه لانتخاب الخليفة ومحاربة الملك الطبيعي أين وجد.

وفي صفحة 48: (وحكم مثل هذا الإجماع أن يكون المجمع عليه عقيدة ،

ويكون منكره كافرًا [2] ) إلخ، نقول: إن ذلك صار عقيدةً راسخةً عند المسلمين

اهتم العلماء بها ، وبحثوها في مؤلفاتهم الدينية في الحديث والأصول والكلام ،

وأودعوها حتى في التآليف التعليمية والأراجيز الابتدائية التي تؤلف للمبتدئين قديمًا

وحديثًًا؛ لتنشئتهم على العلم بأنها من المعتقدات الدينية ، قال في الجوهرة:

وواجب نصب إمام عدل

بالشرع فاعلم لا بحكم العقل

فإلى متى يعتذر عن هذا الأصم المتخرج من الأزهر الذي يحارب الدين

بالبهتان والسفسطة ، {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ البُكْمُ} (الأنفال: 22) .

وفي صفحة 65: (وإن لم يكن إلا ما كان في القرآن من سياسة ، وإلا ما

في كتب الفقه من سياسة ، وتقسيمه الأحكام إلى مغلظة وغير مغلظة إلخ) ، نزيد

على ذلك أن كتب الحديث الستة ، والموطأ قد استقصت أكثر الأحكام السياسية

الشرعية المدنية والجنائية، ففي صحيح البخاري ما يناهز 4000 ترجمة بعضها

في العبادات: الإيمان والتوحيد والطهارة والصلاة والزكاة والصوم والحج،

وأكثرها في الأحكام السياسية الشرعية المدنية والجنائية.

ففي كتاب العلم نحو 55 ترجمة، وفي كتاب الزكاة نحو 80 ترجمة، وفي

كتاب البيوع وما شاكلها كالصرف والمرابحة والسلم والشفعة والإجارة وأجور

العملة، والسماسرة، وأهل الحرف اليدوية وشبهها، والكراء، والجعل الحوالات

نحو 170 ترجمة.

وفي المعاملات وما ألحق بها كالوكالة ، والشركة ، والمزارعة ، والمساقاة،

والقرض ، والقراض، وأداء الديون، والحجر ، والتفليس، والخصومات،

والصلح، والإصلاح، والرهن، والضمان، والإقرار، والاستحقاق، والوديعة،

والعارية ، والغصب، والاستحقاق، والمظالم ، والكتابة، والعتق ، والهبة،

والشهادات، والشروط؛ أي: التوثيق نحو 390 ترجمة، وفي كتاب الوصايا

والأوقاف نحو 40 ترجمة، وفي كتاب النكاح والطلاق والنفقات نحو 195 ترجمة،

وفي كتاب الأطعمة والأشربة والذبائح والصيد نحو 130 ترجمة، وفي كتاب

المرضى والطب نحو 80 ترجمة، وفي كتاب اللباس نحو 100 ترجمة، وفي

كتاب الآداب العامة كصلة الرحم ، والاستئذان، وآداب الزيارة ، والضيافة،

والصحبة ، والمعاشرة، وحفظ السر ، وإفشاء السلام، والتواد ، والإيثار على

النفس، والتواصي بالصبر والمرحمة نحو 180 ترجمة، وفي كتاب الجهاد

وأحكامه نحو 240 ترجمة، وفي كتاب النكاح.. إلخ ، وفي كتاب الحدود والديات

والعفو عنها نحو 95 ترجمة، وفي كتاب الحيل والخداع في البيوع والمعاملات

نحو 15 ترجمة، وفي كتاب الأحكام والخلافة والاستخلاف نحو 55 ترجمة.

***

هذه نبذة مما اشتمل عليه صحيح البخاري رحمه الله

وقد اشتمل كتاب الموطأ على أزيد من 600 ترجمة.

وصحيح مسلم على أزيد من 1000 ترجمة.

وسنن الترمذي على ما يناهز 2000 ترجمة.

وسنن أبي داود علي ما يناهز 200 ترجمة.

وسنن النسائي على ما يناهز 1000 ترجمة.

وسنن ابن ماجه على زهاء 200 ترجمة.

هذه أمهات كتب الحديث الصحيحة المعترف بها المسلمة عند جميع أهل

السنة، أما غيرها من كتب الحديث ، فلا تحصى، وكذلك كتب الأصول ، ومدونات

الفقه لا حصر لها، فهل مع هذا يتمادى الملحدون ، وأذنابهم على إصرارهم وقولهم:

إن حظ العلوم السياسية عند المسلمين كان سيئًا، وإن وجودها بينهم كان أضعف

وجودًا، وإنهم لم يجدوا للمسلمين مؤلفًا في السياسة، ولا يعرفون لهم بحثًا في شيء

من أنظمة الحكم. فماذا بعد الحق إلا الضلال؟

وإذا لم يتفق للمأجور علي عبد الرازق هو وأربابه الملحدون أن يطالعوا

مؤلفات الإسلام وأمهات الدين، أفلم يقف على كتاب كشف الظنون ، وفهارس دار

الكتب السلطانية ، وخزائن الأزهر وغيره، والخزانتين التيمورية والزكية، وإذا

كان لم ير شيئًا من ذلك، فكيف ساغ له أن يهاجم حصون الإسلام المنيعة ، وهو

خاوي الوفاض من كل شيء إلا سلاح الإلحاد والقحة {أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} (النحل: 59) .

وفي صفحة 100: (والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد؛ إنما هو

مراعاة المصلحة إلخ) ، نقول: هذا الرأي هو الرأي السديد الذي أنتجته قرائح

المفكرين من جهابذة العلماء؛ فيتحتم قبوله ، واعتقاده [3] ، وأما ما في بعض كتب

التاريخ والأدب من أن معاوية أغرى بعض قادة الأمة ، ورؤساءها بأن يسألوه في

المجلس العمومي أن يوصي بولاية العهد إلى ابنه يزيد كما يقع اليوم بين رؤساء

الوزارات ، وبين أقطاب الأحزاب في أوربا وأميركا في المسائل الهامة كالانتخابات

وإبرام المعاهدات ، أو نقضها ، فذلك كله من الروايات المدخولة، وآتٍ فقط من

خصوم معاوية غير النزيهين ، ومن أعداء الأمويين كذلك ، فلا يوثق بها أصلاً.

فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وكان من الفراسة بمكان لا يلحق،

وكان يعلم من حال معاوية أكثر مما يعرفه غيره، فلو كان يظن به الهوادة في أدنى

شيء لما ولاه أعظم قطر وهو الشام بعد موت أخيه يزيد ، وقد تركه في منصبه

بقية حياته - أي: حياة عمر - التي تزيد على أربع سنين.

وناهيك بشدة عمر على عماله ، وما كان يعاملهم به من المراقبة الشديدة ،

ومحاسبتهم على النقير ، والقطمير ، وكثرة عزلهم من وظائفهم لأقل سبب، وقد

ولَّى معاوية مع وجود أساطين الصحابة السابقين للإسلام ، والمهاجرين من أجله ،

أفلا يكون ذلك منه أعظم تزكية لمعاوية؟ وأعظم شهادة له على حسن سيرته [4] .

وفي الاستيعاب عن عبد الله بن عمر قال: (ما رأيت أحدًا بعد رسول الله

صلى الله عليه وسلم أسود من معاوية) ، فقيل له: فأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ،

وعلي؟ فقال: (كانوا والله خيرًا من معاوية ، وكان أسود منهم) .

وفي صفحة 114: (وإن عصر النبي لم يخل أصلاً من مخايل الملك إلخ) ،

نقول: إن المخايل التي عناها الشيخ بخيت ، وسطرها لم يخل منها عصر النبوة ،

نعم إنه خلا من المخايل التي يريدها أهل الغطرسة من بناء القصور الشامخة ،

واشتمالها على الفرش الوثيرة، والرياش الثمين، والأواني الفضية المزخرفة التي

يظنها صغار الأحلام هي عنوان الملك.

وقد خلا عصر النبوة أيضًا من كثرة الخدم ، والحجاب، والأعوان الظلمة

بالباب ، وحيلولتهم بين الراعي ، والرعية، ومنعهم للمتظلمين من رفع ظلاماتهم

للملك ، وخلا أيضًا من اشتغالهم بسفاسف الأمور ، ومصاريف دار الملك التي تأخذ

أكبر قسط من الميزانية على عاتق الرعية، ومن اشتغالهم بغصب أرزاق الناس من

اللحوم ، والفواكه ، وأطيب الأطعمة بلا ود ، ولا حساب.

خلا أيضًا من الشرطة حملة الرماح ، والسيوف ، والبنادق أمام الملك؛

لإرهاب الرعية ، وتعوديها على الذلة ، والمسكنة أمام الولاة الجائرين مما لم يعهد

في عصره صلى الله عليه وسلم ، وعصر الخلفاء الراشدين ، فذلك وما أشبهه من

المخايل الكسروية التي جاء عليه السلام لمحاربتها ، والقضاء عليها قد خلا منه

عصر النبي صلى الله عليه وسلم ، وطهره الله من أرجاسه ، وهناته ، وقد صدق

الشيخ علي عبد الرازق في هذه فقط ، وقد يصدق الكذوب.

***

(الملاحدة بين أمرين)

فظهر مما تقدم أن الملاحدة واقعون بين أمرين:

(أحدهما) أن يكونوا عارفين حقيقة الإسلام ، وما أتى به من المنافع

الدنيوية والأخروية ، وأنه صالح لكل زمان ومكان ، وأنه دين الفطرة الذي تنشده

الإنسانية ، وتصبو إليه.

إلا أن ما جاء به من بعض التكاليف الخفيفة التي تربي الناس على الثبات

والشجاعة ، وما أوجبه من ترك المنكرات التي تخدش وجه الهيئة الاجتماعية قد

ثقل حمله على عاتقهم ، وجبنوا عن معاناته؛ فحملهم ذلك على الانسلاخ منه ،

والانحلال، والفرار من أداء الواجبات القليلة في مقابلة ما منحهم من الحقوق العامة،

والحرية الطاهرة النظيفة.

فالتكاليف الخفيفة مثل الطهارة التي لا يغيب عن أحد ما لها من المزايا

العظيمة ، وأهمها المحافظة على الصحة التي هي رأس مال الحياة.

(2)

ومثل الصلاة التي أخبر سبحانه أنها شاقة على الملاحدة المبعدين ،

فقال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَاّ عَلَى الخَاشِعِينَ} (البقرة: 45) الآية، ولو لم يكن فيها

إلا تعويد الناس على الثبات ، وضبط الوقت ، واطّراح الكسل الذي هو علة الفشل

لكفى.

(3)

ومثل الصوم الذي فيه تعويد الناس على الصبر ، وتذكيرهم بما يكابده

الفقراء من آلام الجوع عند اشتداد الأزمات ، خصوصًا عند انحباس الأمطار ، وفي

أوقات البرد الشديد التي يحتاج الناس فيها للأكل أكثر من أيام الحر ، فجوع الصائم

يحمله على رحمة الضعفاء ، وإعانتهم على مكاره الحياة ، ويفتح قلبه لولوج نسمات

الرحمة ، والرأفة بالمحتاجين.

(4)

أما الزكاة ، فقد حسدنا عليها عقلاء الأورباويين ، وفلاسفتهم حتى قال

لي أحدهم: لو كانت مشروعة عندهم؛ لما سمعت بالاشتراكية ، والشيوعية أبدًا ،

ولما وقعوا في مصائب الاعتصابات المتوالية.

(5)

وأما الحج ، ففوائده بارزة تكاد تلمس باليد ، فالأسفار عند الإفرنجيين

لا تنقطع صيفًا وشتاءً ، وهي التي أكسبتهم ما هم فيه من الرخاء ، وبسطة العيش

زيادة على ما يكتسبه المسافر من الأرباح إن كان تاجرًا ، والعلوم إن كان مفكرًا

وباحثًا ، وزيادة على ما ينعم به من الصحة التامة ، والنزهة البهجة.

هذه بعض فوائد التكاليف الإسلامية التي عمي الملحدون عن إدراكها ،

وعجزوا عن احتمالها؛ لضعفهم وجبنهم ، وقد عد الغزالي كثيرًا من أسرارها في

كتابه: الإحياء.

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(*) لصاحب الإمضاء الرمزي.

(1)

عيافة النفس طبيعية لا وطنية.

(2)

هذا الإطلاق ممنوع وفي المسألة تفصيل.

(3)

لا يتحتم على أحد اعتقاد ما أنتجت قريحة غيره.

(4)

حقق الحافظ ابن حجر في شرحه للبخاري أن عمر كان يختار للولاية القادرين عليها ، ويقدمهم على من هم أفضل منهم علمًا ودينًا ، وضرب المثل لذلك بتقديم معاوية ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة على علماء المهاجرين ، وصلحائهم.

ص: 196

الكاتب: مستر كراين

محاضرة مستر كراين

عن جزيرة العرب - أو - الحجاز واليمن

في جمعية الرابطة الشرقية

(2)

(مدينة سواكن)

زرت بعض المواني الواقعة على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر ، وكان

القصد من هذه الزيارة مشاهدة مدينة (سواكن) القديمة التي اعتاد الحجاج أن يأتوا

إليها من قبل إفريقية؛ ليبحروا منها إلى مكة وكانت قديمًا بلدة تجارية عظيمة ،

ولكنها اليوم خالية خاوية. ولا تمر بعض السنين عليها حتى تنعق فيها البوم

والغربان، وذلك بسبب مزاحمة بور سودان ومصوع لها، ويوجد في ضاحيتها

قريتان من القش ، وأصل سكانهما من الحجاج الذين انقطعوا في الطريق ، ولم

يصلوا لا إلى مكة ولا إلى بلادهم، وكانت علامات الفقر الشديد بادية عليهم ، فلا

زراعة ، ولا صناعة لهم ، ولا هم يتقنون كأهل الساحل صيد الأسماك.

***

(الكلام على اليمن)

(من الحديدة إلى صنعاء)

ذهبت من مصوع إلى الحديدة ميناء صنعاء ، وقد أعد لي الإمام جميع أسباب

الراحة ، واستقبلني حاكم الحديدة أحسن استقبال.

وهذه البلاد اليمانية الإسلامية العجيبة منزوية عن العالم أكثر من القطب

الشمالي ، ولا يزال طراز الحياة فيها كما كان عليه قبل مئات السنين ، ولكنه

يختلف كثيرًا عنه في نجد لوجود جبال عالية بين صنعاء والحديدة.

ركبنا في رحلتنا البغال؛ لأن البغال تسلك حيث لا تسلك الخيل ولا الجمال ،

وبعد ما انقضى على سفرنا من الحديدة يومان ابتدأنا نشاهد هندسة البناء في اليمن

تختلف اختلافًا كليًّا عن هندسة البناء في الحجاز ، وقد شاهدنا في طريقنا حقول

شجر البن في بطون الجبال والوديان.

إن هندسة البناء في جدة ، ومكة متقنة ، وجميلة، وتدل نوافذها الكثيرة

الواسعة ، وأبوابها الكبيرة التي تفتح ، وتغلق بسهولة على حب القوم للضيافة،

وعلى عراقتهم في المدنية ، وميلهم إلى ضبط الأمن، بعكس اليمن التي تدل عزلة

قراها ، وانفرادها في الأماكن العالية الوعرة التي لا يصل الإنسان إليها إلا بصعوبة

على خوف اليمانيين من غزو بعضهم بعضًا ، وعلى عدم استتباب الأمن [1] وتشبه

أبنية هذه القرى القلاع الحصينة ، والدور الأول منها يخصص للحيوانات ، والدور

الثاني للحبوب والذخيرة ، ولا يوجد في هذين الدورين منافذ للنور ولا الهواء ، وأما

الأدوار الباقية ، وهي عادة اثنان فما فوق؛ فتخصص للسكن ، ونوافذها صغيرة جدًّا

لا يكاد يدخل منها الهواء ، ولا النور ، وجميع هذه الأعمال تدل أن تلك الأبنية على

هذا الشكل؛ قصد الدفاع عن النفس.

ومن المعلوم أن القطرين اليمن والحجاز يختلف بعضهما عن بعض اختلافًا

عظيمًا ، ففي الحجاز سهول واسعة ، وصحار مقفرة ، وأما اليمن ، ففيه الجبال

المرتفعة ، والوديان المنخفضة [2] ، وتختلف الحياة الاجتماعية فيهما اختلافًا عظيمًا ،

فالحجاز المقدس بنظر المسلمين تأتيه الحجاج من جميع أطراف المعمورة سنويًّا؛

لقضاء مناسك الحج ، ولذلك ترى أهل الحجاز مضطرين بحكم الضرورة إلى ضمان

راحة سكان الأرض ، وقلما يأتيها الزوار ، أو السياح ، وأهلها يخشى بعضهم من

بعض ، ويخشون الدسائس التي يدسها لهم جيرانهم؛ فلذلك تراهم معتادين شظف

العيش ، ومعتصمين بالقلاع في رؤوس الجبال.

على أن الإمام أعد لي جميع وسائل السفر ، وكنت أينما حللت بالمساء؛ أجد

غرفة معدة لنزولي بها ، ولكنني اضطررت أحيانًا إلى النزول في بعض الخانات

القديمة الواقعة على طريق القوافل بين عدن والقدس.

ولهذه الخانات أبواب ، ولكن لا نوافذ لها ، وفيها ممر طويل ، وغرفة واسعة

خصص قسم منها بالحيوانات ، والقسم الآخر بالعائلة صاحبة الخان ، وبديهي أن

كثيرًا من الأولاد يولدن في هذه الخانات ، وقد خطر لي عند ما رأيتها أن المسيح

ولد في مزود خان كهذه الخانات.

إن المناظر الطبيعية بين الحديدة وصنعاء جميلة للغاية ، وقد مررنا بطرقات

تعلو تسعة آلاف قدم عن سطح البحر ، ونزلنا في وديان عميقة حارة ، وقد وصلنا

إلى صنعاء في الليل على حين غرة ، ولما كانت الشوارع لا تضاء بالأنوار؛

وصلنا إلى الدار المعدة لسكنانا بصعوبة شديدة على ما كان من معونة أنوار الجند لنا.

وأما الدار التي نزلنا بها ، فهي مؤلفة من دورين مبنيين بناءً حديثًا جيدًا ،

وفيها حديقة تبلغ مساحتها أكثر من فدان أرض ، وقيل لنا: إن هذه الدار بيعت منذ

بضعة أشهر بمبلغ (150) ريال أميركي أي: ثلاثين جنيهًا مصريًّا. وقد أخبرنا

بعض الجنود الذين رافقونا في الطريق أن الجندي منهم يتناول راتبًا يبلغ ريالين

ونصف أميركيين في الشهر ، ويتناول ثلاثة أرغفة من الخبز لا يبلغ وزنها تسعمائة

غرام ، ولا يأكل الجند تقريبًا غير الخبز ، ولكن بعضهم يشتركون مع بعض أحيانًا ،

ويبتاعون شيئًا من اللحم ، ويطبخونه لأنفسهم مرة أو مرتين في الأسبوع ، ومن

العجب العجاب أن يرى الإنسان هذه الجنود رغم تناولها المقادير القليلة من الغذاء

تحمل البنادق الثقيلة ، وتتمنطق بالعتاد الكثير ، وتركض على أرجلها مسافات

شاسعة غير مبالية بالتعب ، أو شاعرة بالجوع.

زارنا ذات يوم أحد أمناء سر الإمام المدعو محمد راغب بك ، وهو تركي

الأصل ، ولد في القسطنطينية ، وترعرع في ضواحي البوسفور قرب المدارس

الأميركية التي لي بها علاقات منذ زمن بعيد ، وقد حدثني عنها حديثًا طويلاً ، ومما

قاله: إن بعض أقربائه درسوا فيها ، وهذا كان لحسن حظي؛ إذ أدخلني إلى حالة

الوئام مع حضرة الإمام ، وكان باستطاعته أن يتوسط بيننا بطريق حكيمة.

وفي اليوم الثاني قابلنا الإمام على انفراد في غاية الحفاوة والإكرام ، فقال لي

أنه يأذن لي أن أذهب حيث شئت بتمام الحرية ، وأن آخذ رسم ما أريد أيًّا كان ما

عدا رسم شخصه ، وأنه لم يسمح لأحد غيري قدر ما سمح لي من الحرية في

صنعاء.

إن الإمام في أوائل العقد الخامس من عمره قوي البنية نشيط الحركة ، ولما

كانت ولاية حكمه ضيقة الرقعة؛ كان شديد الرغبة في أن يتولى إدارة شؤونها كلها

بيده من جليلها إلى حقيرها.

فهو يجلس كل صباح في مجلس يقصده فيه من يشاء؛ ليسأل ما يشاء ،

ويعرض ما لديه من أنواع الشكاوى والدعاوى ، وعلاوة على ذلك ، فإنه يذهب

يوميًّا إلى أحد الأماكن العامة دون حارس ، ولا تابع من الجند ، فيصرف فيه نحو

ساعة ، وقد يكون منفردًا تحت أشعة الشمس ، ولا يرافقه إلا رجل بمظلة الشمسية

حيث يستمع الدعاوى ، وينظر في المعروضات المرفوعة إليه ، فهو بذلك جامع في

شخصه بين مقامي السلطان ، والخليفة معًا مستمدًّا قوة نفوذه من أنه سلالة الإمام

علي الصحيح الخلافة.

وأما ساعة ذهابه إلى المسجد يوم الجمعة ، فتلك ساعة خطيرة الشأن جلالاً

وبهاءً يشترك في إقامة معالمها الناس أجمعون؛ لأنه يوم المهرجان كل أسبوع ،

وعندما يمر راكبًا في العربة عائدًا من الصلاة ، فلأقل إشارة يبديها أحد الشعب يقف

المركبة؛ ليتقبل أي معروض ، أو يعنى بأي أمر يرى الناس فيه على أتم استعداد

لقبوله ، والخضوع له.

وفي المملكة اليمانية جيش نظامي ، وجند من المتطوعة ، وكثيرًا ما يشتركان

بالإنشاد العسكري يضجان فيه بأصوات خشنة ، وهو يتضمن أبياتًا يرنمون بها بما

أعطوا من قوة وحماسة ، ويقال: إنها أنشودة قديمة العهد.

ثم إن الإمام - وإن أبدى لي حين مقابلته مزيد المجاملة ، وأباح لي الحديث

على غاية الإخلاص - لم ير من الحكمة أن يظهر فرط العناية بي أمام الجمهور؛ إذ

كان من الضروري له أن يحتفظ بمقام الاستقلال العظيم ، بل بشيء من الاستخفاف

بالأجانب مراعاة القبائل الحربية المتعصبين في الحدود الشرقية من البلاد.

فإن سلطانه ، وأحكامه نافذة في مملكته نظير ابن السعود؛ لمجيئها عن طريق

الدين ، وعليها مسحة من الشدة فيه كأنه يتخذ في السلطة نوع الحكم المتحد المزدوج؛

لأنه مع كونه زيدي المذهب شخصيًّا ، ومدار أحكامه على هذه القاعدة، فإن ثلث

شعبه [3] على جانب البحر الأحمر من أهل السنة ، ومنهم عدد معين يشغل بعض

المقامات الصغرى في حكومته.

***

(الضرائب)

أهل اليمن من ذوي الفقر والبؤس الشديد، ولكنهم لانزوائهم في بقعتهم ،

وانحباسهم عن العالم الخارجي لا يشعرون بهذه الحال.

وإن المرء ليأخذه العجب: كيف يستطاع في هذه الفاقة أن تفرض الضرائب

على اليمنيين ، وتجبى إلى الحد المؤذن بإقامة حكومة ، ولا سيما في تجهيز جيش

في تلك المملكة كبير؟

ذلك لا ريب عائد إلى حذق من الإمام فريد ، والظاهر أن معظم واردات

الحكومة هو من ضريبة العشر المفروضة على الحاصلات في عامة أنواعها، على

أن الناس باحوا لي أن العشر قد يترقى - بعسرهم والتضييق عليهم - إلى الربع!

وإنهم لذلك متألمون ناقمون.

***

(المباني)

قل أن ترى في مباني اليمن ما يقل عن ست من الطباق (أو الأدوار) ، وأما

البناء فعلى درجة عظيمة من مخالفات الجمال ، ولم أر إلا القليل مما يدل على حسن

الذوق سواء أكان في هيئة البناء ، أو مواده ، أم في ملابس الناس وغنائهم ، وإنما

يستثنى من ذلك بناء الجوامع ، فإن منها عددًا يبدو فيه شيء من الجمال النسبي

على ما فيه من بساطة الهندسة ، والرسم خلافًا لبناء المنازل.

وبعض تلك الجوامع يرجع تاريخ تشييدها إلى عدة قرون ، وقد ظننت لأول

الأمر أن البنائين أتوا من القسطنطينية لهندستها ، وبنائها، ولكنهم أكدوا لي أن كلا

الأمرين من صنع أهل البلاد أنفسهم.

***

(تعرفي إلى الناس)

لم يكد يستقر بي المقام في صنعاء حتى بادر إلى زيارتي الجم الغفير من أهلها،

وكلما أردت أن أدرس وجهًا من وجوه حياة اليمن كان أمري ينتشر بين الطبقات ،

فكان يوافيني واحد ، أو جماعة من أهل ذلك الشأن ، فقابلت الرؤساء ، والبنائين ،

والتجار ، ورجال العسكرية ، ولا سيما العلماء ، وفيهم القاضي الكبير الذي يحمل

سمة المسلم التاريخي القديم ، وبلغ بيننا التعرف مبلغه حتى أقبل لزيارتي المرار

العديدة.

ولقب (القاضي) في اليمن له معنى خاص؛ فإنه يطلق عادة على طائفة

ممتازة من جميع طلاب العلم ، كما أن كلمة (شيخ) تستعمل كذلك في الشمال.

***

(سبأ وسد مأرب)

كنت شديد الرغبة في الرحلة إلى سبأ ، وعلى الخصوص لمشاهدة السد القديم

الذي كان مصدر خصبها ، وزهوها.

إن مؤسس هذه المدينة هو (عبد شمس) الذي ابتدع عبادة البعل ، أو

الشمس ، ثم أضاف إليها القمر ، وخمسة كواكب سيارة أخرى ، فتم بذلك عددها؛

أي: السيارات السبع ، فكان هذا العدد أصل تلك المدينة (سبأ) ، وقد بنى أيضًا سدًّا

عظيمًا بين جبلين بحيث ينشأ به خزان من الماء يحيي المدينة ، وما حولها من

الأرجاء ، ويهب لها الخصب والنماء.

ثم بعد 1500 عام تصدعت جوانب السد؛ فطغى الماء على المدينة ، وما

جاورها من البلاد ، ودمر كثيرًا من القرى ، ولعل هذه الكارثة كانت أصل الحديث

(الطوفان) .

وأما الإمام ، فمع أنه شديد الحرص على إعطائي كل ما أطلب إلا أنه قال لي

في شأن هذه الأمنية: إن هذه الرحلة من المستحيلات ، ومع أن سبأ لا تبعد عن

صنعاء أكثر من 75 ميلاً ، فهو لم يتمكن من الذهاب إليها إلا بعد أن اتخذ أشد

الاحتياط لما أن قبائل تلك الناحية على أعظم جانب من التعصب (الذميم) يعدون

ذواتهم حراس الكنز العظيم المقدس الباقي من آثار تلك العاصمة القديمة ، فلا

يأذنون لأجنبي أن تطأها قدمه ، أو يقترب منها ، ومما قال لي الإمام: إن بعثة

ألمانية ذهبت للبحث في تلك الناحية قبل الحرب العالمية ، فلم يبق البدو على أحد

من رجالها.

***

(حفلة استقبال لرجوع ابن الإمام من سفره)

لم ينقض على نزولي صنعاء عدة أيام حتى ورد نبأ بمجيء ابن الإمام ولي

عهد إمامته بعد يوم واحد ، وكان غائبًا عنها ثلاث سنين على رأس فرقة من الجند

في القسم الشمالي من البلاد - أي (صعدة) - حيث يتشعب الطريق شعبتين:

إحداهما تتجه إلى مكة ، والأخرى إلى نجد، فكانت عودته بالطبع حادثة ذات شأن ،

فخرجت إلى بعد خمسة أميال من المدينة مع أكثر الأهالي ، ولا سيما الجيش ،

وقفتا لاستقبال القادم الكريم على أحسن ما يقال في الإجلال ، والاحتفال مما يدل

على سمو مكانة ذلك الشاب عند عامة الشعب ، ذلك أن الإمام إنما يرتقي سدة

الإمامة والحكم بانتخاب العظماء من شيوخ البلاد في اجتماع خاص.

ولما كان ولي عهده في الحكم أحد بنيه الأحياء حق له هذا الاحتفاء والإكرام.

وبعد قدوم ذلك الأمير الخطير بأيام زرته ، فتوسمت فيه مخايل الحزم ،

والعزم ، ودلائل الجد في الأعمال على شخصية جذابة ، ولكنها على صورة أضعف

من شخصية والده العظيم.

(للكلام بقية)

((يتبع بمقال تالٍ))

_________

(1)

المنار: إنما كان أكثر خوف أهل اليمن من الترك الذين ظلوا يغزونهم أربع قرون.

(2)

في الحجاز من الجبال والوديان مثل ما في اليمن ، وإنما الفرق بين القطرين أن اليمن قطر كثير النبات والشجر خلاف الحجاز.

(3)

المنار: كذا في نسخة الترجمة التي أخذناها من الرابطة الشرقية ، والصواب: الأكثرية الساحقة من سكان تلك السواحل شافعيون ، ويندر وجود الزيدية فيها.

ص: 202