المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(4) - مجلة المنار - جـ ٢٨

[محمد رشيد رضا]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد رقم (28)

- ‌شعبان - 1345ه

- ‌فاتحة المجلد الثامن والعشرين

- ‌تعدد الزوجات

- ‌استقلال مملكة ابن السعود

- ‌البناء على القبورومن استثنى من تحريمه قبور الأنبياء والصالحين

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌سياسة الإنكليز في الشرقوزعماء العرب

- ‌إثبات شهر رمضان

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌تقريظ المطبوعات

- ‌رمضان - 1345ه

- ‌حكمة تعدد أزواج النبي ص

- ‌مال الزكاة لإعانة المدارس الخيرية الإسلامية

- ‌سماع الغناء والتلاوة من آلة الفونغراف

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(2)

- ‌مشروع بريطاني جديد لتنصير جزيرة العرب

- ‌تحول الكنيسة الإنكليزية عن التقاليد النصرانية

- ‌آثار المساجد في إصلاح الأمة

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌شوال - 1345ه

- ‌حكم بناء فنادق المسافرينوإجارتها لغير المسلمين

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(3)

- ‌نساء العرب السياسيات

- ‌خطبة الأستاذ إسعاف أفندي النشاشيبي

- ‌البيت الحرام وسدنتهبنو شيبة وحقوقهم ، والهدايا له ولهم

- ‌دعوة مفسدي الرافضةيحيَى إلى قتال ابن السعود

- ‌حجاج الشيعة الإيرانيين ومصر

- ‌لا بد من قتل صاحب المنار

- ‌ر - 1345ه

- ‌استفتاء في فتوى وطلب إقرارها وتصحيحها

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(4)

- ‌السعي لمنع الحج ومفاسد البدع

- ‌الاحتفال بتكريم أمير الشعراء أحمد شوقي بك

- ‌مسألة نفقات مؤتمر الخلافة في مجلس النواب

- ‌صاحب المنار وجريدة السياسة

- ‌ذو الحجة - 1345ه

- ‌قاعدة جليلة فيما يتعلق بأحكام السفر والإقامة

- ‌قرار النيابة العامةفي قضية الدكتور طه حسين

- ‌ما يسمى النهضة النسائية بمصر

- ‌الشيخ أحمد عباس الأزهري البيروتيوفاته وترجمته

- ‌المسلمون في أميركا يطلبون أستاذًا من الأزهر

- ‌المطبوعات الحديثة

- ‌الحج في هذا العام

- ‌صفر - 1346ه

- ‌أسئلة من البحرينفي الأئمة والمذاهب وما يجب على العامي

- ‌الزي الإسلامي والشعائر الإسلامية والألقاب العربيةعند خواص أمريكا

- ‌أموال ابن السعود التي اتهم بها صاحب المنار

- ‌أحاديث الدجال وانتقاد بعض النجديين

- ‌مصاب مصر بأكابر رجال العلم والدين والسياسة

- ‌ربيع الأول - 1346ه

- ‌خيرية القرون الثلاثة مع وقوع الفتن فيها

- ‌زكاة الفطر وقت وجوبها وحكم تعجيلها

- ‌حظر أخذ العلم الشرعي من الكتب بدون توقيف

- ‌الصريح والكناية في الطلاقوكتاب الرجل بطلاق امرأته

- ‌الطلاق الثلاث باللفظ الواحد

- ‌كيف تنهض اللغة العربية(2)

- ‌دعاية المسيحية القاديانية الملقبة بالأحمدية

- ‌بول الصبي وبول الصبيةحكمهما في الفقه، تركيبهما الكيميائيالأحاديث التي وردت فيهما

- ‌الاحتفال الخمسيني لدار العلوم

- ‌ربيع الآخر - 1346ه

- ‌حل أموال أهل الحرب

- ‌المراد بالطعن في الدينوكون مخالفة القرآن كفرًا

- ‌سعد زغلول(1)

- ‌أول كتاب من سعد إلى الأستاذ الإمام

- ‌معاهدة جدةبين جلالة ملك بريطانيا وجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها

- ‌الكتابة أو الخطوثيقة شرعية يجب العمل بها

- ‌زيارة القبور للتبرك

- ‌تقريظ الأستاذ الكبير صاحب الفضيلة الشيخ:مصطفى نجا - مفتي بيروت

- ‌حفلة التأبين الكبرى

- ‌شعر في وصفة طبية قديمةجواب عن سؤال

- ‌أنباء العالم الإسلامي

- ‌جمادى الأولى - 1346ه

- ‌سمت القبلةوأدلتها وأقواها بيت الإبرة والقطب الشمالي

- ‌تعريف الأمراض بالأوهاموسؤال عن 3 أحاديث

- ‌الاعتماد على كتب ابن تيمية والطاعن فيه

- ‌افتراء عقائد في عالم الغيب

- ‌طلاق الثلاث بلفظ واحد

- ‌رسالة من يحيى محمد البكري

- ‌التمدن الآثم، القاضي مترنيخ، تلقيح القضاء المصري

- ‌لماذا دخلت في الإسلام

- ‌سعد زغلول(2)

- ‌التقريظ والانتقاد

- ‌رجب - 1346ه

- ‌أسئلة من تونس

- ‌الإصلاح الحقيقيوالواجب للأزهر والمعاهد الدينية [*]

- ‌نظرة عامة في حالة الإسلام

- ‌رحلة جلالة ملك الأفغان (أمان الله خان)

- ‌جمعية الشبان المسلمين

- ‌وفيات الأعيان

- ‌تفسير:] هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا [[*]

- ‌خاتمة المجلد الثامن والعشرين من المنار

الفصل: ‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى(4)

الكاتب: محمد رشيد رضا

‌الإصلاح الإسلامي في المغرب الأقصى

(4)

نظرة في كتاب حقيقة الإسلام وأصول الحكم

أقل الشيء الذي لم يطيقوه ، وعجزوا عن معاناته عجزًا تامًّا ، فهو ما في

الإسلام من محاربة الاستبداد ، والاحتكار ، والغش ، والقمار ، والربا ، والبغاء ،

والخمر أمهات الرذائل ، والجرائم الاجتماعية التي أَنَّتْ منها الإنسانيةُ.

فهم يريدون الانحلال من هذه التكاليف؛ للمسارعة خفافًا وثقالاً إلى الانهماك

في الآثام والشرور، وملازمة الحانات ، والمواخير، وليعيشوا عيشة البهائم والكلاب

يسكرون ، ويتسافدون على قارعة الطريق، ويرابون ، ويقامرون جهارًا كما يقامر

الماليون ويرابون في البنوك والبورصة يحتكرون الأرزاق والأقوات ، ويستبدون بها

وبأسعارها إلى ما لا يحصى من الموبقات والمحاكم الإباحية تؤيدهم بحرابها

وجنودها.

وثانيهما أن يكونوا جاهلين حقيقة الإسلام ، ومزاياه إلا ما يعرفونه مما كتبه

عنه الاستعماريون المعطلون ، والرهبان المتنطعون الحاقدون ، فإذا كانوا كذلك ،

وهو ما تدل عليه كتاباتهم المشوشة ، وخطبهم المعقدة ، فينبغي تعليمهم من جديد إن

كانوا حسني النية ، وإرشادهم إلى الكتب النافعة ، وجدالهم بالتي هي أحسن حتى

يرجعوا إلى طريق الهدى ، فإن الحق يعلو ولا يعلى عليه {وَاللَّهُ يَقُولُ الحَقَّ وَهُوَ

يَهْدِي السَّبِيلَ} (الأحزاب: 4) .

لذلك استنسبنا أن نختم هذه الملاحظات على كتاب حقيقة الإسلام بلاحقة ، أو

نداء عام للأزهريين ، وسنتابع ملاحظتنا على الكتاب حتى تمامه متى ساعدتنا

الفرصة.

لاحقة

أو نداء عام لعلماء الأزهر والمعاهد الدينية

ليسمح لنا مشايخ الأزهر وقرهم الله ، وأبد حرمتهم أن ننبههم لبعض الواجبات

المتعين عليهم القيام بها؛ عملاً بالحديث الذي أخرجه مسلم ، عن تميم الداري أن

النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله ،

ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم) ، فنقترح على ساداتنا الأزهريين

اقتراحين:

(أحدهما) إحداث جمعيات من علماء الأزهر ، والمعاهد الدينية في القطر

المصري كله تكون وظائفها الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر امتثالاً لقوله تعالى:

{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ

وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104) ، وذلك بإنشاء جرائد ، ومجلات ،

ومنشورات دورية توزعها بأرخص ثمن ، والبعض مجانًا ، وبإذاعة ذلك على لسان

التلاميذ في المعاهد والمدارس ، وبتبليغ التلاميذ لأوليائهم وأقاربهم وجيرانهم

وجلسائهم ، وبإلقاء الخطب والمسامرات في المساجد والمدارس والمنتديات

والاحتفالات.

وأول وظائفها: حض الحكومة على إزالة المنكرات ، والمحرمات ، وإرشاد

مشايخ الطرق لتبديل تعاليمهم لتابعيهم بأن يعلموهم قواعد الإسلام الخمس ، ومحاسن

الأخلاق ، وأن يحضوهم على التعلم والتعليم ، ومزاولة الصنائع النافعة ، فذلك خير

من الشطح ، والرقص ، وتضييع الوقت بتلاوة أوراد ما أنزل الله بها من سلطان

أكثرها لا يفهم ، ولا معنى له.

وقد أحسن المصلح الكبير السلطان عبد العزيز بن السعود أعانه الله في سبقه

العالم الإسلامي إلى هذه المنقبة الجليلة ، فأصدر أمره بتأسيس جماعات للقيام بالأمر

بالمعروف ، والنهي عن المنكر.

(وثانيهما) إحداث جمعيات تشتغل بالسياسة العامة؛ لتظهر للعالم أجمع أن

الإسلام دين ودولة ، وذلك بإحضار المعدات اللازمة لذلك من كل وجه ، وأهمها:

إصدار الجرائد والمجلات على نفقة الجمعيات يومية وأسبوعية وشهرية ودخول

معترك الحياة السياسية بسلاح متين ، وإذا قلنا: السياسة ، فمرادنا بها السياسة

الشرعية المنزهة عن التدجيل والتضليل وقلب الحقائق والكذب والبهتان وقول

الإنسان ما يعتقد بطلانه ، أو تكذيب ، وإبطال ما يعتقده حقًّا ، وصوابًا ، فهذه السياسة

سياسة الختل ، والمراوغة لا يعرفها الإسلام.

وأول ما يتحتم عليهم دخول الحياة النيابية ، فإن أعظم وظائف مجلس النواب

هو التشريع ، ومراقبة الحكومة ، وذلك معنى (الإسلام دين ودولة) ، فإذا لم تكن

قوانين المجلس مرتكزة على آراء علماء الدين ، فتكون قوانين مبتورة ، ومجحفة

معًا.

وإذا تقاعستم يا شموس الأزهر أو جبنتم فإنكم تضيعون نفوسكم ومكانتكم

ووجودكم زيادة عن ضياع الدين الذي أنتم حراسه وحماته.

فلو أنكم كنتم دخلتم المعترك في أيام سعيد ، وإسماعيل؛ لكان مرجع التشريع

اليوم كله ، أو جله إليكم ، ولكنكم فرطتم تفريطًا أضاع عليكم أكبر وظيف كان من

أول واجباتكم ، فيجب أن تتداركوا ذلك ما أمكن ما دام رجل الإسلام ، وأبو

المصريين سعد باشا معكم ، وما دام هو روح مصر ، وشمسها المنيرة مساعدًا ،

ومظاهرًا لما يعتقد أنه الواجب.

بقي أن يقال: أين المال اللازم لتأسيس هذه الأعمال؟ فنقول: إن في علماء

مصر أغنياء كثيرين بحمد الله ، فيجب أن يتنازلوا عن بعض أموالهم لذلك اقتداء

بكرام الصحابة رضي لله عنهم ، فأبو بكر تنازل عن أمواله كلها لمصلحة الإسلام ،

وكان من أغنياء قريش، وعمر تنازل عن أكثر أمواله، وعثمان تنازل عن أموال

كثيرة جدًّا ، وجهز جيش العسرة ، وكان كل واحد من الصحابة يتنازل عن المال

اختيارًا رغبة لا رهبة؛ فإذا لم يتنازل أغنياء العلماء فيكونون مقصرين ، ويسوغ

للوطني الغيور أن يظنهم أو يعدهم جبناء خائنين.

إذا تنازل بعض أغنياء العلماء في مصر ، فإن الأمور تسهل جدًّا ، فإنكم

ستجدون من بقية العلماء ، ومن جمهور المصريين أناسًا صدقوا ما عاهدوا الله عليه

يناصرون مشروعكم ، ويؤيدونكم إن صبرتم ، وأحسنتم النية ، فإن الله مع الذين

اتقوا ، والذين هم محسنون.

أمامكم وأمام أنصاركم ومريديكم عقبات لا تزال إلا بتضحيات، والمشاريع

النافعة العامة لا تقام إلا على تضحيات في أول الأمر وقد قال تعالى: {لَن تَنَالُوا البِرَّ

حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران: 92) ، لا يهولنكم الأمر فإنه سهل مع الثبات

والصبر ، فإن الشاب الكامل مصطفى كامل رحمه الله أسس الحزب الوطني وجرائده

في القطر المصري من شبان أكثرهم ليسوا بأغنياء ، ثم دارت الأيام دورتها حتى

صار الحزب الوطني في أيامه وأيام المرحوم محمد فريد بك هو قلب مصر النابض،

وقبض على زمام الرأي العام يأتمر بأمره ، وينتهي بنهيه.

لا فائدة في المال إذا لم يثمر مجدًا خالدًا ، أو عزًّا أبديًّا ، فهذا جمال الدين

الأفغاني ، والشيخ محمد عبده قد أنفقا مالهما ، وروحهما لإحياء مجد الإسلام ، وماتا ،

ولم يخلفا درهمًا ، وإنما خلفا من ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلم ،

والهدى ، والإرشاد ، ولو توجها للمال لخلفا الملايين.

وهذا أسد الإسلام السيد رشيد رضا صاحب المنار لا يملك دارًا للسكنى التي

يقول الفقهاء فيها: إنها أول ما يشترى ، وآخر ما يباع ، وقد أنفق ماله ، وراحته ،

وحياته أطالها الله في الدفاع عن الإسلام ، ونشره ، وتأييده ، ولو توجه للمال؛ لكان

من أصحاب الأملاك ، والأطيان ، والأموال الكثيرة.

فالبدار البدار يا علماء الأزهر قبل الفوت ، واستعدوا كما أمركم الله بقوله:

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} (الأنفال: 60) إلخ ، {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ

كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} (الأنعام: 152) .

وأول ما يلزمكم في الحال أن تطهروا أنفسكم من تعاطي ما يخل بالمروءة

مهما كان فيه من وفور المال، فقد أضحكني، وأبكاني ما نشره فكري أباظه في رده

على الشيخ أبو العيون الذي امتثل ما أمره الله به ، ورفع لائحة للحكومة يأمرها

بإلغاء البغاء الرسمي.

جاء في آخر الرد تشنيع على العلماء بأن بعضهم يتعامل بالربا ، وبعضهم

يأكل أموال المحاجير ، واليتامى إلخ ، فهؤلاء إذا ثبت عليهم ذلك يجب التشهير بهم

والتشنيع عليهم بخصوصهم ومحاسبتهم بما أكلوه.

ونقول لفكري أباظه: إن ذلك لا يكون لك حجة في إبقاء البغاء ، وإذا كان

بعض العلماء يتعاطى بعض المحرمات؛ فإنهم بشر وليسوا بمعصومين ، ولأمثالهم

وغيرهم من الحكام الجائرين شرعت الحسبة والمراقبة ، وأسست مجالس

الشورى والنواب ، فلا يكون تلطخهم بتلك الهنات مسوغًا لإهمال النزيهين للأمر

بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، بل إنهم إذا أخلوا بذلك يكونون آثمين ، وتكون

رواتبهم التي يتقاضونها من الأوقاف ، ومن الأمة سحتًا.

وعجيب من فكري أباظه كيف ينعي على الشيخ أبي العيون قيامه بواجب

النهي عن منكر البغاء الذي نهت عنه جميع الشرائع ، مع أنه يمتدح تؤدة الشعب

الإنكليزي ، وتعقله لدى إصدار القوانين التشريعية ، ومراعاة حكومته لأميال

المتدينين منهم ، فقد عُلِم أنه لما اكتشف تلقيح الجدري سنَّت حكومة الانكليز قانونًا

للعمل به على وجه الإلزام ، فقاومها الذين رأوا تحريمه دينًا ولم يسكن الاضطراب

حتى أضيف للقانون مادة خاصة بإعفاء من يعتقدون حرمته من إلزامهم به ، ولا يزال

هذا الإعفاء مستمرًّا إلى الآن.

فما يقوله فكري أباظة لو قام أبو العيون أو غيره ، وقاوم تلقيح الجدري

الذي كاد الأطباء يتفقون على فائدته العظمى ونفعه العام، إذًا لطبق السموات

والأرضين بالعويل والصريخ هو وزملاؤه ورموا الدين الإسلامي بأعظم المفتريات ،

والمفتي بالبله ، والجنون.

ثم نقول لفكري أباظه أخيرًا: يظهر أن جنابكم من جماعة الاحتلاليين؛ لأن

حكومة الاحتلال هي التي سنَّت هذه السنة السيئة المشئومة ، فالمؤيد لأعمالها محبذ

للاحتلال وأذنابه ، وبالتالي يكون خائنًا لدينه ووطنه.

وفي الختام أرجو بإلحاح من مشايخ الأزهر الكرام أن يسارعوا إلى إعداد

المعدات ، ويتداركوا ما فاتهم ، وليتشبهوا بالرسل أولي العزم ، ويتدبروا قوله

تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:

159) ، وليستعينوا بالله ، فهو نعم المولى ، ونعم النصير.

...

...

...

...

...

مسلم غيور

(المنار)

إنه ليحزننا أن نضطر إلى إخبار أخينا المصلح المراكشي أن علماء الأزهر

أضعف منةً وإرادة من أن يقوموا بمثل ما دعاهم إليه وأن سعد باشا ليس معهم

وليسوا معه ، وأن الحزب الوطني لم يكن كما تصور في نفسه فصور بقلمه، وأن

الخديو هو الذي كان يستخدم المرحوم مصطفى كامل بماله ونفوذه ، ونخبره أيضًا

بأن فكري بك أباظه ليس احتلاليًّا كما ظن ، ولا يتسع هذا التعليق لبيان الحقيقة فيما أنكره عليه. وسيرى في المنار ما يجب على المسلمين لحفظ الإسلام في هذا العهد.

_________

ص: 285

الكاتب: مستر كراين

محاضرة مستر كراين

عن جزيرة العرب - أو - الحجاز واليمن

في جمعية الرابطة الشرقية

(3)

(يهود اليمن)

إن قسمًا يذكر من أهالي صنعاء يهود، وهم يسكنون في حي خاص بهم ،

ويقولون: إنهم لقرنين مضيا كان يؤذن لهم بالسكون فيها حيث أرادوا ، ولكن الحاكم

في ذلك الحين أمر بذلك الفصل. وإنهم مع السماح لهم بالطواف أين شاؤوا لقضاء

الأعمال لم يكن يؤذن لهم بركوب غير الحمير من الدواب.

وقد زرت حيَّ اليهودِ هناك مرارًا عديدة وقابلت ربانيهم ومعابدهم فرأيتهم

كسائر مواطنيهم من أهل الفاقة؛ ولكنهم بفضل ما أوتوا من الحذق والقبض على

أزمة الحرف تراهم أرقى شيئًا من إخوانهم مما ينيلهم شيئًا من عطف الحكام مع

ما بينهم وبين المسلمين من بلوى التفرقة المذهبية.

وقد تعسر عليك التفرقة بين اليهودي والمسلم العربي لولا فارق من الشعر

يتحتم عليه اتخاذه شعارًا له.

ثم إن هناك مسألة تاريخية تتعلق باليهود ، ولا سيما أول ظهورهم في اليمن ،

قال لي الإمام والشيوخ: إن اليهود كانوا في اليمن منذ فجر التاريخ ، ويروى أن

(يارم) يعرب الملك الذي ملك قبل المسيح بألفي سنة فصل العبرية عن العربية ،

على أن الربانيين يقولون: إن اليهود أتوا إلى اليمن من أورشليم سنة 200 قبل

المسيح تقريبًا.

وكنت حيث أذهب في اليمن نحو الجنوب؛ أجد يهودًا حتى في أحقر القرى ،

وأفقرها ، وقد كان من بواعث دهشتي أني لقيت في قرية غاية في الفقر مبنية من

القش يهوديًّا مر عليه فيها ثلاث سنين في حالة لا بأس بها يشتغل فيها صائغًا ، فلم

يكن ينجلي لي كيف يمكن وجود سوق للصياغة في مثل تلك القرية من بلاد الدنيا؟

ولكني فطنت للأمر لما علمت أن اليمينين مولعون بزينة واحدة تستهوي أفئدتهم ،

وهي الخناجر المنحنية ذات المقابض والأغماد المزينة أو المموهة بصنع الصياغ.

***

(أعمال الإمام العمرانية)

لقد وضح أن هم الإمام الأعظم هو جيشه العزيز ، ومع ذلك فهو يقول: إنه

كثير العناية ، والاهتمام بأمر التعليم - والحق أن ذلك على قياس ضئيل محدود -

وبإصلاح الطرق أيضًا. فقال لي: إنه أصدر الأوامر لكل حاكم مدينة أن يقوم

بشغل معين كل سنة يتعلق بإصلاح الطرق التي في نطاق حكمه ، ويظهر أن بعض

الحكام أتوا شيئًا من هذا الإصلاح مع بناء الجسور (الكباري) ، وكنا في طريقنا

إلى عدن نسلك في الأحايين آثارًا من طرق قديمة لا بد أن تكون قد بنيت بحذق ،

وحسن نظر قبل الإسلام بنحو ألفي سنة على ما قيل.

وفي سفرنا نحو الجنوب ، وعلى إحدى طرق القوافل المستغرقة في القدم

الآتية من عدن إلى أورشليم كان من بواعث دهشتنا كثرة ما وجدنا من آثار التجارة ،

فكثيرًا ما كنا نمر وسط قافلة صغيرة من الجمال أو الحمير أو البغال وهي تسير

بغاية المشقة بسبب رداءة الطرق ، فكان مشيها شديد الإيلام ، والتعسر ، وهي تتسلق

المسالك العالية الوعرة.

والظاهر أن من أسباب تلك التعسيرات في الطرق هو أن يجعلوها صعبة

السلوك على الأجانب الذين يقصدن تلك الجهات.

***

(من كلامي في وداع الإمام)

في حديثي الأخير مع الإمام قبل الوداع تكلمنا في كثير من الشؤون المتعلقة

ببلاده عسى أن أجد شيئًا أستطيع فيه خدمة ما له، فذكر أنه يوجد في اليمن قدر

وافر من المعادن الثمنية ، وأنه يرغب في الحصول على أهل العلم الواسع في

المعدنيات؛ ليقوموا بدرس الموجود فيها.

إنه يعسر جدًّا على هؤلاء الفقراء أن يزيدوا كثيرًا على ما عندهم من أدوات

الزينة ، وكل ما يأتونه من الجهود العقلية في هذا السبيل يؤسف له ، ويرثى؛ فإن

الجندي هناك شديد الولوع بأن يشكل في وعاء رأسه عذقًا صغيرًا أخضر اللون،

وأما الرجال والنساء، فلرغبتهم في زيادة التجمل؛ كثيرًا ما يلجؤون إلى النيلة ، وما

تجديهم إلا قليلاً.

إن حاكم (صعدة) السابق المؤتلف الآن مع الإمام أنبأنا أن في (صعدة) ،

وحولها اعتاد الناس من قرون أن يرقصوا نوعين من الرقص يشترك فيها الرجال ،

والنساء يشبهان نوعين آخرين من رقص أهل الغرب.

يوجد في اليمن جنسان آخران من الشعوب ، أو القبائل غير اليهود (أحدهما)

يزعم أنه من سلالة قحطان ، أو (يقطن) ، وهو من أخلص الأجناس البشرية،

حسن البنية والشكل، وقوي البأس، عادم اللحية، ربعة القوام ، عريض الجهة،

يميل جلده إلى اللون النحاسي على اختلاف في المقدار، وآحاد هذه القبيلة يقلون من

الملابس بحكم البيئة حتى إن شيوخهم ومقدميهم الذين يذهبون إلى عدن يضطرون

اضطرارًا إلى زيادة شيء من الملابس المصنوعة لهذا الغرض ، وأما الجنس

الثاني ، فإنسانه أطول قامة ، وعليه مسحة من الجمال ، وتراه على الغالب كامل

اللحية كثير الملابس.

ولما كانت درجة الحرارة الجوية واحدة في كل من البقعتين؛ نرى أن مذهب

الفيلسوف هربوت سنبسر تنجلي حقيقته في حال هذا الشعب ، (وهو أن الزينة

تسبق الاكتساء) ، وأما أصل هذا الجنس الثاني فيقال: إنه من ذرية إسماعيل صلى

الله عليه وسلم، وإنه أتى من الشمال ، وإن دمه ودم اليهود مشتركان.

***

(همة اليمني في العمل)

إن اليمني بما يتيسر له من عدة العمل الحاضرة؛ يمكنه زيادة إنتاجه بكده ،

وكدحه في العمل الذي يمتد من شروق الشمس إلى غروبها حالة كون الأميركي بما

له من تفوق العدة ، والأدوات تقدر قوته قوة أربعين حصانًا ، أو ما يعادل 250 من

قوة اليمني ، وتكون نتاج عمله على هذه النسبة.

وإن من اعتاد حياة الغرب ليحار في هذا السؤال وهو: كيف يتأتى لشعب

كأهل اليمن أن يعيشوا في بيئة كبيئته حيث أحوال الحياة تكاد تكون واحدة للإنسان ،

والحيوان؟ وكيف يستطيعون تحمل مشاقها وشظفها؟ لكنا بالرغم من ذلك كله نراهم

عائشين مع قلة وسائل العيشة والراحة ونصب العمل دون أن تبدو منهم أمارات

الشكوى المؤلمة، ولقد انقضى على سكان اليمن القرون وهم في هذه الحالة من بؤس

العيش وخلوهم من مادة البقاء لا يدرون شيئًا من حالة غيرهم في أمور المعيشة ،

ومع ذلك تراهم على الجملة قانعين راضين يحمون أرضهم وحكومتهم التي منها

وعن يدها تنتج لهم هذه الأحوال.

أما بلاد الغرب ، فهي مع وجود أسباب الراحة ، والهناء حتى لا أقول:

معدات اللذات ، والمسرات؛ ترى الناس لا ينقطعون عن التشكي ، والتبرم من

أحوالهم ، وهم أبدًا على قدم الانفجار ، والقيام بإيقاد نيران الثورات كلما أتاحت لهم

الفرصة ، وأتاحت لهم الأقدار ذلك.

إن سكان الجبال في جميع الأرض معروفون بحب الاستقلال ، وإيثاره على

كل ما سواه من أمور الحياة ، مشهورون بقوة البدن ، وشدة البأس على نسبة بيئتهم ،

وشظف حياتها ، ومما يحسن ذكره ووقعه على الخواطر أني لقيت رجلين يمنيين:

أحدهما يهودي ، والآخر مسلم زارا أميركا ، وبعد أن أقاما فيها عدة أعوام غلبهما

الحنين إلى تلك الجبال اليمنية التي ولدا فيها ورضعا لبانها وغذيا بهوائها ومائها؛

وإذ جد بهما الوجد واستحكم الهيام؛ عادا أخيرًا إلى تلك الربوع؛ ليقضيا فيها ما

كتب لهما من بقية العمر.

ثم إن اليمنيين لم يكونوا يطيقون حكم الأتراك بحال ، ولا بوجه من الوجوه ،

فلم يحولوا عن الاعتقاد بأن إمامهم هو الخليفة الحقيقي ، وأن لا خليفة إلا من تحدر

من ذرية النبي صلى الله عليه وسلم.

على أن هناك من ذراريه قومًا يدعون بالأسياد (على ما تعلمون) .

***

(الطب والعلاج في اليمن)

ليس في اليمن شيء يسمى دواءً وطبًّا حتى أن أحقر عشبة من أعشاب الأرض

التي يتداوى بها أحيانًا غير معروفة ، فإذا أصيب أحدهم بألم؛ لم يجد مفرًّا من

تحمله، وإذا غلبته عادية الداء؛ قضى نحبه بحكم الطبع بلا علاج ، ولا دواء.

على أن هناك عشبة يغلب استعمالها عندهم هي (القات) ، فقد أتي بها من

بلاد الحبشة أيام أتي بشجرة القهوة أيضًا.

وعلى مقربة من ساحل البحر مدينة أشهر ، فيها شجرتان غرستا فيها في بادئ

الأمر ، وهما شجرة (القات) ، وشجرة (القهوة) ، وقد تمكنت في اليمني عادة

كعادة الإنكليز ، وهي أنهم في نحو الساعة الرابعة من ظهر كل يوم يجلسون

جماعات؛ لتناول (القات) ؛ إذ يعدونه ممضوغًا منبهًا ، ويزيدونه بهجة ولذة

بتعاطي أقداح الحديث كما يتعاطى الندامى كؤوس المدام.

ومع ما في هذا النبات من أذى إضعاف الأعصاب ، فإن كل يمني حتى

الجندي العادي على أجره الذي لا يستحق الذكر يجتهد في اقتصاد شيء ما في سبيل

تناول (القات) وكأن ذلك يذكرنا بعادة الكوكايين عند أهل الغرب.

***

(عند ولادة الأولاد)

إن طريقة ولادة الأم في اليمن شديدة القسوة ، فالأمر الوحيد المساعد لها حينئذٍ

هو الإتيان بمن ترقص على بطن المتألمة البائسة مدة المخاض ، ومع كثرة النسل ،

فإن متوسط الوفيات منهم وافر جدًّا ، وقد قال لي أحد حكام المدن الكبيرة: إنه قد

فقد 22 صبيًّا وهو عدد يستحق الذكر ويستلفت الأنظار حتى في أسرة عادية

أمريكية ، ومع ذلك فقد أبقت له العناية ثمانية أولاد على حالة حسنة من الصحة.

_________

ص: 289