الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكاتب: محمد رشيد رضا
خيرية القرون الثلاثة مع وقوع الفتن فيها
(س11) من صاحب الإمضاء في فكلوغن جاوه
إلى حضرة الإمام مفتي الأنام خليفة شيخ الإسلام السيد محمد رشيد آل رضا
أطال الله بقاه ونفعنا بعلومه آمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فليقين علمي بإخلاصكم في خدمة الإسلام والمسلمين كما أشاهد (؟)
في مقالاتكم على صفحات مناركم المنير ، ولحرصي على فتاويكم الشافية الكافية؛
ألتمس من فضيلتكم أن تبينوا لي مقصود هذا الحديث الشريف: (خير القرون
قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) بيانًا وافيًا كعادتكم في حل المسائل،
وتوضيح المشاكل، فإنه قد أشكل علي مقصود قوله صلى الله عليه وسلم (خير) ما
هو ذلكم الخير الذي يقصده صلى الله عليه وسلم مع العلم بأن قرون الفتن والزلازل
والزندقة ما نجمت [1] إلا في تلكم القرون الثلاثة المشهود لها بالخير.
ألم تروا إلى فتنة عبد الله بن سبأ ذالكم اليهودي اللعين التي أدت إلى قتل
الخليفة الثالث رضي الله عنه وإيقاد نار الحرب بين الخليفة الرابع وسيدنا معاوية
رضي الله عليهم التي كانت السبب في إزهاق أرواح الألوف من خيرة رجال
الصحابة، وظهور الحرورية وقتلهم للإمام علي كرم الله وجهه، وواقعة كربلاء،
واستباحة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمه، ورمي الكعبة بالمنجنيق،
ونبوغ الجهمية وغيرها من الفرق الضالة المضلة وافتراء الألوف المؤلفة من
الأحاديث الموضوعة على رسول الله إلخ إلخ، بل إن خذلان المسلمين اليوم
وسقوطهم في هاوية الذل والمسكنة؛ إنما هي عاقبة تلكم الوقائع السود التي وقعت
في تلكم القرون الثلاثة ، وما تليها أفيدونا مأجورين، ولا زلتم ملجأ ومأوى
للحائرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
…
...
…
...
…
...
…
... سعيد بن طالب الهمذاني
(ج) الحديث ورد في الصحيحين وغيرهما بلفظ: (خير الناس قرني)
إلخ وبلفظ: (خير أمتي أهل قرني) إلخ، وفي عدة روايات البخاري (خيركم
قرني) ، وقد بين علة الخيرية في الرواية المتفق عليها من حديث عبد الله بن
مسعود (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق
شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) ، وفي رواية من حديث عمران بن حصين في
البخاري (ثم يجيء من بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون،
وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن) وفي رواية له زيادة (ثم يفشو الكذب)
وفي رواية الترمذي والحاكم عنه: (ثم يأتي بعدهم قوم يتسمنون ويحبون السمن،
يعطون الشهادة قبل أن يسألوها) ، فالمراد بخيرية كل قرن على ما بعده خاص
بتفضيل المسلمين فيه على من بعدهم فيما يليه، قيل: في جملتهم، وقيل: في
أفرادهم، والمشهور تفضيل الصحابة على من بعدهم مطلقًا.
والقرن: أهل زمان تجمعهم فيه جامعة يكون فيها بعضهم مقارنًا لبعض
كرئيس يجمعهم من نبي أو حاكم أو غيرهما أو عمل مشترك، وحدده بعضهم
بالزمان، وفيه أقوال: من عشرة إلى مائة وعشرين، والأشهر الذي جرى عليه
الناس أن القرن مائة سنة، وليس بمتعين في هذا الحديث، وعليه يمكن تفسير قرنه
صلى الله عليه وسلم بزمانه من بعثته .... والقرن التالي له بقرن الخلفاء الراشدين
لتشابهه، أو إلى آخر مدة عمر، أو إلى حدوث الفتن في زمن عثمان لامتيازه بذلك،
والمشهور عند جمهور العلماء أن القرن الأول قرن الصحابة، والثاني قرن
التابعين، والثالث قرن تابعي التابعين، قال الحافظ ابن حجر: (واتفقوا على أن
آخر من كان من أتباع التابعين ممن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين،
وفي هذا الوقت ظهرت البدع ظهورًا فاشيًا، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت
الفلاسفة رءوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيرت الأحوال تغيرًا
شديدًا، ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن) ، وظهر قوله صلى الله عليه وسلم:
(ثم يفشو الكذب) ظهورًا بيِّنًًا ، حتى شمل الأقوال والأفعال والمعتقدات والله
المستعان اهـ.
وجملة القول؛ أن التفضيل خاص بما يكون عليه المسلمون من الاعتصام
بعروة الدين من صحة التوحيد، والبعد عن الشرك وخرافاته، واجتناب الرذائل
وشرها الكذب، والتحلي بمكارم الأخلاق، والإخلاص في العبادات، وما وقع من
الدعوة إلى الشرك من عبد الله بن سبأ ثم إلى فتن السياسة والملك، فإنما وقع من
الكفار كعبد الله بن سبأ اليهودي وأمثاله من زنادقة أهل الكتاب وزنادقة الفرس
واصطلى المؤمنون بنارها.
وفي الصحاح أحاديث أخرى تؤيد هذا المعنى وهو أن كل زمن شر مما بعده
أي من حيث الدين والتقوى في مجموع الأمة، وهو مقتضى سنة الله في البشر التي
يدل عليها قوله تعالى: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد: 16) ، ولا ينافي هذا وجود بعض
المزايا والأعمال في بعض الأزمنة المتأخرة بحيث تفضل بها على ما كان قبلها ،
كزمان عمر بن عبد العزيز على ما قبله من أزمنة ولاية قومه.
وقد روى الترمذي بإسناد قوي من حديث أنس وابن حبان من حديث عمار
وصححه: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره) قال الحافظ ابن
حجر: حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ، وحملوا الآخر فيه على
زمن المسيح وهو مع ذلك لا يظهر بالنسبة إلى قوة الإيمان وفضائل الأفراد ، بل
بالنسبة إلى ما يكون فيه من جمع كلمة المسلمين وقوتهم وكثرة البركة في أموالهم
ومعايشهم وخفض كلمة الكفر وذلة أهله على ما روي في ذلك ، والله أعلم.
_________
(1)
المنار: كان الأصل بأن شمس الفتن
…
ما بزغت إلا إلخ فغيرنا الكلمتين بما هو المناسب للمعنى وجاء الجناس بلفظ القرون عفوًا غير متكلف.
الكاتب: محمد رشيد رضا
أسئلة من إيبك - يوغو سلاويا: (أوربة)
(س12 15) من صاحب الإمضاء
حضرة صاحب الفضل والفضيلة، سيدنا ومولانا العالم العلامة، المحقق
المدقق مفتي الأنام السيد محمد رشيد رضا أطال الله بقاءه وحفظه آمين.
(1)
هل يجوز أداء صلاة الظهر في يوم الجمعة بالجماعة لأهل القرى في
القرى، مع أن الجمعة قد أقيمت قبلها؟ هكذا يفتي بعض العلماء ، ويخصون هذه
بالقرى دون الأمصار ، ونحن نظن أن إقامة صلاتين متغايرتين في وقت واحد من
الجماعة لا تجوز ، كما قررت في الأصول، ومع هذا إذا أقيمت صلاة الظهر مع
الجماعة بعد صلاة الجمعة في المسجد؛ هل تبطل الجمعة بأداء الثانية؟ إذ
المصلون هذه يشكون من أن صحة الجمعة ليست قطعية (في القرى) لفوات بعض
شروطها.
(2)
هل يعد من الزكاة الخراج المستأدية للحكومة المطروح من عندها -
أي حكومة كانت - ويسد مسدها؟
(3)
ما معنى حديث: (استنزهوا عن البول؛ فإن عامة عذاب القبر منه) ،
أخرجه الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنه، والدارقطني عن أنس بلفظ
(تنزهوا) ؟ ، وما حكمة تعميم النبي صلى الله عليه وسلم عذاب القبر بالبول؟
(4)
هل (وجودك ذنب لا يقاس عليه ذنب آخر) حديث صحيح أو من
الموضوعات ، إن كان من الأحاديث الصحيحة ، فما معناه؟ وما سبب إيراد النبي
صلى الله عليه وسلم هذا؟ ومن كان المخاطب بهذا؟
أقدم لفضيلتكم هذا ، وأرجو الجواب والإفتاء عنها ، مع فائق احترامي
وتشكري.
…
...
…
...
…
... المخلص والمشترك لمجلتكم الغراء
…
...
…
...
…
...
…
يحيى سلامي
صلاة الجمعة في القرى والظهر بعدها جماعة
الجواب عن السؤال الأول أنه من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة أن الله
تعالى لم يفرض على عباده صلاتي فريضة في وقت واحد.
فمن كان في قرية فيها مسجد تقام فيه الجمعة؛ يجب عليه أن يصليها مع
الجماعة ، إلا إذا كان يعتقد أن صلاة الجمعة فيها باطلة شرعًا لفقد بعض شروطها ،
وحينئذ لا يجوز له أن يصليها لأنه شروع في عبادة باطلة غير مشروعة في اعتقاده ،
وإن كان مخطئًا ، وهو عصيان لله تعالى، وإذا عصى وصلاها معتقدًا بطلانها؛
تبقى صلاة الظهر متعلقة بذمته فعليه أن يصليها، وليس له أن يقيم له مع غيره
جماعة أخرى لأنه تفريق بين هؤلاء وبين إخوانهم المسلمين الذين أقاموا الجمعة
قبلهم ، وهذه مسألة اجتهادية ، هذا ما أراه في حكمها.
وأما إذا صلاها معتقدًا صحتها ، فلا يجوز له أن يصلي بعدها ظهرًا لا
منفردًا ولا جماعة؛ لأنه يكون بهذا مخالفًا للمعلوم من الدين بالضرورة ، وهو
قطعي بظن بعض الفقهاء.
وهذه المسألة قد بيناها بدلائلها التفصيلية من قبل، وإذا كان لمن تحكون
عنهم شبهات غير ما سبق لنا بيانه والرد عليها ، فاذكروها لنا.
وليعلم المسلمون في بلادكم وأمثالها أنه لا ينبغي لهم تقليد من يقول من الفقهاء:
إن صلاة الجمعة لا تصح في القرى ، فإن أول جمعة أقيمت في الإسلام قد أقيمت
بعد جمعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قرية جواثي من البحرين
كما في صحيح البخاري وشروحه ، ولا تقليد من يشترط لصلاة الجمعة دار الإسلام ،
وإقامة الأحكام الشرعية من قبل الإمام، لأنه تقليد في إبطال شعيرة من أعظم
شعائر الإسلام، قال بعض الأئمة بعدم اشتراط ما ذكر في صحتها.
***
(2)
اجتماع العشر والخراج
الجواب عن الثاني أن مذهب الحنفية عدم اجتماع الخراج والزكاة في أرض
واحدة ، ومذهب الجمهور أنهما يجتمعان لأن الخراج أجرة الأرض لبيت المال ،
فهو واجب عليها، وأما الزكاة فهي حق على الغني المسلم لأصحاب الحاجة من
المسلمين ومصالحهم العامة؛ ولذلك لا تجب على الذمي ، والخراج يجب عليه،
وهذا كله خاص بالحكومة الإسلامية سواء كانت حكومة الإمام الحق في دار العدل
أو حكومة البغاة المتغلبين منهم.
وأما إذا أقام المسلمون في غير دار الإسلام وملكوا فيها أرضًا ، أو تحولت
دار الإسلام إلى دار حرب لغير المسلمين ، فالمختار عندنا أنه لا وجه لجعل ما
تأخذه هذه الحكومة من المسلم كالخراج الشرعي في دار الإسلام، وإذا كان للمسلمين
إمام يقيم العدل في قطر آخر؛ فالمصلحة الإسلامية العامة تقتضي أن يرسلوا إليه
من زكاة أموالهم كل ما يتعلق بالمصالح العامة بعد أن يؤدوا للفقراء والمساكين ما
لهم فيها، وكذا المؤلفة قلوبهم والغارمون إن وجدوا، وإلا كان حالهم كحال المسلمين
قبل الهجرة.
وهنا مسائل يفتقر بيانها بأدلتها إلى بحث طويل لا محل له هنا ، وهذا الوقت
ليس بوقته.
وإنما أقول للسائل الفاضل - وهو من أهل العلم ومتدارسي الفقه -: إن
أحكام الخراج وما يتعلق بها أحكام اجتهادية لا تعبدية ، وإن جعل جماهير الفقهاء
اجتهاد الخليفة الثاني ومن بعده من الراشدين ، كنصوص الشارع في التزام العمل به
عند عدم المعارض، وعدوا المتفق عليه منها داخلاً في مسائل الإجماع الأصولي،
والذي نعتقده: أنها من أحكام المصالح العامة المفوضة إلى الأئمة وأولي الأمر من
المسلمين ، يقررون بالتشاور في كل زمان وحال ما فيه المصلحة.
وأما الزكاة فهي من العبادات الأساسية ، والنصوص القطعية فيها معلومة
وكذا الاجتهادية ، ومنها الخلاف في عشر غلات الأرض هل هي زكاة تعبدية أو من
قبيل الخراج؟ ، ومن فروع ذلك: هل يجب الوقوف فيها عند النصوص أم يدخل
فيها القياس؟ فليتذكر هذا على إطلاقه وإجماله ، وليجعله محل تذكر وتأمل وبحث
لا موضع مناقشة ومراجعة معنا.
***
(3)
حديث (استنزهوا من البول) إلخ
الحديث رواه أصحاب السنن عن أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: (استنزهوا من
البول فإن عامة عذاب القبر منه) ، والحاكم لم يروه بهذا اللفظ ، وإنما روى عن
أبي هريرة وابن عباس: (عامة عذاب القبر من البول) ، وأما الدارقطني فرواه
من حديث أنس بلفظ: (تنزهوا) إلخ ، ومعناه الأمر بالاحتراز والتوقي من البول
أن يصيب البدن أو الثوب ، والتطهر منه إذا أصابهما أو أحدهما: ومعنى أصل
المادة (ن ز هـ) البعد ، فالمراد أن يبتعد المسلم من نجاسة البول ويتقيها.
وأما حكمة كون عذاب القبر منه ومن النميمة كما في حديث الصحيحين في
الرجلين اللذين وضع النبي صلى الله عليه وسلم الجريدة على قبورهما؛ فهو من
عالم الغيب الذي لا مجال للرأي فيه، ولم نقف على بيان له من الشارع.
***
(4)
جملة (وجودك ذنب) إلخ.
هذه الجملة لا نعلم أن أحدا رواها حديثًا ، وإنما المعروف أنها مصراع بيت
من الشعر من غير كلمة (آخر) فإن كنتم اطلعتم على كتاب ذكر به أنها حديث؛
فأخبرونا بنصه في ذلك.
_________