الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سليمان بن داود بن أبي حفص
أبو الربيع الجيلي سمع بدمشق.
حدث عن أبي صالح محمد بن أبي عدي بن الفضل السمرقندي بسنده عن حفص بن عمر المربعي قال: خرجنا من بغداد نريد شعيب بن حرب الواسطي بمدائن كسرى، فضاق علينا منزله، فخرج إلى شط دجلة، إلى موضع يقال له الرقة، فقلنا له: يا أبا صالح، معنا أحاديث نريد أن نسألك عنها، فقال: كما أنت حتى أحدثكم حديثين في الورع: أما أحدهما فرأيته بعين، وصحبته برجلي، وأما الآخر فحدثني به حبيبي سفيان بن سعيد بن مرزوق الثوري:
خرجت حاجاً، فلما كنت على سيف البحر أقبل رجلان كأنما ركضا في رحم، يعظم كل واحد منهما صاحبه، فقالا لي: ما يحبسك ها هنا؟ فقلت: سفينة أركب فيها إلى الحج، فبينا نحن كذلك، إذ أقبلت سفينة فيها قمح مصبوب، فركبنا فيها والقلع مشرع، فمد أحد الفتيين يده إلى حبة قمح، فألقاها فيه، فنظر إليه صاحبه فقال له: مه ما صنعت!؟ قال: سهوت، قال: وأنا أصحب من يسهو عن الله! ثم قال: يا ملاح، قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي قي البحر، فتهاون به الملاح فقلت أنا بجهلي به: يا هذا، من حبة قمح ألقاها صاحبك إلى فيه تلقي نفسك في البحر؟! فلم ينظر إلى صاحبه ونظر إلي، فقال لي هيه، استصغرت الذنب، ولم تنر من عصي! ثم صاح صيحة حتى بلغ رأسه سقف السفينة، ثم وقع يضطرب مثل الفرخ المذبوح، فرششنا على وجهه الماء، حتى أفاق فقال: يا ملاح قرب أنزلني، وإلا قذفت نفسي في البحر، فتهاون به الملاح، فاجتمع بأثوابه ثم زج نفسه في البحر، فما كانت إلا غوصة حتى علا الماء إلى صدره ثم غاب عنا، فلمن نره، فقلت أنا لصاحبه: يا هذا، من حبة قمح ألقيتها إلى فيك، طرح صاحبك نفسه في الماء! فقال: والله إني لرفيقه منذ ثلاثين عاماً، ما رأى مني زلة غيرها. فقلت في نفسي: هذا والله يدل على فحوى قوله: إنه ما عصى الله عز وجل منذ ثلاثين
عاماً، فقلت له: هل لك في الصحبة رحمك الله؟ فقال لي: هو ذا نحن وأنت على هذا العود، فكنت معه أخدمه، فأنصت لحديثه، وأفطر معه، ويذكر صاحبه ولا ذكره، كأنه لا يشك إلا أنه سيسبقه إلى الموضع الذي يريد، فلم نزل حتى أتينا جدة ثم أتينا مكة، فبينا يدي في يده في الطواف، إذ بصرت بصاحبه فقلت في نفسي: لا ينكر لأوليا الله عز وجل أن يسبقوا السفن، يا فلان، هذا رفيقك، فجعل يريد أن يسلم عليه فيهابه، ثم جسر فسلم عليه، فرد عليه السلام، وقال له: لبّ الله عز وجل بالتوبة من ذنبك، ثم قال: هو لبيك اللهم بالتوبة من ذنبي وذنب صاحبي، ثم التفت إليه فقال: من هذا معك؟ قال: هذا رفيقنا الذي وجدناه على سيف البحر، فالتفت إلي بوجه طلق، فقال: أما إنه جزاك الله عن رفيقي خيراً، قد كنت له أنساً ومستراحاً، فقلت له: هل لك في الصحبة رحمك الله فقال لي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صحبة الثلاثة لئلا يتناجى اثنان دون الثالث، فقلت: فما دمتما بمكة، فلما كان الغد حال بيني وبين قطار جمال فالتفت أطلبهما، فلم أجدهما، فلم أزل أسأل عنهما، فلم أجد أحداً يعطيني لهما خبراً فإن يكن أحد من الأبدال فهما ذانك الفتيان.
وأما الآخر فحدثني سفيان الثوري قال: بينا أمشي يوماً ضرب بيده على كتفي فقال لي: يا أبا صالح، ألا أحدثك حديثاً في الورع؟ فقلت: بلى. قال: بلغني أن المسيح عيسى بن مريم صلوات الله على نبينا وعليه وسلامه مر بمقبرة، فناداها يا أهل القبور، تخبرونا أم نخبركم، أم عن جوابنا مُنعتم؟ أما نحن فنخبركم: أما أزواجكم فقد استبدلوا بعدكم أزواجاً، وأما أولادكم فقد حشروا في زمرة اليتامى، وأما منازلكم التي بنيتم وشيدتم فقد سكنها غيركم، وأما أموالكم التي اكتسبتموها فقد أخذها غيركم، هذا خبر ما عندنا فما عندكم؟ ثم دنا إلى قبر منها مفرد فضربه برجله وقال: أقسمت عليك إلا قمت بإذن الله عز وجل، فخرج من القبر رجل، فقال: ما الذي أردت منه يا روح الله؟ فإني لواقف في الحساب منذ سبعين سنة. حتى أتتني الصيحة الساعة: أجب روح الله، فقال له: يا هذا، لقد كنت كثير الذنوب في الدنيا، فقال: والله يا روح الله ما كنت إلا حمالاً أحمل على رأسي، فأكتسب حلالاً، وأنفق قصداً، وأتصدق فضلاً، فقال: سبحان الله! حمال على رأسه يكسب حلالاً. وينفق قصداً، ويتصدق فضلاً، وأنت في الحساب منذ سبعين عاماً! فقال له: وتعجب من ذلك يا روح الله، إنه مما وبخني