الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مشكلة الْهَدَايَا (البقشيش
(1896)
عِنْدَمَا يكْتب افرنسي أَو إنكليزي أَو ألماني أَو أَي أَجْنَبِي عَن بِلَادنَا لَا يَنْتَهِي قبل أَن يخصص فصلا خَاصّا من كِتَابه لعادة الْهَدَايَا عندنَا حَتَّى أَن أحد الافرنسيين ذكر فِي كِتَابه أَن الْهَدِيَّة أَعلَى مستوى من السُّلْطَان وسماها (السُّلْطَان هَدِيَّة) انهم مبالغون فِي كل مَا قَالُوهُ وَالْوَاقِع أَن الغربيين لَا يفهمون الْمَعْنى الْكَامِل للهدية انهم يعتبرونها لَا أخلاقية كالرشوة مَعَ أَنَّهَا حوادث نادرة أما (القيصر هَدِيَّة) فَهِيَ أَكثر انتشارا فِي بِلَاد القياصرة مِنْهُ فِي بِلَادنَا وَيُمكن القَوْل أَن عدم تَنْفِيذ شَيْء إِلَّا بالهدية الَّتِي عِنْدهم لَيْسَ مَوْجُودا عندنَا وَحَقِيقَة الْأَمر أَن بعض الْعَادَات الَّتِي كَانَت فِي أوربا قبل عصور خلت لَا زَالَت مَوْجُودَة عندنَا الْآن حَيْثُ لم تكن لَدَى الغرب كَمَا هِيَ حَالنَا الْآن ميزانية رسمية فَكَانَ الموظفون يسعون إِلَى تَدْبِير معاشهم مَا وسعهم أَن يدبروا وَيُقَال أَن بعض الرهبان فِي الغرب لَا يزالون يعيشون على هَدَايَا الشّعب المتدين إِذا فَلَا مجَال لِأَن يحتد كتاب أوربا لعادة موظفينا فِي قبُول الْهَدَايَا وَقِيَاس موظفينا على الموظفين
الأوربيين الَّذين يسندون أظهرهم على وضع مَالِي صَرِيح منظم قِيَاس مَعَ الْفَارِق فالموظف الَّذِي يتهم باللاأخلاقية وَقلة الشّرف بِسَبَب انْتِظَاره الْهَدِيَّة لَا يُمكنهُ أَن يعِيش على الرَّاتِب الَّذِي يحصل عَلَيْهِ من دولتنا لذا فانه يرى الْمبلغ الَّذِي يُعْطِيهِ لَهُ النَّاس مُقَابل عمل يُؤَدِّيه لَهُم وَكَأَنَّهُ حَقه الطبيعي كَمَا يعتبره النَّاس أمرا طبيعيا هَذَا التعود الَّذِي بَدَأَ مُنْذُ قرن من الزَّمن جعل من الْهَدِيَّة عرفا ومؤسسة وطنية لَا يُمكن لأَجْنَبِيّ يفكر وفْق مَا تمليه أعراف بِلَاده أَن يتفهم أطوار الموظفين فِي الدولة العثمانية انه يجب الْأَخْذ بِعَين الِاعْتِبَار وَضعنَا المالي المؤلم (وفقر الدولة مستمد من فقر الشّعب) الَّذِي بِسَبَبِهِ لَا نستطيع دفع الرَّوَاتِب الشهرية للموظفين بشكل مُنْتَظم
والعيال فِي الْبَيْت جائعون ينتظرون النجدة من الْهَدَايَا انه أَمر إنساني بحت يجب تفهمه أَن أَي موظف فِي أَيَّة أمة وَضعهَا كوضع العثمانيين لَا بُد وان يتَصَرَّف كَمَا يتَصَرَّف موظفونا هُنَا
وَلَا جرم أَن عَادَة الْهَدَايَا تضر بالدولة ضَرَرا بَالغا لِأَنَّهَا تفقد بهَا مبلغا ضخما من ضَرَائِب الدخل إِذا مَا الْعَمَل لتصحيح هَذَا الْوَضع أَن كل موظف آمن بِحقِّهِ فِي الْهَدِيَّة فَلَا سَبِيل لنا إِلَّا التَّغْيِير الجذري فِي نظامنا المالي وكشف مصَادر أُخْرَى للموارد قد يكون مُفِيدا وَلَكِن قبل كل شَيْء يَنْبَغِي على الدول القوية أَن تعترف لنا بِحَق الْعَيْش بِسَلام واستقرار كَيْلا نصرف موارد الدولة دون جدوى للْقَضَاء على المؤامرات الَّتِي يحيكها الْأَجَانِب