الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع والعشرون: زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
1 -
تستحب زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهي مشروعة في أيِّ وقت، وفي أيِّ زمان، وليس لها وقت محدد، وليست من أعمال الحج، ولا يجوز شَدُّ الرحال والسفر من أجل زيارة القبر؛ فإن شَدَّ الرحال على وجه التعبد لا يكون لزيارة القبور، وإنما يكون للمساجد الثلاثة، كما قال النّبي صلى الله عليه وسلم:((لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى)) (1)، فالبعيد عن المدينة ليس له شد الرحال بقصد زيارة القبر، ولكن يشرع له شد الرحال بقصد زيارة المسجد النبوي الشريف، فإذا وصله زار قبره صلى الله عليه وسلم وقبور أصحابه، فدخلت الزيارة لقبره تبعاً لزيارة مسجده صلى الله عليه وسلم؛ لما في زيارة المسجد من الثواب العظيم، قال النّبي صلى الله عليه وسلم:((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم:((صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه)) (3).
2 -
إذا دخل المسجد النبوي الشريف استحب له أن يُقدِّم رجله اليمنى عند دخوله ويقول: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله،
(1) البخاري، برقم 1189، ومسلم، برقم 1397.
(2)
البخاري، برقم 1190،ومسلم، برقم 1394.
(3)
ابن ماجه، برقم 1406، وأحمد، 3/ 343، 53، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 236، وإرواء الغليل، 4/ 341.
اللهم افتح لي أبواب رحمتك)) (1)، كما يقول ذلك عند دخول سائر المساجد.
3 -
يصلي ركعتين تحية المسجد، أو يصلي ما شاء، ويدعو في صلاته بما شاء، والأفضل أن يفعل ذلك في الروضة الشريفة، وهي ما بين منبر النبي صلى الله عليه وسلم وحجرته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي)) (2)، أما صلاة الفريضة فينبغي للزائر وغيره أن يحافظ عليها في الصف الأول.
4 -
ثم بعد الصلاة إن أراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقف أمام قبره: بأدب، ووقار، وخفض صوت، ثم يسلم عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً:((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم [في العالمين]، إنك حميد مجيد))، أو يقول:((السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته))؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام)(3)، وإن قال: أشهد أنك رسول الله حقّاً، وأنك قد بلّغت الرسالة، وأدّيت الأمانة، وجاهدت في الله حق جهاده، ونصحت الأمة، فجزاك الله عن أمتك أفضل ما جزى نبياً عن أمته، فلا بأس؛ لأن هذا كله من أوصافه صلى الله عليه وسلم.
(1) تقدم تخريجه، في المبحث الخامس عشر: صفة دخول مكة.
(2)
البخاري، برقم 1195، ومسلم، برقم 1390.
(3)
رواه أبو داود، برقم 2043، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 383، وابن باز في مجموع الفتاوى للحج، 5/ 288.
5 -
ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً فيسلم على أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، ويدعو له بما يناسبه، ثم يأخذ ذات اليمين قليلاً أيضاً فيسلم على عمر بن الخطاب، ويترضى عنه، ويدعو له، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلَّمَ على الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه ثم ينصرف (1)، ولا يجوز لأحد أن يتقرب إلى الله بمسح الحجرة، أو الطواف بها، ولا يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم قضاء حاجته، أو شفاء مريضه، ونحو ذلك؛ لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله وحده.
والمرأة لا تزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا قبر غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لعن زوَّارات القبور (2)، لكن تزور المسجد، وتَتَعَبَّد لله فيه رغبةً فيما فيه من مضاعفة الصلاة، وتسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهي في مكانها فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهي في أي مكان كانت؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلُّوا عليَّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم)) (3)، وقال صلى الله عليه وسلم:((إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام)) (4).
(1) انظر: مجموع فتاوى ابن باز في الحج والعمرة، 9/ 289.
(2)
أخرجه الترمذي، برقم 1056، وابن ماجه، برقم 1574، وابن حبان، برقم 782، وأحمد، 3/ 442، وحسنه الألباني في أحكام الجنائز، ص 185، وانظر: الإرواء، 3/ 211، وجامع الأصول، 11/ 150.
(3)
أخرجه أبو داود، برقم 2044، والطبراني في الأوسط، 1/ 117، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 383.
(4)
النسائي، برقم 1282، والحاكم،2/ 421، وأحمد، 1/ 441، وصححه الألباني في صحيح النسائي، 1/ 274.
6 -
يُستحبّ لزائر المدينة أثناء وجوده بها أن يزور مسجد قباء ويصلي فيه؛ ((لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه راكباً وماشياً ويصلي فيه ركعتين)) (1)، وعن سهل بن حنيف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تَطَهَّر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاةً كان له كأجر عمرة)) (2)، وقال أسيد بن ظهير الأنصاري رضي الله عنه يرفعه:((صلاة في مسجد قباء كعمرة)) (3).
7 -
ويسن للرجال زيارة قبور البقيع - وهي مقبرة المدينة - وقبور الشهداء، وقبر حمزة رضي الله عنهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورهم ويدعو لهم؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم:((زوروا القبور فإنها تذكركم الموت)) (4).
ويقول إذا زارهم: ((السلام عليكم أهل الديار، من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون [ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين] نسأل الله لنا ولكم العافية)) (5).
ولا شك أن المقصود بزيارة القبور هو تذكر الآخرة والإحسان إلى الموتى بالدعاء لهم، وإتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الزيارة الشرعية، وأما زيارتهم؛ لقصد الدعاء عند قبورهم، أو سؤالهم قضاء الحاجات، أو
شفاء المرضى، أو سؤال الله بهم، أو بجاههم، ونحو ذلك فهذه زيارة
(1) البخاري، برقم 1136، ومسلم، برقم 1399.
(2)
ابن ماجه، برقم 1412،وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه،1/ 237،وصحيح النسائي، 1/ 150.
(3)
الترمذي، برقم 324، وابن ماجه، برقم 1411، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 1/ 237، وصحيح الترمذي، 1/ 104.
(4)
مسلم، برقم 976.
(5)
مسلم، برقم 974، وابن ماجه واللفظ له، رقم 1547، عن بريدة رضي الله عنه وما بين المعقوفين من حديث عائشة رضي الله عنها عند مسلم، 2/ 671.
بدعية منكرة لم يشرعها الله ولا رسوله، ولا فعلها السلف الصالح.
وبعض هذه الأمور المذكورة بدعة وليس بشرك: كدعاء الله عند القبور، وسؤال الله بحق الميت، أو جاهه، ونحو ذلك.
وبعضها بدعة من الشرك الأكبر: كدعاء الموتى، والاستعانة بهم، وسؤالهم النصر، أو المدد.
فَتَنَبَّه، واحذر، واسأل ربك التوفيق، والهداية للحق، فهو سبحانه الموفق، والهادي لا إله غيره ولا رب سواه (1).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده الأمين، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
(1) انظر: فتاوى ابن الباز في الحج والعمرة، 5/ 298.