الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد شاع في الناس مقولة القائلين بأن إمامنا يتخلف عنا أوقاتا كثيرة، ورأينا من اقتدى بإمامه في إضاعة العمل الذي أسند إليه؛ ذلك أن الإمام قدوة، وله عند الناس مكانة تجعلهم ينظرون إليه دائما في أقواله وأفعاله، فإما نظرة حب وإعجاب فهو قدوة حسنة، وإما نظرة بغض وازدراء فهو قدوة سيئة لضعيف الإيمان وهو على من عداهم ثقيل غير محتمل.
[كسب قلوب الناس وجعلهم يحبون التردد على المساجد]
ثانيا: كسب قلوب الناس، وجعلهم يحبون التردد على المساجد، ويحافظون على الجماعة مطلب عظيم لا يخفى على أحد ثمراته الطيبة، وضد ذلك مفسدة يجب دفعها، وقطع أسبابها، وهذه مسئولية الإمام الذي إذا اخلص نيته، وفقه سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في مراعاة أحوال المصلين بحيث لا يشق عليهم فيطيل بهم ويفتنهم وينفرهم، فإنه يكون بذلك محببا ومؤثرا في الناس ومرغبا لهم في هذا الفضل العظيم.
ولذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على التجوز، وحذر في موعظة قوية من التنفير، فقد جاء عن أبي مسعود رضي الله عنه أن رجلا قال: والله يا رسول الله إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال أبو مسعود: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضبا منه
يومئذ، ثم قال:«إن منكم منفرين فأيكم صلى بالناس فليتجوز فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة» (1) .
وعن جابر رضي الله عنه «أن معاذا رضي الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيؤم قومه، فصلى العشاء، فقرأ بالبقرة فانصرف الرجل فكأن معاذا تناول منه، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " فتان فتان فتان (ثلاث مرار) أو قال: فاتنا فاتنا فاتنا، وأمره بسورتين من أوسط المفصل» ، قال عمرو لا أحفظهما " (2) . ومن هذه النصوص ندرك أن تطويل الصلاة فتنة وتنفير للناس عن الصلاة في جماعة، ولا يخفى ما في هذا من المفاسد، والتسبب في تعطيل الواجب، وحرمان الناس من فضل الجماعة، ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا كما في حديث أبي مسعود، ووصف معاذا بأنه فتان بهذا الصنيع لكي يحذر منه. ولا يعني هذا أن يخفف الإمام الصلاة إلى درجة إسقاط الواجب بحجة مراعاة الناس كما يفعل بعض الأئمة، فإن في هذا مفسدة أعظم، ولكن الأمر يعني التزام الوسطية في الأمر، والشعور
(1) رواه البخاري في كتاب الأذان، باب تخفيف الإمام في القيام وإنما الركوع والسجود انظر فتح الباري 2 / 197.
(2)
رواه البخاري في كتاب الأذان باب إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى انظر فتح الباري 2 / 192 وفي ص 195 أن عمرا هو عمرو بن دينار، وكأنه قال ذلك في حال تحديثه لشعبه.
بالمسئولية وهو يؤدي هذا العمل، ومحاولة كسب الناس، والعمل على أن يحبب لهم القيام بما فرض الله عليهم، مع إتمام الصلاة في جميع ما أوجبه الله فيها من القراءة والطمأنينة، وإتمام الركوع والسجود، والتسبيح والتحميد وسائر ما يجب فيها.
ونحن نجد أحيانا من بعض الأئمة من هو على طرفي نقيض، فنجد من يطيل بهم ويشق على الكبير، والضعيف، والمريض وذي الحاجة، فينفرهم، وينفر غيرهم فلا يصلي وراءه إلا القليل، ونجد آخر يسارع في الصلاة إلى درجة لا يتمكن معها المأموم من أداء الواجب، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم.
يقول الإمام ابن حجر رحمه الله عند حديث معاذ: وفي حديث الباب من الفوائد استحباب تخفيف الصلاة مراعاة لحال المأمومين، وأما من قال لا يكره التطويل إذا علم رضاء المأمومين فيشكل عليه أن الإمام قد لا يعلم حال من يأتي فيأتم به بعد دخوله في الصلاة كما في حديث الباب، فعلى هذا يكره التطويل مطلقا إلا إذا فرض في مصل بقوم محصورين راضين بالتطويل في مكان لا يدخله غيرهم (1) .
وقد أشار رحمه الله في موضع آخر أن هذا افتراض لا يناط به
(1) انظر فتح الباري 2 / 197.