الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[معنى الإمامة لغة واصطلاحا]
معنى الإمامة لغة واصطلاحا الإمامة في اللغة: هي مصدر الفعل " أم " والإمام هو ما يؤتم به، ومنه قيل للطريق إمام، وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك، أي يهتدي به السالك، والنبي صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام كل شيء قيمه والمصلح له.
واصطلاحا هي من يصح الاقتداء به في الصلاة. أو هي ربط صلاة المؤتم بالإمام. وتطلق على الإمامة الكبرى، وهي الخلافة أو الملك أو رئاسة الدولة.
وتطلق على العالم المقتدي به، فيقال إمام المحدثين، وإمام الفقهاء.
والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به، ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ (1) .
[فضل الإمامة ومنزلة الإمام]
فضل الإمامة ومنزلة الإمام الإمامة تعليم، وتذكير، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ولا يخفى ما لهذه الأمور من منزلة عظيمة، فبالعلم يزول الجهل، وبالتذكير
(1) انظر تفسير الطبري 19 / 34، وفتح القدير 1 / 137 والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص 24 والصحاح للجوهري 5 / 1865، وغاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام ص 39، وأحكام الإمامة والائتمام في الصلاة 62.
تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسود طاعة الله في المجتمع وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.
من أجل هذا وغيره تعد الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق، وصفوة الخلق حماة الدين، وحراس العقيدة الصحيحة، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق، ويقوم سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتحيا السنن، وتندرس البدع ويسعد الناس بالأئمة الأكفاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة صلى الله عليه وسلم، على حد قول القائل:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا
…
كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وإن نحن أضللن الطريق ولم نجد
…
دليلا كفانا نور وجهك هاديا
ولما كان أمر الإمامة عظيما، دعا النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بالرشد فقال:«الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤمنين» (1) .
(1) رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المسند 2 / 232، 332، 337. قال في الفتح الرباني 3 / 8 صححه ابن حبان.
ومن المعلوم أن الإمامة رمز الاجتماع والائتلاف، لذا فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة نفر فقط، حيث قال عليه الصلاة والسلام:«إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (1) .
فإذا كانوا مأمورين شرعا باتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة فقط، فكيف إذا كانوا جمعا كبيرا، لا شك أن الأمر أعظم، وهذا فيه من المصالح العظيمة، والمحامد الجليلة ما لا يخفى على أحد، فالناس يجتمعون على من يعلمهم الخير، ويفقههم في الدين، ويرغبهم تارة ويرهبهم أخرى، وينقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى التذكر والعبرة.
والناس محتاجون إلى من يقوم بهذه الرسالة خير قيام؛ لأن أمراض المجتمع الحقيقية تكمن في: الجهل والغفلة، والميل إلى الشهوات، يقول تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41](2) .
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة 1 / 464.
(2)
سورة الروم آية 41.
ولا يخفى أن هذه العلل إذا كثرت كثر الخبث، ونزل البلاء إذ هو نتيجة لمقدمة، والله يقول:{فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت: 40](1) .
لهذا، فإن منزلة الإمام تعظم لكونه يتولى معالجة هذه العلل، فداء الجهل لا دواء له إلا بالعلم، وحاجة الناس إلى العلم الذي يرفع عنهم حجاب الجهل ويزيل غشاوته أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وأعظم من حاجة الأرض المجدبة إلى الغيث العميم.
يقول الإمام أحمد رحمه الله: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن العلم وفضله: به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون، به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضى + الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه
(1) سورة العنكبوت آية 40.
من قريب، وهو إمام والعمل مأموم. . إلى قوله: مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام (1) .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله، وملائكته، وأهل السماوات، وأهل الأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير» (2) .
فلو لم يكن من فضل الإمامة، ومنزلة الإمام إلا هذا لكفى.
والأئمة مبلغون لدين الله، داعون إلى كل خير وفضيلة، والدعاة إلى الله هم خير الناس، فهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، القائمون على حدود الله، الذابون عن دين الله، الصالحون المصلحون الذين أثنى الله عليهم وامتدحهم في مواضع عديدة. قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33](3) .
وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف: 108] الآية يقول ابن القيم رحمه الله: أمر الله نبيه بأن يخبر
(1) انظر تهذيب مدارج السالكين 484 - 485، وما ذكره عن الإمام أحمد ص 485.
(2)
سورة فصلت 33.
(3)
سورة يوسف آية 108.
أن سبيله الدعوة إلى الله فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعاء إلى غير ذلك فليس على سبيل، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم. . وتبليغ سننه (إلى الأمة أفضل من تبليغ) السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه (1) .
والمجتمعات تتعرض غالبا لعواصف من الفتن والمغريات تجر بعض الناس جرا إلى الفساد والإفساد، وتصرفهم عن طاعة رب العباد، وهنا يأتي دور الإمام المذكر المحذر المشفق على إخوانه فتحيا به القلوب، ويفتح الله على يديه مغاليقها، فيكون له بذلك من الأجر العظيم، والثواب الجزيل ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا،
(1) التفسير القيم 431.
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» (1) .
قال العلماء إن المتسبب إلى الهدى بدعوته له من الأجر مثل أجر من اهتدى به، وكذلك المتسبب إلى الضلالة عليه من الوزر مثل وزر من ضل به، لأن الأول بذل وسعه وقدرته في هداية الناس، والثاني بذل قدرته في ضلالتهم منزل كل واحد منهما منزلة الفاعل التام (2) .
وجاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» (3) . وحمر النعم هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب. يضرب بها المثل في نفاسة الشيء.
إنه فضل عظيم، وحظ كبير أن يهتدي رجل واحد فقط فما الظن بمن يهتدي كل يوم به طوائف من الناس، لا شك أن الأمر أعظم - نسأل الله العظيم بفضله وكرمه أن يجعلنا من الهداة المهتدين.
(1) رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سنن سنة. . . الخ 4 / 2059 ح (2674) .
(2)
انظر غذاء الألباب 1 / 47.
(3)
رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي رضي الله عنه 4 / 1872 ح (2406) .