الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصلاة والسلام: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا» (1) .
وهذا التوجيه النبوي الكريم فيه يسر ظاهر؛ لأنه يختلف تماما عن قول القائل يجب أن يكون الإمام حافظا، قارئا، عالما. . . الخ، لأن أقرأ القوم قد لا يكون كذلك، وهذا هو الغالب، وعندما ساق أبو يعلى الفراء الصفات المعتبرة في تقليد الإمام وهي أن يكون رجلا عدلا، قارئا، فقيها، سليم اللفظ من نقص أو لثغ بين رحمه الله: أن أقل ما على هذا الإمام من القراءة والفقه أن يكون حافظا لأم القرآن، عالما بأحكام الصلاة؛ لأنه القدر المستحق فيه، ثم قال ولأن يكون حافظا لجميع القرآن، عالما بجميع الأحكام أولى (2) .
[صفات وشروط تعتير الحد الأدنى لمن يقوم بالإمامة]
مما سبق يتبين أن هناك قسما من الصفات يعد حدا أدنى لمن يقوم بالإمامة، وقسما آخر هو الأولى لأن يتصف به القائم بهذا العمل الجليل، وكلما ازداد منه عظم قدره، وارتفع شأنه، وقام بهذا العمل
(1) رواه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة 1 / 465 ح (291) من حديث أبي مسعود الأنصاري، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من أحق بالإمامة 1 / 137.
(2)
انظر الأحكام السلطانية ص 97، وكذلك الأحكام السلطانية للماوردي ص 179.
العظيم على الوجه الذي يحقق له بفضل الله وكرمه، الفوز برضا الله، والنجاة من عذابه.
وكما قال القائل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم
…
وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير الصغائر
…
وتصغر في عين العظيم العظائم
فأما القسم الأول فهو كما سبق ذكره أن يكون: رجلا، عدلا، حافظا لأم القرآن، عالما بأحكام الصلاة، سليم اللفظ من نقص أو لثغ.
فالذكورية شرط لصحة الإمامة. قال في المغني: وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال، في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء، ثم استدل بقوله صلى الله عليه وسلم:«لا تؤمن امرأة رجلا، ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أو سيفه» (1) .
وذكر أيضا أن الخنثى لا يجوز أن يؤم رجلا، لأنه يحتمل أن يكون امرأة، ولا خنثى مثله، لأنه لا يجوز أن يكون الإمام امرأة والمأموم رجلا (2) .
أما إمامة المرأة للنساء مثله فلا بأس بذلك.
(1) رواه الإمام ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب في فرض الجمعة 1 / 343.
(2)
المعنى لابن قدامة 3 / 33، 34.
والعدالة تعني أن يكون مؤمنا تقيا، ذا عقيدة سليمة، وسلوك مستقيم، وسوف يأتي الحديث عن إمامة الفاسق في عقيدته، أو في سلوكه.
وأما القارئ الفقيه، فأقل ما فيه - كما مر - حفظ أم القرآن، والعلم بأحكام الصلاة، وأما السليم في لفظه من النقص واللثغ فهو بين واضح: يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: وأما من لا يقيم قراءة الفاتحة فلا يصلي خلفه إلا من هو مثله، فلا يصلى خلف الألثغ الذي يبدل حرفا بحرف إلا حرف الضاد إذا أخرجه من طرف الفم كما هو عادة كثير من الناس، فهذا فيه وجهان، منهم من قال لا يصلى خلفه، ولا تصح صلاته في نفسه. . والوجه الثاني: تصح، وهذا أقرب؛ لأن الحرفين في السمع شيء واحد، وحس أحدهما من جنس الآخر لتشابه المخرجين، والقارئ إنما يقصد الضلالة المخالفة للهدى، وهو الذي يفهمه المستمع، فأما المعنى المأخوذ من ظل فلا يخطر ببال أحد، وهذا بخلاف الحرفين المختلفين صوتا ومخرجا وسمعا، كإبدال الراء بالغين، فإن هذا لا يحصل به مقصود القراءة (1) .
وجاء في المغني ما نصه: من ترك حرفا من حروف الفاتحة لعجزه عنه، أو أبداله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا، والأرت الذي
(1) انظر مجموع الفتاوي 23 / 350.
يدغم حرفا في حرف، أو يلحن لحنا يحيل المعنى كالذي يكسر الكاف من إياك، أو يضم التاء من أنعمت، ولا يقدر على إصلاحه فهو كالأمي، لا يصح أن يأتم به قارئ، ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله؛ لأنهما أميان فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر كاللذين لا يحسنان شيئا، وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل لم تصح صلاته، ولا صلاة من يأتم به (1) .
ومن المقرر أن إمامة المجنون لا تصح؛ لأن صلاته لنفسه باطلة، وقد ذكر ابن قدامة أنه إن كان يجن تارة، ويفيق أخرى فصلى وراءه حال إفاقته صحت صلاته، ويكره الائتمام به لئلا يكون قد احتلم حال جنونه، ولم يعلم ولئلا يعرض الصلاة للإبطال في أثنائها لوجود الجنون فيها، والصلاة صحيحة لأن الأصل السلامة فلا تفسد بالاحتمال.
وكذلك لا تصح إمامة الكافر المعلن لكفره كاليهودي والنصراني ونحوهما لنقصه بالكفر. قال في المغني: وإن صلى خلف مشرك أو امرأة أو خنثى مشكل أعاد الصلاة (2) .
(1) المغني 3 / 31 بتحقيق د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو.
(2)
المغني 3 / 32.