الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم، فإن الأحكام؛ إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة، وعلى هذا ينبغي للأئمة التخفيف مطلقا (1) . ويرد إشكال يحتاج إلى توضيح، وهو وضع حد للتخفيف حتى لا يقع الإمام في محظور أعظم من المحظور المترتب على التطويل كما سبق التنبيه عليه، وقد ذكر ابن حجر عن ابن دقيق العيد أن التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية، فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة لعادة آخرين.
قال ابن حجر: قلت وأولى ما أخذ حد التخفيف من الحديث الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن عثمان بن أبي العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أنت إمام قومك، وأقدر القوم بأضعفهم» إسناده حسن وأصله في مسلم (2) . ومن هنا نأخذ أن الإمام يقدر الأمر بنفسه، فهو أعرف بجماعته، وأقدر القوم بأضعفهم، وهنا تقع المسئولية عليه في تقدير الأحوال، وأخذ الحيطة والحذر أثناء قيامه بهذا العمل الجليل والله أعلم.
[تأثير الإمام في المأمومين واستماعهم لتوجيهاته]
ثالثا: محبة الناس لإمامهم مبنية على ثقتهم به، وعظم مكانته
(1) فتح الباري 2 / 199.
(2)
المرجع السابق 2 / 199.
عندهم، ومن ثمرات ذلك تأثير الإمام في المأمومين واستماعهم لتوجيهاته، وانشراح صدورهم لما يقوله أو يريده منهم، وهذا - في تقديري - يعد جزءا مهما من مسئولية الإمام، فالمصلون يثقون بالإمام الكفء، صاحب السيرة الحميدة، والخلق الحسن، الذي يقول ويعمل، ويلتزم في أقواله وأعماله هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ويقتدي به في خلقه الحسن، وصفاته العظيمة من الصبر، والشفقة، والحلم والعدل، والكرم، والحياء والصدق، وسائر الأخلاق الحميدة.
وبعض الأئمة إذا حصل كره من الجماعة لإمامته لا يهتم بذلك، وهذا وإن لم يكن معتبرا على كل حال إلا أنه قد يكون الباعث على هذا الكره أمرا وجيها، وليس لأمر دنيوي، كأن يجرب عليه الجماعة كذبا في الحديث، أو بخلا، أو خلفا في الوعد، أو جورا في الخصومة، أو سوء معاملة، أو سوء جوار، أو فحشا في القول، أو تعاملا بربا أو بغش أو مكر واحتيال، ونحو ذلك مما يقع أحيانا فيه بعض الأئمة من مجاراة العصاة في سلوكم أو منازلهم أو علاقاتهم.
وهنا تعظم المسئولية، وعلى الإمام أن يعيد النظر في شأنه بنفسه فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة: من تقدم قوما وهم له
كارهون، ورجل أتى الصلاة دبارا والدبار أن يأتي بعد أن يفوته الوقت - ورجل اعتبد محرره» (1) . قال الخطابي رحمه الله:" يشبه أن يكون هذا الوعيد في الرجل ليس من أهل الإمامة فيتقحم فيها، ويتغلب عليها حتى يكره الناس إمامته، فأما إن كان مستحقا للإمامة فاللوم على من كرهه دونه. وشكى رجل إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان يصلي بقوم وهم له كارهون فقال: إنك لخروط، يريد متعسف في فعلك ولم يزده على ذلك "(2) .
وعندما سئل الإمام ابن تيمية رحمه الله عن رجل يؤم قوما وأكثرهم له كارهون أجاب رحمه الله بقوله: إن كانوا يكرهون هذا الإمام لأمر في دينه: مثل كذبه أو ظلمه، أو جهله أو بدعته، ونحو ذلك، ويحبون الآخر لأنه أصلح في دينه منه مثل أن يكون أصدق وأعلم، وأدين فإنه يجب أن يولى عليهم هذا الإمام الذي يحبونه، وليس لذلك الإمام الذي يكرهونه أن يؤمهم (3) . ثم ساق الحديث السابق الذي ورد في سنن أبي داود.
(1) رواه أبو داود في كتاب الصلاة باب الرجل يؤم القوم وهم له كارهون انظر السنن 1 / 397.
(2)
حاشية سنن أبي داود من معالم السنن للخطابي 1 / 398، وراجع المغني لابن قدامة 3 / 71.
(3)
مجموعة الفتاوى 23 / 373.