المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[التزام الحكمة والموعظة الحسنة] - مسؤولية إمام المسجد

[علي عسيري]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌[معنى الإمامة لغة واصطلاحا]

- ‌[فضل الإمامة ومنزلة الإمام]

- ‌[صفات القائم بالإمامة]

- ‌[اختيار الإمامة مبني على الأفضلية]

- ‌[صفات وشروط تعتير الحد الأدنى لمن يقوم بالإمامة]

- ‌[صفات هي أولى ما يكون عليه الإمام]

- ‌[إمامة الفاسق ومستور الحال]

- ‌[إمامة العاجز]

- ‌[مسئولية إمامة المسجد]

- ‌[أولا القدر المشترك من المسئولية]

- ‌[لا يصح للإمام أن يفرط في مسئوليته]

- ‌[كسب قلوب الناس وجعلهم يحبون التردد على المساجد]

- ‌[تأثير الإمام في المأمومين واستماعهم لتوجيهاته]

- ‌[ثانيا مسئولية الإمام العالم]

- ‌[ثالثا مسئولية إمام الجامع]

- ‌[مسئوليته تجاه المصلين]

- ‌[مسئوليته تجاه خطبة الجمعة]

- ‌[التزام هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة]

- ‌[التزام الحكمة والموعظة الحسنة]

- ‌[مراعاة أحوال المخاطبين واختلاف مداركهم وبيئاتهم]

- ‌[اعتماده على مصادر المعرفة الإسلامية الموثقة والترفع عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة والإسرائيليات]

- ‌[ترتيب الأولى وتقديم الأهم من الموضوعات على المهم]

- ‌[ترجيح المصلحة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[رابعا مسئولية إمام الفروض]

- ‌[الخاتمة]

الفصل: ‌[التزام الحكمة والموعظة الحسنة]

[التزام الحكمة والموعظة الحسنة]

ثانيا: التزام الحكمة والموعظة الحسنة. رائدة فبهذا قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل: 125](1) .

ولذلك يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله: والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف بالمعروف، ونهيك عن المنكر غير المنكر " (2) .

والله تعالى يقول مخاطبا موسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى - فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: 43 - 44](3) .

قال القرطبي (4) رحمه الله: في قوله تعالى {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] دليل على جواز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن ذلك يكون باللين من القول لمن معه القوة، وضمنت له العصمة، ألا تراه قال. {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: 44] وقال {لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46] فكيف بنا فنحن أولى بذلك، وحينئذ يحصل الآمر أو الناهي على مرغوبه، ويظفر بمطلوبه وهذا واضح، ثم فسر القول اللين بأنه الذي لا خشونة فيه، ثم قال فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون

(1) سورة النحل / 125.

(2)

رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 17.

(3)

سورة طه 43، 44.

(4)

تفسير القرطبي مجلد 6 جـ 11 ص200.

ص: 52

قولا لينا فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال الله تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83]

ولا يفهم من القول اللين والتزام الحكمة والموعظة الحسنة السكوت عن إنكار المنكر، ومجاراة الباطل وأهله، والمداهنة في أحكام الشرع كلا فإن على الخطيب أن ينصح لأئمة المسلمين وعامتهم ببيان الحق، ودحض الباطل، وبيان مكر الأعداء وما يدبرونه من المكائد، ويحذر من المنكرات الواقعة، وبين عاقبتها.

غير أنه ليس من الحكمة أن يقف الخطيب على المنبر ليشهر بالعصاة، أو يجرح الناس بأسمائهم، ويعلن في الناس أن فلانا فعل كذا أو كذا فهذا مخالف لهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي لم يعرف أنه كان يشهر ويجرح، بل كان كثيرا ما يقول ما بال أقوام يفعلون كذا.

والإمام ابن رجب رحمه الله يذكر عن السلف أنهم كانوا إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبيننه فهي نصيحة ومن وعظه على رءوس الناس فإنما وبخه، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير. وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن أمر السلطان بالمعروف

ص: 53

ونهيه عن المنكر فقال: إن كنت فاعلا ولا بد ففيما بينك وبينه (1) .

ورحم الله الإمام الشافعي حين قال:

تعمدني بنصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خلفتني وعصيت قولي

فلا تجزع إذا لم تعط طاعه (2)

ولا يخفى ما يؤدي إليه التجريح والتشهير من نفرة عن الحق وإصرار على الباطل، وشقاق وفرقة، ومفاسد كثيرة لا يتحقق معها مراد الناصح بل ربما حصل العكس وهو الدعاية لصاحب المنكر، فيتأثر ضعاف النفوس، ويزداد الأمر سوءا، كما لمسنا في المبالغة من التحذير عن بعض المنكرات التي أخذ الناس يتساءلون عنها، وأخذ السفهاء يتعرفون عليها، وعلى أماكنها، وأنواعها وربما وقعوا فيها بعد ذلك.

ومن مقتضيات الحكمة أن يبتعد الخطيب عن إثارة الخلاف، لأن الخطيب الناجح يجمع ولا يفرق، ويصلح بين المتخاصمين من خلال الكلمات الجميلة التي يرسلها فتهدي ثائرة الثائرين، وتجمع بين المختلفين.

(1) انظر جامع العلوم والحكم 71.

(2)

انظر ديوان الإمام الشافعي جمع محمد عفيف الزعبي ص 56.

ص: 54